12-26-2011
|
#2
|


هذه المقتطفة تصف بها "كواي لان" وحدتها .. بعد أن بلغ عمر أخيها 9 سنوات فأصبح حسب العادات المتبعة رجلاً لا يصح له الدخول إلى جناح النساء ..،
(( وعندما فصلونا لأول مرة زحفتُ ذات يوم إلى جناح الرجال، واتكأت على الحائط المقابل، ونظرتُ إلى الساحة آملة في أن أرى أخي في الحديقة، ولكنني رأيت فقط خدماً من الرجال يروحون ويجيئون مسرعين حاملين آنية الطعام الحار، وعندما فتحوا الأبواب المُفضية إلى قاعات أبي تسرَّبت إلى الخارج أصوات ضحك، يختلط بغناء من صوت امرأة، وعندما أغلقت الأبواب الثقيلة لم يكن هناك غير الصمت في الحديقة.
لقد وقفتُ طويلاً أستمع إلى ضحكات الطاعمين متسائلة عما إذا كان موجوداً وسط ذلك الجو المرح، ثم أحسستُ فجأة بيد تجذب ذراعي بقوة وإذا "وانج داما"، كبيرة وصيفات أمي، تصيح:
- هل تريدينني أن أقول لأمك، إذا رأيتك تكررين هذه الفعلة؟ من رأى قبلاً فتاة حييّة تنظر خلسة إلى الرجال؟
ولم أجرؤ لخجلي أكثر من أن أتمتم معتذرة:
- لقد كنت أبحث عن أخي.
ولكنها أجابتني بشدة:
- إن أخاك رجل الآن.
ولهذا نادراً ما كنتُ أرى أخي. ))
وهنا تصف الليلة الأولى التي قضتها مع زوجها المتحرر ..،
(( ثم أخذت كلماته تلهب أذني ثانية: لقد دُفعتِ أنتِ إلى الزواج كما دُفعتُ أنا ..! وفجأة أوشكتُ على الإغماء خوفاً، هل قصد أن يقول إنه لم يكن راغباً في الزواج مني؟
يا أختاه، يا له من حزن شديد وألم ممض! وأخذتُ أفرك يدي في حجري في مضض دون أن أجرؤ على الكلام، ودون أن أعرف بماذا أُجيب. وأرخى هو يده، وأحسست بعينيه على وجهي، أخيراً تكلم وكان صوته الخافت مريراً:
- تماماً كما خشيت... فلن تستطيعي أن تُظهري لي أفكارك الحقيقية، ولستِ قادرة على ذلك، وليست لكِ الجرأة على الانفكاك مما تعلمتِ من أساليب القول والعمل في موقف كهذا.
اصغي إليّ- أنا لا أطلب إليك أن تتحدثي، ولكنني أرجو منكِ إشارة صغيرة، فإذا شئتِ أن تعبري هذا الطريق معي فاحني رأسكِ قليلا.
وراقبني عن كثب وأحسست بيديه تزدادان ضغطا، ماذا يعني... لماذا لا تسير الأمور في طريقها المتوقع؟ لقد كنتُ مستعدة لأن أكون زوجته. ورغبتُ أن أكون أم أطفاله.
ثم ابتدأ أساي، هذا العبء الذي يغادرني ليل نهار... لم أدر ِ ماذا أفعل وفي يأسي وجهلي أحنيتُ رأسي.
- إني شاكر...
قالها وهو يقف على رجليه، وسحب يده وأردف:
- استريحي بسلام في هذا المخدع، تذكري بأن ليس هناك ما تخافينه الآن أو فيما بعد، إنني سأنام الليلة في المخدع الصغير المجاور. واستدار بخفة وانصرف. ))
وهذه آخر مقتطفة، وفيها تتحدث "كواي لان" إلى زوجها عن المشاكل المترتبة من اجتماع أخيها وزوجته الغربية المتحررَين في بيت واحد مع أمها المتمسكة بتقاليد العائلة ..
(( إنني أفكر فيهما وأتصورهما في الغرف القديمة وحدهما معا، وقلت لزوجي في الليلة الفائتة:
- ما هي نتيجة هذه المتاعب؟
فهز رأسه في شك ثم قال:
- سيكون وجود الاثنين، القديم والحديث تحت سقف واحد، أشبه بالحديد الذي يقارع الصوان، ومَن يدري أيهما سيفلّ الآخر؟
- وماذا سيحدث؟
وأجاب برصانة:
- ستخرج نار منهما. إنني أرثي لأخيك، ما من رجل يستطيع أن يقف ساكتاً بين امرأتين متغطرستين. إحداهما عجوز (أمه)، والأخرى شابة (زوجته)، وكلتاهما تحبه حباً عظيما.
ثم أخذ الطفل وأجلسه على ركبته، وظل يُفكّر، ولا أدري ماذا كان يجول في ذهنه، ولكن الطفل رفع خصلة الشعر عن أذنه ليظهر القرط الذي علّقته جدته فيها وصاح:
- هل ترى يا دادا؟
وفي الحال نسينا أخي وزوجته وتطلّع زوجي إليّ بـ شك ولوم وقال:
- كواي لان، ما هذا؟ لقد اعتقدت أننا انتهينا من هذه الخزعبلات.
وأجبته متلعثمة:
- لقد جعلته أمك في أذنه... ولم يطاوعني قلبي علي..
- "هراء"، صاح بي، يجب أن نفكّر في الطفل أولا، ولا نستطيع أن نتركه يتلقى مثل هذه الأفكار.
