زكي علي.. الطبيب الداعية في أوربا

غلاف الكتاب "إنني أعيش كالمعتكف في صومعته كالغريب عن دنيا هذا الزمان، بل وعن أهل هذا الزمان، أضف إلى ذلك ندرة زيارة الإخوان الذين لا يبلغ عددهم أصابع يد واحدة، والحمد لله على كل حال". هكذا عبَّر الطبيب الداعية زكي علي في إحدى رسائله عن آلام الوحدة التي عاناها في جنيف حين بلغ من العمر مبلغه، فصارت الأجيال الجديدة من الجالية الإسلامية في سويسرا لا تعرف عنه شيئا، حتى إنني عندما سألت مراسلنا هناك عنه لم يعرفه ولم يعرف عنه شيئا، وهل هو ما زال حيًّا أم تُوفِّي.. فمَن هو الدكتور زكي علي؟ هذا ما نحاول أن نستجليه في هذا المقال الذي نكتبه بمناسبة مرور مائة عام على مولده. بين الطب والوطنية الدكتور زكي علي هو داعية وطبيب مصري. عاش في أوربا منذ عام 1931، مارس خلالها الدعوة بالكتابة والخطابة والحركة، كما مارس الطب والكتابة العلمية. وقد ولد الدكتور زكي علي ببلدة تسمى إنشاص البصل من أعمال محافظة الشرقية بمصر في أواخر يناير عام 1905، ونشأ نشأة إسلامية وتلقى دراسته الأولية والابتدائية والثانوية في الزقازيق والقاهرة. ولما قامت الثورة المصرية عام 1919 وهو في ذلك الوقت طالب بالمدرسة الخديوية بالقاهرة انضم إلى الشباب العامل في صفوفها، ونشرت له أول مقالة وطنية له (في سبيل الاستقلال) بجريدة النظام وهو لا يكاد يبلغ الخامسة عشرة من عمره، ومنذ ذلك التاريخ بدأ نشر المقالات في الصحف. ثم التحق بمدرسة الطب المصرية بقصر العيني حتى نال إجازة الطب في يناير من عام 1927، وعُيِّن بعد ذلك طبيب امتياز بقصر العيني، وفي سنة 1928 اشتغل طبيبًا لشركة النفط الإنجليزية (شِل) بالغردقة على البحر الأحمر. وهناك ساءته حالة الظلم والذل التي يعانيها الأهالي والعمال المصريون بالشركة، فعمل على رد حقوقهم مع توجيه الأهالي إلى التمسك بالدين حين كان يخالطهم في مسجد الغردقة، ثم إنه رجع إلى القاهرة واشتغل من جديد طبيبًا بقصر العيني وافتتح عيادة طبية له بالقاهرة، وأخرى في بردين من نواحي الشرقية، وفي عام 1931 ألَّف بالعربية رسالة "الطب العربي وتأثيره في مدنية أوربا" والذي طبعته دار الكتب المصرية. بين باريس وجنيف في شهر نوفمبر من عام 1931 سافر الدكتور زكي علي في بعثة طبية إلى باريس، وما إن وصلها حتى بدأ الاتصال بالأوساط الإسلامية فيها للتعرف على أحوال المسلمين في غرب أوربا، وشارك هناك في نشاط الطلاب للدعوة إلى استقلال بلاده بالقلم والمحاضرة والخطاب السياسي. وفي ربيع 1932 انتخب عضوًا في جمعية تاريخ الطب الفرنسية، ونشر عدة بحوث في تاريخ الطب باللغات الأوربية، وفي نفس ذلك العام سافر إلى مستشفى بادن بالنمسا للاستشفاء فانتهز بعض القائمين على البعثة سفره لإرسال إنذار إليه بالسفر إلى إنجلترا حالا أو يستقيل. ولما لم تكن حالته الصحية تسمح بالسفر عُدّ مستقيلا، فما كان منه إلا أن ضحى بوظيفته في كلية طب قصر العيني وآثر استكمال مسيرته في الدعوة إلى استقلال بلاده ونصرة دينه في أوربا. ومن بادن إلى فيينا حيث أسس "رابطة الثقافة الإسلامية" وأمضى عامين يناضل من خلال الرابطة، ويعاني آلام البحث عن مورد رزق ومن ثَم بدأ يكتب المقالات للصحف ويلقي الأحاديث الإذاعية. وفي أواخر عام 1934 دعاه الأمير شكيب أرسلان إلى جنيف لمشاركته في تنظيم أول مؤتمر إسلامي في أوربا والذي عقد عام 1935، فاستقر به المقام هناك، وفي البداية ساعد الشاعر علي الغاياتي في إصدار جريدته "منبر الشرق" التي كان يصدرها من منفاه في سويسرا، كما شارك بالكتابة إلى الصحف الأوربية والصحف العربية في الشرق وصحف العرب المهاجرين في الغرب. ولم يمنعه هذا النشاط عن المضي في عمله الطبي فاشتغل طبيبًا ببعض المستشفيات العامة والخاصة في جنيف، وكطبيب بدل في بعض المدن السويسرية، ثم دعته جامعة جنيف سنة 1943 لتدريس اللغة العربية والترجمة من اللغة العربية وإليها في مدرسة الترجمة الملحقة بالجامعة، وقد ظل يقوم بالتدريس والترجمة في الجامعة 19 عاما حتى تقدمت به السن وكثرت أمراضه فتقاعد عن التدريس فيها. منافحا عن الإسلام والعربية بثلاث لغات أصدر الدكتور زكي علي ستة كتب في أوربا عن الإسلام والعربية بثلاث لغات هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية: * وقد صدر أول كتبه عام 1938 بالاشتراك مع الزعيم أغاخان وكان بعنوان "الإسلام في العالم" Islam in the World باللغة الإنجليزية والذي صدرت طبعته الأولى في لاهور في ذلك العام، ثم أعيد طبعه عام 1947، وهو كتاب تعريفي عام بالإسلام وتاريخه وحضارته ورسوله وكتابه، ورد على المشكلات التي تثار ضده فيتحدث عن نظام الحكومة والدولة في الإسلام، ويتعرض للزكاة والخراج والجزية والجهاد، كما تحدث عن الصراع بين الشرق والغرب والحروب الصليبية. * أما كتابه الثاني فصدرت طبعته الأولى في جنيف عام 1944 وكان بالإنجليزية وعنوانه "لمحات عن الإسلام" Glimpses of Islam وصدرت منه طبعة ثانية في لاهور عام 1954، ويبدو من عنوانه أنه استكمال تعريفي بالإسلام. * أما ثالث كتبه فكان بالفرنسية وصدر في جنيف عام 1945 بعنوان "أوربا والإسلام" L'Europe et L'Islam وترجم إلى العربية في لبنان عام 1949، وهو يتناول تاريخ وطبيعة العلاقة بين الإسلام وأوربا. * أما كتابه الرابع فكان بالفرنسية أيضا وحمل عنوان "اللغة العربية في العالم" La Langue Arabe dans le Monde ونشرته مدرسة الترجمة بجامعة جنيف سنة 1950، ثم ترجمته إلى العربية مجلة الأنوار في تطوان بالمغرب سنة 1950. * أما كتابه الخامس فكان بعنوان "تأثير الثقافة الإسلامية في الغرب" Der Einfluss der Islamischen Kultur auf das Abendland وصدر في أولتن بسويسرا عام 1960. * أما سادس كتبه وآخرها فكان بعنوان "هذه هي الشعوب البيضاء"Tels sont Les Peuples Blancs وطبع في لوزان بسويسرا عام 1973. أما كتابه ذاك فيكشف عن خصائص المجتمع الغربي، وما فيه من عنصرية، وما فيه أيضا من حياة روحية خاوية. مؤلفاته الطبية للدكتور زكي علي فضلاً عن كتاباته الإسلامية عدة أبحاث ومقالات طبية في مجالي تاريخ الطب، وعلم الجراحة. فإضافة إلى الرسالة التي ألفها بالعربية عام 1931 حول "الطب العربي وأثره في مدنية أوربا"، له أيضا مقال في تاريخ كلية طب قصر العيني نشرته مجلة الكلية عام 1928 بمناسبة انعقاد أول مؤتمر دولي للأمراض الباطنية وأمراض المناطق الحارة، وكان بعنوان "قصر العيني ومدرستها من أول عهدها إلى الآن". وأعيد نشر المقال بعد تحديثه في "الدليل الطبي العام للقطر المصري 1931" الذي نشره إميل مكاريوس، كما نشرت له مجلة "كل شيء والعالم" في عددها الصادر في سبتمبر 1931 مقالا عن تاريخ الطب الشرعي ومكانته بين العلوم الطبية وأهم مراجعه في مصر، وله عدد آخر من المقالات التي نشرتها المجلة الطبية المصرية التي تصدرها الجمعية الطبية المصرية والتي كان الدكتور زكي عضوًا فيها حتى عام 1939. وفي عام 1932 نشر في باريس بحثا بالفرنسية بعنوان "تاريخ الجراحة العربية في أسبانيا (الأندلس)"، وقدمه إلى الجمعية الطبية الفرنسية وعُدّ معادلا لرسالة دكتوراة في تاريخ الطب، واختير على إثره عضوا عاملا بالجمعية، وقد نشر بعد ذلك عددًا آخر من الأبحاث والمقالات بالعربية والفرنسية والألمانية والإنجليزية، ومن أشهر تلك الأبحاث أيضا بحثه الذي نشر عام 1941 بمجلة "السجلات السويسرية للأمراض العصبية والنفسية" بعنوان "الدهانات التالية للعمليات الجراحية"، وقد عُدّ أيضًا بمثابة رسالة دكتوراة في الطب، وقد انتخب الدكتور زكي علي عام 1983 عضوا مزاملا في الجمعية الطبية بجنيف، ورشحت نقابة أطباء جنيف في ذات العام الدكتور زكي علي رئيسا للنقابة باعتباره أكبر الأطباء سنًّا في المدينة، لكنه اعتذر نظرًا لظروفه الصحية. مراسلاته وكتاباته الأخرى للدكتور زكي علي إسهامات أدبية وفكرية أخرى فقد كتب الشعر والمقال والخاطرة، وتراسل مع عدد من أعلام العالم الإسلامي، ونشرت إسهاماته في "الفتح" لصاحبها محب الدين الخطيب، وفي مجلة "الرائد" الهندية، وفي مجلة "البريد الإسلامي" لصاحبها محمد توفيق أحمد سعد، وفي "منبر الشرق" لعلي الغاياتي، فضلا عن كتاباته باللغات الأوربية. أما مراسلاته فكانت مع عدد من المشتغلين بالفكر والأدب الإسلامي ومنهم الكاتب الإسلامي "أنور الجندي" وعلماء وأدباء "ندوة العلماء" بالهند كالشيخ أبو الحسن الندوي ومحمد الرابع الحسني الندوي وغيرهم، ومع الدكتور محمد إقبال، ومع الشيخ "محسن باروم" من أعلام النهضة الأدبية والإعلامية السعودية، والأديب الطبيب الدكتور "غريب جمعة" ومع المهندس "محمد توفيق" الذي يبدو أنه قد التقاه في سويسرا أثناء بعثة الأخير إليها. قبسات من كتاباته مما كتبه في مقدمة كتابه الأخير "هذه هي الشعوب البيضاء": "لقد اكتشفت في أوربا حالة مؤلمة من الجهل بديني (الإسلام)، كما تجلى لي وجود كثير من الآراء المتعسفة الظالمة مع سوء الفهم والجهل، وقيام أفكار خاطئة في ذهن الرجل العادي في الغرب عن الإسلام والمسلمين، وهنا عرضت على نفسي العمل لإيجاد حالة أفضل من التفهم والتقدير بين العالمين الغربي والإسلامي"، وهو لذلك ظل طوال رحلة حياته يكتب ويحاضر ويتكلم عن الإسلام وعلاقته بالغرب. وعن الغرب وطبيعته التي عايشها سنين عددًا يقول في نفس الكتاب: إنه عالم يشعر فقط بحقيقته الحيوية والزمنية، ولكنه لا يدرك المفهوم الحقيقي للطبيعة والمعاني السامية للروحانيات والإلهيات، فبينما يكبر هذا العالم ويزداد بل ويتضخم ماديًّا نجد أنه يتضاءل ويتلاشى نفسيًّا ومعنويًّا، وهذا بطبيعة الحال يشكل خطرًا جسميًّا على هذه المجتمعات. وفي قصيدته التي نشرتها "الفتح" عام 1938 تحت عنوان "وداع مصر بعد فراقها": وداعًا منك يا مصر وداعا ... وليس البعد عنك هوى مطاعا ولست بهاجر وطني، ولكن ... جحود بنيك ألهبني التياعا فراق ثم بؤس طول سبع ... شداد ما وجدت بها متاعا ولم أك يائسًا أبدًا، ولكن ... دوام العسف علمني الصراعا وهكذا بين آلام الوحدة والغربة مضى الدكتور زكي علي حياته، وبرغم ما قدم لدينه وأمته لا يعلم عنه حتى مسلمو سويسرا شيئا، ولا حتى إن كان قد فارق الحياة أم ما زال يعيش آلامه وحده؟. اقرأ أيضًا: محمد توفيق.. المتبتل في محراب "تبليغ الإسلام" طارق رمضان.. حادي قافلة الإسلام الأوربي

