![]() |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||
![]()
سورة الحجر (الآيات 78)
وقوله: ﴿ وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ﴾ [الحجر: 78]. "الأيكة": واحدة الأيك، وهي الشجرة الضَّخمة، الكثيرة الأغصان الملتفَّة، من السِّدر والأراك، والدوم والجميز، ونحوها من الأشجار الضخام، التي يجد الشيطان سبيلاً إلى قلوب الطَّغام وأشباه الأنعام أن يدخل فيها؛ مِن تقديسها والتبَرُّك بها، والنَّذر لها، والعكوف عندها؛ لِضَخامتها وامتداد ظلِّها وكثرة ثَمَرِها وابتذاله، وطول عمرها، ما هو موجود كثير جدًّا في مصر وغيرها من البلاد شرقًا وغربًا. وأصحاب هذه الأيكة هم قوم شُعَيب - عليه وعلى نبيِّنا الصلاة والسلام - فإنَّ قصَصَه في القرآن يدلُّ على أنَّهم كانوا مشركين باتِّخاذ الأنداد لله، وأنَّهم كانوا فاسقين بإخسار الكَيْل والميزان، وأكل الأموال بالباطل بذلك، وقد قرن الله قصصهم هنا بقصَّة قوم لوطٍ؛ لِما بينهما من التشابه في الظُّلم والبغي، وأنَّ قوم لوطٍ ظلموا أنفسهم أقبح الظُّلم وأشنعه بالبَغْي القذر على الأعراض، وقَتْل كرامة الرُّجولة، وإماتةِ الإنسانية بِفَعلتِهم التي لم يسبقهم إليها أحدٌ من العالَمين، وإن كان قد قلَّدَهم ولحقهم فيها كثيرٌ من القَذِرين المُجرمين، وأصحاب الأيكة ظلَموا أنفسهم بالبغي على الأموال، وهَضْم حقوق الإنسان في مالِه، والمالُ شقيق النَّفْس، وكلا البغيَيْن ناشرٌ للفساد، ومُهْلِك للعباد، ومخرِّب للبلاد، وإن كان بَغْيُ قوم لوطٍ أشنعَ البغي وأفظعَه، وأكبَرَ جرمًا وأقذر، وأخبثَ وأخسر. وعبادة الأشجار وتقديسها باعتقاد البَرَكة فيها معروفٌ عند الأُمَم من قديم الزَّمان، فكان المصريُّون يقدِّسون شجر الجميز؛ لِزَعْمِهِم أنَّ إِلَهَهُمْ "حتحور" يحبُّه ويأوي إليه، وورثه عنهم أهلُ زماننا من المصريِّين، فقلَّ أن تجد قريةً من قرى الوجه القبليِّ والبحري إلاَّ وتجد فيها "ستُّهم المنذورة" لها سدرة، ويوم خاصٌّ تُزار فيه وتناط بها الخرق، وتدقُّ فيها المسامير، وتنذر لها النُّذور، وتوقد لها المصابيح، ويزعمون أنَّ أولياءهم وأندادهم من دون الله تأوي إليها باللَّيل، وكذلك كان لقريش سدرة يقدِّسونَها، ويلتَمِسون منها البركة والنَّصر على الأعداء بِما ينوطون بها ويعلِّقون عليها من ثيابهم وسلاحهم. وقد روى الإمامُ أحمد وابن جرير وغيرُهُما عن أبي واقدٍ الليثي - رضي الله عنه - أنَّهم خرجوا من مكَّة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حُنَيْن، قال: وكان للكفَّار سدرةٌ يعكفون عندها، ويعلِّقون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، قال: فمررنا بسدرةٍ خضراء عظيمة، قال: فقلنا: يا رسول الله، اجْعَل لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواطٍ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قال قومُ موسى لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فيه وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138 - 139]))، ثم قال: ((لتركَبُنَّ سنَنَ من كان قبلكم حذْوَ القُذَّة بالقذَّة)) وصدق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[1]. وقوله تعالى: ﴿ الظالمين ﴾؛ أيْ: ظلموا أنفسهم بالسَّفَه والغيِّ والتقليد الأعمى، والانْسلاخ من آيات الله ونِعَمِه، فعَمُوا وصمُّوا، وساروا في طريق الظُّلمات التقليديَّة على عمًى وجهالات، وظنونٍ لا تُغْنِي من الحقِّ شيئًا، فكفَرُوا بالله واتَّخذوا من دونه الأنداد من هذه الأشجارِ التي خلق ربُّهم لها الأرض مهيَّأة لتُرْبتها، وأعطاهم بَذْرتَه وعلَّمهم زرْعَها وسقْيَها، فزرَعوها بأيديهم وسَقوها، حتى صارت أيكة عظيمة، ثم نسوا كلَّ ذلك فعموا وصمُّوا واتَّخذوها آلهة يقدِّسونها، ويلتمسون منها البركات، ويخافون بَطْشَها بِمَن