وأخرج من جيبه سكيناً صغيرة، وبعناية قطع الخيط الحريري الذي يشد القرط. ثم مد جسمه وألقى به من النافذة إلى الحديقة، فلما احتج الطفل قال له ضاحكاً:
- إنك رجل مثلي، انظر إنني لا أعلّق أقراطاً في أذني كـ المرأة... نحن رجال، لا نخاف الإلاهة. وابتسم الطفل لهذه الكلمات المرحة.
ولكنني في ظلمة الليل رحت أفكّر وأنا نصف خائفة، هل المسنون على خطأ دائماً؟ وماذا لو كان هناك آلهة بالفعل؟ لن أريك شيئاً لابني دون إنجاز. آه كم أفهم أمي ))
انتهى.
|
|
|
12-26-2011
|
#3
|


صدقت عادل هذه الكاتبة تنقلك إلى أجواء رائعة ولها قصة أخرى بأسم الأرض الطيبة من أروع القصص التي قرأت وقد ترجمت هذه الرواية إلى عشرين لغه
والرواية تحكي قصة ذلك الفلاح الفقير وانغ لونغ الذي يعيش مع والده المريض في مزرعة صغيرة فقيرة التربة ولا يملك إلى جانب بيته البسيط المكون من ثلاث غرف مسقوفة بالقش سوى ثور واحد يعتمد عليه في حراثة الأرض المجدبة.
وعلى الرغم من هذه الظروف يقرر الزواج فيساعده والده في اختيار فتاة اسمها أولان بيعت فيما مضى وهي طفلة إلى منزل الثري هوانغ. كان عليه أن يستأذن سيدة القصر الكبير ليحظى بزوجته التي لم تكن على مستوى عال من الجمال، ولم يتسنَ له رؤيتها حتى لحظة زواجه منها.وعندما دخل القصر ليتسلمها وجد سيدة القصر إمرأة فظة مدمنة على تدخين الأفيون الذي كان منتشرا بين الأغنياء وغيرهم.ولم يكن لسيدة القصر من شروط على أولان أكثر من طلب أن ترى ابنها بعد أن يولد.
وبعد أن يرزق وانغ لونغ البنين من زوجته أولان الصابرة يحدث ما كان يخشاه، أجدبت السماء وجفت الأرض ثم تشققت، توقف القمح النابت عن النمو، وماتت مساكب الأرز التي زرعها ورعاها طويلا وانخفضت مياه البئر وبات مهددا هو وعائلته من غائلة الجوع والعطش.لم يكن وانغ لونغ وحده يعاني من ذلك، الجميع كانوا يعانون خاصة المزارعين الفقراء أصحاب الأراضي الفقيرة عانوا من القحط مثله، حتى أراضي أسرة هوانغ الخصبة لم تنتج محصولها ككل سنة.واضطر وانغ لونغ إلى ذبح ثوره ولكنه لم يقم بعملية ذبحه بنفسه.حدث ذلك بعد أن أصبح هناك سبعة أطفال في بيت وانغ وأولان.
ولكن سكان القرية الجائعين كانوا يظنون أن وانغ الذي اشترى أرضا من أسرة هوانغ يوما ما يخبيء الفضة والمحاصيل في بيته، وأنه كان يتظاهر بالحاجة والجوع كبقية الفلاحين.هذا الأمر دفعهم لمهاجمة وانغ وأسرته وتفتيش البيت بحثا عن الفضة والطعام.ولما لم يجدوا شيئا شرعوا في نهب أثاث البيت. عندها صرخت أولان في وجوههم قائلة: «لا تفعلوا ذلك، لم يحن الوقت بعد.
ومرت الأيام قاسية أكل فيها الناس العشب فوق التلال ثم أكلوا الحيوانات النافقة من الجوع ثم أكلوا لحم البشر.وبينما وانغ وأسرته يعانون من الجوع جاءه عمه بصحبة نفر من المدينة جشعين ومستغلين أرادوا شراء الأرض بثمن بخس، لكن وانغ رفض الفكرة بتاتا وقبل ببيعهم أثاث بيته جميعه كي يتمكن هو وأسرته من الهجرة نحو الجنوب.
ويستقر وانغ وأسرته في احدى مدن الجنوب، اختاروا سور أحد القصور ليقيموا لهم ملجأ إلى جداره الطويل العالي، ويقود وانغ عربة الجيشا بحثا عن الرزق، بينما أولاده يشحذون.وهناك سمع وانغ أول رياح الثورة عندما نادى شاب على مسمع من وانغ والآخرين قائلا: إن الصين يجب أن تثور، وتضرب الأجانب الكريهين فكر وانغ بالعودة إلى أرضه لكنه لا يملك ثمن العودة، تشير عليه أولان ببيع ابنتهما الصغيرة الضعيفة لكنه يشفق عليها ويتردد، وتثور المدينة، وتتحطم أبواب وأسوار القصر القريب ويهرب ساكنوه، إلا واحدا منهم، رجلا سمينا، يلتقيه وانغ فيجده مرعوبا، يعرض عليه الرجل السمين قطعا ذهبية مقابل تركه وشأنه فيأخذ وانغ الذهب ويستعين به على العودة إلى أرضه.يعود ويبدأ من جديد ويكرم جاره تشينغ الذي أعطاه يوما حفنة من الفول أيام المجاعة القاسية.
