الجغرافية التاريخية لمنطقة الجولان

ترجع تسمية الجولان إلى المصدر الآرامي جول، ثم أل التعريف آن في آخر الكلمة ؛ وهي بذلك مكونة من شقين: جول- وآن. وكما جاء في مختار القاموس: (جول: جال في الحرب- جولة، وجال في الطواف جولاً وجولاناً وجول تجوالاً: طاف. وجال القوم جولة: انكشفوا ثم كرّوا. والمِجوال: الترس. والخلخال. وهلالٌ من الفضة وسط القلادة. وأجالَه: أداره. وتجاولوا: جال بعضهم على بعض في الحرب، وبينهم مجاولاتٌ. والجالُ: ناحية القبر، والبئر، والبحر، والجبل. وجانبها جمع أجوالٌ. وجُوالٌ. وآن في الآرامية هي أل التعريف التي تكتب وتلفظ في آخر الكلمة.
ومما يؤكد ذلك المصدر مجاورتها إلى مناطق سميت أيضاً بأسماء آرامية منها منطقة سهل النقرة الذي كان يطلق عليه اسم سهل باتان أو باشان ؛ البيت أو المسكن والمقر وكذلك حوران ذات مصدر آرامي في التسمية والمكونة من شقين حور– آن والحور هو شدة السواد في البياض. وبذلك يكون معناها الحور ,وقد ذكر في القرآن الكريم الحور العين كما تشير بعض التفسيرات إلى أن الكلمة تعني العمالقة كما هي أشجار الحور وبذلك يكون الموقع سكن للعمالقة.
وتشكل الجولان جزءاً من جنوب سورية (صور- 1)، ويتكون هذا الجزء من: سهل دمشق- الجولان- اللجاه - حوران- (السهل والجبل) الصفا- الكراع. (صور- 2 - 3) وهذه المنطقة ذات طبائع متغايرة وغير متجانسة، وتشكل تاريخياً قلب بلاد الشام. وهي الجزء المكمل للجزيرة العربية التي تشكل مساحة قدرها 3,5 كم2 منها نصف مليون لبلاد الشام (مصور - 4).
وفي شمال المنطقة يقع سهل دمشق الذي يبلغ أقصى امتداد له 50 كم تقريباً ولا تزيد نسبة الأمطار السنوية فيه عن 200 مم تهطل في مدة زمنية لا تتجاوز 30 يوماً، ولكن بالمقابل تعتبر المنطقة من المناطق المروية بفضل نهر بردى والأعوج والمسيلات والوديان والمياه الجوفية الغزيرة بسبب موقعها على حافة جبال لبنان الشرقية ومنها جبل الشيخ (صورة - 5) وهذا الأمر وفر لها الاستفادة من ينابيع التضاريس الصلصالية والتي تعتبر ولادة وازدهار الواحات المختلفة في أسفل المرتفعات، ولهذا السبب أصبحت المنطقة ملائمة للاستيطان البشري.
وإلى الجنوب تقع منطقة اللجاه ,( صورة 2 - 6) وهي عبارة عن مسكوبات بركانية انسكبت فوق قسم كبير من السطح مع بعض الانخفاضات الفسيحة والأرضيات الملائمة للزراعة وخاصةً القمح والأشجار المثمرة، مع توفر نطاق عشبي ملائم للرعي لفترة طويلة من السنة.
وإلى الشرق جبل حوران وهو عبارة عن كتلة جبلية ذات امتداد 60 كم تقريباً شمال/ جنوب و30 كم تقريباً شرق/غرب. وهذه الكتلة التي تبلغ قمتها العالية 1850 م فوق سطح البحر مكونة من براكين استقرت جيولوجياً في المليون الثامن ق. م، (صورة - 7) وقد ساعد هذا الارتفاع في هطول كميات سنوية من الأمطار يبلغ حوالي 300 مم، وكذلك كميات جيدة من الثلوج القادمة من البحر الأبيض المتوسط في موسم الشتاء.
وهذا التشكيل الجغرافي والظروف المناخية ساعدت على تشكيل المسيلات والوديان الموسمية التي تتجه شرقاً وغرباً، فالشرقية تسيل في سهول البادية السورية والغربية تصب في نهر اليرموك ومن ثم في بحيرة طبريا، وتتكاثر الينابيع الجوفية ذات الغزارة والتدفق الدائم في المنطقة ذات التربة الخصبة مما ساعد على تكاثر عدد المدن والقرى وتزايد عدد السكان

.

