|
…»●[ خ ـــيـر الخـلــق ]●«… { .. لنصره حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاه وأتم التسليم .. } |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
لطائف من زاد المعاد في هدي خير العباد (الحِكَم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أُحُد)
لطائف من زاد المعاد في هدي خير العباد
(الحِكَم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أُحُد) قد أشار الله سبحانه إلى أمهاتها وأصولها في سورة آل عمران؛ حيث افتتح القصة بقوله: ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ﴾ [آل عمران: 121]، إلى تمام ستين آية؛ فمنها: تعريفهم سوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع وأن الذي أصابهم إنما هو بشؤم ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾ [آل عمران: 152]. فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول وتنازعهم وفشلهم كانوا بعد ذلك أشد حذرًا ويقظة وتحرزًا من أسباب الخذلان. إن حكمة الله وسنته في رسله وأتباعهم جرت بأن يدالوا مرة ويُدال عليهم أخرى؛ لكن تكون لهم العاقبة. فإنهم لو انتصروا دائمًا لدخل معهم المؤمنون وغيرهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انتصر عليهم دائمًا لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين؛ ليتميز من يتبعهم، ويطيعهم للحق، وما جاءوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة. أن هذا من أعلام الرسل كما قال هرقل لأبي سفيان: هل قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال يدال علينا المرة، وندال عليه الأخرى، قال: كذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة. أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بَدْر، وطار لهم الصيت، دخل معهم في الإسلام ظاهرًا من ليس معهم فيه باطنًا، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبَّب لعباده محنةً ميَّزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهرت مخبآتهم، وعاد تلويحهم تصريحًا، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقسامًا ظاهرًا، وعرف المؤمنون أن لهم عدوًّا في نفس دورهم، وهم معهم لا يفارقونهم، فاستعدوا لهم، وتحرزوا منهم، قال تعالى: ﴿ كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا ﴾ [آل عمران: 179]؛ أي: ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين؛ حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق، كما ميزهم بالمحنة يوم أُحُد ﴿ كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ ﴾ [آل عمران: 179]، الذي يميز فيه بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم يتميزون في غيبه وعلمه، وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزًا مشهودًا؛ فيقع معلومه الذي هو غيب شهادة. وقوله: ﴿ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا ﴾ [آل عمران: 179] استدراك لما نفاه من إطلاع خلقه على الغيب سوى الرسل، فإنه يطلعهم على ما يشاء من غيبه، كما قال: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ [الجن: 26-27]، فحظكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه رسله، فإن آمنتم به وأيقنتم؛ فلكم أعظم الأجر والكرامة. استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء فيما يحبون وما يكرهون، وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون؛ فهم عبيده حقًّا، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية. أنه سبحانه لو نصرهم دائمًا، وأظفرهم بعدوهم في كل موطن، وجعل لهم التمكين والقهر لأعدائهم أبدًا؛ لطغت نفوسهم، وشمخت، وارتفعت، فلو بسط لهم النصر والظفر لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق، فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء، والشدة والرخاء، والقبض والبسط، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، إنه بهم خبير بصير. أنه إذا امتحنهم بالغلبة والكسرة والهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا، فاستوجبوا منه العز والنصر، فإن خلعة النصر إنما تكون مع ولاية الذل والانكسار، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123]، وقال: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا ﴾ [التوبة: 25]، فهو سبحانه إذا أراد أن يعز عبده ويجبره وينصره، كسره أولًا، ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره. أنه سبحانه هَيَّأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لم تبلغها أعمالهم، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها. أن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانًا وركونًا إلى العاجلة، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه، فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه، ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه، ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه. أن الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصُّه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة، وهو سبحانه يحب أن يتخذ من أوليائه شهداء تراق دماؤهم في محبته ومرضاته، ويؤثرون رضاه ومحابَّه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو. أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم: بغيهم وطغيانهم، ومبالغتهم في أذى أوليائه، ومحاربتهم وقتالهم، والتسلُّط عليهم؛ فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم. وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 139- 141]، فجمع لهم في هذا الخطاب بين تشجيعهم وتقوية نفوسهم، وإحياء عزائمهم وهممهم وبين حسن التسلية. وذكر الحكم الباهرة التي اقتضت إدالة الكفار عليهم، فقال: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾، فقد استويتم في القرح والألم، وتباينتم في الرجاء والثواب، كما قال: ﴿ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ ﴾ [النساء: 104]، فما بالكم تضعفون وتهنون عند القرح والألم؟! وقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان، وأنتم أصبتم في سبيلي، وابتغاء مرضاتي. ثم أخبر أنه يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناس، وأنها عرض حاضر يقسمها دولًا بين أوليائه وأعدائه، بخلاف الآخرة فإن عزها ونصرها ورخاءها خالصٌ للذين آمنوا. ثم ذكر حكمة أخرى؛ وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين، فيعلمهم علم رؤية ومشاهدة بعد أن كانوا معلومين في غيبه، وذلك العلم الغيبي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب؛ وإنما يترتب الثواب والعقاب على المعلوم إذا صار مشاهدًا واقعًا في الحس. ثم ذكر حكمة أخرى؛ وهي اتخاذه سبحانه منهم شهداء، فإنه يحب الشهداء من عباده، وقد أعَدَّ لهم أعلى المنازل وأفضلها، وقد اتخذهم لنفسه فلا بد أن ينيلهم درجة الشهادة. وقوله: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ تنبيه لطيف الموقع جدًّا على أن كراهته وبغضه للمنافقين الذين انخزلوا[1] عن نبيه يوم أحد فلم يشهدوه، ولم يتخذ منهم شهداء؛ لأنه لا يحبهم، فأركسهم وردهم؛ ليحرمهم ما خص به المؤمنين في ذلك اليوم، وما أعطاه من استشهد منهم، فثبط هؤلاء الظالمين عن الأسباب التي وفق لها أحبابه وحزبه. ثم ذكر حكمة أخرى فيما أصابهم ذلك اليوم، وهو تمحيص الذين آمنوا؛ وهو تنقيتهم وتخليصهم من الذنوب، ومن آفات النفوس، وأيضًا فإنه خلصهم ومحصهم من المنافقين، فتميزوا منهم؛ فحصل لهم تمحيصان: تمحيص في نفوسهم، وتمحيص من كان يظهر أنه منهم وهو عدوهم. ثم ذكر حكمة أخرى؛ وهي محق الكافرين بطغيانهم وبغيهم وعدوانهم، ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم أن يدخلوا الجنة بدون الجهاد في سبيله، والصبر على أذى أعدائه، وأن هذا ممتنع؛ بحيث ينكر على من ظنه وحسبه، فقال: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142]، أي: ولما يقع ذلك منكم فيعلمه، فإنه لو وقع لعلمه فجازاكم عليه بالجنة، فيكون الجزاء على الواقع المعلوم لا على مجرد العلم، فإن الله لا يجزي العبد على مجرد علمه فيه دون أن يقع معلومه. ثم وبَّخهم على هزيمتهم من أمر كانوا يتمنونه، ويودون لقاءه، فقال: ﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [آل عمران: 143]. قال ابن عباس: لما أخبرهم الله تعالى على لسان نبيه بما فعل بشهداء بَدْر من الكرامة رغبوا في الشهادة، فتمنوا قتالًا يستشهدون فيه فيلحقون إخوانهم، فأراهم الله ذلك يوم أُحُد وسببه لهم، فلم يلبثوا أن انهزموا إلا من شاء الله منهم، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾. ومنها: أن وقعة أُحُد كانت مقدمة وإرهاصًا بين يدي موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنَّبَهم ووبَّخَهم على انقلابهم على أعقابهم إن مات رسوله أو قتل؛ بل الواجب له عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده، ويموتوا عليه أو يقتلوا، فإنهم إنما يعبدون رب محمد وهو حي لا يموت، فلو مات محمد أو قتل لا ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن دينه وما جاء به، فكل نفس ذائقة الموت، وما بعث محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ليخلد لا هو ولا هم؛ بل ليموتوا على الإسلام والتوحيد، فإن الموت لا بد منه، فسواء مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بقي؛ ولهذا وبَّخَهم على رجوع من رجع منهم عن دينه لما صرخ الشيطان بأن محمدًا قد قتل، فقال: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة، فثبتوا عليها حتى ماتوا أو قتلوا، فظهر أثر هذا العتاب، وحكم هذا الخطاب يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتد من ارتد على عقبيه، وثبت الشاكرون على دينهم، فنصرهم الله وأعزهم، وظفرهم بأعدائهم، وجعل العاقبة لهم. ثم أخبر سبحانه أنه جعل لكل نفس أجلًا لا بد أن تستوفيه، ثم تلحق به، فيرد الناس كلهم حوض المنايا موردًا واحدًا، وإن تنوعت أسبابه، ويصدرون عن موقف القيامة مصادر شتى؛ فريق في الجنة، وفريق في السعير. ثم أخبر سبحانه أن جماعة كثيرة من أنبيائه قتلوا وقتل معهم أتباع لهم كثيرون، فما وهن من بقي منهم لما أصابهم في سبيله، وما ضعفوا وما استكانوا، أو ما وهنوا عند القتل ولا ضعفوا ولا استكانوا؛ بل تلقوا الشهادة بالقوة والعزيمة والإقدام، فلم يستشهدوا مدبرين مستكينين أذلة؛ بل استشهدوا أعِزَّةً كرامًا مقبلين غير مدبرين، والصحيح: أن الآية تتناول الفريقين كليهما. ثم أخبر سبحانه عما استنصرت به الأنبياء وأممهم على قومهم من اعترافهم وتوبتهم واستغفارهم، وسؤالهم ربهم أن يثبت أقدامهم، وأن ينصرهم على أعدائهم، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 147-148]. لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم، وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها، وأنها نوعان: تقصير في حق، أو تجاوز لحد، وأن النصرة منوطة بالطاعة، قالوا: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ﴾. ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم، ونصرها على أعدائهم، فسألوه ما يعلمون أنه بيده دونهم، وأنه إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا ولم ينتصروا، فوفوا المقامين حقَّهما: مقام المقتضي؛ وهو التوحيد والالتجاء إليه سبحانه، ومقام إزالة المانع من النصرة؛ وهو الذنوب والإسراف. ثم حذرهم سبحانه من طاعة عدوهم، وأخبر أنهم إن أطاعوهم خسروا الدنيا والآخرة، وفي ذلك تعريض بالمنافقين الذين أطاعوا المشركين لما انتصروا وظفروا يوم أُحُد. ثم أخبر أنه سبحانه هو مولى المؤمنين، وهو خير الناصرين، فمن والاه فهو المنصور. ثم أخبرهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم الرعب الذي يمنعهم من الهجوم عليهم، والإقدام على حربهم، وأنه يؤيد حزبه بجند من الرعب ينتصرون به على أعدائهم، وذلك الرعب بسبب ما في قلوبهم من الشرك بالله، وعلى قدر الشرك يكون الرعب، فالمشرك بالله أشد شيء خوفًا ورعبًا، والذين آمنوا ولم يلبسوا الإيمان بالشرك لهم الأمن والهدى والفلاح، والمشرك له الخوف والضلال والشقاء. ثم أخبرهم أنه صدقهم وعده في نصرتهم على عدوهم -وهو الصادق الوعد- وأنهم لو استمروا على الطاعة، ولزوم أمر الرسول لاستمرت نصرتهم؛ ولكن انخلعوا عن الطاعة، وفارقوا مركزهم، فانخلعوا عن عصمة الطاعة؛ ففارقتهم النصرة، فصرفهم عن عدوهم عقوبة وابتلاء، وتعريفًا لهم سوء عواقب المعصية، وحسن عاقبة الطاعة. ثم أخبر أنه عفا عنهم بعد ذلك كله، وأنه ذو فضل على عباده المؤمنين، قيل للحسن: كيف يعفو عنهم وقد سلط عليهم أعداءهم حتى قتلوا منهم من قتلوا، ومثَّلوا بهم، ونالوا منهم من نالوه؟! فقال: لولا عفوه عنهم لاستأصلهم؛ ولكن بعفوه دفع عنهم عدوهم بعد أن كانوا مجمعين على استئصالهم. ثم ذكَّرهم بحالهم وقت الفرار مصعدين؛ أي: جادين في الهرب، والذهاب في الأرض، أو صاعدين في الجبل، لا يلوون على نبيهم ولا أصحابهم، والرسول يدعوهم في أخراهم: ((إليَّ عباد الله، أنا رسول الله)). فأثابهم بهذا الهرب والفرار غمًّا بعد غَمٍّ: غم الهزيمة والكسرة، وغم صرخة الشيطان فيهم بأن محمدًا قد قتل. وقيل: جازاكم غمًّا بما غممتم رسوله بفراركم عنه، وأسلمتموه إلى عدوه، فالغم الذي حصل لكم جزاء على الغم الذي أوقعتموه بنبيه
آخر تعديل إرتواء نبض يوم
11-25-2023 في 10:14 PM.
|
11-25-2023 | #2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع حضوري شكر وتقدير لك ولاهتمامك في مواضيعك اخوك نجم الجدي
|
|
|