الله على اناقتك بانتقائك
و بجمال الطرح المميز بين روحك وانت
سلمت الانامل الرائعه على روعة ما تجود به
و على كل الجهود المبذوله
لا حرمناك ابدا

رجل عظيم مكافح وقومي
أول مرة أسمع عنه

تسلمى إرتــــواء

كرح رائع قلبي

ماشاء الله تبارك الرحمن

ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي

مجنون قصآيد

‏

سلمُ لنا هذُآ الذوُوُق ..الذُي يقطفُ لنا..
آجمًل العبارات وٌآروعهـــاآ..||
ماأننحرُم منُ ذآئقتُك الجميلهُ والمميزهُ..
لآحرمنـــآآك...ودي

تباركَـتْ الـيَـمِـيْـن الجالِـبَـة لما هوَ قَـيِّم وَ مُـفيد
أسعدَ الله حيَاتـك , و باركَ في عطَـائك ..

لهذَا المجهُـود شُـكْــرِيْ الجَـزيل ,

ومِنَ الـوَرد جنَـائن عَـاطِـرة ..

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع


حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك


اخوك
نجم الجدي

رائعة هي أطروحتك
كم اتشوق لرؤية المزيد
دمتم بخير وعافية

‏هكذا تكون الفائدة

‏عندما
اجد جلب بهذه القيمة
ومحتواه اكثر من رائع
يسهم في زيادة الرصيد الثقافي
داخلنا

‏اشكرك من القلب

‏عود الليل