تفاجأ وانغ بعد أيام بوجود رزمة ملفوفة بقماش حول عنق زوجته تحوي على مجموعة نادرة من المجوهرات.قالت له زوجته أولان: «في منزل الرجل الثري رأيت قرميدة مرخية في الحائط، فذهبت إلى هناك بهدوء كيلا يراني أحد». ثم أضافت موضحة: «كنت أعيش في منزل رجل ثري، الأثرياء يخافون دائما».أ خذ وانغ المجوهرات فرحا وترك لؤلؤتين صغيرتين لزوجته حسب رغبتها وذهب إلى بيت هوانغ لشراء المزيد من الأرض، لم يجد أحدا هناك سوى هوانغ العجوز نفسه وجارية له تدعى كوكو.أما الباقون فقد رحلوا بعد سرقة البيت ووجد سيدة القصرالتي أتلفت جسدها من كثرة تدخين الأفيون قد ماتت من شدة الخوف عندما داهمهم اللصوص.كما وجد وانغ أن الأمور كلها بيد الجارية كوكو فساومها على الأرض واشترى منها ما استطاع مقابل المجوهرات.
مضت سنوات سبع عاشت خلالها أسرة وانغ في رغد من العيش، تعلم فيها الأولاد القراءة والكتابة، وجلبوا خلالها المزارعين الآخرين لمعاونتهم على حراثة الأرض وحصادها مقابل أجر. ولكن وانغ الذي عاش تلك الحياة القاسية بات يفكر في نفسه ويتأمل زوجته أولان وكأنه تفاجأ أنها لم تكن على درجة من الجمال، هفت نفسه للبحث عن اللذة في حجر إمرأة أخرى، وجدها عند فتاة صغيرة تدعى لوتس تدبرتها له كوكو، المرأة الجارية التي كانت تخدم مع زوجته يوما ما في قصر هوانغ.
وتمرض أولان الصابرة في الوقت الذي كان فيه ضمير وانغ يستيقظ، أحضر لها الطبيب.. ثم تموت أولان بعد زواج إبنها البكر وبعد صراع مع المرض ويعقبها والد وانغ فيدفنهما في أرضه، ويواصل وانغ حياته ويزوج أولاده الآخرين في حياة شبه رتيبة بعد أن يكبر ويكثر أحفاده.
|
|
|
12-26-2011
|
#4
|


(2)
http://images.amazon.com/images/P/B0...CMZZZZZZZ_.jpg
"Where Angels Fear to Tread"
E. M. Forster - 1905
(حيث تخشى الملائكة أن تتنزل) - الطبعة الأولى عام 1905م
للكاتب الإنجليزي إدوارد مورغان فورستر
رواية تنقض على بعض من عيوب المجتمعات من سوء التربية ومأساة التسلط بأسلوب ساخر..ولاذع في جوهر معناه للروائي الإنجليزي فورستر (1879-1970) اللندني المولد. محاكياً بذلك أبناء جلدته المشهورين بالأسلوب النقدي كـ تشارلز ديكنز وغيره ..
تحكي الرواية على وجه التحديد مأساة الشباب في المجتمعات التي قيّدت أبنائها بقيود ما أنزل الله بها من سلطان..ودفعت بهم لبوابة الموت بلا شعور وأحياناً بشعور متعجرف ومُكابر.. وهي تتركز على شخصيتين بشكل مكثف:
1- (فيليب) الساخر من كل ما يجري حوله وهو الابن الوحيد من "آل هيريتون" بعد موت أخيه "تشارلز" تاركاً زوجته الأرملة (ليليا) للبؤس والاستبداد من عائلته ..
2- (أبوت) الغامضة والمترددة وهي صديقة ليليا والتي ترافقها لايطاليا وتشهد على مأساتها هناك ..
تُبعث ليليا بصحبة الآنسة أبوت لايطاليا لعل وعسى يكون في رحلتها ما يسليها عن بؤسها بعد موت زوجها تشارلز .. وفي ايطاليا - في بلدة سيينا - تلتقي ليليا بـ"كاريلا جينو" الشاب الايطالي الرومانسي والوسيم والمُعدم وتعجب به وتتزوجه في تحدٍ كبير للفروق الإجتماعية والفكرية والثقافية ليس حباً به ولكن كرهاً بغيره، رغم محاولات فيليب المتأخرة. وتنتهي أزمتها مع هذا الزواج بشكل مأساوي حيث الوحدة والخيانة التي لاقتها من زوجها كاريلا واضعة له الطفل الذي رغب به زوجها وتموت هي أثناء الولادة..
ثم يبدأ كل مَن شعر بمسؤوليته تجاه مأساة (ليليا) التحرك لاستعادة الطفل من الأب الايطالي "الوضيع والمتعجرف بنظرهم"..وكل له دافعه - الآنسة أبوت وكذلك فيليب وأخته هارييت بعد أن بعثت بهما الأم - إلا أن أيّهم لم يكن ليعمل ما يراه صواباً بقدر ما يتبّع أهواء غيره ممَن أجادوا التسلط عليهم في مجتمعاتهم..
يفشل الجميع في أخذ الطفل من أبيه رغم الإغراء المالي الكبير المعروض على جينو ورغم حاجة جينو الشديدة للمال..وبعد هذه الممانعة تحدث المأساة الختامية..!
الكتاب من الحجم المتوسط، وتتجاوز صفحاته الـ(200) صفحة بقليل أيضاً كالرواية السابقة في الحجم والصفحات، قامت بترجمتها الأكاديمية السعودية منيرة بدر المهاشير (عضو اتحاد المترجمين العرب - بيروت) والحقيقة أن هناك فارق كبير بين ترجمة هذه الرواية وترجمة أ. سميرة عزام في الرواية السابقة مثلاً ولا أعرف سبباً معيناً لبعض اللاتناسق في الجمل بهذه الرواية والتي قامت أ.منيرة مشكورة بترجمتها. الكتاب في السعودية متوفر بمكتبات جرير والعبيكان بـ(30) ريال سعودي، وشكراً.
سأعود بمقتطفات منها.
|
|
|
12-26-2011
|
#5
|


أولى المقتطفات تجمع فيليب بـ أبوت وكان فيليب قد قدم من انجلترا لايطاليا محاولاً اثناء ليليا من الزواج بالفتى الإيطالي (كاريلا جينو) على اعتبار أن زواجها منه يُعتبر إساءة لذكرى أخيه (تشارلز) الذي هو زوجها المتوفي وإساءة لابنتها الصغيرة منه .. محاولاً أن يجمع المعلومات عن جينو من خلال الآنسة أبوت:
(( نظرت – أبوت – إليه بحدة، لم تفهم ما قاله. لكنها شعرت أنه شديد الذكاء، ثم استطردت في دفاعها عن السنيور كاريلا:
- حالياً، هو كـ بقية الشباب يبحث عما يقوم به.
- وحتى آنذاك؟ (فيليب يسألها)
- وحتى آنذاك حاله حال بقية الشباب، يقيم مع عائلته..والده ووالدته وأختيه وأخيه الصغير.
كان المرح يعتريها بصورة أفقدته رباطة جأشه فعزم على أن يُسكتها قائلاً:
- سؤال واحد فقط وأخير..ماذا يعمل والده؟
أجابت الآنسة أبوت:
- والده، حسناً لا أظنك ستعتبره زواجاً مُتكافئاً وهذا ليس مهماً، أعني لا يُعتبر الفارق الإجتماعي مهماً...الحب في نهاية المطاف...ليس...بل...أنا..
صرّ فيليب على أسنانه ولم يقل شيئاً.
- للرجال النبلاء أحكاماً قاسية في بعض الأحيان، لكني أظن أنكَ ووالدتك في مجمل الأحوال..مُنصفَين وجليلَين..وفي نهاية المطاف فإن الزيجات المبنية على الحب هي هبة السماء.
- أجل يا آنسة أبوت أعرف هذا. لكن اختياركِ لعبارة (السماء) تقلقني، فهل ستتزوج زوجة أخي ملاكاً؟
- أرجوك سيد هيريتون توقف؛ طبيب أسنان..أبوه طبيب أسنان.
صرخ فيليب بتقزز وألم ثم ارتجف وابتعد عنها:
- "طبيب أسنان!"..."طبيب أسنان في منتريانو!"..."طبيب أسنان في أرض الخرافات!".... أسنان اصطناعية، غاز مخدّر، كرسي مائل، حيث عاشت جماعات (الأترورية) والأيقونة (الرومانية) و(الأرليك) بذاته، والكونتيسة (ماتيلدا) والعصور الوسطى. كل ما مضى من قتال وقداسة ونهضة، الصراعات والجمال!..
لم يُطق – فيليب - التفكير بـ(ليليا) وازداد قلقه على نفسه من أن تقتل بصنيعها الرومانسية بداخله..ثم أردف قائلاً:
- الرومانسية لا يُمكن اقتلاعها بكماشة الأسنان من دواخلنا، لكن لمسة بسيطة قد تحررها..وكلما عجّلت – ليليا - بالمغادرة كان أفضل لي..
وفي الحين الذي كانت الرومانسية تُنتزع من جسد فيليب انتزاعاً جعله يصرخ من وجع الألم.. قائلاً:
- لا يسعني التفكير في ما يخبئه القدر فإن كانت ليليا عازمة على إلحاق العار بنا كان عليها البحث عن طريقة أقل اشمئزازاً. ))
وهذا مقطع يوضّح مدى مأساة ليليا بعد مرور سنة من زواجها بجينو المضطرب والذي اكتشفت فيما بعد أنه يخونها مع غيرها من النساء..ومأساتها تكمن بعزلتها في تلك البلدة غير قادرة على الرحيل وغير قادرة على البقاء .. بل حتى أن هارييت أخت زوجها السابق منعتها من إرسال رسائلها لابنتها الصغيرة ..
(( وتلقت ليليا رسالة قصيرة من هارييت تفيد بأنه لم يعد من حقها مراسلة الفتاة بشكل مباشر وختمتها بمواساة رسمية وباردة. وكادت ليليا تجن حين فرغت من قراءتها.
قال زوجها: ترفقي بحالك! ترفقي!
كانا جالسَين على الشرفة وصار غالباً ما يقضي المزيد من الوقت معها، يقضيه في النظر إليها وهو مشوش وقلق وبالطبع غير نادم.
قالت منهارة:
- "تفاهة"..ودخلت للغرفة ومزّقت الرسالة ثم كتبت رسالة أخرى قصيرة لـ(كينجكروفت) خلاصتها: (هبّوا لإنقاذي) ..
ليس بمقدر الرجل أن يتفرج على زوجته وهي تبكي وتكتب – خاصة إن اقتنع أن معاملته لها هي في الغالب لائقة ولطيفة. كما أنه ليس من اللائق أن تُكاتب الرجال في حضرته. وليس من حقها أن تلوّح براحة يدها بوجهه حين يُغادر الغرفة ظناً منها أنه مشغول بسيجارته.!
ذهبت ليليا إلى مكتب البريد لكن في ايطاليا ثمة الكثير من الطرق لتدبير الأمور. فموظف البريد صديق لـ جينو. لهذا لم يتلقَ السيد كينجكروفت رسالتها للأبد بكل أسف. ))
وهنا حوار صريح دار بين فيليب وأبوت بعد "خراب مالطة" إن جاز القول..
