|
…»●[قصايد ليل للتربيهـ والتعليــم والاجتماعيات والتنمية البشرية]●«… { .. يختص هذا القسم بتعليم كل المواد واللغات ولجميع المستويات للطلاب والمعلمين والاهتمام بالتطور التعليمي .. } |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||
القبائل العربية بالجزائر
كانت هذه الرحلة عام 1974، وقد كان مشوارنا شاقاً طويلاً، وكنا متعبين وجائعين، ولم يبق لدينا سوى ثلاث زجاجات من الماء، إلا أنني كنت على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً لفنجان شاي إنجليزي. كنا نقود سيارة سيتروين دو شيفو من لندن وصولاً إلى الصحراء الغربية في الجزائر، مروراً بفرنسا وإسبانيا والمغرب. وبدا لنا أننا لن نصل إلى أي مكان في هذه الصحراء الواسعة بصخورها العملاقة، والتي تمتد إلى الأفق. قارب الظلام على الحلول، ولم نكن بعد قد رأينا ة إشارة للبلدات التي أشار إليها كتيب الدليل الذي نحمله. وبتهور الشباب لم يخطر لنا أننا قد نكون ضائعين، وكل ما يعنيه ذلك. وعوضاَ عن ذلك، كنا نستمع إلى أغنية سواح للمطرب المصري عبد الحليم حافظ، والتي ترددت أصداؤها في الصحراء، وأسهمت في إضفاء المزيد من السحر على تلك اللحظات التي لا تنسى. أهالي قبيل معزاب فجأة، ودون سابق إنذار، انتهى الطريق بنا، ورأينا تحتنا وديان خضراء من النخيل وحدائق، تعلو فوقها منارات بلدات معزاب الخمس، غرداية، بني ازغين، بو نواره، مليكة، والعطوف. توجهنا إلى أكبر البلدات، غرداية، ولا أستطيع أن أخمن من فوجئ أكثر برؤية الآخر، نحن أم أهل المعزاب. فقد كانت رؤية الغرباء أمراً غير مألوف في تلك الأيام، خاصة أولئك الشقر الذي يأتون من الغرب. مررنا ببوابة المدينة المسورة، ووصلنا إلى ساحتها المربعة أثناء وقت الصلاة، حيث تتردد أصوات المؤذن عبر المدينة داعية المؤمنين للصلاة، وراقبنا بهدوء مئات الرجال الملتحين الذي يرتدون بناطيل تركية واسعة يخرجون من بيوتهم ودكاكينهم، تلبية للنداء. وجاء بعضهم راكباً الحمير التي تمشي فوق الطرق الضيقة المرصوفة بالأحجار، ولم نر أي سيارات. ولم ينصحنا صاحب أحد المحلات وهو يتحدث الفرنسية بالبقاء في المدينة بعد حلول الظلام، نظراً لارتيابه في الغرباء، لذا استأجرنا أحد بيوته الصيفية، وهي فيلا تقع في واحة خارج الأسوار. أما مدينة بني ازغين القريبة والتي تعتبر مقدسة، فلم يكن بإمكان أي شخص من غير أهل معزاب زيارتها على الإطلاق. وقد سمح للقلائل من الغربيين بجولة في المدينة التي تمنع فيه الموسيقى والتبغ والكحول، وهؤلاء الذين زاروها يتحدثون عن شوارع نظيفة جداً وبيوت أنيقة. بعد عشاء لذيذ مكون من الكسكس، قضيت الليلة على سطح الفيلا، أراقب النجوم التي لم أرها بهذا السطوع من قبل، وأنصت إلى السكون، هذا السكون الذي لا يوجد إلا في الصحراء. وأهل معزاب قوم يحافظون على سريتهم، ومن الصعب معرفة أصولهم، إلا أنه يعتقد أنهم ينحدرون من البربر أتباع عبد الله بن عباد التميمي من البصرة، ومن المعتقد أنه عندما تم إنهاء سطوتهم على مدينة تيارات الجبلية بواسطة الدولة الفاطمية عام 909 للميلاد، هرب العباديون إلى الصحراء الغربية طلباً للسلامة. ورغم عدم غنى المنطقة، إلا أن أهل معزاب أصبحوا أغنياء عن طريق المتاجرة بتمور نخيلهم المشهور، الذي يسقيه آلاف الآبار المحفورة في عمق الأرض، ونظام ري عبقري. وبالإضافة إلى أكثر من 160.000 مزرعة نخيل، تسقي هذه الآبار سكان معزاب البالغ عددهم 100,000 شخص، وقطعانهم. وأهل معزاب الذي يؤمنون بالحسد يبنون بيوتهم بحيث تكون متواضعة في مظهرها الخارجي، إلا أن داخلها مفروش ومزين بشكل جميل ومتكلف، وجميعها ذات أسطح مسطحة، تقضي عليها نساء معزاب الخجولات أوقات فراغهن، وقد بنيت البيوت قرب بعضها بحيث تستطيع المرأة أن تقفز من سطح إلى آخر لزيارة الأقارب والأصدقاء. ووفقاً للتقاليد، يقوم الأزواج بالتسوق، وإلا فخادم العائلة، بينما نادراً ما ترى النساء في الشوارع، ومن الشائع ألا تغادر الشابات بيوتهن إطلاقاً قبل يوم زفافهن، إلا أن النساء الأكبر عندما يخرجن في مناسبات نادرة، فإنهن عادة ما يكن منقبات، ولا تظهر منهن إلا عين واحدة. أما رجال معزاب فهم معروفون في كافة أنحاء الجزائر بكونهم رجال أعمال وتجار ناجحين، وغالباً ما يمضون فترات طويلة بعيداً عن موطنهم، ولكن تبقى دائماً فكرة العودة للتقاعد في واحتهم الصحراوية بعد جمع ما يكفي من المال. أولاد نايل مررنا قبل ذلك في رحلتنا خلال الجزائر، وهي إحدى أكثر دول العالم تنوعاً وجمالاً، مررنا بالخيام السوداء الكبيرة في منطقة أولاد نايل، التي تنتشر على المنطقة الجبلة قرب جلفا، ثم توجهنا إلى بسكرة، وهي واحة صحراوية ترتبط دائما براقصات أولاد نايل. على الجهة المقابلة من تشدد أبناء معزاب، تأتي بنات أولاد نائل، اللواتي تعلمن فن الغناء والرقص منذ الطفولة، حتى يكتسبن مهنة يعشن من خلالها، وهي الرقص لتسلية أبناء المدن الصحراوية. وهذه المهنة وراثية، وتعود الفتيات بعد سنوات إلى خيامهن مقلدات بأطواق من العملات الذهبية دون أن تشوب سمعتهن شائبة بين أفراد مجتمعهن، وهناك يتركن الرقص، ويتزوجن ويصبحن ربات بيوت. أما بسكرة، فهي مدينة عصرية مقارنة بمعزاب، وفيها عدة فنادق جيدة نسبياً، وقد شاء الحظ أن نصل إليها أثناء احتفال قبلي، وسرعان ما اكتشفنا عدم وجود غرف شاغرة في النزل، وعوضاً عن ذلك، أعطونا عنوان مكتب السياحة المحلية، الذي أمن لنا المنامة ليلتها في بيت أسرة محلية. وقد قبلنا العرض دون أن نرى المكان، ووجدنا أنفسنا ننام على حصر من القش، بينما تدخل أحياناً دجاجة شاردة إلى الغرفة. وكان هناك جهاز تسجيل يعمل بالبطارية موضوع فوق خزانة أدراج خشبية، وكنا نسمع من خلاله في ذلك الوقت أغنية آلان بارير "ما فيا"، وهي من أغاني المفضلة، وبدا الوضع سريالياً للغاية. ولم يكن هناك حمام في البيت المصنوع من الطين، لذا ذهبنا صبيحة اليوم التالي إلى الحمام التركي في السوق قبل أن نذهب باحثين عن راقصات أولاد نايل، اللواتي لم نحظ برؤيتهن. عوضاً عن ذلك، وصلنا إلى ميدان القرية المربع، حيث وجدنا رجال القرية الذين يرتدون البرانس يتسابقون على ظهور الخيل، وسحرة الأفاعي يقدمون عروضهم للجماهير، والفرق الفلكلورية تقدم عروضها من الغناء والرقص. وكان الهواء مشبعاً برائحة المرغيز، وهو نوع من النقانق الحمراء الحارة، والتي اشتريناها من إحدى المنصات وتناولناها بشهية للإفطار. قضينا الأيام الثلاثة التالية مسترخين عند أحواض السباحة الخاصة بأحد أفضل فنادق بسكرة، وتمتعنا برفاهية الغرف ذات الحمامات الخاصة، والقهوة والآيس كريم التي نستطيع طلبها من خدمة الغرف. وكنا قد خططنا لمتابعة رحلتنا إلى منطقة تمنراست، موطن أشهر قبائل الجزائر، الطوارق، أو الرجال الزرق، إلا أن سيارتنا رفضت أن تتابع المسير. وبعد إصلاحها، فضلنا العودة إلى العاصمة عوضاً عن التقدم جنوباً. الطوارق (الرجال الزرق) كان الطوارق فيما سلف محاربين أشداء، طالما تحملوا مسؤولية موت المكتشفين الجريئين. وكان يهابهم كل من يتجاسر على اجتياز أرضهم. كما كانوا أسياد القوافل المحملة بالملح والعبيد والذهب، تحكمهم ثقافة إقطاعية ولهم لغتهم الخاصة المكتوبة. لقب "الرجال الزرق" جاءهم من الصبغة النيلية التي لونت ثيابهم، والرجال منهم محجبون، ويقضون وقتهم، عندما لا تشغلهم الحرب، في ممارسة طقوس الشاي واستعادة قوتهم لنزاع جديد لا يمكن تلافيه. إنهم رجال شجعان شرفاء يفضلون استعمال السيف والخناجر والتروس على الأسلحة الحديثة. وهم غالباً يسحقون عدوهم بشجاعتهم ومهارتهم. في أواخر القرن التاسع عشر، أعد الفرنسيون، المحتلون للجزائر حينذاك، مشروعاً لبناء سكة حديد تجتاز الصحراء الغربية. ولكن محاربي "الطوارق" وقفوا لهم بالمرصاد، ولم يكن من بد للفرنسيين أمام بأس هؤلاء إلا التخلي عن المشروع. يتحدث عالم الآثار "كونت بايرون دي بروروك" في كتابه الموضوع في عشرينيات القرن الماضي والذي يحمل اسم "الصحراء الغربية الغامضة" عن الطوارق ويصفهم بأنهم "عملاق الصحراء الغربية الأبيض العرق". قابل "بروروك" خمسة آلاف من رجال الطوارق وهم يتقلدون السيوف، وكان الحظ حليفه لأنه لم يلاقي حتفه على أيديهم كمصير الكثير من معاصريه. يحكم الطوارق مجتمع أمومي تقوم فيه المرأة السافرة بمعظم الأعمال. وكان "بروروك" قد اعتزم العثور على قبر ملكتهم "تين هينان" معتقداً بأن ذلك سوف يساعد على حل لغز أصول هذه القبائل. ولقد اكتشف "بروروك" في النهاية بقايا الملكة ممددة بجانب قطع من عملة رومانية قديمة وبعض حلى البحر المتوسط الأخرى من عقود وأساور، وذلك قبل أن يكتشف الطوارق أنفسهم هوية القبر وإلى من يعود. خربت ديار الطوارق بمأساوية مع حلول القرن العشرين. وآلت أسطورة الخيال المحارب إلى آلية جذب سياحية فيما عاث الفقر والجفاف في البلاد. وهكذا لم يبق للطوارق اليوم إلا محاولة المحافظة على نبل عنصرهم ورفعة مظهرهم. القبايل في عودتنا إلى العاصمة، انعطفنا كي نعبر في "تيزي أوزو"، مدينة البربر الرئيسية، والتي كانت لدهر مضى هادئة فاتنة. كانت نساء القبايل يلبسن الثياب البراقة، يبتسمن ويحييننا قبل أن نتوقف في مقهى على جانب الطريق لشرب بعض عصير الشمام المنعش. أراد صاحب المقهى أن يقدم لنا ذكرى لزيارتنا فقام بإعطائنا صورة لابنه "الأخضر"، ولقد أصاب فعله هذا شيئا من نفسي وعلق في ذهني حتى الآن. من السائد أن البربر هم السكان الأصليين للجزائر. وكانوا قد قاوموا الرومان ثم العرب فالأتراك وبعدهم الفرنسيين الذين قضوا ما يناهز الثلاثين عاماً وهم يحاولون أخذ حصونهم الجبلية. أما اليوم فهم في معضلة وصراع للحفاظ على هويتهم وثقافتهم ولغتهم في بلد تحيق به المشاكل السياسية من جميع الجهات. إنني على علم بأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. ولكني من وجهة نظر أنانية بحتة، أنتظر اليوم الذي أستطيع فيه، بسلامة، إعادة رسم خطواتي من جديد هناك. ومن يدري ! ربما يكون بمقدوري أن أحظى "بالأخضر" وهو رب عائلة، أو أن ألقي التحية على القرود في "حلق الشفا"، أو أن أذرع غابات "السريدي"؛ تلك القرية الخلابة التي تطل على "عنابة". ومن يدري، فلربما أصطاد "وردة الرمل" من جديد في الصحراء الغربية (صخور الكوارتز) أو أترك الربيع الدافئ يغمرني في "غويلما". وفي نفس الوقت، كفعل الطوارق، أستطيع أن أحلم بالماضي وأثق بمستقبل أفضل للشعب الجزائري الذي عانى طويلاً |
10-15-2016 | #2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
يااملا العاااافيه
صفحتك رااائعه كروووعة حضوووورك و نشكرك ونتشرف بمشاااركتك
|
|
|