وقد أدرك الشيطان دور القلب ومكانه فلم يضيِّع وقته في معارك جانبية أو مناوشات هامشية ، بل صوَّب جهده نحو هدف واحد وغاية ثابتة. قال ابن القيِّم :
" ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه ؛ أجلب عليه بالوساوس ، وأقبل بوجوه الشهوات إليه ، وزيَّن له من الأقوال والأعمال ما يصده عن الطريق ، وأمدَّه من أسباب الغي بما يقطعه عن أسباب التوفيق ، ونصب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق " .
فالقلب هو الهدف المشترك بين الملك والشيطان ، كلاهما يستهدفه ، فهو موضع الصراع ، والنقطة الملتهبة ، وساحة القتال ، وأرض المعركة ، ونتيجة هذه المعركة : إما هداية القلب وحياته ، وإما قساوته وموته وهلاكه ، فواعجبا ممن أخذ نصيحة العدو ، وردّ وصية الحبيب ، واشترى صداقة الشيطان بعداوة الملائكة ، وأعلن الحرب على ما تبقى من إيمانه بالتعاون مع عدوه اللدود ، وهي صيحة التعجب التي سبق وأن أطلقها ابن الجوزي حين قال :
" كيف طابت نفسك أن تكون ظهيرا لفئة النفس على فئة القلب ، وفئة القلب مؤمنة وفئة النفس كافرة؟! " .
عن الجوارح مختلف
وقد يقول قائل : لكن الأعضاء والجوارح كذلك مستهدفة من قبل الملائكة والشياطين ، فما الفارق بينها وبين القلب؟! وأقول على لسان أبي حامد الغزالي الذي بيَّن الفارق الجلي في قوله :
" العوارض له أكثر ، فإن الخواطر له كالسهام ، لا تزال تقع فيه ، وكالمطر ؛ لا تزال تُمطر عليه ليلا ونهارا لا تنقطع ، ولا أنت تقدر على منعها فتمنع ، وليس بمنزلة العين التي بين الجفنين ، تغمض وتستريح ، أو تكون في موضع خال ، أو ليل مظلم فتُكفى رؤيتها ، أو اللسان الذي هو وراء الحجابين : الأسنان والشفتين ، وأنت قادر على منعه وتسكينه ، بل القلب غرض للخواطر ، لا تقدر على منعها والتحفظ عليها بحال ، ولا هي تنقطع عنك بوقت " .
ممااستوقفني