يأخذ منها مسمارًا أو غصنًا، وهم يرَوْن ويحسُّون بكلِّ حواسِّهم البهيميَّة أنَّها شجرة من الشجر، خلقها الله لهم لِيَنتفعوا بظِلِّها وثَمرِها، ثم بخشبها وحطبها، ولكنَّهم لا يعقلون، وما ظلَمَهم الله شيئًا ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون، فلا يال عندهم من السمع والبصر والعقل ما لو وجهوه في التفكر والتأمل، لانتفعوا به وكانوا من المهتدين. ولَمَّا غلبت عليهم هذه الغفلات، وضربَتْ على قلوبهم حجُبُ هذه العمايات، وغرقوا في بحورٍ من ظلمات هذه الظُّنون الكاذبة والأهواء الخاسرة، خرجَتْ بِهم إلى عمًى جديد عن نِعَمِ الله ورَحْمتِه، وفضله الواسع وبليغ حكمته، فذهبوا يظلمون أنفسهم أشدَّ الظُّلم بالبغي على الأعراض والأموال، يرجون من ذلك - بعمى بصائرهم وسفههم - مُتَعَ الحياة وراحتَها، فما يجدون منها إلا الشَّقاء تِلْوَ الشَّقاء، والنَّكد يَلِدُ لهم جديدًا من النَّكد، فكل حياتهم خوفٌ وهلع، وفي كلِّ قلب واحدٍ منهم عداءٌ وخوف، وفي كلِّ ضميرٍ رِيبةٌ وشَكٌّ، لا فرق بين الابن والأب والأخ والزَّوج، في قلب كلٍّ منهم: ما ينكِّد الحياة من العداء والبغضاء، والحقد والحسد حتى لا يُخالطه ولا يعاشره إلاَّ على وجَلٍ وسوءِ ظنٍّ وتُهمة وجزع، فيزدادون انغماسًا في بحر الفسوق والعصيان؛ مُحاوَلة أن ينسوا ما هُم فيه من الأنكاد والتنغُّص، فلا يزيدهم ذلك إلا عذابًا ونكالاً، وما ربُّك بظلاَّمٍ للعبيد. ﴿ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ الضَّمير يعود على حال قوم لوطٍ وحال أصحاب الأيكة، وما آلَتْ إليه من العذاب الماحق، والنكال الأليم. و{الإمام المبين} هو الطَّريق الواضح الجامع لكلِّ أسباب الفوز والفلاح والنَّجاة وحصول المأمول، وبلوغ الغاية المرجُوَّة التي تدعو بِوُضوحها وقيامِها في هذا الطَّريق الواسع المستقيم كلَّ عاقلٍ وتُغريه أن يتَّبِعَها، ويسلك هذا السبيل وراءها؛ لِيَنال كلَّ ما يبتغي ويرجو في دنياه وآخرته. وهذا كقول الله في آخر سورة يوسف: ﴿ لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]، وقولِه بعد قصص الأنبياء في سورة هود: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ في هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، وقولِه: ﴿ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 126]، بل القرآن كلُّه ينبغي أن يُفْهَم على هذا، وأن سُنَّة الله في جميع عباده واحدة لا تتبدَّل ولا تتحوَّل، فإنه ربُّ الجميع، والجميع عباده، وهو العليم الحكيم، الرَّؤوف الرحيم. نسأل الله أن يهدينا بِهَدْي هذا القرآن، وأن يَجْعل سلطانه نافذًا على كلِّ شؤوننا، ومقوِّمًا لكلِّ أخلاقنا، وأن يوفِّقنا إلى الإيمان الصادق بنبيِّه الأكرم عبْدِ الله ورسوله محمَّد -صلى الله عليه وسلم- وأن يثبِّتنا على هذا الإيمان حتَّى نلقاه، وأن يحشرنا تحت لوائه، ويجعلنا من أهل شفاعته، ربِّ تقبل واستجب إنَّك أنت السميع العليم، وتُبْ علينا إنك أنت التوَّاب الرحيم، وصلَّى الله وسلم على خاتم المرسلين محمَّد، وعلى آله أجمعين[2]. وكتبه الفقير إلى عفْوِ الله، ومن لا يرجو ولا يخاف أحدًا سواه. [1] صحيح: أخرجه أحمد برقم [21947] وصحَّحه الأرناؤوط، و"ظلال الجنة في تخريج أحاديث السُّنة" برقم [76] وصحَّحه الألباني. [2] "مجلة الهَدْي النبوي"، رجب (1369) العدد السابع. ![]() ![]() ![]() القلب يميل لـ من يجتهد في احتضانـه واستيعابـه ، واحتـواءه ، يميل لمن يصارع العالـم لأجلـه ، من يشتاقه بلا سـبب ويأتيـه بلا سـبب ، من يبقى بجواره للأبد |
![]() |
#2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]()
|
![]()
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع حضوري شكر وتقدير لك ولاهتمامك في مواضيعك اخوك نجم الجدي
|
|
![]() ![]()
|