عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 02-11-2020
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
لوني المفضل Aliceblue
 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 10 ساعات (02:48 AM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11593
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 54 الفصل الاول



بسم الله الرحمن الرحيم
توكلتُ على الله

الجزء الرابع والخَمسون
الفَصل الأول


الليْلُ أَتى بهدوءٍ وسَكينة.. التَحَفَت السَّماء بِزُرْقة داكِنة أَحاطَت بالقَمر المُنير كَمَلِكٍ فَريد.. فالنُّجوم من صَفاءِ نوره خَجلَت واخْتَبَأت خَلف تلك الزُرقة.. فكان الليْلُ خادِمًا للقَمر تِلَك الليْلة... وخادمًا لها هي أَيضًا.. نعم هي.. كانت المُنافس الوَحيد للقَمر.. رُبما كانت قَمَرًا آخر.. أو نَجْمة هَرَبت من خَلف رِداء السَّماء.. أو كانت كَوْكَبًا أُنثويًا يَنْبَعث منهُ ضَوءٌ أَلماسي.. يَسْقط على الأَرض المُظْلِمة فَيَرسِم طَريقًا من نُور يَهديه إليها.. ولا يدري هل الوصول لِكَوْكبها أَمان أَم أَنَّهُ سَيُلاقي هُناك فَقْدٌ جَديد للذات؟ كانت في المَطْبخ عندما دَخَلَ الشِّقة.. ظَهرها لَهُ وَوَجْهها يُقابِل حَرارة النار المُنبعثة من الفُرن.. هي قَبْلَ ساعة أو أكثر سَألته إذ هُو سَيأتي للعَشاء أم لا.. وبعد تفكيرٍ دامَ لِدَقيقتَين أَجابَ بنعم.. فرصة ليقضي المَساءَ مَعها في محاولة لترميم ما هَدَمتهُ تلك الليلة العاصِفة. تَوَقَّف عند باب المَطْبخ.. لَم تشعر به.. حركته كانت كالهَمس.. خُطواته خَفيفة وَحَذِرة.. لَيس عن قَصْد.. ولَكنّه اعْتاد على هذه التَّحركات بسبب طَبيعة عَمله... تَأمَّلَ الظَّاهر لهُ منها.. شَعرها البُنّي الداكن مَرْفوع حتى قِمَّة رَأسها.. وبعض الخصلات النّاعمة قَد تَمَرَّدت وغادرت القَيد لتُلامس عُنقها وعلى ما يبدو جانب وَجْهها.. ابْتَسَمَ بِخفّة للون البلوزة التي ترتديها.. كانَ لها لَوْنٌ.. لحظة.. لا يعرف ماذا يُسَمَّى هذا اللون.. لكنّهُ يشبه الزّهري.. الأكمام لا زالت طَويلة.. وسروال أًسود بخطوط عرضية لونها كلون البلوزة قَد سَتَرَ ساقيها.. خُف ناعم تَنتعلهُ قَدماها ولا شيء آخر.. الجزء الأمامي منها لَم يَكن واضِحًا له.. لذلك قَطَعَ تأَمّلاته واسْتدار قَبْلَ أن تَلتَفِت وتَراه. دَلف لغرفته.. خلَعَ ملابسه وأبدلها بأخرى خَفيفة مُريحة.. غَسَلَ وجهه ويَديه، ثُمَّ جَفَّفهما قَبْلَ أن يَخرج ويَلتقي معها.. وَقَفَ في مكانه وهي أيضًا وَقَفت.. يَعتقد أَنَّها كانت قادِمة إلى غرفته.. قالت وهي تُشير للمطبخ مؤكّدة على اعْتقاده: العشا جاهز
هَزَّ رأسه وهو يُغلق الباب.. اسْتدارت عائدة للمطبخ وهو لَحِقها.. جَلَسَ في مكانه وهي كانت تُرَتِّب الأَطباق على الطاولة.. كَشَفَ هاتفه عن صَوت رِسالة.. نَظَرَ للشاشة يَقرأ المَكتوب "باجر الساعة سبع ونص الصبح بنلتقي في بيت صالح.. اللحين برسل لك اللوكيشن.. ولا تنسى تشيل قناع باتمان عشان تجي لنا بالمعلومات" زَمَّ شَفتيه وهُو يُعيد قراءة رسالة رائد التي خَتَمها بأيقونة لوجهٍ يُخرِج لِسانه.. لَم يَرق له تَشبيهه المازح.. قِناع باتمان! هو لا يَتَعَمَّد الغموض.. هو اعْتاد على التَّخفي.. المَشي في الظلام أُسلوب حياته الذي انتهجه لأكثر من خَمسةَ عَشَر عامًا.. فهو لا يَستطيع أن يَثِق بأحد بهذه السهولة.. حتى ظِلّه.. لذلك اختار أن يخطو على أَرْضٍ لا تزورها الشَّمس مانِعًا ظِلّه من الانعكاس. قَلَبَ الهاتف على وجهه بالقرب من طبقه عندما اتَّخَذَت مكانها.. غرفت لها في طبقها ثُمَّ بدأت بالأَكل وهي تَعبث بهاتفها.. هو أمسك بملعقته.. غرفَ لهُ أيضًا ثَمَّ تناول لهُ لُقمة مع تَحرّك عَدستاه إليها.. كانت تأكل ببطء وهُدوء وعَيناها مُندمجتان بشاشة هاتفها.. لا يدري هل هي تَتجاهله.. أمَّ أنَّها تُشْغِل نفسها عن هذا الجَو البـارد المُنتصف علاقتهما.. تناولَ لقمة أخرى دون أن يُزيح عينيه عن وَجْهها.. كانت خصلاتها المُتمرّدة تُلامس جوانب وَجْهها مثلما تَصَوَّر.. هذا الوجه المُتَّخِم بالنّعومة.. اسْتَغلَ فرصة انشغالها بالهاتف وبَدأ رحلة تَأمُّل جَديدة.. عَيْنان وَسْنانَتان.. لَهما وِسْعٌ بَسيط وفُتورٌ على الطَّرف يَجُرّكَ لِمُنْحَدَرٍ من سَهوٍ وَتيه.. أَهدابها طويلة ولكنّها لَم تكن كَثيفة.. حاجِبان خَفيفان مَرسومان.. أَنْفٌ طَويل ولكن صَغير، لهُ ارْتفاعٌ يُوحي بالغُرور الذي هي بَعيدة عنهُ تَمامًا، وفي منتصفه قَد بان كَسْرٌ خَفيف مَنَحها لَمحة مُلفِتة بطريقة غَريبة.. لَم تَكن تملك وَجْنتان مُمتلئتان.. فلقد كانَ لها وَجْهٌ نَحيف يَلْتَقي طَرفاه عند ذِقْنٍ دَقيق كان المُكَمِّل للوحة النّعومة الآسِرة... أعادت عَيناه الرحلة للمرة الثانية والثالثة والعاشِرة.. وفي كُل مرة كانَ بَصره يَتَخَطَّى الموضع نفسه.... شَفتيها.. تراوده رَغْبة عَميــقة في تأملهما واكتشافهما.. لكنِّهُ يمنع نَفسه غَصْبًا.. لأنّهُ يَخْشى من أن تُزَعْزِع مَشاعِر غرَيبة ثَبات حَواسه.. فكان في كُل مرة يَقترب من مَصَب شَفتيها يَغض البَصر ويعود ليغرق في بَحر ملامحها السَّمراء.. هذه الملامح المُتَسربلة برِمالٍ ذَهَبِيّة جَذبَت ذاته المُشَوَّهة. تَحَرَّكت عَدستاها عن الشاشة باتّجاه كأسها.. وفي منتصف الطّريق الْتَقَت بِعَينيه.. رَمَشَ بِخفّة مُستوعبًا الوَضع.. وببراعة اسْتطاع أن يُلَملم ارتباكه الذي صَدمته عَينيها.. قالَ سَريعًا مُقاطِعًا أي سؤال أو فِكرة قَد يرتفع صَوتها داخلها: الأكل لذيذ.. تسلم ايدش
رَدَّت بهدوء وهي تُخفض الهاتف على الطاولة: الله يسلمك.. بالعافية
وهو يَبتسم بخفّة: الله يعافيش "اسْتطَرَد" ترى أنا أعرف أطبخ.. اليوم اللي تبين ترتاحين فيه خبريني وأنا بطبخ لنا
ارْتَفَعَ حاجِبَها بتعجّب من كلامه.. وكأنّهُ يُريد أن يسْتهل حديثًا معها.. لذلك تَساءلت مُدَّعيةً الجَهل: ليش تعرف تطبخ؟ نادرًا الرجّال يعرف يطبخ
هُو فَهمها.. لكن واصَل معها وأجابها: بسبب دراستي برا
سؤال ثانٍ: في وين دارس؟
أَخفضَ الملعقة في الطَّبق ويده لا زالت تمسك بها ولكن بارْتخاء: في ألمانيا... برلين تحديدًا
هَزَّت رأسها وهي تُهَمهم قَبْل أن تقول: قالت لي حَنين "رفعت الملعقة لفمها وقبل أن تأكل أردفت ببرود وهي تنظر للأمام" بس هالشي اللي أعرفه عنّك
نَظَرَ لها وهي تمضغ اللقمة ببرودٍ كَبرود نبرتها.. تركَ الملعقة وهو يتساءَل بهدوء: شنو اللي تبين تعرفينه عنّي؟
ابْتَلعت ما في فمها.. رَفَعت كأسها وبدأت تشرب وهي لا زالت تُشيح بَصرها عنه.. أَخفضت الكأس وهي تُمَرّر لسانها على شفتيها قَبْلَ أن تنظر لهُ وفي عَيْنيها نَظرة حازِمة وجادَّة: كل شي.. أبي أعرف عنّك كل شي "صَمتت للحظات قَبْل أن تُكْمِل بِحدّة مُتجاهلة خَوفها المُوارب" وأوَّل شي أبي أعرف عنه هو وشمك
ارْتفعت يَده لجانب عُنقه مُشيرًا للكتابة الصغيرة نسبيًا: تقصدين هذا؟
تَهَدَّلت ملامحها والصَّدمة قَد أوْسَعت عَينيها.. للتو تنتبه للذي في عُنقه.. رَكَّزت فيه، ليس واضحًا لها المكتوب من مكانها.. لا تتذكر أنها انتبهت لهُ من قبل.. رُبما رأتهُ واعتقدت أَنَّهُ شامة أو أثر أو أي شيء آخر غير الوَشم.. هَمَسَت تُجيبه: أقصد... اللي في ظهرك "وباسْتنكارٍ أردفت والتَّقزز يَطأ وجهها" ليش إنت جَم وشم عندك!
قال بنبرته البارِدة المُثيرة أعصابها: ولا واحد.. اللي اهني واللي في ظهري مو وشم
بنفاذ صَبر تساءلت: إذا ما كانوا وشم فهم شنو!
أَشارَ لطبقها مُفْصِحًا عن كَلِماتٍ أَرْهَبتها: اكلي.. تحتاجين قوة عشان تتحملين اللي بتسمعينه "أمسك بملعقته وعيناه تَنفصلان عن عَينيها" اكلي... عقب العشا بخبرش عن كل شي... مثل ما تبين



كانت تخلع قِرطاها أَمام المرآة بابْتسامة جانِبية يغزوها الغُرور والفَخر وهي تَستمع لسؤاله المُتَعَجِّب: من أول لقاء طلب يقابلش على انفراد! شهالســرعة!
نَظَرت لهُ عَبرَ المرآة وهي تُجيبه بثقة: طبــعًا.. أنا فاتــن.. ولا نسيت؟
هو الذي كان مُسْتنَد لظهر السرير بنصف اسْتلقاء أجابَ ويده تَفتح أزرار قَميصه: لا ما نسيـت.. وفي نفس الوقت ما نسيت إن هالشخص سلطان.. مو بسهولة ينقص عليه!
اسْتدارت إليه مُوَضِّحة بذات الابْتسامة: إنت ما تعرف سلطان مثل ما أعرفه.. الأنثى الجَميلة نقطة ضعفه.. وأنا أعرف شنو يحب وشنو يكره في شكل البنت وفي أسلوبها.. وكل هذا جمعته فيني "أشارت لنفسها وهي تُكْمِل" هذي اللي واقفة قدامك قدرت في دقايق إنها تفر عقله وتخليه يدعوها لمكانه السري
نَظَرَ لها بِصَمْت.. لكن العُقْدة التي تَوَسَّطَت حاجِبَيه والضيق الذي أَغشى عَينيه كانا يُفْصِحان عن الكَثير.. لذلك تَساءلت وهي تقترب من السرير: شفيك؟ ليش جذي صار وجهك!
أَبْعَدَ عينيه عنها مُجيبًا بِهمس وهو يخلع قَميصه ويُلقيه جانِبًا بحركة غاضِبة: ما فيني شي
ارْتَفَع حاجِبَها: ما فيك شي ووجهك انقلب فوق تحت مرة وحدة! قول لي شفيك.. ما أعتقد إنّي قلت شي غلط!
بتهكّم: ما قلتِ شي غلط! متأكدة؟
بنرفزة عقَّبَت: رائد شنو هالأسلوب بعد! توك عادي ما فيك شي.. شصار اللحين انقلبت علي!
بنبرة غاضِبة ومُرتفعة: لأنش يا مدام مو واعية للي قاعدة تسوينه
عَقَدَت حاجِبَيها وباسْتنكار: وأنا شسويت! كل شي متفقة عليه معاك وإنت تدري فيه.. شنو اللي تغيّر اللحين!
أَجابَ بحدّة: اللي تغيّر إنِّش بتروحين له الله يعلم وين.. بينفرد فيش.. وحضرتش مستناسة بجمالش وأنوثتش وجاذبيتش اللي خلته يجيش بدون مصاعب
عَقَّبَت بعدم فهم: انزيـــن! وين المشكلة؟ من الأساس احنا نبيه يستجيب
من بين أسنانه نَطَقَ وهو يشعر بالدماء ترتعد في عروقه: المشكلة إنش بتكونين معاه بروحكم.. في مكان منعزل أكيد.. وإنت طبعًا بتكونين بلبسش الماصخ وحركاتش ومفاتنش قدامه
كلماته الواضِحة لسعتها.. لكنّها سألته بحدّة لرُبما كان لهُ مقصدًا آخر: رائد شتقصــد بكلامك هذا؟
أَجابَ وكلماته نيران تُهاجمها: قصـدي واضح.. اثنينكم مع بعض وثالثكم الشيطان.. يعني شنو تتوقعين يصير!
هاجت عليه وهي تقف وجسدها يَرتعش من رأسها حتى أخمص قَدميها.. حتى صوتها كان يرتعش من شدّة صدمتها من حَديثه الأرعن: إنت اسْتخفّيـــــت! شهالحجي اللي قاعد تقوله!.. أنا زوجتك يالحقيــــر.. زوجتـــك.... ما تستحي ترمي علي هالكلام!
ببرود قَهَر لَهيبها المُسْتَعِر: أنا ما أقصدش إنتِ.. أقصده هو
ووجهها يختنق باحْمرار الحَنَق: ولو مثلاً هو حاول تتوقع إنّي بتفاعل معاه! "أشارت لنفسها والدمع يَلتمع وَسَط مُقلتيها وهي تُرْدِف بصوتٍ مَهزوز" أنا صدق مو ملتزمة.. وما أحاسب للبسي وشكلي.. وحتى تصرفاتي.. لكن مو معناته ما أعرف الحرام من الحلال.. شنو تتوقع؟ أخون ربي.. أخون نفسي اللي صنتها طول هالسنين.. تتوقع أخونك؟ "صَرَخت في وجهه" قــول لـــي.. تتوقع أخـــونـــك! "أنحنت لهُ وبَدأت تضرب صَدره بقَبْضتها المُرْتعشة وحواسها قَد هالها عُظْم الذي نَطَقَ به" تحجــى.. قول.. قــوول إنّي بخونك "صَرخَت من قُعْر قَهرها" قـــــــــول
اسْتطاع أن يَلتقط ساعديها بيديه القَوّيَتين.. شَدَّ عليهما مُحاولاً السَّيطرة على اضطرابهما وفي داخله قَد صَحى نَدَمٌ مُتأخّر.. هي كانت تُحاول أن تَتَمَلَّص من قَبْضَتيه وصَوت بكاءها قَد عَلا بِقَهَرٍ وحُرْقة.. كانت تَشد جَسدها بعيدًا عنه، تُحَرّك معصميها بَين قَيد كَفّيه.. تَركله بقدميها.. تَبصق في وجهه.. كانت تُريد أن تَبتعد عنه.. أن تَبتعد عن عَينَيه اللتَان قَذفتاها بِسَهمٍ من شَكٍّ وسوء ظَن.. عَدَم الثقة التي رأتها بَين خُطوط ملامحه وسَمِعتها في صوته نَهَبَت الهواء منها.. لِوَهلة شَعرت أنَّهُ غَريبٌ عليها.. لَيس رائد.. لَيس زوجها.. كيف اسْتطاع أن يُفَكِّر بها بهذه الطريقة؟ بل كَيف سَمَح لعقله أن يتخذ هذا الطريق الأعوج الذي أَوصله لهذه الفكرة؟ إذا كان هُو.. زوجها.. حَبيبها.. الظَهر الذي أَسْندها في السنوات الأخيرة يَظِن بها سوء.. فمن لها! فيمن تَثِق وإلى من تَلْتجئ؟ صَدمها.. صَدمها للحَد الذي أَوْجَد في صَدرها فراغًا ثَقيلاً يَخْنق المواضع التي امْتلأت أَمانًا بيديه. بَعدَ دقائق من المُقاومة هَدَأت حَركتها وارْتَخَت عضلاتها باسْتسلامٍ وتَعَب.. انْهارَ جَسَدها كالهلام بَين ذراعيه.. شَدَّ عليها وهُو يُقَرّبها من صَدره.. حاولت أن تَبتعد عنه لكنّها لَم تَسْتطع.. حَديثه كان كالصاعِقة التي شَلَّت أَطرافها.. لكَن رُوحها من الداخل كانت نافِرة.. كانت مُولِية ظَهرها عنه.. لَم تُرِد أن تَمْتَزِج مع رُوحه مثل كُل مرة.. فَبعد الذي قِيل بَدت لَها رُوحه آثِمة، وكان الغُفران صَعْبًا على رُوحها المجروحة... أَغْمَضَت عَيْنيها.. لا تُريد أَن تَرى وجهه.. هَمَست بوَجع وهي تَشعر بيديه تَتشَرَّبان دُموعها: عورتنـ ـي.. عورتني.. بكلامـ ـك



وَقَفَت كَمَلسوعة مُتسائِلةً والاضطراب تَعَدَّى نَبَضاتها لِيَطالَ حَواسها.. سَألتهُ بأنفاس لاهِثة: إنت... من وين.... من وين تعرفها!
أَجابَ بهدوء على الرغم من استغرابه من وُقوفها المُتَحَفِّز: مثل ما قلت لأبوي.. دكتورة معاي في المستشفى
اعْتَرَضت من غير مقدمات: لا.. شيلها من بالك.. هالبنت ما تصلح لك
وَقَفَ يُقابلها والاستنكار يُصْبِغ ملامحها: يُمّه ليــش! توقعت إنش تستانسين لي.. وتستانسين إنها بنت صديقتش!
اسْتَعَرَت أَنفاسها لذِكر تلك الصَّديقة التي غَيَّبَ التراب ملامحها، ولَم يُغَيِّب الزَّمن ذِكْرها.. هَمَسَت وهي تُعاين اصطدام شَهيقها بزفيرها بشعواء: من غير ليش.. هالبنت تشيلها من بالك... وتطلعها من حياتك
قالَ بنبرة هادِئة عَلَّها تَفهم موقفه: يُمّـه... أنا خطبتها من أبوها.. والبنت وافقت "أَرْخَى جِفْنيه مُفْصِحًا بتردّد" وأنا أبيها يُمّـه.. أبيــها
ارْتَفَعَ صَوتها: أنا أمّـك وأنا أعْرَف بمصلحتك.. هالبنت مــا تناســبــك.. في غيرها ألف بنت وبنت
نَطَقَ وهُو يَشعر بالرَّجفة تَسري بَين أوصاله قاصِدةً قَلْبه المُرْهق: بس أنا أبيها هي.. ما أبي الألف
اقْتَرَبت منه لِيُبصر جَلِيًّا القَسْوة وهي تَتَفَرَّع من عَيْنيها مُسْتَحوِذَةً على ملامحها: عبد الله لا تعـانــد.. صدقني ما بتتوفق إذا عاندتني.. شيل هالبنت من راسك
اسْتَقَرَّت يداه على خِصره وهو يَهز رأسه بِضحكة ساخِرًا من قَدره الذي يُعاد بذات الأحداث والشخوص والطَّعنات.. نَظَرَ لوالده الذي وَقَفَ مُتسائِلاً بِجِديَّة: إنتِ شايفة شي على البنت؟
استدارت له وبحدّة: لاا.. بس أدري إنها ما تناسبه.. أعرفه وأعرفها
اسْتَلَّ شَهيقًا من بَين الضّيق المُخْتَنِق منهُ المَكان وبنبرة كانت أقرب للفَناء وعيناه مُلْتَصِقَتان بالأرض: أعتذر يُمّه.. أنا اللي أحدد إذا كانت تناسبني أو لا.. البنت خلاص خطبتها ووافقت.. كلها أيّام وتصير زوجتي " تراجع للخلف مع ارْتفاع بَصره لها لِيُرْدِف مُنْهِيًا النقاش" وتجنبًا لأي ردة فعل منش في المستقبل... أنا ومروة راح نسكن في بيت بروحنا
أَنهى جُملته ثُمَّ رَمقها بنظرة كانت خَناجِر من خِذلان اخْتَرَقت قَلْبها.. ازْدَرَدت ريقها وهي تراه يَبتعد قاصِدًا الطابق العلوي.. حينما غابَ عن مَجال رؤيتها شَعَرَت وكأَنَّ بَصرها سَيعْمى عن وَجْهه إلى الأبَد.. هي ستراه بالطَّبع، رُبما غدًا أو حتى بعد ساعات.. لكنّها لَن ترى وجه ابْنها.. بل سَترى وَجْهًا يَتيمًا منها.. وَجْهًا انْسَلخَت عنهُ كُل ملامح الحُب والرأفة والعَطف.. وَجْهًا مُطْمَسًا من كُل شَيء ما خلا خَيْبة أَمل مُعَنْوَنة بِأمّــي.

،

دَخَلَ جَناحه وهو يَخلع سترته.. لَيْته يَسْتَطيع أن يَفصل جلده المُشْتَعِل عن جَسده.. أن يَهدم حُجرات قَلبه، يُفَتتها فَلا يَشعر بارتطام النبضات بها.. لَيته يَنتزع رُوحه من جُذروها حَتى يَقْطَع مَسير قوافل الألَم إليها.. أن يَفقأ عَينيه كَي لا يُبْصِر الحَنان وهو يَتَحَوَّر إلى قَسوة تَنهش ذاته بلا رَحْمة.. حتى أُذنيه، هُو يَتمنى لَو أن يُنقذهما صَمَمٌ من فَحيح كلماتها المَسْمومة.. لماذا أُمّي.. لماذا تُشِنّين حَربًا على ذاتي؟ لمــاذا! الْتَفَت لغيداء التي اتَّخَذت دور المُتَفَرِّج أثناء النقاش.. أَغلقت الباب ثُمَّ اقْتَرَبت منه وهي تقول برجاء: عبد الله لا تضايق نفسك.. أمي بس انقهرت إنّك اخترت البنت وخطبتها من غير لا تعطينا خَبر
حَرَّكَ رأسه غير مُقْتنعًا بتَبريرها: لا.. لا.. هي تبيني أمشي على هواها.. آخذ البنت اللي هي تبيها.. أول شي نور.. واللحين مروة
وَضَّحت وهي تقف أمامها: من كثر حبها لك عبد الله.. يمكن الشي اللي تسويه غلط بس هي مو قصدها تضرك.. هي تبي لك الزين
سَألها بحرقة: ونور شنو كان فيها من شين؟ "أجابَ بنفسه" لأنها كانت تحب خالي... كانت تحب طلال؟ بس هي حبتني.. حبتني من كل قلبها وما خانتني.. شفت الحُب في عيونها وكلامها ولمساتها
مالَ رأسها وبتأنيب: عبد الله شفيك! خلاص نور مو نصيبك
هَزَّ رأسه: أدري.. أدري.. والحمد لله أنا مو معترض على أمر ربي.. لكن إحساس الراحة اللي كان يغمرني تجاه نور اللحين توجه لمروة.. وإحساسي عمره ما غلط.. كلام أمّي عاري من الصحة والمنطق.. البنت محترمة وعاقلة ومتميزة في شغلها.. ما شفت منها العيبة
عَقَّبَت مُحاولةً الظفر بجواب مُقنع: زين يمكن أمي مو قصدها إن فيها شي غلط أو إنها بنت مو زينة.. يمكن قصدها إن شخصيتها ما تناسبك
ارْتَخى حاجِباه ومن عَينيه امْتَدَّت يَد تَسْتجدي تَفَهّمًا: بَس أنا أبيها بشخصيتها.. سواء تناسبني أو ما تناسبني.. إنّي أحبها ما يعني إنّي أبيها تَتشَكَّل على مزاجي وعلى اللي يناسبني.. إنّي أحبها يعني أتقبلها بكل حالاتها.. أرضى فيها وأتكيّف مع شخصيتها مهما كانت
نَقَلَت عَيْنيها بَين عَيْنيه وبين ملامحه المُتْعَبة.. هَمَسَت مع احْتلال البَسْمة لِشَفتيها: ما كنت أدري إنّك تحبها! توقعته بس إعجاب
صَمَتَ لثواني مُعيدًا في ذاكرته كلماته التي نَطَقَ بها.. إذن إنّها المرة الأولى التي يَعترف فيها بحبّه.. كَشَفَ عن تَنهيدة ثُمَّ نَطَقَ وهو يتراجع للخلف ليجلس على الأريكة: ولا أنا كنت أدري.. كنت من كثر ما أتجنبها أظن إنّي أكرهها.. ما كنت أدري إنّي أتجنبها خوفًا على قلبي منها
جَلَسَت بجانبه ويَدها المُشَبَّعة بِحَنانٍ أخوي حَطَّت على كَتفه المُنْحَني مُتسائِلة: وبعدك خايف على قلبك منها؟
بِهَمس وهي تُبْصِر في عَيْنيه بَريقًا وَهْنًا يُصارع ريحًا هَوْجاء تُهَدِّد أَمله: لا.. أنا خايف على قلبي من فَقدها.. بغرابة لَقيت نفسي اللي أدوّرها في تناقض شَخصيتها.. ما أدري ليش! بس أحسها المرأة الوحيدة اللي بتعرف ترتب الفوضى اللي داخلي "وبحزم أردف" باخذها.. بتزوجها.. بتزوجها وبتكون لي
شَدَّت على كتفه ويدها الأخرى تَحَرَّكت لِتَمد ساعده ببضع دفء: زين شنو بتسوي مع أمي؟
أَجابَ باخْتصار وهو يَنظر للاشيء: بخيّرها.. يا مروة.. يا هجرة ما بعدها رجعة



طَرْقٌ على باب غُرفتها.. نِداءٌ للاسْتعداد إلى خَوْض رِحْلة مُبْهَمة المَخاطِر.. كلماته قبل ساعة تُوحي بوجود أَلَمٌ مُتَخفّي بَيْن الأسرار المَكتومة.. ولكنّها تَجْهل شِدّة هذا الألم.. ولا تدري هل هُو أَلَمٌ وَحيد أَم شَعْبٌ من آلام. عادَ الطَّرق من جَديد.. تَنَفَّسَت بارْتباك وهي تَتحرَّك للباب.. فتحتهُ بهدوء وهُو قال ما إن رأى وَجْهها: توقعتش نمتين يوم ما رديتين
عَقَّبَت وهي تَنتبه لشيء أحمر في يده: لا ما نمت.. بعده الوقت على النوم
حَذَّرها قَبْلَ أن يَدخل: بطوّل في الحجي.. إنت تبين تعرفين كل شي.. والكل شي يبي له وقت
ارْتَفَعَ صدرها تَفاعلاً مع النَّفس العَميـق الذي اسْتعانت به.. وبهمسٍ يَتَقَلَّد بالثَّبات: مو مشكلة "أشارت للداخل" تفضّل
دَخَلَ وهي لَم تُغلق الباب.. تَركت نِصفهُ مَفتوحًا.. فَقَد تَحتاج إلى هذا المَنفذ بَعد دقائق.. فهي لا تدري إلى ما سيؤول إليه الحَديث أو الاعتراف الذي سَيفصح عنه.. شَبَكت أَصابع يَديها في مُحاولة للسَيطرة على رَجفتها وهي تنظر إليه يَسْتَقِر في وُقوفه عند القوس المُفضي لغرفة التَّبديل.. رَفَع يَده حتى لامسَ بسَبَّابته مُنتصفه حيث يُوجد تَجويف على شَكِل دائرة صَغيرة.. ظَلَّ يُمَرِّر إصبعه حَوْلَ المَوْضِع بِبَصَرٍ شارد أثار اسْتغرابها.. عَقَدَت حاجِبَيها من حَركته التي كانت بالنسبة لها بلا معنى.. بَدل من أن يَبْدأ الحَديث اتَّجه للقَوْس ليَلمس تَجويفًا مُهْمَلاً في مَنتصفه! زَفَرت صَبْرها قَبْل أن تُناديه بِهَمس: محمد!
نَظَرَ لها وبالتوالي أخفض يَده عن الدائرة المُجوَّفة، لكنّهُ بَقِيَ يُشير لها وهو يَسأل: تدرين شنو كان في اهني؟
ازْدادت عُقْدة حاجبيها.. هي لا تفهم شي.. لا تفهم شيء! ما هذا الحوار الغامض! أجابت بنبرة تَنم عن عَدم استيعاب وهي تنظر إلى حَيثُ يُشير: لا!
وهو يَخْطو إليها: كاميرا "ارْتَفَعَ حاجِبَاها بمُفاجأة من المعلومة الغريبة جدًا.. هُو واصَلَ مُضاعِفًا من تَشابك الخُيوط في عَقلها" كانت موجودة كاميرا مراقبة.. البيت كله فيه كاميرات.. الكراج بعد "أخرجَ هاتفه من جيب سرواله لِيُرْدِف وهو يضغط على أحد التطبيقات" أراقب المكان كله من اهني
ارْتَطَمَ قَلْبها بِصَدرها عندما بانتَ لها غُرف المَنزل وهي مُقَسَّمة بوضوح في الشاشة.. تَبَعثرَت أنفاسها وباتت تَشعر بنَبضاتها تقفز إلى حلقها.. هَمَسَت بتَخَبّط وهي تَحْتضن نَفسها بذراعيها، تَحمي ذاتها من مَجْهولٍ تَتماهى لها مَلامحهُ المُخيفة: وو.. واهنـي؟
أَجابَ بصراحة وهُو يُعيد الهاتف لِجيبه: شلت الكاميرا من تَم عقدنا احترامًا لخصوصيتش "وبتوضيحٍ وَسَّع ثَغرة الخَوْف التي تَشخب منها أنفاسها" على الرغم من خطورة بقاء الغرفة من غير مراقبة
تَصافَقَت أَهدابها كأنَّها تُنَحِّي غَشاوة عن عَدسَتيها المُضَّطرِبَتَيْن على الأَرض، وبتساؤل كان جافًا من فَهْم: ليـ ـ.. ليـش تراقب!
بأجوبته القَصيرة التي تَسْتَفِز صَبرها: عشان أحمي نفسي
ارْتَفَعت نَبْرة صَوْتها قَليلاً فانْكَشَفَت غَصَّة الخوف المُتوارية: تحمي نفسك من شنو! إنت شنو مسوي عشان الخطر يهددك لدرجة إنّك تراقب بيتك!
شَبَحُ ابْتسامة مَرَّ بالقُرب من شَفتيه وهُو يُفْصِح بِهَمسٍ مُكَفَّن بالجَليد: ما سويت شي غير إنّي كنت أنا
فَرَّ سؤالها حامِيًا يُنَبِّش عن الحَقيقة: ومـــن إنت!.... من إنت محمد؟ "خَبى صوتها قَليلاً وهي تُرْجِع رَأسها للخَلف لتُرْدِف بَوجسٍ يَنم عن شَكٍّ وعَدمِ ثِقة" إذا كان هذا فعلاً اسمك!
تَقَدَّم منها حتى نَسَف جَميع الخطوات والمسافات.. تَصَلَّبَت هي في مكانها تُصارع الهروب.. ازْدَردت ريقها عندما لامَسَت خَدّها أَنفاسه الساخنة.. كان قَريبًا جدًا، جدًا.. قريبًا للحَد الذي يُصَعِّب عليها النَظَرَ إلى وجهه والتركيز فيه.. لذلك كانت عَدستاها تَتَقَلْقَل على المَكان لِتَتَجَنَّبه، وكانت عدستاه في المُقابل تُلاحقانها.. يُريدها أن تنظر إليه.. أن تُمْعِن النَّظَر في حكايته المَحْفورة بَين طَيَّات مَلامحه.. أن تَقرأ البَوْح الأبْكَم على شفتيه.. أن تَلْتَقِط من عَيْنيه مَشاهد لا زالت تَزوره كوابيس مُرْعبة تُزَعْزِع ثِقة الرَّجَل المَسْجون داخله.. يُريدها أن تُصَيِّر حضنها بَحْرًا يَسْتَقبل دُموعًا طالَ مَوسم جَفافها.. وأن تَتَحَسَّس بِلُطف يَديها آثار قَسوة زَمنٍ نُحِتَت بَين دَمٍ وجِلْد.. يُريدها أن تُعيد صِياغة ذاته لَعَّلهُ يَلقاها بَعد فَقْدٍ طَويل.. يُريدها أن تُعيده لنفسه.. لِمُحَمَّد الذي كان يَقِف قَبَل ستةَ عَشَر عامًا أمام المرآة في المَتجر يُقيس مَلابسًا تَقيه من شتاء بَرلين القارس.. ولَم يَعلم أنَّ شِتاء الزَّمن سَيُكَلِّفه رُوح تُخاط منها أكفانًا تُلَمْلِم بَقايا ذاته المُشَوَّهة. هَمَسَ وعيناه تُهرولان خَلف عَيْنيها: ليش ما تبين تطالعيني؟ خوف.. تقزز.. أو هروب؟
أَطْبَقَت شَفتيها وهي تَضغط بقوَّة كأنَّما تمنع نفسها من أن تُجاوب بـ "كلهم".. أشاحت وجهها عنه أكثر.. هي لا تستطيع أن تنظر إليه بسبب خوفها الذي يُحَذِرها من كُل الذي لا تعلمه.. وبسبب تقززها من شَيطان نُحِتَ على جلده.. وكذلك هُروب.. هُروبٌ من كلماتٍ صامِتة تَنبَجس من عَيْنيه لتغرقها كُلَّما وَقَعَ بَصرها عَليه. اخْتَرَقت حَنجرتها شَهْقة قَصيرة ومَرْعوبة عندما أَحاط مِعصمها بيده القويَّة.. نَظَرت إليه باتّساعٍ مِحْجَرَيْن تَكاد تَخر منهُ حَدَقتيها.. وَقَبْلَ أن تَهتدي لفعلٍ ينقذها من قَبْضته، باغَتَت أوصالها كَهرباء شاطت منها أعصابها وخلاياها.. فهو قَد أْلْصَق يَدها بعنقه، بالتَّحديد فَوق الوَشم الذي أشارَ إليه.. هَمَسَ وهُو يُحَرّك باطِنها على المكتوب: هذا اسمي.. هذي هويتي.. صفر سبعة.. أو زيرو سَفِن.. أو نُلّ زِيبن.. أو نُلْ سِيم.. اختاري.. اختاري الاسم اللي يشبهني أكثر.. الاسم اللي يليق بالدّمار اللي فيني "ارْتَعَشَ جَسدها مع ارتفاع يده الأخرى أمام وجهها كاشِفًا عن صَفحة اسْتطاعت أن تُمَيِّزها من خلف غشاء دَمعها المُهتَز.. كانت صفحة هوية.. صفحة من جواز سَفَر.. إذن هذا الشيء الذي بين يَديه جَواز! واصَل إشعال النيران" شوفيــه.. شوفي هالانسان "قَرَّبَ الجواز من عَينيها بمبالغة" اقري اسمه.. اقريــه.. اسمه ديمتري موريس.. هذا الانسان مرتبط بهالرقم.. علامتين لوجود كائن حي في هالدنيا.. كائن غير اللي قدامش.. محمد موجود بس اهني.. أو عشان أكون صادق أكثر.. محمد منسي اهني.. في هذي الجزيرة الصغيرة.. أما في أي أَرض عداها فهو مسجون بين ديمتري ورقمين "ضَغَطَ بأصابعها الرّاجفة على الرَقم وهو يَبْتسم ابْتسامة كان مَعناها لُغزًا لها وله" هذا مو وشم.. واللي في ظهري بعد مو وشم.. هذا حرق.. مكتوب بالنار.. "ضَغطَ أكثر وهو يَسأل" تحسين بلسعتها؟... أنا للحين أحس فيها.. على الرغم من السنين اللي مرّت.. إلا إنّي للحين أَفز من نومي متوجع من حرارتها
حَرَّرَ يَدها وهي بسرعة سحبتها إلى صدرها وبيدها الأخرى احتضنتها تُمَسِّد مفاصلها المَفزوعة وعيْناها المُحَمرَّتان من وَخز الدّمع لَم تبرحان وَجهه المُتعاقِد مع الشتاء.. كانت تشعر بَعينيها مُثقلتين، وكأنَّهما تَحملان صُخورًا لا دُموع.. لَم تُغادر المُقلتان دَمعة واحدة.. وأيضًا لَم تَتراجع إلى الروح دمعة واحِدة.. ظَلَّت العَينان هكذا، جاحِظتان والدَّمعُ مَوْجًا يُعانِد المَد. تَراجعت للخَلف خطوة بتعثِّر.. دُوار يُحاصرها وغَثيان يَجثم على صَدرها.. تَشعر برغبة بالاستفراغ.. بَوحه اتْخَمها على الرغم من أنَّها لَم تَتَجَرَّع غيرَ الجذور.. تَساءَلَ وهُو يَرى كَيف تَقَهقر جَسدها بِوَهن: اللي قلته نبذة.. حتى مو البداية.. قشور بس.. للحين مُصرّة تعرفين كل شي؟
لَم تُجِبه.. اتَّكَأت بباطن يَدها على منضدة التسريحة برأس مُنَكَّس.. أَغْمَضَت لتفصل نفسها قَليلاً عن الواقع الخانِق.. بَدأت تَتنفس بوضوح.. شَهيق عَميق يَتبعهُ زَفيرٌ مُحَمَّل بفُتات أحاسيسها السلبية تجاهه.. انْزَوت لتُرَمِّم ثَباتها وتُعيد خياطة ما فَتقته عاصفته من ثَوب صَبرها.. وبعد نصف دقيقة فَتَحت عَينيها.. هَدأت أنفاسها وانْخَفَضَ رَتم ارْتجافها.. قَصَدت يَدها خصلات شَعرها لِتُزيحها عن وجهها.. مَرَّرَت لسانها على شَفتيها ثُمَّ أَدارت وَجهها إليه وهي على انْحنائها.. بانَ لَها وَجهه المُتَحفِّز.. هَمَسَت تُجيبه صادِمَةً ذاته في الوَقت الذي فارَقت فيه عَيناها دَمْعة مُشْفِقة: ايــه "أَكَملت بِبَحَّة مُثيرةً شَعْب أَملٍ مات انتظارًا في كَهف ذاته" مستعدة أسمع كل شي.. مدام سَماعي بيخلي لمحمد وجود



حُمَم تَتصاعد في صَدره مُضاعفةً من حَرارة جَسده، ومُحَفِّزةً مَساماته لإفراز عَرَقٍ لهُ رائحة تَوَتّر.. اسْتكانَ على ظَهره.. زَفَرَ وعَيناه مُتَعَلِّقَتان بالسَّقف، وفِكْره مُعَلِّق بالـ "لا" المَسْمومة التي قَذفها لِسان والدته فَشَلَّت حَرَكة نَبْضه.. انْقَلَبَ على بَطْنه رَفع هاتفه المتروك بجانب رأسه.. نَظَرَ للساعة، تَجاوزت العاشرة مَساءً.. انْقباض مُؤلم في مَعدته ذَكَّره بأنَّه لَم يأكل منذُ الإفطار.. لا يَشتهي شيء.. يَشعر أنَّهُ لو تناول لُقمة سَيَستفرغ مُباشرة.. فالقَلَق قَد اتْخَمه، والضِّيق صَيَّرهُ الوَقت سَلاسل من حَديد تخنق دواخله ساعة بعد ساعة. هُو صَحيح أخْبَر شَقيقته بتخييره لوالدتهما إن صَمَّمَت على الرفض.. لكنّهُ يعرف نفسه جيِّدًا.. حتى ولو هاجرَ وطَلَّق وطنه لَن يَهنأ في عَيشه.. فِكرة أن يَبتعد عنهم لأشهر اسْتساغتها الرُوح وتلاءَم معها صَبره؛ لأنّهُ كان في حاجة ماسَّة للابتعاد.. لكن أن يَبْتر الأبد احْتمالية عَوْدته فهذا ما لا يَقوى عليه.. وإن حاولَ لَن يَسْتطع.. فشخصيته لا تألفَ الوِحدة وذاته تتوحَّش من ظَلام الغُربة.. لذلك لا يعتقد أنَّ تهديده ذا منفعة. إذن ماذا بعد الرفض؟ هل يستسلم لو اسْتَمَرَّ اعتراضها؟ هَل يَتنازل عن المأوى الذي اهْتَدى إليه بَعْدَ زَمَنٍ من الضياع؟ هَل يَبيع الزُّمرد على رَجُلٍ آخر بِثَمَنٍ بَخْس؟ ارْتَجَفَ قَلْبه من قَسْوة هذا السؤال.. جَلَسَ وهو يُحَرِّك رأسه كأنَّما ينفضه من هواجِس تتَجَمَّع كغبارٍ يَمنعهُ من رؤية سَليمة.. لا داعي لِسَجْن نَفسه في هذه المَعْمعة.. إحساسه يَقول له أنَّهُ سَيصل إليها حَتْمًا.. لذا لَن يُشْغِل نَفسه في تَكديس الهَم فَوْق الهَم.. تَرَك السَّرير مُتَّجِهًا لغرفة ملابسه.. الْتَقَط رداء الاستحمام قَبْلَ يترك غرفة نومه ويغادر جناحه بالكامل.. ومُباشرة انتقل من الطابق الثاني إلى الأرْضي دُون أن يَلْتفت لأي من الغُرف.. تَجاوز الباب الداخلي قاصِدًا المَسْبَح.. حَيث هُناك تَحَرَّر من ملابسه مُبْقيًا على سروالٍ مَطاطي قَصير.. تَرَكَ هاتفه على الأرْض بالقُرْب من سَطْح المَسْبح قَبْلَ أن تَتطاير قَطرات الماء بانْدفاعٍ للأعلى من قوَّة قَفزته.. السباحة بالنسبة له الحَل الأَمثل لكُل المُعضلات.. والسلبية التي تَضج داخله لَن يَصمتها سوى وَقع الماء وهُو يرتطم بذراعيه.. اسْتَمَرَّ يَقطع مَسافاتٍ بالسّباحة.. بَين ذهابٍ وإياب يَحرث أَرْض عَقله لِينثر بُذورًا جَديدة تأتيه بأفكارٍ مُثْمِرة.. أَفكار تُطْعمه الهُدوء والسَكينة.. يَسْبح بصدره.. يَستريح على ظَهره.. يَغوص لدقائق يَتَفَقَّد صَبْر رِئَتيه.. يُزيح شَعره الغارق عن عَينيه.. يَزْفر أَنْفاسًا هائِجة اعتراكها داخله أضنى رُوحه.. يَسْبح وَيسْبح حتى أَنَّه كان يَتمنى لو يَتَحَوَّل لِموجة وَحيدة.. تَختلط ببحرٍ أو بمُحيط.. أو حتى بتَيَّار نَهرٍ يُفضي لِشَلّالٍ شاهِق يَفقد أَثناء هُبوطه منه ذاكرة القَلق. بَعد خَمس وأربعون دَقيقة هَدَأت حركته.. فعضلاته قَد أعيتها سِباحته القاسية نوعًا ما.. اتَّكأ بساعديه على حافَّة المَسْبح.. اسْتعلم الوقت من شاشة هاتفه.. الحادية عَشر وعشرون دَقيقة.. أَرجع خصلاته للخلف وبقيت ثابتة على وضعها من ثقل الماء.. وجهه كانت تُغادره قَطرات حَملت معها بعضًا من سَلبيته.. فَتحَ قفل الهاتف، ضَغط على قائمة جهات الاتّصال.. ابْتَسَمَ بشحوب عندما ظَهرَ لهُ الاسم الذي اختارهُ لها قَبْلَ أشهر "مُشكلة"... هَمَسَ لنفسه باسْتياء: وللحين مُشكلة!
