الله يحييك معنآ هـنـا


 
العودة   منتديات قصايد ليل > ..✿【 قصايدلــيل الإسلامية】✿.. > …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… > الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية
 

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 09-02-2022
Saudi Arabia     Female
لوني المفضل Aliceblue
 رقم العضوية : 28440
 تاريخ التسجيل : Jul 2015
 فترة الأقامة : 3587 يوم
 أخر زيارة : منذ 3 أسابيع (04:40 AM)
 الإقامة : يســــآر صــــدره
 المشاركات : 379,380 [ + ]
 التقييم : 214754188
 معدل التقييم : كـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي سورة الحجر (الآيات 61 : 62)



سورة الحجر (الآيات 61 : 62)


قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴾ [الحجر: 61 - 62].



"منكرون" اسم مفعول من الإنكار، ضدُّ المعرفة، يُقال: أنكرت كذا ونَكرْتُه، وأصله: أن يَرِدَ على القلب ما لا يتصوَّره ولا يعرفه.



وهذا وَصْفٌ للملائكة الذين أرسلهم الله إلى إبراهيم أوَّلاً، فنَزلوا عليه ضيفًا، فلمَّا قَدَّم إليهم العجل الحنيذ المشويَّ لم تَمتدَّ إليه أيديهم، فنَكِرَهم إبراهيم - عليه السَّلام - قال الله تعالى في سورة هود: ﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ [هود: 69 - 70]، وكذلك لوط - عليه السَّلام - قال لَهم: ﴿ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴾ [الحجر: 62]؛ لأنه لم يَعْرفهم قبل ذلك، ولأنَّهم كلَّموه بكلام العارف به وبقومه الخبير بشؤونهم، فاستنكر ذلك منهم؛ لأنَّه أمر غريب مُخيف مفْزِع، إذا وقع من الإنسان العاديِّ، وكذلك كان الشأن في قصة جبريل - عليه السَّلام - حين جاء إلى مَجْلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صورة رجل شديد بياض الثِّياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثَرُ السفر، ولا يعرفه من الصَّحابة أحدٌ، حتَّى جلس إلى النبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأسند ركبتَيْه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيْه على فَخِذيه، وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والسَّاعة وأماراتها، وكان كُلَّما أجابه النبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "صدَقْت"، فكان ذلك كلُّه مِمَّا جعل الصحابة - رضي الله عنهم - يعجبون له وينكرونه، حتى قال لَهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((هذا جبريل، جاءكم يُعَلِّمكم أمر دينكم))[1]؛ كما روى البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهُما القصَّة من رواية عُمَر وابنه عبدالله وغيرهما - رضي الله عنهم.



وهذا وغيره من آيات القرآن وصحيح الأحاديث واضحٌ في أنَّ الله سبحانه جعل الملائكة بحيث يتصوَّرون بما شاء ربُّنا من صورة الإنسان؛ لِمَا يجعل ربُّنا سبحانه في ذلك من الحكمة لِمَن يُنْزِلُهم الله إليه من رسله - عليهم الصَّلاة والسَّلام.



والملائكة حين يتَنَزَّلون بأمر ربِّنا سبحانه في صورة ضَيْف مِن جَماعة الناس لإِبْراهيم ولِلُوط - عليهما السَّلام - وفي صورة دحْيَة بن خليفة لِخَاتم المُرْسَلين -صلى الله عليه وسلم-: تكون صفاتُهم الظَّاهرة للأنبياء، ولِمَن يراهم ويُمَيِّزهم من الناس صفاتِ الإنسان في لِبَاسه وكلامه وحركاته وسكناته، وكلِّ مزاياه الظَّاهرة، فهم قد جاؤوا إبراهيمَ ولوطًا بصورةٍ إنسانيَّة، دعَتْ إبراهيم أن يهيِّئ لَهم من الطعام وتوابعِه ما كان يُهَيِّئه لضيفه الكريم من بَنِي الإنسان، لكنَّهم لا يأكلون الطَّعام الذي يأكله الإنسان، ولو جاز عليهم - في هذه الصُّورة - أن يأكلوا، لأَكَلوا من طعام سيِّد الكرماء إبراهيم؛ إكرامًا له، ولإِدْخال السُّرور عليه، وتطمين قلبه، وإزالة الوحشة والخوف عنه، ولقد جاؤوه ليبشِّروه بغلام حليم، فعدم أكْلهم، وأنَّهم لم تَصِل أيديهم إلى العِجْل الحنيذ، الذي قدَّمَه لهم خليل الرَّحْمن - دليلٌ على أنَّهم لا يُشْبهون الإنسان في أكل الطعام، وإن كانوا يتصوَّرون بصورته ويُشْبِهونه في الصُّورة في تلك الحالة التي نزَلوا كذلك مِن أجْلِها بأمر الله تعالى، وأنَّهم يَزالون على صفاتِهم الملكيَّة المعنويَّة، وأن ذلك الثوب الظاهر من الصُّورة البشرية لا يلزمهم بكل توابع البشرية ومقتضياتها، ولا يفقدهم معنوياتِهم وخصائصهم الملَكيَّة التي خصَّهم الله بها وميزهم عن خلق الإنسان وغيره.



ولقد تنَزَّل ملك الوحي جبريل الرُّوح الأمين على خاتَم المرسلين -صلى الله عليه وسلم- ما لا يُحصى من المرَّات، وكان يوحي إليه وهو بين أصحابه، وفي لِحاف عائشة - رضي الله عنها - وما كان أحَدٌ منهم يراه ولا يسمعه ولا يحسُّه بأيِّ حاسَّة من حواسِّ الإنسان، إلاَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحْدَه، وما كانوا يعرفون مَجيئه إلاَّ بأحوال وصفات تَظْهر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصَّحيح من حديث عائشة أُمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - أنَّ الحارث بن هشام المخزوميَّ، أخا أَبِي جهل شقيقه، أسلم يوم الفَتْح، وكان من فُضَلاء الصحابة - رضي الله عنهم - سأل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحيُ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرَس - وهو أشَدُّه عليَّ - فيَفْصِم عنِّي وقد وعَيْتُ ما قال، وأحيانًا يتمثَّل الملك رَجُلاً، فيكلِّمُني فأَعِي ما يقول))، قالت عائشة: "ولقد رأيتُه يَنْزل عليه الوحي في اليوم الشديد البَرْد، فيفصم عنه وإنَّ جبينه ليتفصَّد عرَقًا"[2]؛ رواه البخاري ومسلم.



وفي حديث الإفك:

قالت عائشة - رضي الله عنها -: "فوالله ما رام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ولا خرج أحدٌ من أهل البيت، حتى أنزل عليه، وأخذه ما كان يأخُذُه من البرحاء عند الوحي، حتَّى إنَّه ليتحدَّر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشَّاتي؛ من ثِقَل القول الذي أنزل عليه"، قالت: "فلما سُرِّي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يضحك"؛ الحديث[3].



وقد عقد البخاريُّ - رَحِمه الله - في كتاب بَدْء الخلق بابًا في "ذِكْر الملائكة"، ذكَر فيه أحاديث تزيد على الثَّلاثين، وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 129): وهو من نوادر ما وقع في هذا الكتاب - أعْنِي كثرة ما فيه من هذه الأحاديث - فإنَّ عادة المصنِّف غالبًا يفصل الأحاديث بالتَّراجم، ولم يَصْنَع ذلك هنا، وقد اشتملَتْ أحاديث الباب على ذِكْر بعضِ مَن اشتهروا من الملائكة كجِبْريل - ووقع ذِكْرُه في آخر أحاديثه - وميكائيل - وهو في حديث سَمُرة وحده - والملَكِ الموكَّل بتصوير ابن آدم، ومالِكٍ خازن النَّار، وملَكِ الجبال، والملائكةِ الذين في كلِّ سَماء، والملائكة الذين يَنْزلون في السَّحاب، والملائكة الذين يدخلون البيت المعمور، والملائكة الذين يكتبون الناس يوم الجمعة، وخزَنَة الجنَّة، والملائكة الذين يتَعاقبون، ووقع ذِكْر الملائكة على العموم في كونِهم لا يدخلون بيتًا فيه تصاويرُ، وأنَّهم يؤمِّنون على قراءة المصلِّي، ويقولون: ربَّنا ولك الْحَمد، ويدعون لِمُنتظر الصَّلاة، ويلعنون مَن هجَرَت فراشَ زوجها، فأمَّا جبريل، فقد وصفَه الله تعالى بأنَّه روح القُدس، وأنَّه الرُّوح الأمين، وبأنَّه رسولٌ كريم، ذو قوَّة عند ذي العرش مكين، مطاع ثَمَّ أمين، وبأنه: ﴿ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 5 - 10].



قال الحافظ: ومن مشاهير الملائكة: إسرافيل، ولم يقَعْ له ذِكْر في أحاديث الباب، وروى أَحْمد والتِّرمذي من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القَرْن، وحنَى جبهته، وانتَظَر أن يُؤْذَن له؟))؛ الحديث[4].



وقال الحافظ في أوَّل الباب: قال جُمهور أهل الكلام من المسلمين: الملائكة أجسام لَطيفة، أُعْطيت قدرةً على التشكُّل بأشكال مُخْتلفة، ومسكنها السَّموات، وأبطل مَن قال: إنَّها الكواكب، وإنَّها الأنفس الخيِّرة التي فارقت أجسادها، وغير ذلك من الأقوال التي لا يوجد في الأدلَّة السَّمعية شيء منها.



وقد جاء في صفة الملائكة وكثرتِهم أحاديثُ، منها ما أخرجه مسلم عن عائشة مرفوعًا: ((خُلِقَت الملائكة من نُور))[5]، ومنها: ما أخرجه الترمذي وابن ماجه والبزَّار من حديث أبي مرفوعًا: ((أطَّتِ السَّماء وحُقَّ لها أن تئطَّ؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلاَّ وعليه ملَكٌ ساجد))؛ الحديث[6]، ومنها: ما أخرجه الطبراني مرفوعًا من حديث جابر: ((ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كفٍّ، إلاَّ وفيه ملَكٌ قائم أو راكع أو ساجد))[7]، وللطَّبراني نَحْوُه من حديث عائشة، وذكر في ربيع الأبرار عن سعيد بن المسيب قال: "الملائكة ليسوا ذُكورًا ولا إناثًا، ولا يأكلون ولا يشربون، ولا يتناكحون ولا يتوالدون"[8].



قال الحافظ: وفي قصَّة الملائكة مع إبراهيم وسارة ما يؤيِّد "لا يأكلون"، وفي هذا وما ورد في القرآن: ردٌّ على من أنكر وجود الملائكة من الملاحدة؛ انتهى.



فقول الحافظ ابن حجر - رَحِمه الله - صريحٌ في أنَّ كل من قال في الملائكة قولاً لا يدلُّ عليه دليل سَمْعي ثابت، فهو قول باطل، ولا شكَّ أن السَّلَف لا يعرفون من الأدلة السمعية إلاَّ ما كان من قول الله في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه، أو من القول الصحيح الثابت برواية العدول الضابطين عن الصَّادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- وأنَّ غير ذلك لا يُقام له وزن في وَصْف الملائكة، ولا غيرهم من علم الغيب، الذي لا يقوم بناء إيمان صحيح إلاَّ كان أول حجر يقوم عليه هو الإيمان بالغيب، على ما ذكر الله سبحانه، وعلى ما بَلَّغ رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.



وينبغي أن يكون واضحًا عند كلِّ ناصحٍ لنفسه: أن الفرق بين السَّلَفي المسلم وبين المبتدع المتمرِّد: هو أن السلفي المسلم يؤمن بالغيب كما جاء به الخبَر عن الله وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا دخل لعقله فيه أبدًا، إلاَّ على أن يَفْهَم النَّص كما ورد، ولا يدخل فيه برأي أو قياس، ولا زيادة ولا نقصان، قائلاً بقلبه ولسانه: آمنتُ به كما أخبر الله، وكما أخبر رسوله، ولا يورد عليه الشُّبَه والاعتراضات، ولا اللوازم التي يوحيها شياطين الجنِّ إلى شياطين الإنس، ويروِّجونها بالقول المزخرف.



أما المبتدع المتمرِّدة -أعاذنا الله وعافانا - فإنه يأبَى الإسلام والتسليم، ويذهب وراء شيطان الغرور والعصبيَّة الجاهلية، متخبِّطًا برأيه الفاسد وعقله الكاسد، مفتريًا على الله الكذب، وقائلاً على الله ما لم يقل، مُحاولاً بذلك أن يجعل الغيب شاهدًا، وهيهات هيهات لِمَا يُحاولون، ثم لا يعدم الشيطان أن يزيِّن له تَمرُّدَه بتتبُّع بعض كلمات يُحرِّفها عن موضعها، ويذهب بها بعيدًا عن معانيها العربية بما يكرهها عليها من مستحْدَث المصطلحات المبتدعة لإفساد اللُّغَة العربية، وإفساد التفكير العربي، والذَّوق العربي؛ لِيَبلغ مبتدعوها ما يريدون من صَرْف الناس عن الهداية بالقرآن العربي المبين، ثم لا يعدم بعد هذا أن يزيِّن له أقاويل أولئك المُحْدِثين لتلك المبتدعات، فيقيمها له حجَّة يراها ناصعة، وهي عند الله وعند المؤمنين بالله وآياته وكتبه ورسله: حججٌ داحضة، لا تلبث أن يدمغها الحقُّ من النصوص الثابتة من قول الله وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن الإيمان الصادق بالغيب، فلا يبقى لها في الواقع ولا في أنفسهم أثَرٌ.



أمَّا بعد، فقد جرى القلَمُ في هذا الموضوع، لعلَّك تراه بعيدًا، وتتساءل: لِماذا جرى القلم هذا الشوط لأَدْنى مناسبة، وقد مرَّت بك مناسبات كانت أَوْلَى أن يجري القلم معها هذا الشوط البعيد؟

فأقول لك - والله يثبِّتُنِي بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويحفظ عليَّ وعليك نعمة الإيمان الصادق بعِلْم الغيب، وبِما جاء منه في كتاب الله وعلى لسان الصادق الأمين عبد الله ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- كما جاء بلا زيادة ولا نقص، وبلا تحريف ولا تأويل، وبلا تشبيه ولا تمثيل:

ذلك: أنِّي نشَرْتُ في العدد السادس الصادر في شهر جمادى الآخرة سنة 1368هـ من الْهَدي النبوي صفحة 49 ما نصُّه:

"أمَّا قوله: الملائكة عُقَلاء، فإنه قول بلا دليل؛ لأنَّ العقل لا يوصف به إلاَّ الإنسان الذي أعطاه الله السمع والبصر والفؤاد، وأسباب العلم الصحيح وآلاته: تؤدِّي إلى عقله فيعقلها؛ أيْ: يحفظها ويَعِيها، ويحتفظ بها؛ ليتصرَّف فيها عند حاجته إليها، ولذلك سُمِّي عقلاً؛ من عَقَل البعيرَ؛ أيْ: منَعَه أن يسير، ولم يقل أحَدٌ: إن خلق الملائكة كخَلْق الإنسان، بل إنَّها خَلْق لا يعلم حقيقتَه إلاَّ اللهُ، مغايرٌ كلَّ المغايرة لخلق الإنسان، فوصْفُها بالعقل غير صواب".



ولقد كنتُ أعتقد أن القول واضحٌ فيما أريد أنَّ القول: من مثل قول سعيد بن المسيب - رَحِمه الله - الذي نقلْتُه عن الحافظ ابن حجر آنِفًا "الملائكة ليسوا ذُكورًا ولا إناثا، ولا يأكلون ولا يشربون، ولا يتناكحون ولا يتوالدون".



ولكنها أشكلَتْ عند بعض الإخوان، أو اشتبَهَت عليهم، فأُلْقِي في رُوعِهم أمور بعيدة عن فحوى الكلام ومقصده لمن تدبَّر، مع جَمْع أطراف الحديث من أوَّله وآخره، فذهب بعضهم يرميني: أنِّي أصف الملائكة بالجنون؛ لأنَّ نفي العقل معناه إثبات ضدِّه، وهو الجنون - عندهم - ولم يلحظوا قولي: إنَّ العقل إنَّما يوصَف به الإنسان؛ أيْ: إنَّ هذه الخصِّيصة التي نُسمِّيها في عُرْفِنا العربيِّ والبشري: العقل، والتي بِها يدرك الإنسان ويفهم، هي خاصَّةٌ بالإنسان، بحسب خلقه وتكوينه، وإنَّنا لا نجد دليلاً من الكتاب ولا من السُّنة يعطينا هذا الوصف للملائكة، وفي الكتاب والسنة مئات الأدلة: أنَّ الملائكة تنفِّذ أمر ربِّها بالأمر الكوني والأمر الشرعي، وكل ذلك واضح أشدَّ الوضوح في أن الله قد أعطاها ما تدرك به عن ربها، وما تنفذ به أمر ربها، كما أمرها، أمَّا إننا نسمِّي هذا الذي به تدرك وتنفذ: عقلاً، فذلك لا دليل عليه؛ أيْ: على هذا اللفظ وهذه التسمية فقط؛ لأنَّه لم يَقُله الله ولا رسوله، وهذا واضح من قولي: "ولم يَقُل أحدٌ: إن خلق الملائكة كخلق الإنسان، بل إنها خلق لا يعلم حقيقته إلا الله، مغايرٌ كلَّ المغايرة لخلق الإنسان، فوصفها بالعقل - أيْ: بهذه الكلمة - غير صواب".