وإلى الشرق من جبل حوران توجد منطقة الصفا والكراع، وهي بدورها تشكل جزءاً من المنطقة البركانية التي تشكل منها جبل حوران ويتراوح ارتفاعها بين 700 و800 م فوق سطح البحر، إلا أنها تشكل قسماً من البادية السورية الملائمة للرعي بسبب المياه القادمة من جبل حوران وكذلك نسبة الأمطار القليلة وكذلك بعض المزروعات الخفيفة، وكانت المنطقة ملائمة إلى قبائل الصفويين العرب الذين عاصروا وجاوروا العرب الأنباط جنوباً والقبائل العربية التدمرية شمالاً ويعتمدون في حياتهم على الرعي.
وإلى الغرب من الجبل يمتد سهل النقرة (سهل باشان أو باتان) الفسيح والمنبسط والخالي من التعقيدات الجغرافية، وتتخلله بعض التلال البسيطة والتي كانت عبارة عن مواقع لبناء التجمعات السكنية في العديد من الفترات وخاصة في عصور البرونز، (صورة 8 - 9) وهذا السهل يتميز بتربته الخصبة وتوفر المياه متعددة المصادر من ينابيع ووديان وأمطار.
وإلى الغرب أيضاً منطقة الجولان ؛ فهي تحاذي من الغرب لجبل الشيخ الذي تبلغ قمة ارتفاعه 2814 م (صورة - 10) فوق سطح البحر ثم يهبط الارتفاع شرقاً وغرباً وجنوباً ليصل إلى1531 في منطقة مجدل وبيت جن، و1530 في جبل الروس المشرف على منطقة شبعا ثم ينحدر إلى 1226 عند بقعاتا و1123م عند بيت جن ومن ثم 944 في منطقة قزيزيات وزعورة وبانياس وأخيراً إلى سهل الحولة حيث يبلغ الارتفاع في قرى دفنة- شيا- شوف النخيلة 202 م ثم بحيرة طبريا ارتفاع 209 م. (صور- 11)
وتحيط في منطقة الجولان بعض التلال من الجهة الشرقية مثل تل الشمس ارتفاع 1012متراً، وتل المال ارتفاع 1001، وتل الحارة ارتفاع 1094، (صورة- 12) ويتوسطها تل أبو الندى 1197، وتل الفرس ومنطقة كودنا في الوسط 993، وتل النفاخ 977 ثم تنحدر المنطقة غرباً إلى 225 في منطقة خربة الدريحات، و218 في كراد الغنامة. وكذلك تأخذ المنطقة بالانحدار شرقاً وغرباً وجنوباً في منطقة الرفيد 290، البازوق 523، العال 438 ، سحم 450 أم قيس 360متراً.
وهذه المنطقة هي الأكثر غزارة في المياه والأمطار والينابيع والوديان والمسيلات دائمة الجريان بعد المنطقة الساحلية التي لا تبعد عنها أكثر من 50 كم، فالمسافة الفاصلة بين مدن حيفا على الساحل وفيق القريبة من حافة بحيرة طبريا 60 كم، ومدينة عكا وشمال بحيرة طبريا عند قرى خربة أبو زين وطواحين منجار 50 كم، وبين قرية بانياس ومدينة صور 45 كم، والناقورة على الساحل ومدينة القنيطرة 65 كم.
وتشرف هذه المنطقة على سهل منحدر وخصب تتخلله البحيرات وأهمها بحيرة طبرية وبحيرة الحولة وبحيرة مسعدة. وتتجمع فيه معظم الوديان والمسيلات القادمة من مرتفعات جبل الشيخ ثم تصب في بحيرة طبريا حيث منطلق نهر الأردن. وجميع هذه المياه نظمت لها قناة تجميع لتصل إلى النقب حيث تروى جميع الأراضي هناك من مياه هضبة الجولان. (صورة-13)

قِدم الاستيطان
أخذ موضوع الاستيطان وقِدمه في المنطقة يستوضح شيئاً فشيئاً مع ظهور معطيات جديدة حركت لدى الباحثين التفاؤل المستقبلي وخاصة في حال التوسع في الحفريات المستقبلية للحصول على معلومات أوسع وأشمل. ولكن ثمة أموراً سلبية طمست وأخفت أو أزالت كلياً الكثير من المعالم ومنها:

1- عمليات استصلاح الأراضي وإزالة كل ما هو على وجه الأرض من معالم أثرية والتي بالنتيجة ما هي سوى منشآت أو بقايا منشآت أو حدود وتحديدات أثبتت الدراسات الأثرية أنها عبارة عن أعمال منفذة من قبل إنسان ما قبل وقبيل التاريخ والتي توسعت بشكل ملحوظ في عصور البرونز والنحاس ومنها المساكن التي تعود إلى ما قبل التاريخ والتي كانت تبنى بنصفها السفلي تحت الأرض والنصف العلوي فوق الأرض، (صور 16 إلى 25) وكذلك القبور والمدافن.




2– التوسع التنظيمي واستثمار المساكن القديمة ولكن في هذه الحالة فلم يقتصر الأمر على توظيفها بالشكل الذي كانت عليه وإنما في تغيير معالمها أو إزالتها من جذورها وبناء ما هو جديد في موقعها أو ردمها وتسويتها كطبقة تأسيس للمنشآت الجديدة وخاصة شبكة الطرقات الحديثة في القرى والمدن والسدود.( صور26).
3- العبث في المواقع والأبنية الأثرية بدون دراية ونقل حجارتها لاستعمالها في أبنية حديثة أو حفر خنادق في التلال الأثرية بدون إجراء أسبار أثرية مسبقة (صور27 إلى 30).
4- الموقع الاستراتيجي للمنطقة وخاصة في ظروف خلق دولة صهيونية في فلسطين وتعرض المنطقة للاحتلال من جهة وكذلك ظروف المواجهة كون المنطقة أصبحت منطقة مواجهة وصمود وحروب متكررة مما فرض تواجد القوى المسلحة الذي تطلب حفر الخنادق والمتاريس وإشغال التلال وتغيير المعالم الطبيعية المختلفة، كل ذلك كان على حساب طمس المعالم الأثرية التي كان من الضروري دراستها ومعرفتها منذ وقت مبكر.
5- نهب الصهاينة للممتلكات التراثية على أثر احتلال قسم من المنطقة بعد نكسة حزيران عام 1967 وتغيير المعالم التراثية جذرياً مما سبب في تشويه الحقائق وتدمير الطرقات والجسور الأثرية بالقصف الجوي (صورة31 - 32).
المعطيات الأثرية والمرتكزات التي ارتكز عليها البحث:
1- نتائج رحلات الاستكشاف التي قام بها عدد من الباحثين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين والتقاط العديد من اللقى الأثرية والتي تعود إلى العصر الحجري القديم (الباليوليتيك) والتي شجعت العديد من الباحثين لإفراد قسم من دراساتهم عن فلسطين في العصور القديمة وخاصة عصور ما قبل التاريخ والقيام في عمليات استكشافية تم من خلالها تحديد بعض المواقع لإجراء أسبار متفرقة والكشف عن العديد من المواقع القديمة بمختلف مراحلها التاريخية.