هو اسْتأذن من والدها لمحادثتها ووافق مُباشرة وأرسل لهُ رقمها المحفوظ عنده سِرًّا.. هل يتصل الآن؟ عادَ ونظر للساعة.. هذا الوقت عامةً يُعتبر مُتأخِّر.. لا يعتقد أنَّه من اللائق أن يتصل بها.. رُبما هي نائمة.. أو مشغولة.. هي حتى قَد تَسْتنكر منه الاتّصال في هذا الوقت وَتُأنّبه.. لكنّه يُريد أن يُحادثها.. يُريد أن يُرَبِّت على خوف فَقدها بصوتها.. وأن يُبَرهن لذاته واقعية ارْتباطه بها.. إذن هل يتّصل؟ تَحَرّكَ إبهامه بتردّد على الشاشة.. حائر بَين الحاجة التي تُحَرّضه على الاسْتماع لنبرة صوتها الناعمة، وبين الحَرج الذي قَد يغمره إذ هي أَنَّبته.. فَكَّرَ وفَكَّرَ وفَكَّر.. وفي النهاية انتصرت الحاجة التي تُخيط الأفعال على قياسها حتى وإن كانت غير لائقة. رَفع الهاتف لأذنه.. الرنين طالَ قَليلاً.. أَغْمَضَ وهو يَعض على شَفته السفلى وفي داخله يشتم نفسه.. أخفضه بتراجع لكن قَبْلَ أن يُنهي الاتّصال ظَهَرت على الشاشة ثواني تَكشف بَدأ المُكالمة.. أَجابت.. أجابت على اتّصاله.. رَفعه مُجَددًّا بَعد أن أَمَر جَميع حَواسه بتوجيه الانتباه لصوتها.

: متصل عشان تسكت؟

كانت هذه الجُملة الأولى التي سَمعها منها.. ابْتَسَمَ بخفّة وهو يُجيبها بهمس: كنت بسكره يوم شفت الرنَّة طوَّلت.. قلت يمكن نايمة
وَضَّحت بذات الهَمس: مو متعودة أنام هالحزة
تَساءَل بضحكة: هذي نتايج المُستشفى أو السهر رفيقش من قبل؟
أَجابت بنبرة بَيَّنت لهُ أنَّها تَبْتَسِم: لا من قبل.. من أيام المدرسة ما كنت أنام قبل الساعة وحدة "هذه المرة هي التي سألت" وإنت متى وقت نومك؟
: ما في وقت معيّن.. متى ما خلصت شغل وأنهيت مهام يومي أنام
هَمْهَمت: يعني للحين ما أنهيت مهامك مدامك للحين قاعد.. شنو باقي عليك؟
ابْتَسم وصوته ينخفض أكثر: كان باقي هالاتّصال
هي التي كانت على الطَّرف الآخر مُسْندة ظَهرها بالسرير تُدير خصلة حَوْلَ سَبَّابتها، قالت بنبرة اسْتغراب: أبوي قال لي إنّك طلبت رقمي وأرسله لك.. يوم شفت الوقت تأخر قلت ما بتتصل اليوم.. ما توقعتك تتصل هالحزة!
دَعَك ما بَين حاجبيه بإحراج قَبْل أن يُجيبها وهو يَسْبح ببطء ناحية السُّلَّم: انشغلت شوي وما انتبهت إلا وهي طافت الإحدعش.. وصراحة تردّدت اتصل.. بس قلت بجرّب
عَقَّبَت: أهــا.. فهمت "استطردت وصوت سباحته يَصلها" صوت شنو هذا؟
أَجابَ مع مغادرة جَسده للماء: ماي
عَقَدَت حاجبيها: ليش إنت وين؟
وهو يَلبس رداء الاستحمام: في المسبح.. كنت أسبح
اسْتنكرت: تسبح هالوقت!.. وبعدين الجو بدا يبرد.. يعني بيتعب صدرك.. خصوصًا إنت فيك ربو.. مو زينة لك السباحة في هالجو
ضاقَت عَيْناه مُتسائِلاً وعلى شَفتيه ابْتسامة استغراب: شدراش إنّي فيني ربو!
صَمَتَت لثوانٍ مُتفاجأة.. اسْتَرسلت في حَديثها ولَم تَنتبه.. رَشَّحت صَوتها من الارْتباك ثُمَّ هَمَسَت بثقة: ما يبي لها ذكاء.. بين كل كلمتين تاخذ نفس.. وفي آخر نبرتك بحَّة.. يمكن مو واضحة بس المنتبه يقدر يلاحظها
جَلَسَ على أَحد المقاعد الخشبية وهو يُعَلِّق بضحكة: التحليل رَكيك لكن بسوي روحي اقتنعت فيه
وهي تَدّعي عدم الاهتمام: كيــفك "نادتهُ لِتُغيِّر الحَديث" عبد الله
بهدوء: آمري
ابْتَسَمت لكلمته المُحْتَرمة: ما يآمر عليك عدو "كَشَفت عن سؤالها" قلت لأهلك؟
صَمَتَ وعَدستاه تَرَّكَزتا على نقطة عَشوائية جَرَّتهُ للأحداث السابقة.. رَمَشَ ببطء ويَده ارْتفعت قابضةً على خصلات شعره.. وبهمسٍ حاولَ أن يَسلخه من اليأس: ايـه.. كلمتهم
: وشنو رايهم؟
اسْتعان بإجابة سَخرت ذاته من عُريِّها من الصدق: طبعًا رايهم من رايي.. كلهم فرحوا لي.. كلهم.. واستانسوا أكثر يوم عرفوا أمش الله يرحمها
تَمْتَمت وهي تعلم يَقينًا بكذبه: الله يرحمها
قال بَعد لحظات من الصَّمت لينجو من أسئلة أخرى قَد تُحاصره: تأخر الوقت.. مابي أطوّل عليش أكثر.. تصبحين على خير
هَمَسَت وهي تستوعب انتهاء أوَّل مُكالمة بينهما كَمخطوبَيْن: وإنت من أهل الخير
أَخفض الهاتف ببطء وهو يُغمض لِيَمتص بروحه رَحيق هَمْسها الشافي.. لا يَنكر أنَّ الحَديث البَسيط الذي جَمعهما خَفَّفَ من حِمل أكتافه.. لكنّه على الرغم من ذلك لام نَفسه وبشدّة على فعلته.. فهو قَد وَطأَ أَرْضَها باتّصاله والطَريق يبدو أَمامه حافِل بالمُغريات التي يَسيل منها لُعاب ذاته العُطشى.. ماذا لَو رَبَح رَفْض والدته.. كيف سَينزع ذاته من بِطنان أَرْضها الأنثوية؟






يَتبع




 توقيع : إرتواء نبض



رد مع اقتباس