![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. } |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() ![]()
ثورة الجمل
تسلَّل الفجر بين ستائر اللَّيل المحتضَر، وكعادته - كلَّ يوم - استيقظ مع نداء الحقِّ الأوَّل؛ فنهض إلى عين الماءِ يَتوضَّأ، ثم انتحى رُكنًا اتَّخذه مُصلًّى. فإذا فرغ من صلاته جلسَ على حصيرٍ مُخْلَولِقٍ بالٍ، يقتبس الدِّفءَ من جمرات الموقد، ويترنَّم ببعض الأذكار، ويسأل الله عافيتَه وسِترَه، ولم يَبْدُ أنَّ رَغباتِه كانت تزيد على ذلك في شيء. كان يشبه "العابد الناعس" (لمايكل أنجلو)، إذا رآه الإنسان أحسَّ بطيبةٍ ممزوجةٍ بشيءٍ من الاستسلام. ولا يصحو تمامَ الصَّحو، ولا تتفتح عيناه، ولا يشعر بالنَّشاط يدبُّ في أعضائه إلاَّ بعد أن يتناولَ (فنجانًا) من القهوة. أمَّا زوجُه فقد عوَّدتْهُ أنَّه بمجرَّد ما يلقي السَّلام، تكون هي بجانبه؛ لتقدِّم له قهوته السَّاخنة الكثيفة الثَّقيلة. وتنفذ أشعةٌ بيضاءُ شاحبة من خلال بلور كُوَّة مرتفعة، فتُلقي على ذَينك الوجهين نورًا ضئيلاً بلون الفِضَّة. عندها يترشَّفُ قهوته جرعةً بعد جرعة، في تأنٍّ وتلذُّذ، فإذا أوشك على الانتهاء رشف آخِرَ حسوةٍ جرعةً واحدة، ثم نظر إلى زوجه نظرةً مقتضبة، هي نظرة الرِّضا والوصية في آنٍ واحد، وخرج إلى الفِناء، صافقًا البابَ خلفَه في الممرِّ الطَّويل المظلم، المفضي إلى الخارج. كان العمُّ رابحٌ رجلاً رَبْعةً في الخمسين، تكسو ذقنَه لحيةٌ وخَطَها الشَّيبُ في كلِّ مكان؛ ولكنَّه مع تقدُّم سِنِّه، كان لا يعرف المرض، ولا يلين كتفه لعناء، حسبُه أن يلبس مِعطفًا متقادمًا بلون الرَّماد، ثم يتَّخذ طريقَه المعتاد إلى الميناء. كان يمشي بتمهُّل على حافة الجدار، لم يكن يرفع عينيه إلى حيِّز السَّماء، ولا إلى البيوتات العالية، حتَّى إنَّه ما كان يتطلَّّع أمامَه، كان يتطلَّع إلى الحجارة كأنَّما يعدُّها. كان يعبر طريقه بالغريزة؛ ينحني إلى اليمين عبرَ زُقاق صغير قذر، وعندما ينتهي إلى مُفترقِ الطُّرق الثلاثة يتنكَّبُ "ري ديزلي"، ويحتضنه شارع "طنجة" الموازي تلك الأَزقَّة السوداء، ذلك البؤس، الدهانات ذات الأطياف. كان بالحدس يشعر أنَّه في الشَّارع العُلوي يوجد عالَم آخَرُ؛ لكنَّه كان يخشى أن يواجهه، وقبلَ أن يستقبلَه الميناء كان البحر ينشر رائحته في الجوِّ، مُعلِنًا عن وجوده الدَّائم، فيتلقى هواءَه الرَّطب ذا الرائحة المنعشة النفَّاذة. يشهد الميناء أنَّ البواخرَ تأتي تحت جنح الظلام خفافًا، فإذا قاربت السَّاعة السَّابعة، كان جوُّ الميناء غائمًا بغلالة كثيفة من دُخَان البواخر، تُنيره مصابيحُ صغيرة. وما هي إلاَّ دقائق حتَّى يقفَ العمُّ رابحٌ بجانب الحمَّالين يرتاد رِزقًا شريفًا، رزق اليدين والرِّجلين، رزق العُمَّال، رزق الكادحين! يحمل هو وأصحابُه صناديق البرتقال في خطٍّ هو أشبه بخطِّ النَّمْل، فإذا بلغ السفينةَ الراسية، خلَّص كاهله من ذلك الحمل الذي أنقضَ ظهرَه، ومسح حبَّاتِ العرق عن جبهته العريضة بكُمِّ قميصه الخَشِن في شيءٍ من الآلية واللاشعور، ثم استأنف شوطًا جديدًا في السَّعي بين الشاحنة والسفينة. وعلى بعد خُطوات كان يقف مراقبُ الميناء، رجلٌ بَدِينٌ قصير، رهيبُ الطلعة، أحمرُ، ذو شاربين معقوفين إلى أعلى، كأنَّهما سَيْفانِ مسلَّطان على رأس مُجرِم. و دونَ أن يَضطره إلى الإسراع غمزٌ أو لمزٌ يدرج العم رابح - أُسوةً للآخرين - شِغِّيلاً، نشيطًا، جديرًا بالاحترام. فإذا انقضت ساعة أو تزيد تمكَّثَ في مكانه واعتدل، كان العرق يقطر من جبينه، فيغشي الطَّريق أمام عينيه؛ ولكن لا بأسَ، فقلبه من طينة طيِّبة، ولم تبقَ إلاَّ صناديقُ قليلة. أخيرًا انتصف النهار، ودقَّت ساعة الاستراحة، وعندها أُتيح للحمَّالين أن يكتشفوا شغِّيلاً جديدًا بينهم؛ فتى في عنفوان شبابه، أسمر، وسيم المُحيَّا، وصدر كالصُّندوق على فخذين كجذعي نخلة، وهامة تثبت للعلماء أنَّه كان على وجه الأرض عمالقة؛ في مِشيته شيءٌ من الخُيلاء يمكِن تسميتها غطرسة، كأنَّ خُطواتِه موقَّعةٌ أو مقسَّمة بالمسطرة، مشي السَّحابة، لا رَيث ولا عجل؛ ولكن ليس إلى بيت جاراته، بل إلى مجلس العمِّ رابح الذي تحلَّقَ حوله الحمَّالون، يتناولون ما يُقيم أَوَدَهم، وإذْ سأله هذا عن اسمه، ابتسم الفتى عن طيب طويَّة، وأجاب: - خالد. وسأله العمُّ رابحٌ: - يظهر أنّك غريبٌ عن المدينة؟ - نعم؛ فأنا جئتُ من قرية (القلب الكبير)، هل تعرفها؟ - يظهر أنَّها قريةٌ بعيدة. - نعم، فهي قريةٌ صغيرة في أرض (التيطري). وهزَّ العم رابح رأسَه سائلاً: أرى أنَّك شابٌّ متحمسٌّ للعمل. فأجاب هذا ببساطة: - نشأتُ أنا في العمل، في طفولتي كنتُ راعيًا، وكنت أعمل في حقول الكروم . مكث العمُّ رابحٌ بعضَ الوقت صامتًا، ثم قال ببطءٍ: - وهل لك أهلٌ؟ أجاب خالد: - لي أمٌّ، هي بُؤبؤُ العين، وأختٌ صغيرة كالقمر. ولَمَّا كان من الواجب على الإنسان أن يُتمَّ كلامه إذا بدأه، فقد تنهَّد، وقال: - أمَّا أبي، فقد توفِّي منذ سنوات. وران الصَّمت مجدَّدًا، وبعد برهة شقَّ العمُّ رابح جدارَ الصَّمت: - اسمع يا خالد - وكمَن يلخص حديثه - قال: - أنت شابٌّ طيِّب وشجاع، ولن تعدم الخيرَ ما دمتَ تكسب رِزقَك من عرق جبينك. عندما يأتي المساء يتاح لعُمَّال الميناء أن يروا سفينتَهم، وهي تتَّخذ سبيلها الهادئ، ثقيلة محملة إلى بلاد الآخرين. وعندما يصل العمُّ رابحٌ إلى بيته، تستقبله خديجةٌ، زوجة ودود، تعوَّدت أن تَضحكَ له كلَّما عاد من عمله؛ ولكن ليس بصوتٍ عالٍ، بل بصمت بالعينين أكثر مما هو بالفم، وتحاول أن تبدوَ منطلقةً خدومة بعد نهارٍ تقضيه مع ضَجَّة أطفالها وإزعاجهم. وإذ يلمس هو كلَّ ذلك، يشعر بشيءٍ من الغِبطة والراحة، ورُويدًا رُويدًا ينسى متاعب يومه، وتنقشع الغيوم عن صدره المتعب. درج خالد بجوار العمِّ رابحٍ مثرثرًا كأنما مع صديق قديمٍ، وإذ علم أنَّ الحمَّال في الميناء لا يتقاضى أجرًا كبيرًا، حتَّى ولو كان عنده خمسةُ أطفال، والدَّراهم التي يقبضها من شبَّاك الدَّفع لا تدفع له عن طِيب خاطر، ولكن بتنهَّدة تنقذف أمامَه، قال: - كنت أعتقد أنَّني سأُسعِد أمَّي بهذا العمل، وأُخرجها من درك الفقر. - كثيرون غيرك، ظنُّوا مثلك. حينها قال خالد: - سأبحث عن عملٍ أفضلَ. و سأله العمُّ رابح: - وأين تجد هذا العمل؟! أجاب: - في أرض الله الواسعة. و قال العم رابح: - اسمع يا بني، سوق العمل شحيحةٌ، ودراهمها قليلة، وفي كلِّ مكانٍ لن يعطوك إلاَّ الأعمال التي يأنفون منها. وتمتم خالد خافضًا صوتَه: - بل قلِ الأعمال التي تعجز عنها البغال! ليل الشِّتاء يتصرَّمُ متناقصًا، والهواء في الصباح يصير أدفأَ، وفي السَّماء الصَّافية، المتألِّقةِ زُرقة، طارتِ العصافير جذلانة مزقزقة، إنَّه الرَّبيع يعود من جديد. دمٌ جديد يتدفَّق في العروق، يدفع العمَّال إلى المزيد من النَّشاط في غُدوِّهم ورَواحهم. وفي غمرة الحماس جرَّب العمُّ رابحٌ أن يرفع الكيس بنترةٍ واحدة. رفعه، لكنَّه أحسَّ بشيءٍ حادٍّ كأنَّه غرزةُ سِكِّين! تألَّم العمُّ رابح، غير أنَّه تحامل على نفسه، وواصل عمله بمشقَّةٍ. وفي المساء حكى لزوجته ما جرى له، فانتظرت رُقاد الأطفال، وكشفت عليه، و"دعكت" له ظهره وبطنه؛ لكن "نبورة" ظلَّت بارزة فيه شيءٌ ما كحبَّة الزَّيتون، كان هناك تحت الجلد المنتفخ، لم ينفعْ فيها التدليك، ولا الماء الساخن. بل راحت تُؤلمه كلَّما سُعل، وأخذت تَكْبر يومًا بعدَ يوم، وهو يتفحَّصها كلَّما بال، أو قضى حاجته. لم يذهب العمُّ رابح إلى الطَّبيب، فحسْبُه أن يقصد الحاج (عثمان)؛ فهو طبيب الحي الخبير بمثل هذه الأمور: - إنَّه فتقٌ يا رابح. - أأنتَ متأكِّد يا عمِّ عثمان؟ - ألا تراه؟! ألا تلمسه؟! ألا يؤلمك عندما تسعل؟! عندما يَحتقن البول؟! قال أسيفًا: - بلى، يوجعني، يوجعني كما تقول تمامًا، وهو يكبر، فماذا أفعل؟ - وماذا فعل غيرُك؟! ماذا فعل جيرانُك؟! هذه حارة الفقراء، ونصف رجالها - على الأقلِّ - عندهم فتق، وهم صابرون، يعملون بقدر طاقتهم، يتحمَّلون، يتعذَّبون على نارٍ هادئة، وأخيرًا يأتي الموت، وتأتى الراحة! أطلق العمُّ رابح نهدةً حرَّى، وقال بإعياء: - أمَا مِن دواء؟ وقال الحاج (عثمان): - اصبر كما يصبر غيرُك، وجرِّب ألاَّ تحمل حملاً ثقيلاً، هذا ما أُفيدك به. والسَّلام ختام، فهمت؟ تلقَّى العمُّ رابح هذا الكلامَ بقلبه القوي، ونهض منصرفًا، فالحياة تستمِرُّ رغمَ كلِّ شيء! و من بعيد أتاه صوت الحاج عثمان: - إذا شئتَ، اتِّخذْ حزامًا تشدُّ به على بطنك. ما أشدَّ حرَّ هذا اليوم! الشَّمس تدنو من الأَوْج، والهواء يتلظَّى، كلُّ الأحياء لجأت إلى الظِّلِّ، فقط عمَّال الميناء يتلقَّون صهد الشمس. فجأة تهادت نغمات أغنية شعبيَّة قديمة خارقة هدأة الهواء الساخن، بصوت صاف رنَّان: ![]() ![]() ![]() |
![]() |
#3 |
![]() |
![]()
من متابعيك وسآكون كذلك باذن الله
قد لا أوفيك حقك بالرد فأتمنى قبوله يعطيك العافيه دووم هالتميز ماشاء الله عليك ربي يحفظك |
![]() ![]() مهم جدآ قرار بخصوص احتساب المشاركات وتوضيح مفصل بالاضافة لشروط استخدام الخاص وصندوق المحادثات تفضلوا بالدخول طريقة احتساب المشاركات وكيف تحصل على مشاركات اضافيه بنجاح - منتديات قصايد ليل قوانين استخدام الشات والرسائل الخاصة - منتديات قصايد ليل ![]() |
![]() |
#7 |
![]() |
![]()
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع حضوري شكر وتقدير لك ولاهتمامك في مواضيعك اخوك نجم الجدي |
![]() ![]() |
![]() |
#9 |
http://www.tra-sh.com/up/uploads/1648853127783.gif
|
![]() ![]() وكل الثنـاء لجميـل آنتقائــك ![]() |
![]() ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ثورة .... | وهــج | ..أنا لكـ شـاعرٍ يكتب وشعرهـ نقوة أفكـارهـ .. | 11 | 11-24-2018 02:17 AM |
ثورة حبك »» | قانون القهوة | ضويت بخاطــري شمعهـ .. "يمنع اللمنقول" | 20 | 12-22-2016 01:00 AM |
لسلامتك في الحمل الثاني إحذري ذلك في الحمل الأول | شروق آلشـريف | …»●[غروركــ مصدرهـ روعة جمــالكــ]●«… | 16 | 09-01-2015 09:45 AM |
كيف يرى الأعمى في الحلم و كيف يسمع الاصم في الحلم ؟ | البرق النجدي | …»●[آمال وتطلعــات الفئـهـ الخاصــهـ ]●«… | 10 | 01-01-2013 09:13 AM |
الام وتاخر الحمل واثناء الحمل وبعد الحمل (ملف شامل ) | جنــــون | …»●[لكل داء دواء ولبــدنكـ عليكـ حق]●«… | 13 | 07-20-2010 05:31 AM |
![]() |