وكل ذلك شجع بعض الباحثين وعلماء الآثار في تحديد بعض الأماكن المحددة ويشكل خاص المواقع التي كانت مسكونة في العصر الغسولي والنطوفي وكذلك عصور البرونز والنحاس والحديد وغيرها. وقد أكدت نتائج الحفريات أن المنطقة شهدت المراحل المبكرة لوجود الإنسان وعيشه فوق أرضها وممارسة مهنه المتطورة وحياته المستقرة ونهضته العمرانية في بناء مساكنه وتصنيع أدواته المنزلية بشكل متطور عن باقي مناطق العالم والتي تجاوزت زمنياً في عمقها التاريخي أكثر من مليون عام وبشكل خاص في مسيلات الوديان وخلف أدوات صوانية وحجرية مختلفة كان يستعملها من أجل حياته اليومية. (صور-33).
2- الحفريات في تل الطيبة في عام 1962، وقد أكدت نتائج الحفريات الاستمرارية في إعمار المنطقة وتزايد عدد السكان والنهضة المستمرة والتطور الزراعي والصناعي والرعوي منذ البدايات. وقد ساعدت الظروف المناخية على تدعيم وتثبيت الاستقرار في جنوب بلاد الشام، كما ساعدت الطبيعة على تطور الإنسان في المنطقة وتنمية أفكاره وعبقريته المتنامية في تكييف الطبيعة حسب متطلباته، ولذلك أخذ يتطور سريعاً من مجتمع الصيد إلى المجتمع الرعوي فالزراعي ومن ثم الصناعي والتنظيمي المتحضر والمدني.
3- الحفريات في منطقة جاوه والتي تأكد من خلالها توسع السكان نحو البادية والتقنية العالية في كيفية استثمار المياه والري والتخزين في الألف الخامس ق. م، كما تم إنشاء تنظيم هندسي رائع الإتقان في الحصول على مياه الوديان وحفظها في خزانات كبيرة. كما أكدت أن جنوب بلاد الشام كانت خالية من الغابات وبالتالي فهي فقيرة في مادة الخشب الضروري للبناء وبشكل خاص سقوف المنازل. وبسبب نقص هذه المادة فقد توصل سكان المنطقة إلى اختراع هندسة بناء محلية بتطبيق منهج الأقواس والقناطر واستعمال الحجر في جميع أغراض البناء ومن ضمنها التسقيف والأبواب والنوافذ. وقد استمر استعمال هذا المنهج إلى أن تم استعمال الإسمنت المسلح في العصر الحديث.
4- الحفريات الأثرية في منطقة الهيبارية وخربة الأنباشي والتي دلت على وجود مجتمع زراعي رعوي يستأنس جميع الحيوانات وخاصة فصائل الأغنام والأبقار في الألف الرابع ق. م كما تأكد من تحليل عظام الحيوانات المتكلسة فوق سطح الأرض وعلى مساحة 5 كم2 أن تلك الفترة كانت المرحلة الأخيرة للاستقرار الجيولوجي للمنطقة الشرقية من حوران. (صورة34-35 )
5- استقراء نتائج الحفريات الأثرية التي نُفذت في مدينة بصرى حتى الآن وفي مواقع متعددة من المدينة وخاصة منها ما يتعلق في الفترات التاريخية القديمة والتي بينت أن مدينة بصرى كانت كما هو حال العديد من مدن جنوب سورية مدينة منيعة ومحصنة بأسوار عالية ومزودة بأبراج حصينة ومداخل محددة.
6- الحفريات الأثرية في تل عشترة ولعدة مواسم والعثور على لقى أثرية تعود إلى عصر البرونز، والتي أكدت أن منطقة الجولان بشكل خاص كانت منطقة حروب ومنطقة إستراتيجية كانت تطمع جميع الشعوب في الاستيلاء عليها.




7- نتائج الدراسات الميدانية لمواقع ما قبل وقبيل التاريخ في جنوب بلاد الشام والتي بدأت منذ عدة سنوات وتمركزت حتى الآن في منطقة اللجاه وحوض دمشق وأعطت نتائج مبهرة في هذا الخصوص (هذه الدراسة جزء منها).
8- مطابقة أسماء بعض المواقع مع ما جاء في مذكرات الفراعنة ومنهم تحوتمس الثالث ورمسيس الثاني والمنقوشة على المعابد المصرية وبشكل خاص معبد سقارة والذي يعود إلى نهاية القرن 19 وبداية القرن 18 ق. م وقد وردت فيها أسماء ملوك وأمراء جنوب بلاد الشام ومملكة حوران وملكها جمورو وعاصمتها مدينة بصرى وإمارات ومدن الجولان.
9 - وكذلك أسماء المواقع التي احتلتها قوات تحوتمس الثالث أثناء دخولها إلى بلاد الشام والتي نقشت على معبد الكرنك, والرسائل المتبادلة بين أمراء المنطقة وملوك مصر والتي تعود إلى القرن 14 ق. م. وكذلك الكتابات التي نقشت على معبد أمنوفيس الثالث الجنائزي 1408- 1372 ق. م والمعاصرة إلى لوحات العمارنة حيث ذكرت أسماء بعض مواقع جنوب سورية ومطابقتها مع الأحداث التاريخية التي جرت على كامل أراضي بلاد الشام.
10- المعلومات الوصفية في المصادر المختلفة وما يتطابق معها تاريخياً وجغرافياً ومعمارياً وتنظيمياً.
11- المسح الأثري الذي جرى للمواقع الأثرية في منطقة الشرق الأوسط بواسطة الأقمار الصناعية ونشر نتائجه في الأطلس الأثري.
12- رحلة الاستكشاف الميدانية من قبل عدد من علماء الجيومورفولوجيا في منطقة زيزون وحوض اليرموك والعثور على أدوات حجرية وقواطع وشظايا تشبه أدوات وجدت في حوض العاصي وترجع إلى عصر اللطامنة وهي نفس الأدوات التي وجدت في بعض المواقع على ضفاف وادي الزيدي وبشكل خاص في الطيبة والتي يعود تاريخها إلى أكثر من نصف مليون عام. (صور 39).
قِدم إعمار المنطقة
وكما ذكر سابقاً يمكننا التأكيد على أن المنطقة كانت عامرة بالسكان كما هو حال باقي مناطق بلاد الشام وفي نفس الفترات التاريخية التي تركت أدوات مختلفة منها فؤوس حجرية لها رؤوس حادة وقبضات مستديرة، وتعتبر هذه الأدوات من أقدم آثار الإنسان في حوران حتى الآن وهي من صنع الإنسان الذي يرجع تاريخ وجوده في منطقة الشرق إلى أكثر من مليون ونصف عام. كما وجدت أدوات نسبها العلماء إلى العصر الحجري القديم الأوسط والذي يرجع إلى حوالي 200 ألف عام حيث غطت آثار هذا العصر كامل مناطق الشرق القديم. وكل ذلك يدل على قدم سكن المنطقة وإعمارها قبل غيرها من مناطق العالم (صور 39).
وقد كشفت التحريات الأثرية التي كانت تجرى في المنطقة عن دلائل ذات أهمية كبيرة عن عصور كانت مجهولة في المنطقة حيث كشفت عن مواقع حصينة داخل أسوار بازلتية طبيعية سكنت من قبل جماعة كانت تصطاد الغزلان والثيران والماعز وتأكل الخضار الطبيعية وتصنع الأدوات والأسلحة الحجرية (صورة 40).
والشيء المهم في الأمر أن هذه الحفريات وضحت لنا تاريخ المنطقة ومستوى الحياة في فترة زمنية تعود إلى عشرين ألف عام واستمرت حوالي عشرة آلاف عام، وفي فترة زمنية طور فيها الإنسان حضارته على شكل متجانس لتصبح على مستوى عالمي شملت كامل مناطق الشرق الواقعة بين حوض النيل وحوض الفرات بما فيها حوض العاصي وحوض اليرموك، وكان الإنسان في جنوب سورية الأكثر تطوراً.


العصر الحجري الحديث
ومع اقتراب العصر الحجري الحديث حتى وصلت المنطقة إلى مرحلة تنظيمية متطورة وعرف ذلك العصر بعصر الاستقرار وبناء القرى ذات النماذج المتطورة في المجال المعماري المتميز وكان ذلك في ظل مجتمع يسعى جاهداً للتطور في البناء وتعزيز قواعد الاستقرار، وبذلك أصبح هناك توازن بين مستوى الحياة ومستوى البناء وظهور المدينة بكامل مقوماتها. وقد عرفت المنطقة منذ الألف الثامن ق. م والذي عرف بعصر ثورة الرموز وطيلة عصر النحاس تطوراً ملحوظاً في بناء المساكن والمنازل ذات الغرف المتعددة مع وجود ساحة داخلية، وكانت الحجرات مغلقة من الخارج ومفتوحة من الداخل مع الاستمرار في استعمال الحجر البازلتي في البناء بما فيها الأبواب والنوافذ (صورة 41). ولم تكن منهجية العقود معروفة حتى ذلك التاريخ من أجل تسقيف السطوح كما لم يتم استعمال الأعمدة والتيجان، وبسبب افتقار المنطقة للخشب فقد استعملت بدائل من العرائض الحجرية التي ترتكز على نماذج متعددة من الركائز التي تأخذ بالتوسع التدريجي نحو الأعلى (صورة 42).
مظاهر التطور:
وترافقت النهضة الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية مع النهضة الفكرية وتطور المعتقدات الدينية ذات الصفة المشتركة على مستوى الشرق الأوسط. كما تطورت الأدوات الصناعية ومنها النبال ذات الفرض المتقابلة والتي عرفت باسم نبال الخيام والتي انتشر استعمالها في المنطقة منذ الألف التاسع ق. م وتم العثور عليها في العديد من المواقع في المنطقة بالإضافة إلى الأواني الفخارية والتي تعرف باسم الفخار اليرموكي نسبة إلى حوض اليرموك (صورة43). وكان يترافق ذلك كله مع تزايد عدد السكان حيث أخذت تحل بالمنطقة ومنذ العصر النحاسي وطيلة عصور البرونز والحديد القبائل العربية القادمة من الجزيرة العربية ومنها الأكاديون الآراميون والكنعانيون وغيرهم. وقد أظهرت الدراسات الأهمية الكبرى والدور الاستراتيجي الهام الذي لعبته المنطقة في المجالات التجارية والزراعية والصناعية وكثافة العلاقات المتبادلة بينها وبين حضارات العالم في وقت كانت تسود فيه القبائل العربية وخاصة العموريين والكنعانيين في منطقة الشرق الأوسط. وكان من نتائج النشاط الاقتصادي وتطور الصناعة في المنطقة أن سادت العلاقات وتطورت بين إمارات المنطقة وممالك مصر، وقد تأكد ذلك في الوثائق المصرية حيث كان من المعروف عن المصريين توثيق أسماء الشخصيات والمواقع الهامة على معابدهم ومسلاتهم وعلى التماثيل والأواني (صورة 44).
كما تأكد ذلك من خلال المكتشفات الأثرية التي أظهرت عالمية المنطقة وخاصة في صناعاتها ومن بينها الكؤوس الملمعة والمطلية وأنها لم تشابه الفخاريات في المدن الساحلية والداخلية وخاصة مدن حوض العاصي وفلسطين فحسب بل كانت الصناعات في تلك المناطق تتأثر في صناعة الفخاريات في المنطقة وخاصة في تكوين أشكالها وتكوين زخارفها ورسوماتها. ومما يميز الصناعات الفخارية في المنطقة عن بقية الصناعات في العالم القديم دقتها ونعومتها والتي سادت لاحقاً في العهد النبطي. ومثال على ذلك الأكواز الصغيرة والملمعة والمزخرفة بتقنيات متعددة كالتلميع والتحزيز والطباعة النقطية التي تم الكشف عنها في العديد من مواقع المنطقة والتي تعود إلى عصور البرونز (صور45- 46- 47).
فترة الألف الثالث والثاني ق. م والعلاقة مع المصريين:
وقد أثبتت إحدى الوثائق المصرية أن ملوك جنوب سورية كانوا يمتلكون حكماً مستقلاً ويتعاملون مع الفراعنة كالند بالند، وأن حكمهم لم يقتصر على المناطق السهلية والجبلية في جنوب سورية وإنما كانت تتبع لهم مناطق البادية والمناطق الصحراوية. ويفهم من ذلك أيضاً أن سلطتهم امتدت إلى البادية السورية والأردنية والدليل على ذلك أنهم كانوا يحثون السكان في المنطقة وكذلك البدو الذين كانوا ينظمون جميعاً تحت لوائه لمحاربة المصريين عندما كانوا يحاولون احتلال المنطقة وتؤكد ذلك المسلة التي نصبت عند زيزون.

طرح مميز وقيم

عوافي

يسلمو عالطرح الرااائع

وننتظر جديدك وابداااعك الراقي

تسلمين يا قلبي
لج مني كل ود
واحلى ورد

بُوْرِكَ الْجَهْدَ وَالْقَلْبْ
ول ِروحكْ هَذِهْ

يسلموووووووووووو على المرور جميعاااااااااااااااااااا

يعطيك ألعافية .. على ألطرح ألرٱٱٱئع
مٱننحرم من جديدكـ ألمميز
باقات ـٱلشكر وـاألتقدير ـاإقدمها لك...