نبى الانسانيـة ...من حكم الصيام: التقوى وتزكية النفس

نوضح فى هذا المقال حكم الصيام
التى تظهر للمتأملين، وهذا أمر
معلن فى آيات الصيام من سورة البقرة،
والوصول إلى سلامة الأبدان،
وإمداد الروح بما تحتاج إليه من غذاء،
وتقليل مجارى الشيطان فى دم ابن آدم،
وكف النفس عن الشر ودواعيه،
وفيما يلى نشير إشارات سريعة
لبعض الثمرات الزكية لعبادة الصيام الطيبة.

أولًا: تحقيق التقوي: من يتأمل عبادة الصيام
يجد أن الغاية من الصيام معلنة
بوضوح تام فى نهاية آية فرض الصيام،
وهى قول الله تعالي:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
[البقرة: 183].
فمن أعظم مقاصد الصيام وحكمه وأسراره
وثمراته تحقيق تقوى الله فى نفس الصائم.
وتحقيق التقوى المقصود هنا متحصل
من مجموع ما يقوم به الإنسان فى صيامه؛
فهو يترك محبوبات نفسه وملذاته وشهواته:
أكلًا وشربًا ونكاحًا؛ طلبًا لرضا الله وحده،
دون نظر لإطلاع مخلوق، أو مراقبته،
ولا لثوابه أو معاقبته.
والتقوى ثمرة مراقبة الله، والعمل من أجله،
وترك المنكرات من أجله، وإذا ما راقب
العبد ربه أو شك أن يصل إلى مراقبة الله
فى كل أمره فيكون من أهل الله
جعلوا الله غايتهم.
ثانيًا: تزكية النفس وتطهيرها من الأدران.
ورحلة التزكية قد أعلنها الله فى قرآنه
فى سياق التأكيد، ولم يسقها قضية
خالية من المؤكدات؛ بل قال الله:
«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا»،
فأكد فلاح من زكى نفسه بـ«قد»،
وبأحد عشر قسمًا سابقة عليها بدءًا
من قوله تعالي: «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا».
وإنما كان الصيام تزكية للنفس؛
لأنه يبتعد عن أدران المعاصى والسيئات،
ويسد منافذ الشهوات،
ويمتنع عن أسباب المخالفات.
ولعل من الفهم الواجب لحديث النبى
« المشهور: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا
غفر له ما تقدم من ذنبه»
يجب أن يفهم فى هذا السياق؛
فليس الصوم إيمانًا أن تصدق بموعود الله،
وأن الله شرع الشرع وكفي،
ولكن أن يتفرع عن هذا الإيمان تكاليف
الإيمان التى يتحقق بها إيمان العبد،
ويخرج به العبد ثمرات إيمانه
من نفسه لغيره من خلق الله.
ويشير ابن الهمام إلى أن من فوائد الصوم
أن الله «شرعه لفوائد؛ أعظمها سكون
النفس الأمارة، وكسر سورتها فى الفضول
المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان
والأذن والفرج؛ فإن به [أى بالصوم]
تضعف حركتها فى محسوساتها، ولذا قيل:
إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء،
وإذا شبعت جاعت كلها، وما عن هذا صفاء
القلب من الكدر، فإن الموجب لكدوراته
فضول اللسان والعين، وبصفائه
تناط المصالح والدرجات».
ومما يؤيد هذا المسلك الواجب على الصائمين
حديث رسول الله «صلى الله عليه وسلم»
الذى يقول فيه:
«من صام يومًا فى سبيل الله باعد الله وجهه
عن النار سبعين خريفًا»
فهل يباعد الله الصائم عن النار سبعين خريفًا
لمجرد الامتناع عن الطعام والشراب،
وهل يستوى من يمتنع عن الطعام والشراب
فحسب مع من يمتنع عن الطعام والشراب
وسائر معاصى الجوارح؟
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريـــم