10-26-2016
|
|
دلالة الاقتران وأثرها في التدبر
الحمدُ لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاه ، أما بعد: فإنَّ مِن أبوابِ تَدَبُّرِ القرآنِ التأمُّل، وهو ما يُسمِّيهِ العلماءُ بِـ(دَلالةِ الاقتران)، أي: دلالةُ عطفِ الكَلِمةِ على كَلِمة، ودلالةُ مجيئِها معها واقترانِها بها، وهو بابٌ لطيفٌ مِن أبوابِ التدبُّر، وفيه فوائدُ كثيرةٌ جمَّة. وسنذكُرُ في هذا المجلسِ بعضَ الأمثلة على هذه القاعدةِ المهمَّة، التي تُبيِّنُ المراد بها: تأمَّلْ كيف قَرَنَ اللهُ بينَ أكلِ الطيباتِ وعَمَلِ الصالحاتِ في قولِه تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} فأكْلُ الحلالِ الطَّيِّبِ مما يُعينُ العبدَ على فِعلِ الصالحات، كما أنَّ أَكْلَ الحرامِ أو الوقوعِ في المُشتَبِهات، مما يُثقِلُ العَبدَ عن فِعْلِ الصالحات. تأمّل في قولِهِ تعالى: {الرحمن على العرش استوى} وقولِه {ثم استوى على العرش الرحمن} تجدْ أنَّ اللهَ تعالى يَقرِنُ استواءَه على العرشِ باسمِ ( الرحمن ) كثيراً؛ وذلك لِأَنَّ العَرشَ محيطٌ بالمخلوقاتِ قد وَسِعَها. والرحمةُ محيطةٌ بالخلقِ واسعةٌ لهم، كما قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} فاستوى على أَوْسعِ المخلوقاتِ بأَوْسَعِ الصفات. بُشْرَى لمَن يَسعى في طَلَبِ الرزقِ الحلالِ بالتجارةِ ونحوِها، ذَكَرَها اللهُ تعالى في قوله: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل} فقد كان بعضُ الصحابةِ يَتَأوَّلُ مِن هذه الآيةِ فَضِيلةَ التجارةِ والسَّفَرِ لأَجلِها، حيثُ قَرَنَ اللهُ بين المجاهدين والمكتسِبِين المالَ الحلال؛ وذلك أنَّ اللهَ ما ذَكَرَ هذين السَّبَبَين لِنَسْخِ تحديدِ القيامِ إلا تَنويهاً بهما؛ لأَنَّ في غيرِهما مِن الأعذارِ ما هو أَشبَه بالمرض، ودقائقُ القرآنِ ولطائفُهُ لا تَنحَصِر. لما قال تعالى: {الله لا إله إلا هو} قال بعدها: {الحيُّ القيوم}، فبَعدَ أَنْ ذَكَرَ استِحقَاقَه للعبوديةِ ذَكَرَ سَببَ ذلك وهو كمالُهُ في نفسِه، وكمالُه لِغيرِه، فلا تَصْلُحُ العبادةُ إلا لمن هذه شأنُهُ: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ومَن كان يَعبُدُ الله، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموت. قال سبحانه: {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم} هذه الآيةُ مِن أَظْهرِ الأدلةِ على بيانِ منزلةِ العلماءِ الآمرين بالمعروف، حيثُ قَرَنَ اللهُ خُطورَةَ جَريمةِ قَتلِهِم بِقتلِ الأنبياء؛ لأنَّ العلماءَ هم وَرَثةُ الأنبياء. قولُهُ تعالى: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} دَلَّت الآيةُ على أَنَّ العِلْمَ والتعليمَ والدراسةَ تُوجِبُ كونَ الإنسانِ ربانِيَّاً؛ فمَن اشتَغَلَ بذلك لا لهذا المقصد ضَاع سعيُهُ، وخَابَ عملُهُ. قولُه تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره} جَمَعَ بين التسبيحِ والاستغفار؛ إذ في الاستغفارِ محوُ الذُّنوب، وفي التسبيحِ طلبُ الكَمَال. {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}: إِنَّ قَرْنَ شَهادةِ العلماءِ بِشهادةِ ربِّ العالمين وشهادةِ الملائكةِ؛ تزكيةٌ عظيمةٌ لأهلِ العلم، فإنَّ اللهَ لا يَستَشهِدُ بمجْرُوح. هذه بعضُ الأمثلةِ التي تَفتَحُ باباً للتدَبُّرِ لهذا الكتابِ العظيم، فأقبِلوا عليه، وتدبَّروه تَسعدوا وتُفلِحوا. اللهم ارزقنا فَهْمَ كتابِك والعملَ به، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|
|
|