(( سألته بعد برهة:
- لماذا لم تغضب مني؟
- لأنني أفهمكم جميعاً..أظن هذا .. أفهم هارييت والسنيور كاريلا، حتى الوالدة.
- لك بصيرة مذهلة.. على ما يبدو إنك الوحيد بيننا الذي يفهم هذه الفوضى.
ابتسم بفرحة، لمَ لا..فهذه هي المرة الأولى التي تمدحه بها، ووقعت عيناه على صورة لـ(ديوداتا)، وتأمل اللوحة ومدلولاتها.
قاطعته أبوت:
- ماذا ستفعل؟
دُهش فيليب، ليس من سؤالها وإنما من التغيير المفاجئ في نبرة صوتها:
- سأفعل؟ بعد الظهر سأقابله مرة أخرى.
- حسناً وإن لم تصل معه لنتيجة؟
- سأقابله مقابلة أخرى، وإن فشلت سأرسل برقية للوطن لأحصل على تعليمات جديدة..قد نفشل حرفياً ولكننا سنفشل بشرف!
- لا فائدة تُذكر من هذا!.. قد تُفلح إن اختطفت الطفل!.. أو إن غادرت على الفور. لكن ما تقوله؟! "نفشل بشرف!"..أن تخرج بأقل قدر من الخسارة!.. هل هذا كل ما تطمح إليه؟
أجاب متمتماً:
- نعم، ما دمنا نتكلم بصراحة، أجل هذا كل ما أطمح إليه..ما الذي يضير؟.. إن أقنعتُ السنيور كاريلا كان بها، وإن استعصى عليّ، فيجب أن أُخبر والدتي بفشلي وأعود أدراجي للوطن.
حسنٌ يا آنسة أبوت .. أعجز عن كشف ما يجول بخاطرك.....
- بل أتوقع منك أن تقرّر ما هو الصواب وتنفذه. هل تريد أن يظل الطفل مع والده الذي يحبه ليسيء تربيته أم نأخذه لسوستون حيث لا أحد يحبه وسينشأ نشأة حسنة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تُجيب عليه بهدوء..قرّر إلى أيّ جانب أنت ولا تتحدث عن "الفشل بشرف" الذي يعني أن لا تُفكّر لوحدك وألا تفعل أيّ شيء.
- أنا أفهم وضع السنيور كاريلا وموقفك منه، ولا مبرر أن....
- لا، لا تعرف. قاتله إن كنت تظن أنه على خطأ... أوه، ما الفائدة من إنصافك إن لم تُقرّر بنفسك؟ أيّ أحد يستطيع السيطرة عليك لتفعل ما يشاءون، وأنت ترى ما ينوون وتسخر بهم...لا يكفي أن تمتلك البصيرة، أنا مشوشة..خرقاء..ولا أملك رُبع ما تملكه، لكنني قمتُ بما بدا لي صواباً حينها. أما أنت..فذكاؤك وبصيرتك مذهلان .. لكنك حين ترى الصواب فأنت لا تُقدم عليه.
لقد قلتَ لي ذات مرة أننا نُحاسب على نوايانا وليس أفعالنا وبدت لي ملاحظة مُذهلة. لكن ينبغي أن ننوي أولاً لكي نعمل...لا أن نجلس مكتوفي الأيدي ونكتفي بالنية فقط.
- أنتِ رائعة؟
انفجرت به:
- أوه، أنت تشكرني! ليتك لا تفعل.. تقدّرنا جميعاً...بينما أنت ميت..ميت..ميت، تأمل نفسك لماذا لا تغضب؟
اقتربت منه، تغيّر مزاجها، وأمسكت بيديه معاً قائلة:
- أنت رائع جداً سيد فيليب، ولا أتحمّل أن أراك تضيع، لا أحتمل... إن أمك لم تُحسن التعامل معك.
- يا آنسة أبوت لا تخافي عليّ، فبعض الناس لم يُخلقوا لينجزوا أيّ شيء. وأنا واحد منهم..لم أُنجز شيء يُذكر في المدرسة ولا الحانة. جئتُ هنا لكي أمنع زواج ليليا ولكن الوقت أدركني..جئتُ لأنقذ الطفل وسأعود "بفشل مشرّف". لا أتوقع أن الأمور ستتغيّر وأنجز شيئاً الآن، ولهذا لم يخب أملي أبداً. قد يُدهشك أن تعرفي أن ذهابي للمسرح البارحة وحديثي معك الآن..هو أفضل ما حصل لي حتى الآن. قُدِّر عليَّ أن أمرَّ بالعالم دون أن أصطدم به أو أغيّر أيّ شيء منه.. ولا أعرف إن كان قدري هذا حسناً أم سيئاً. أنا لا أموت..ولا أعرف الحب، وإن مات الآخرون أو وقعوا في شباك الحب فهذا يحصل دون أن أشعر به. أنتِ محقة فيما قلتِ، فالحياة تبدو لي مجرد مشهد مسلٍ ..
قالت بوقار:
- أتمنى لو تتغيّر يا صديقي العزيز.. أتمنى أن يحصل لك ما يغيّرك.