أما اسم هذه الخاصية التي جعلها لَهم ربُّهم يدركون بِها، وينفِّذون أوامر رَبِّهم، فلسْتُ أقول لَها اسْمًا من عندي، ولا أؤمن بأنَّ لأحد أن يسمِّيَها من عند نفسه وبرأيه وقياسه عقلاً؛ لأنَّه قول على الله وفي علم الغيب بلا علم، والله أعلم بحقيقتهم وخصائصهم ومزاياهم وصفاتِهم، كل ذلك فوق مدارك عقولنا؛ لأنَّه فوق مداركنا وحواسِّنا البشرية، فما جاءنا منه عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- صدَّقْنا به وآمنَّا، وما لم يَجِئْنا لا نتكلَّف عنه، ولا نقيسه بعقولنا وآرائنا على الشَّاهد؛ فإنَّ الفرق بين الشاهد والغائب بعيد جدّ بعيد.



ونقول: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ في شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 136 - 137]



وإلى هنا أوقِفُ القلم راجيًا من ربِّي - سبحانه وتعالى - أن يُديم عليَّ نعمة الْهُدى والبصيرة، وأن يوزعني شكر هذه النعمة وغيرها مِمَّا أعانني ووفَّقني لاتِّباع سبيل المؤمنين، بعد أن أزاح عن قلبي ظلمات الغفلة والتقليد الأعمى، وأمَدَّني بِرُوح من عنده يسَّر لي بها الفقه في كتابه، والعلم ببيان رسوله، والثَّبات على هذا الهدى والرشد فيه، والحمد لله أولاً وآخِرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبد الله ورسوله محمَّد، وعلى آله أجمعين[9].


[1] أخرجه البخاري برقم [50]، ومسلم برقم [8].

[2] أخرجه البخاري برقم [2]، ومسلم برقم [2333].

[3] صحيح: أخرجه أحمد برقم [25664] وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[4] صحيح: أخرجه أحمد والحاكم في "المستدرك"، وابن حبان في "صحيحه"، وصحَّحه الألباني في "الجامع الصغير" وزيادته برقم [8721].

[5] أخرجه مسلم برقم [2996] وأحمد برقم [25235] وإسناده صحيح.

[6] حسن: أخرجه الترمذي برقم [2312] وحسنه الألباني وأحمد برقم [21555].

[7] حسن: أخرجه الترمذي برقم [2312] وحسنه الألباني وأحمد برقم [21555].

[8] "فتح الباري"، ج6 ص 360.

[9] "مجلة الهَدْي النبوي"، ربيع الثاني (1369) العدد الرابع.



 توقيع : كـــآدي






القلب يميل لـ من يجتهد في احتضانـه
واستيعابـه ، واحتـواءه ، يميل لمن يصارع
العالـم لأجلـه ، من يشتاقه بلا سـبب
ويأتيـه بلا سـبب ، من يبقى بجواره للأبد

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سورة الحجر (الآيات 28: 31 ) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 15 09-11-2022 05:40 AM
سورة الحجر (الآيات 22 : 25) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 20 09-11-2022 05:40 AM
سورة الحجر (الآيات 32 : 35) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 18 09-11-2022 05:39 AM
سورة الحجر (الآيات 19 : 21) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 17 08-11-2022 06:22 AM
سورة الحجر (الآيات 2 : 3) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 24 07-01-2022 02:33 AM

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية