طبيب أبي (يرحمه الله)

في قسم الأورام ... كان هناك طبيب .... وكان هناك أيضاً مرضى
غير أنهم أحياء ينتظرون الموت ... ومرافقين لهم يخشون ذلك
قسم يضجّ بكل شيء إلا الحياة السعيده
وطاقم طبّيٌ ...... يستبدلون فيه الراحلين بأناس جدد
قسم نودع فيه أعماراً متفرقه بين كبير وصغير
بين رجل وإمرأه .... بين أورام تأكل الأجساد وآلام توجعها

كنت هناك مع أبي يرحمه الله ... لا تفارق عيني مكانه
وهناك قال الطبيب لي حين رآني : والدك لن يعيش طويلاً
إنه مجرد شهرٍ لا أكثر صدمني حينها
وبعد ثلاث أسابيع قال: والدك لن يعيش سوى أيامٍ أو ساعات
بعدها رحل أبي أمام عيني وهدأت أنفاسه ثم توقفت
رحل أبي ويدي بيده ... ثم تركها حين سكن الألم وغادره
حين تناولته أيدي الملائكة لترحل به لدار الموت
رحل أبي بعد آلام لم أستطع منعه منها
وبعد أن نهشت الأورام من داخل جسده بكل شيء
تركنا غرفة والدي لنتجه به لثلاجة الموتى
رحل أبي وهذا الطبيب يستبدل مريضاً بآخر
ويسكن مريضاً سرير أبي كي ينتظر الموت
فلا أحد يستطيع منع تلك الأورام من أجساد الضعفاء
طبيب لا يهمه الموت ويضحك مع الممرضات إن ضحكن
ويلاطف الطاقم الطبي من النساء ويذكر صلاته متأخراً
هو نفس الطبيب الذي يتغزّل بزوجته في الهاتف رغم أنه
كان يعالج مريضة مات زوجها وستلحقه بنفس مرضه
يعيش حياته وكأنه لا يرى الموت يحوم حوله ويخطف غيره
يعيش حياته وكأنه لا يتواجد في غرفة كان فيها ملك الموت
عجيب أمره!! ... كيف يعيش سعيداً بين المقبلين على الموت
ولكن ... كيف لي أن أسلبه سعادة الحياة بعد أن رحل أبي
ف عجيب أمري كيف يرحل أبي مني وأنا بجانبه
ليتني أسلمت نفسي للملائكة قبل أن تصل إليه
كيف لي أن أجمع ملابساً لا يحتويها جسده
لم يأخذ من الدنيا سوى غترتي التي تدلني على قبره