سألها مبتسماً:
- "لماذا؟" أثبتي لي لماذا لا أليق كما أنا..؟
- بادلته الابتسامة.. ولأنها لا تستطيع الإثبات، انتهى الحديث الذي لم يخلص لنتيجة وغادرا المكان بنفس الآراء والمبادئ التي دخلا بها. ))
انتهى
|
|
|
12-26-2011
|
#6
|


(3)
http://www.furat.com/BooksCovers/461.gif
(الغريب) - الطبعة الأولى عام 1942
للكاتب الفرنسي ألبير كامي أو ألبير كامو
وهي أولى مؤلفات ألبير كامو والتي نال عليها في عام 1957م جائزة نوبل..والكتاب يحوي في في آخر عشرين صفحة منه تقريباً كلمات لمترجم الرواية الأديب المصري د.محمد غطاس عن المؤلف وعن الرواية وأجزم أنها جيدة لتفهم عقلية فذة وإنسانية كـ عقلية ألبير كامو سواء من الناحية الشخصية أو من حيث العمل الإبداعي في الرواية..
تظل الرواية تُحكى على لسان البطل (الغريب) فتبدأ ببرقية تصله من دار المسنين تفيده بأن أمه قد ماتت وأن الجنازة ستكون في الغد فيحمل نفسه بلا شعور إلى حيث مديره طالباً منه الإجازة وهو يراعي شعور مديره أثناء قرائته للخطاب قائلاً بكل غربته: (( معذرة سيدي..إنها ليست غلطتي؟؟!! ))
شخصية بالفعل تستحق كلمة (الغريب) من حيث غربته عن ذاته قبل أن يكون كذلك على الناس..وتستمر غرابة هذه الشخصية من سامينو "الغريب" حين يُقدم على قتل ذاك العربي "وهو يتحدث في الرواية عن حياة في الجزائر" على الشاطئ أثناء رحلته الاستجمامية! وهو الشخص الذي لا يهمه شيء في الحياة..لا يحب أحداً ولكنه لا يكره أحداً أيضاً فما بالك والقتل ويظهر سبب القتل وطريقته أكثر سخرية من السخرية ذاتها إذ أنه لما أشهر السلاح بوجه الضحية لم يكن يريد أن يقتله بل دفاعاً عن نفسه فيما لو اضطر إلى ذلك.. ولكنه اضطر إلى ذلك ليس بسبب هجوم من الشاب العربي بل لأنه أُرهق من الشمس من طول الانتظار على تلك الحالة..!! والأكثر حيرة هو الجواب الذي لم يقدّمه هو ولم يستطع أحداً تفسيره للسؤال الذي طُرح عليه من قبل قاضي التحقيق عن سبب اطلاقه لأربع رصاصات بعد مدة من اطلاقه الرصاصة الأولى والتي كانت كافية لإرداء الشاب قتيلاً ..!!
حقيقة أني قرأت الكثير من الروايات الساخرة حد الغرابة لكن بمثل قدرة هذا الكاتب فإني لم أقرأ بعد..أو كما يقول محمد الربيع عن أصداء هذه الشخصية ( إن السلوك العبثي والعدمي لبطل الرواية هو إسقاط لفكر الكاتب على شخصيته..ولا يمثل حقيقته الانسانية. وألمح البعض إلى الطابع الفانتازي..غير الواقعي للمكون النفسي والذهني للبطل...)
ثم يأخذ كامو في الرواية توضيح مفاهيم إنسانية شتى من خلال قصة هذا الغريب فهو يوضّح على سبيل المثال لا الحصر من خلال الرواية.. أن البشر كلهم مذنبون وبالتالي فإن وضع مذنب للحكم على حياة مذنب فيه إجحاف وأن أول المذنبين من البشر هو مَن يعتقد نفسه بريء..وأن هناك بعض الأمور التي تحدث عادة ويراها البشر عادية حين تتعلق بمجرم قاتل تتحول تلك الأشياء لاتهامات خطيرة بذلك السلوك..كيف لا والنائب العام صاحب البيان والحجة في المحكمة يعرض على القاضي سبباً يدعم مطالبته بإعدام الغريب لأن الغريب كان ذكياً !..
رواية الغريب بما تتجاوز الـ(100) صفحة بقليل وبـ(13) ريالاً فقط تستطيع أن تقدم لك مئات الأسئلة المنطقية عن الإنسان وتقدم لك عدداً أكثر من الأجوبة.. طاقة هائلة من الاختزال والمشاعر واللامشاعر والسخرية التي هي عمود بناء لكل تلك الأسئلة. الرواية قام بترجمتها كما ذكرت د. محمد الغطاس ترجمة أقل ما يُقال عنها أنها بديعة جداً جداً.
وهنا مُقتطفة من آخر الرواية.. وفيها يتحدث الغريب عن يومه الأخير في الزنزانة منتظراً تنفيذ الحكم بإعدامه دون أن يتشبث بما قدمه من التماس للعفو فهو يستعذب اللامبالاة ويستعذب الأملاح فيها دون أن يصيح بأكثر من ( أنه لا يتمنى ولكنه ليس يائساً في ذات الوقت..! ) :
(( كنتُ مُجهداً .. فألقيتُ بجسدي فوق مضجعي، و أعتقد أنني غفوت؛ لأنني عندما استيقظت كانت هناك نجوم فوقَ وجهي، وكانت ضوضاء الريف تتصاعد من الخارج لتصل إليّ، وروائح الليل و الأرض والملح تنعش رأسي. كان السلام الرائع لذلك الصيف الهادئ يتخلّلني.
في تلك اللحظة على حدود الليل انطلقت بعض الصفّارات إيذاناً بالرحيل إلى عالم لم يعد يهمّني الآن في شيء .. وللمرة الأولى منذ وقتٍ طويل تذكّرت أمي، وبدا لي أنني فهمت لماذا اتخذت لنفسها (صديقاً) في نهاية حياتها، لماذا كانت تريد أن تبدأ من جديد .. فهناك - ومع اقتراب الموت - كانت أمي مستعدة أن تبدأ الحياة ليس لأحد قط الحقّ في أن يبكي عليها.. وأنا أيضاً أحسست أنني مستعد في أن أبدأ الحياة من جديد.. وكأن تلك الغضبة الكبرى قد خلّصتني من الشر وأفرغتني من الأمل .. في ذلك الليل الذي يفيض بالنجوم .. أحسست للمرة الأولى بعذوبة ورقة اللامبالاة .. وأحسست أنني كنت سعيداً في يوم من الأيام .. ولازلت حتى الآن أتمنى أن ينتهي كل شيء .. وأتمنى أن أكون هناك أقلّ وحدةٍ من هنا .. لم يبقى سوى أن أتمنى أن يكون هناك الكثير من المتفرجين يوم الإعدام .. وأن يستقبلوني بصرخات الحقد والغضب . ))
أ.هـ
قراءة ممتعة
وشكراً.
|
|
|
12-26-2011
|
#7
|


(4)
http://g-images.amazon.com/images/G/.../no-img-lg.gif
الولي الطاهر
للكاتب الجزائري الطاهر وطار (مواليد 1936م)
الطبعة الأولى – 2003
منشورات الجمل
وهي رواية ملحمية أكثر من كونها قصة تتداعى فيها الصور والأحداث التاريخية لتتداخل مع ما يشكله الحاضر فكرياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً..في قالب عجيب ومثير فيه من التجريد والسريالية الشيء الكثير.. متناولاً كما يظهر ويقول حركة النهضة الإسلامية بكل تجاويفها وبكل اتجاهاتها وأساليبها أيضاً.. ونحن هنا أمام كاتب لا يخشى أن يُوصف بالكاتب السياسي بل ويفخر بذلك وقد سبق وأن مارس العمل السياسي من خلال <<جبهة التحرير الوطني>> وهو من أهم كتاب الجزائر والعرب سمعة وشهرة في العالم وله الكثير من المؤلفات المترجمة للغات العالم الحية ..
وهو يقول في كلمته التي (لابد منها) : إن الفنان فيّ يقرأ التاريخ ومضة، بل <حالة> بالتعبير الصوفي، ولربما لهذا السبب كانت الشخصية الرئيسية في الرواية <شخصية الولي الطاهر يقصد> صوفية، تعيش حالات تتجسد في حالة واحدة .. بما سمح لي استعمال بناء لولبي، يُعطي الديمومة للحالة، فلم أضع نهاية..إنما اقترحت نهايات، واكتفيت بخاتمة هي هبوط اضطراري، ومحطة لإقلاع جديد.
ويضيف: لعلني أحاول الإجابة قدر الإمكان عن أسئلة طرحتها الشمعة والدهاليز، ويطرحها أصدقائي وخصومي حول موقفي من الأحداث منذ انهيار الاتحاد السوفييتي إلى اليوم...سيجد القارئ الذي ليس له ثقافة، تراثية عموماً، نفسه مضطراً إلى مراجعة بعض المفردات والاصطلاحات كما قد يجد صعوبة في العثور على <<رأس الخيط>>، وعذري، أنني حاولت تقديم ملحمة وليس قصة فقط. أ.هـ
تبدأ الرواية من بحث الولي الطاهر في وسط الصحراء للمقام الزكي في وقت هو كل الأوقات حيث الشمس من أول أحداث الرواية حتى آخرها لم تتحرك من موقعها وكأنه يوحي بحالة <<سكون>> أو موت أو ربما درجة حياة متقدمة نجهلها وإياه .. ذلك المقام الذي ابتناه من سبع طوابق لينشر من خلاله هو وما تبقى من أناس أتقياء أنقياء <<200 شاب و200 شابة وشيوخهم المعلمين>> جيلاً طاهراً من رجس وذنوب الدنيا الفاسدة في هذا الزمن .. وانضمت إليهم فيما بعد تلك المخلوقة العجيبة بلارة بنت تميم المعز إليهم في محاولة لإغواء الولي بحجة نشر جيل صافٍ ونقي يخرج منهما..ومستعيداً بين لحظة وأخرى معركته مع العالم والتاريخ وقضاياه في جانب ومعركته الفاصلة مع بلارة من جانب آخر فيما يشبه الدائرة الحلزونية من ذكرى واستشراف وعلم وجهل وأقوال ونوايا إلى أن يضطر في الختام لعمل أربع محاولات هبوط اضطرارية لهذا العمل الفلسفي الخيالي إلى حد بعيد.
الكتاب من 140 صفحة ومن الحجم المتوسط، كافة حقوق النشر والترجمة والاقتباس محفوظة لمنشورات الجمل. كولونيا – ألمانيا 2003، وقد قمت بتقديم طلب بالاقتباسات لمقتطفات من الرواية عن طريق ايميل الناشر فلم يُسمح لي إلا إيراد ما جاء على الغلاف من الصفحة الأخيرة* فمنكم العذر:
(( أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ينمحي مخزون رأسك ولا تستعيده إلا بعد قرون، فيعود إليك قطرة فقطرة ونقطة فنقطة. تجوب الفيف هذا مئات السنين، فلا تعثر عن طريقك، ويوم تعثر عليه، تبدأ من البداية.
أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ستلحقك بلوى خوض غمار الحروب، فتشارك في حروب جرت، وفي حروب تجري، وفي حروب ستجري، إلى جانب قوم تعرفهم، وقوم لا تعرفهم ولا تفقه لسانهم، ولا تدري لماذا يحاربون.
أحذرك يا مولاي من سفك دمي. ستلحقك بلوى حزّ الرؤوس وخنق الأطفال والعجائز والعجزة، وحرق الأحياء...))
انتهى.
==============
*الغريب أن الرواية رغم هذا التشدد في الاقتباس منها
تجدونها في هذا الموقع (( الولي الطاهر (http://membres.lycos.fr/wattar/lire/.../el%20waly.htm) )) كاملة!
|
|
|
12-26-2011
|
#8
|


(5)
http://www.e-kotob.com/covers/i7126.jpg
رواية (العجوز والبحر)
للكاتب الأمريكي آرنست هيمنجواي (1899-1961م)
الطبعة الأولى للرواية 1952
الطبعة الأولى لترجمتها العربية 1994م
الرواية من 154 صفحة
وقد أضيفت لها ترجمة مطوّلة للمؤلف
ترجمة د. غبريال وهبة
مؤسسة النشر " الدار المصرية اللبنانية "
وهي رواية آرنست هيمنجواي التي نال عليها الجوائز الأدبية الكثيرة أهمها جائزة نوبل للآداب سنة 1954م وجائزة بوليتزر سنة 1952 أي في ذات عام نشرها..وقد لا تكون هذه الرواية أعظم أعمال الكاتب هيمنجواي ولكنها كما قال الناشر حظت منه بأبدع تعبير من خلال رؤيته الناضجة والمتزنة، إذ أنها من آخر أعماله الأدبية وراودته فكرة "العجوز والبحر" منذ عام 1936م لكنها لم ينشرها إلا بعد أن اكتملت ثروته الابداعية فيها قبل تسع سنوات من وفاته المأساوية بالانتحار سنة 1961م.
تحكي الرواية حياة صياد أسماك عجوز في "كوبا" يُدعى (سانتياجو) وصبي مُعجب به اسمه (مانولين) حيث يواصل سانتياجو محاولاته لصيد الأسماك منذ 84 يوماً لكنه لم يظفر بأي منها وهذا ما دعى أهل الصبي مانولين من ابعاد ابنهم عن الصياد العجوز اعتقاداً منهم بأن العمر الذي بلغه سانتياجو لم يعد يسمح له بصيد سمكة واحدة وأن الحظ قد تخلى عنه نهائياً.
وفي اليوم الخامس والثمانين يعزم سانتياجو على الابحار في المحيط إلى أبعد ما يكون حتى يظفر بسمكة كبيرة تعيد له كبريائه كـ رجل قوي أولاً وكـ صيّاد محترف ثم لتدر عليه الربح الوفير جرّاء بيعها في السوق.. وكان متفائلاً جداً باليوم الذي خرج به وبالفعل استطاع أن يظفر بسمكة كبيرة لم يرَ بحياته كلها مثيلاً لها في الحجم وينجح في اصطيادها بعد معاناة عصيبة استمرت ثلاثة أيام معها.. جرحت فيها يديه وتقلصت بها عضلاته وكتفيه وظهره وحده وقاربه والسمكة في داخل المحيط.. وما كان إلا سعيداً بهذه الآلام لأنها كانت دليل على أن ما يعيشه هو واقع لا حلم وعلى أنه ما زال انساناً حياً لم يمت بعد ..!
يقوم سانتياجو بطعن السمكة الكبيرة في جوفها.. كي يتمكن منها ويضمن سلامة مركبه الصغير وينجح في ذلك، ولما كانت السمكة أكبر من أن يحملها المركب قام بربطها وهي في الماء وجرها معه للشاطئ .. إلا أن ذلك كان مدعاة لتتبع أسماك القرش رائحة الدم الخارج من السمكة الكبيرة.. وبعد معاناة معها يصل الصياد لشواطئ "هافانا" ولم يعد من السمكة غير هيكلها العظمي..!
الرواية تسلط الكثير من الضوء على الصراعات مع الحياة فهي تؤكد على نبل القتال مهما كانت الخصومة فنجد سانتياجو يلتفت في الظلام لرأس السمكة الميتة وقد نهشتها أسماك القرش من كل جانب قائلاً ومعتذراً لضحيته: << إنني آسف لكِ أيتها السمكة، لقد ساء كل شيء.. كل شيء >>
مقتطفة من الرواية:
(( شاهد العجوز ذيلها الضخم كـ حد المنجل يتدلى في الماء ولم تكن السمكة مذعورة منه.. وقال العجوز:
- إنها أطول من مركبي بقدمين..
ثم عادت السمكة إلى عمق الماء وكان العجوز يرمي الحبل خلفها وبسرعة وانتظام في الماء. فهو يعرف أنه إذا لم يستطع من أن يحد سرعتها عن طريق جذبها بانتظام، فإن مثل تلك السمكة قادرة على أن تمضي بالحبل كله وتقطعه في النهاية أو تُغرق المركب معها في المحيط.. وقال لنفسه هامساً:
- إنها سمكة ضخمة جداً، ويجب أن أقنعها كي تعود, وينبغي ألا أدعها تعلم مدى قوتها، ولا أن تعرف ما تستطيع عمله إذا مضت في طريقها مُسرعة..
لو كنتُ مكانها لتركت كل شيء الآن ولمضيت قُدماً حتى ينقطع كل شيء يعلق بي.. ولكن حمداً لله أن الأسماك ليس لها ذكاؤنا نحن الذين نصرعها مع أنها أكثر منّا نُبلاً وقدرة.. ))
وشكراً.
|
|
|
| | | | | | |