عرض مشاركة واحدة
قديم 07-02-2011   #13


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ 10 ساعات (08:54 PM)
آبدآعاتي » 3,247,336
الاعجابات المتلقاة » 7388
الاعجابات المُرسلة » 3673
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



قراءة المكان. نص الشعر.

1-تقديم:


رأى بعض الأعراب ابنا له يختطّ منزلا بطرف عصاه، فدنا منه، وقال: أي بنيّ إنه قميصك، فإن شئت وسّعت، وإن شئت ضيّقت وفي حركة الأعرابي تلك جملة من الحقائق المرتبطة بفلسفة المكان. قد لا نجد فيها – لأول وهلة – سوى إشارة إلى السعة والضيق الماديين. ويقف نظرنا عند البيت، وقد تفسّحت أرجاؤه، أو ضاقت أقطاره، وغدت حرجة تعوق الحركة و الانبساط. بيد أن التروي قليلا، وتجاوز المنزل إلى القميص، يكشف شيئا جديدا في معضلة المكان. مادام القميص ألصق الأثواب بجسد الإنسان، و ألوط به. وكأن المنزل – وهو يكتسب خصوصية القميص – يصير امتدادا للجسد ذاته. يجد فيه نعت الانبساط السالف دلالة جديدة، تجعل راحة الجسد لا تقف عند حدود أعضائه، وإنما تمتدّ لتشمل المكان كلّه . بل وأكثر من ذلك، قد يكتسب المكان في أثر رجعي، من الجسد انبساطه الخاص، فتسري فيه أحاسيس صاحبه جيئة وذهابا، في تبادل عجيب يعطي للمكان حياة، يتعذر على النظرة العجلى استكناه أسرارها.


2-مفهوم الاشتمال:


لقد حاول كثير من الروائيين، وهم يصفون المكان: منازلا، وسجونا، وأحياء.. وغيرها التوقف عند الحياة المنبعثة منها. وكأنها كائنات لها من الخصوصية ما يجعلها وهي تلامس الوافد عليها تملؤه، وتخالطه، وتتخلله، بما لديها من مشاعر، وأحاسيس. ألا ينتابنا كثير من الضيق والاختناق ونحن ندخل بعض البيوت ؟ أو نعبر بعض الشوارع ؟ أو نجلس في بعض الأمكنة ؟ وقد تسري في أجسادنا قشعريرة الخوف الغامض، والتقزز المحرج كذلك، ونحن ندخل أماكن تواجهنا أول مرة بما يملأ صدورنا توجسا وخشية. كما أننا قد نشعر بالعظمة والهيبة وضآلة النفس في مواطن يعمرها الجلال والجمال ؟

ليس المكان إذن ذلك المعطى الخارجي المحايد، الذي نعبره دون أن نأبه به، وإنما المكان حياة لا يحده الطول والعرض فقط، وإنما خاصية الاشتمال . ما دمنا نجد في الاشتمال معنى اللباس، ومنه الشّملة . فالاشتمال تغطية وستر من ناحية، ومخالطة واندماج من ناحية أخرى. وكأني بالذين يدرسون الشخصية في معزل عن المكان والزمان، إنما يسلبونها شطرا ذا خطورة معتبرة في تحديد سيماتها، وتشخيص سلوكها، وتحديد أهدافها ومقاصدها. إذ العزل المتعسف للفرد عن مكانه، من قبيل التجزئة التي قد تقبلها عناصر العلوم الطبيعية الدقيقة، وترفضها عناصر العلوم الإنسانية القائمة على الكلية و الاشتمال.

إذا ارتضينا إجراء مصطلح الاشتمال الذي عرفناه في النحو العربي، ورضينا تحويله إلى الدرس الجمالي، فلغاية مزدوجة: فيه معنى اللباس ( القميص ). وفيه معنى التغطية ( المنزل ). وإذا عدنا إلى حديث الأعرابي، وجدنا للغايتين مضربا في المثل . وأدركنا أن المنزل الذي يختطّه الابن، سيظل ملازما له ما أقام فيه في تلك البقعة من الأرض، ملازمة قد تستغرق شطرا من حياته، يقصر أو يطول. ولكنه في كل الأحوال سيؤثر سلبا أو إيجابا في مستقبل شخصيته، وفي علاقاته الحميمية والاجتماعية على حد سواء.

لقد أدرك الأعرابي – بفطرته وتجربته – أن للمكان سطوة على مستقبل ابنه، وأنه في إمكان الابن أن يختار مقدار هذه السطوة وطبيعتها، وأن يوجهها اختيارا إلى الوجهة التي يريد. فإن ضيّق، ترتبت على الضيق عواقب شتى معقدة، تمتد في جميع الاتجاهات الاجتماعية. وإن وسّع كان الأمر كذلك. ويسهل علينا تصور عواقب الضيق ، وعواقب السعة. ألا يقول المثل الدارج: الضيق يعلِّم البخل؟ إنها الحقيقة النابعة من صميم المعايشة الاجتماعية. مادام المسكن الضيق لا يسمح لصاحبه استدعاء أحبائه. فإذا هو عزم على الأمر، بادره الضيق بالرد والصد، وضاق بهم ذرعا قبل قدومهم عليه. ولو أجرينا دراسة في تقاطع الأرحام لوجدنا للضيق المكاني ضلع بالغ فيه، قبل أن يكون لضيق اليد بادرة. وأن إنجاز السكن على النحو الذي نرى، يعمل على تبديد أواصر المجتمع، وقتل العلاقات الأسرية، وقطع التواصل الرحمي، وتحويل المجمعات السكنية إلى شقق يأوي إليها أفراد لا رابط يربطهم بماض أو نسل. همهم الأول أن لا يزعجهم أحد في فسحتهم تلك، وأن لا يزعجوا بدورهم أحد في فسحته الخاصة. حتى صار المكان أشبه شيء بكرة زجاجية مخبرية تنعزل فيها الجرثومة الخطرة على ذاتها قبل أن تكون خطورتها على غيرها.

إن الرحلة والحركة، تنفيان المكان ! ولا يكون النفي إلغاء للمكان، ومسحا له. وإنما النفي هو في سلب المكان خصوصية الثبوت. لأن المكان عاجز عن الفعل التدميري الذي أشرنا إليه دون شيء من الثبوت، تتباطأ فيه حركة الزمن، وتتكرر فيها دوراته بانتظام روتيني ممل. وإذا سلبنا من المكان خاصية الثبوت، أو قللنا تأثيرها بفعل الحركة، فقد قللنا من سلطان المكان ، ومنحنا التحول فرصة تجديد عناصر الشخصية ، بما يطرأ عليها من تجدد، تكتسبه من الأمكنة الأخرى. وإذا كانت مفارقة المكان فيزيائيا مستحيلة كلية، فإنه في مستطاعنا التخفيف من وطأته، وإدخال التنوع عليه، بتعديد الأمكنة وتواليها.

لذلك كانت الرحلة عند العربي القديم عنوان الانعتاق والتحرر، يحن إليها كل حين، وكأنها جزء أساسي من تركيبته الشخصية، يألفها كل الإلف. وقد قال تعالى:) لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف.( ( قريش2.1) ووجود الرحلة في الصيف والشتاء، يوقِّع السيرورة الزمنية للحياة ، ويمنح للعربي جديده الذي هو في حاجة ماسة إليه. لأنه جزء من المعاش، والاستقرار، والأمن : ) فليعبدوا ربّ هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع، و آمنهم من خوف.( (قريش 4.3) والرحلة – بعد - أي الانتقال من مكان إلى مكان :» مستمد من أسطورة البحث .. أما الانغلاق في مكان واحد، دون التمكن من الحركة. فإن هذه الحالة تعبر عن العجز، وعدم القدرة على الفعل، أو التفاعل مع العالم الخارجي، أي مع الآخرين.« (1) وإذا كان الله u قد خص قريشا بالرحلة شرقا وغربا ، فإنه دعا في كثير من المواطن في كتابه الكريم إلى السياحة، والضرب في مناكب الأرض، والمرور على ديار الأقوام البائدة للتذكر والعبرة، وركوب البحار، وقطع الصحارى. بل وخص المرأة بالسائحات.

إن البحث في أخلاق العرب قديما، في كرمهم ، في عزّتهم، وشجاعتهم، وسماحتهم، ونجدتهم.. لن يكون بحثا دقيقا، سليم النتائج، إلاّ إذا ارتبط بما للمكان / الرحلة/ الترحال/ الظعن.. من تعالق يعطي لمثل هذه الصفات معناها الحقيقي. إن فهمنا لها اليوم – نحن الثبوتيون – غير واضح ، ولا صحيح ما دمنا لم نجرب الانعتاق من المكان. فإذا أقمنا دراستنا على التصور والتخيل، كانت ملاحظاتنا باهتة، خالية من العلم، لأن الرحلة معاناة، والسفر مشاركة للمكان في التحول، واستبدال منظر بمنظر، وموقع بموقع، ومنزل بمنزل، وأهل بأهل..وكلما تجدد الإطار تجددت معه جملة الأحاسيس التي تباشرنا ونباشرها، تتخللنا ونتخللها، فنكتسب منها رهبتها وجلالها، أو وحشتها وتوجسها، أو لطفها وجمالها.. ألم يشاهد الأعرابي في كثيب الرمل المستدير خصر المرأة الفاتنة، ونعومتها في نعومة رماله ؟ ألم يوحي الليل البهيم المطبق بالخيمة المسدلة الستائر؟ ومن ثم النفس المثقلة بالهموم ؟


3-المكان، الطلل:


عندما يُفتَتَح سفر الشعر العربي، تقف الأطلال في وجه القارئ شامخة على مطلع القصائد، وكأنها السمة التي يُعرف بها الشعر العربي الجيد المكتمل على مر العصور. وكأن القصيدة الخالية من الطلل قصيدة ناقصة مبتورة، أو هي قصيدة لم تنل من النضج والاكتمال حظها الأوفر. فجاءت عاطلة من دون تلك الشارة، عارية من سمة التحول الذي أرّق العربي وأهمّه، على الرغم ن حبه له، وسعيه وراءه، رحلة وسياحة، وهجرة. بيد أن العودة إلى المكان الذي ترك، والمنزل الذي هجر، تغمره بسيل من الذكرى المؤلمة، لما فيها من عودة إلى ماض حبيب، ووجوه أليفة، وعيش هني رغيد. فالطلل هاجس القصيدة العربية، و خشبة الصلب التي يحملها الشعر العربي على عاتقه ، وإن حاول المحدثون التحلل منها. إلاّ أن الطلل ظل يعمر القصيدة ويسكنها، وإن لم يظهر على مطلعها. لأن الغاية انصرفت عن الوصف الحسي، ولكنها لم تنصرف عن فلسفة التحوّل، و الزوال، والفناء.

لقد ظل هذا الشعور، وما يزال كامنا في كل غنائية، تلتفت إلى الوجود، وتحاول التعرف على سرّه. ولم يعد الطلل شارة بارزة من حجارة، و نؤي، و أثافي، وإنما صار الطلل في أغوار النفس شقوقا وأخاديد يحتفرها سيل الدهر احتفارا، فتنبجس منها الأحاسيس، وقد اترعت حزنا وهما. فإن كانت بالأمس رمز استدعاء الماضي المنقطع، فإنها اليوم أوغل في الاتجاهين معا. تنظر إلى ماضي لم تنل منه حظا لطيف الذكر، حلو الذكرى، وتتشوف إلى مستقبل لا تعرف عنه شيئا. اللهم إلاّ مقدمات يقدمها الحاضر أكثر قتامة وغموضا، تعمرها هواجس الخوف، والتوجس، والريبة. من هنا كان الشعر الحديث شعر غموض، وشعر حزن.. شعر نوستالجيا إلى البداوة الحالمة التي لم تتحقق إلاّ لذلك الأعرابي الساذج الطيب. ومن هنا كانت معضلة الشعر الحديث ذات ارتباط عضوي بالمكان. لا تنفك عقده إلاّ من خلال تفكيك العلاقة الأخلاقية والقيمية بالمكان.فإذا رحنا نبحث عن العلل خارج هذا الإطار، كنا كطالب الدواء عند غير أهله.

لقد أحس الواصفون للأطلال – نثرا وشعرا - بهذه العلاقة الوطيدة، وعادوا على المكان بأوصاف الإنس والاجتماع، وانصرفوا عن المظاهر الخارجية لعدم جدواها فيما يريدون البوح به من أحاسيس. وكلما أفرغوا على المكان شيئا من نعوت وأحوال الإنس، كلما بدت المسافة بين ما قصدوه وما حققوه قريبة يمكن الارتياح لها، إذ هي تفي ببعض المراد.

كتب أحدهم يصف ديارا خالية، يقول:» دار لبست البلى، و تعطلت من الحلي، صارت من أهلها خالية، بعدما كانت بهم حالية، وقد أنفذ البين سكانها، وأقعد حيطانها. دار شاهدُ اليأس منها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر. كأن عمرانها يطوى،وخرابها ينشر. أركانها قيام وقعود، وحيطانها ركّع وسجود.« (2) وإذا حذفنا من النص: صارت من أهلها خالية، وأنفذ البين سكانها فقد حذفنا الشطر الحسي القليل من النص، وبقي الشطر الذي تتحول فيه الدار إلى كائن يجسد الضعف والهوان..إلى المرأة التي لا حول لها ولا قوة.وقد فارقها الأهل والصاحب، وأسلمها الدهر إلى الضياع والنسيان.

إن صورة المرأة – في هذا الوصف – استدرار للعطف، وإشاعة لجو الحزن والضعف، وتأكيد لعامل الضياع، وانقطاع الرجاء. ولم يذكر الواصف المرأة صراحا، جهارا، ولكنه قدم التعطيل من الحلي ليخص هذا الجنس بالذات. فإذا رفع إلينا صورة المرأة التي لبست البلى بعد القشيب، وتعطلت من الحلي والحبيب، فقد غدت مقعدة، بائسة، قد انقطع حبل رجائها، وتضعضع أس بنائها، وطواها الدهر، ونشر خرابها. إنها صورة يألم لها العربي أشد الألم، فيبكي بكاء مرا. ولهذا السبب أبكت الأطلال شعراء لم تكن لهم صلة بذاك الطلل بعينه، وكأنهم يبكون للفكرة التي يحملها الطلل مطلقا.

لقد ادعى بعض النقاد، أن الشعراء يقلدون وهم يبكون الأطلال، وحملوا قول امرئ القيس معنى شططا، حين ذكر كما بكى ابن حذام ، وفهموا منه تقليده في البكاء وحسب. ولم يفهموا أن الشاعر الأول قد أحسن وأجاد في التعرف على دواعي البكاء، وأسبابها العميقة، وأن الشاعر الثاني إنما قصد من خلال ذكره إلى ضرورة الاستمرار في البكاء، وفلسفة المواقف إزاءه. وليست كما في هذا الموطن للمشابهة الخارجية، والتقليد الساذج البارد. وإنما هي للاستمرار والمواصلة، وتعميق البحث في أسس التحول الذي يسكن الحياة، وتتجسد مظاهره في المكان. إن المكان - بهذا المعنى – كتابة ، يجب قراءتها بما يناسبها من عمق ودلالة. وكل طلل – أيّا كان الطلل – ملك للشاعر ، لا يختص به آحاد من الشعراء، حتى وإن قرنوه باسم الصاحبة. إن الصاحبة هنا تعلّة فقط تعطي للبكاء شيئا من الخصوصية التمييزية فقط. وكل القبور قبر مالك تثير في النفس أشجانا تسحّ الدموع سحا.

إن المقابلة بين البكاء على الطلل، وفكرة قبر مالك تأخذ بعدها الأنطولوجي من كون البكاء استجابة تلقائية لما يبعثه الطلل من شجون في النفس العربية. وكأن المكان آية استحضار تفعل فعلها المباشر في النفس دون واسطة. لقد كان متمم بن نويرة أشعر الناس بالفكرة، وأعلمهم بالوقع الذي يصاحب رؤية القبر – أيا كان القبر – وكأنه قبر مالك. بيد أن الجديد في قول متمم بن نويرة راجع إلى دفع لوم اللائمين على البكاء، ليس استنكارا للفعل في حد ذاته، وإنما خوفا على صاحبهم من كثرة البكاء. وكأنهم لا يرفضون الفكرة، بل يشفقون على الشاعر من الإفراط فيها . قال متمم ابن نويرة :



وقالوا: أتبكـي كل قبر رأيتـه لقبر ثوى بين اللوى والدكـادك.
لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك.
فقلت لهم إن الشجا يبعث الشجا دعوني فهذا كله قبـر مـالك.


ولو راقبنا كيف عالج الشاعر الموقف، أمكننا استخلاص جملة من الملاحظات القيّمة في هذا الباب. ولنا أن نجزم أول الأمر أن الشاعر لم يقصد التفنن في القول، وإنما جاءت الأبيات تلبية صادقة لدواعي الموقف. إنه يقف على قبر يبكي المكان وما اشتمل عليه من معاني الفقد والزوال مطلقا، وكأن كل قبر يحمل في صميمه هذا المعنى حملا واضحا، وأنه يخلف في قلوب أهله ما يخلفه قبر مالك على الحقيقة. ومنه جاء نعت الرفاق كل قبر رأيته وجاء الاقتران لقبر ثوى على سبيل المشابهة والهيئة الظاهرية عندهم. بينما يرى الشاعر خلاف ذلك. لذلك تراه يعود يؤكد اللوم لقد لامني عند القبور على البكا وكأن لتكرار الموقف عنده معنى يخالف ما يستشفه الرفاق من عين الهيئة والموقف. ومن ثم يجد الشاعر نفسه مجبرا على تقديم التعليل الذي يقربهم من حقيقة المعنى الذي يحمله في نفسه للموقف – وهو غير بعيد عما أشاروا – ولكن معنى الشاعر له خصوصية تحويل المكان وتأميمه لغرضه الخاص، حتى تغدو القبور أينما كانت قبر مالك . وقرينة التحويل هي أن الشجا يبعث الشجا. ولعمري إنها الشقاوة التي تحدث عنها أبو نواس.

إن نقادنا وهم يتساهلون في إصدار الأحكام، يؤكدون – من طرف خفي – أنهم لم يعودوا عربا ، وليس في مستطاعهم فهم العرب. وما رأوه في قول أبي نواس :



عاج الشقي على دار يسائلـها وعجت أسأل عن خمارة البلـد.
لا يُرقئ الله عيني من بكت حجرا ولا شفى وجد من يصبو إلى وتد.



تنصّلا من المقدمة الطللية، محض افتراء، وسوء فهم. لأن كلمة الشقي في قول أبي نواس تكشف عن عمق العلاقة بين الطلل والشقاوة.. شقاوة هذا الذي كتب على نفسه أن يبكي كل طلل يصادفه، وأن يجعل بكاءه على رأس غنائه وشعره، حدائه ورجزه. نعم إنها شقاوة وشقاء.. وليست تنصلا من المقدمة الطللية.وأبو نواس في لهوه يريد التنصل من عبء حمله الشعراء من قبله، وحمله هو في كثير من قصائده. وإذا كان رفاق متمم بن نويرة يشفقون على صاحبهم من مغبة طول البكا، فإن أبو نواس يتعمد - لاهيا – أن يدعو على صاحب الشجن بعدم الشفاء. وتلك مسألة يجب قراءتها من باب السخرية التي شاعت في ذلك العصر، لا أن تؤخذ مأخذ الجد ، وتؤسس عليها الأحكام النقدية الجائرة.

إن أبا نواس يحاول أن يخفف عن نفسه ضريبة الشعر لأنه يدرك أن للطلل سلطانه على الشعر العربي قديمه وحديثه. وآية ذلك أن الشعراء استمروا في الوقوف والبكاء من بعده. ولم يفهم أحد منهم أن قوله دعوة للتخلي عن الطلل. فالطلل في قرارة كل واحد منهم يحمله حلا وترحالا.

كتب إيليا الحاوي عن الطلل يقول :» لقد كان شعراء المعلقات أهم من تصدى له، إذ جعلوه مطلعا لمعلقاتهم، وأمعنوا في التدقيق به، متناسخين، معبرين عنه من خلال المعاني المتداولة، متجاوزين في الغالب عن تجربتهم الخاصة. لهذا نرى ملامح الإنسان الموطوء بالأسى والحنين، تتقلص وتتضاءل في شعرهم. ويخيل إلينا أن الطلل لم يكن في نفوسهم بقدر ما كان في ذاكرتهم، وما يشتمل عليه من معان تقليدية ملفوظة. لقد كرسوه كمادة لاستهلال القصيدة، حتى شخص في تسع من المعلقات مما يرجح أن شعراء المعلقات اقتفوا به آثار مبهمة لشعراء سابقين تعفّت أسماؤهم فضلا عن أشعارهم. وقد تحول وصف الطلل إلى وصف خارجي، لا يعبر عن الوجدان بما فيه من مضاعفات شعورية.« (3)

عندما نقرأ مثل هذا التعليق – والذي شاع في الدراسات النقدية حكما قطعيا، وقد تعمد الناشر كتابة بعض كلماته بالخط العريض( متناسخين، كرسوه كمادة لاستهلال القصيدة) إمعانا منه في إسباغ الصفة التقويمية على الحكم، وكأنه الحكم المنتهي الذي لا رجعة فيه – تنتابنا الدهشة والقلق في آن واحد. ومثار الدهشة عندنا ينبع من تساؤل بسيط: كيف يحق لشخص يجلس على أريكته، ويصدر حكما في أقوام بينه وبينهم مسافة القرون المتطاولة، والعهود البائدة ؟ كيف يعن له أن يحكم بالتناسخ؟ ألكون الطلل قد ظهر في مطلع تسع من المعلقات، في لغة متقاربة الألفاظ والعبارات ؟ أم لكونه تحلية مجانية تعلق على مطالع القصائد؟ إنني أقدر جهود الباحث وأرتاح لقراءته كثيرا ! ولكن مثار القلق عندي أن الناقلين عنه أخذوا الحكم مسلّمة ، ورددوه في الدرس والكتابة، ولم يتساءلوا أبدا كيف خرج الطلل من النفس إلى الذاكرة ؟ ولا مقدار الفرق في الشيء تحبل به النفس ، و يعتمل في أغوارها ، وبينه وهو مصفوف ، مرفوف في مخزن الذاكرة ؟ إن بين الوضعيتين بون شاسع ! معايشة ومكابدة ومعاناة هنا، وحفظ بارد معقم هناك.

وإذا عدنا إلى صياغة الحكم ولغته، وجدتني أرتاب كثيرا في مصداقيته. فالباحث يؤسسه على : ( نرى، ويخيل إليّ، مما يرجح، أثار مبهمة..) وكأن إصداره له لم يكن عن طول روية وتمعن، وإنما كان محض رأي يحتاج إلى ترجيح علمي دقيق. لذلك كانت خاتمة الفقرة أمرّ طعما ، حين وقفت نتيجة الحكم عند تحول وصف الطلل إلى وصف خارجي لا يعبر عن الوجدان بما فيه من مضاعفات شعورية وكأن المطلوب من الشاعر أن يتخلى عن شعره وزنا وقافية، والإسراع وراء الظلال الهاربة المتحولة للمعاني التي تستثيرها الأحاسيس الخاصة. ولو فعل الشعر ذلك لما كان شعرا ، بل محض فلسفة، وغابت عنه الإنشادية ، وانفرط عقد القافية، وتداخلت الأوزان والبحور.

كان ذلك القدر من القول يرضي الشاعر والمستمع المتلقي، ولم يكن يجد حاجة إلى إطالة وإفراط، ولم يعب عليه أحد من المتقدمين والمتأخرين صنيعه، إلى أن يأتي العربي الجديد ويرى الظاهرة مطردة في جميع النصوص، فلا يجد لها من تفسير سوى التناسخ، ولا من مبرر سوى تحلية مطالع القصائد، و يلتمس من قول شاعر حركة تمردية على الطلل.. وبعد هذا . هل كلفنا أنفسنا قراءة نفسية للطلل؟ هل كلفناها قراءة أنثروبولوجية، وأخرى أركيولوجية ؟ هل أرغمناها الفحص الاجتماعي / التاريخي ؟ كل ما نعرفه هو بعض المحاولات المعزولة التي رامت الاقتراب من هذه الجوانب في خجل، وتفاوتت في علمية مرتكزاتها المعرفية! ولم نعرف مشروعا رام محاصرة الطلل يقوم بها فريق من الدارسين المختصين.. إن النقد عندنا جهود فردية أنانية، إذا عارضها غيرنا أقمنا عليه الدنيا ولم نقعدها. لأننا مازلنا مسكونين بروح الخصومة والجدل.. بل لقد أقمنا بلاغتنا على الجدل والمخاصمة ، وأنشأنا البيان على ثنائية القهر والتسلط، على مقابلة غالب ومغلوب.(4)


4- المكان كتابة:


قال ثعلبة بن عمرو العبدي:



لمن دمـن كأنهـن صــحائف قفار خلا منها الكثيب فواحف ؟
فما أحدثـت فيها العهود كأنما تلعب بالسمان فيـها الزخارف
أكـب عليها كـاتب بدواتـه يقـيم يـديه تارة و يـخالف
رجا صنـعه ما كان بصنع ساجيا ويرفع عيـنيه عن النطع طارف.


لقد سبق وأن أشار إيليا الحاوي إلى أن وصف الطلل قد غدا وصفا خارجيا، يقوم على الذاكرة و محفوظها من الصيغ والألفاظ فقط، منصرفا عن التجربة النفسية للإنسان الموطوء بالأحزان والأشواق. بيد أننا ونحن نقدم هذه المقطوعة التي اختارها الباحث نفسه ، نحاول مساءلته لتقرير بعض الحقائق الأولية، وصولا إلى دفع الوصف الخارجي الذي ختم حكمه النقدي.

إن الشاعر مسكون بالطلل في حلّه وترحاله، والاستفهام الذي تصدّر البيت الأول ، استفهام خاص. أي أن الشاعر لا يبتغي طلب إجابة عنه، ولا يسعى إلى تعيين. إنه في هذا المقام يشبه قبر مالك لأن شقاوة الشاعر لا تقف به عند التحديد والتعيين، وإنما يساعده الاستفهام على فتح الجرح فقط، ونقل المكان عبر الكلمات إلى المستمع/ المتلقي. ذلك همّه الأول. ولهذا الغرض يستعين على ثقل المحمول بالتشبيه (كأنه) يدفعه مباشرة بعد الاستفهام.

إن الشاعر يشاهد – وهو على ظهر ناقته – مكانا ( دمن، كثيب من الرمل، أحجار، تربة تحولت ألوانها، بعض العشب..) وما يراه بأم عينيه، لا يعني شيئا عند المتلقي إن هو حمله إليه عبر اللغة وصفا خارجيا . وأول تحويل رمزي يجريه الشاعر في قرارة نفسه، يشبه إلى حد بعيد عملية الاختزال، يوكلها إلى تقنية التشبيه، حتى تتقارب العناصر المادية وتندمج في وحد دالة. ومن ثم راح يختار لها صفة الكتابة. ويكتسب التحويل الفني من هذه العملية النفسية /الإبداعية صفة الترميز التي تعزّ كثيرا على الشعراء، وتربك فيهم أداتهم الواصفة.وما يحمله الشعر بعدها، ليس مكانا كما نعهد، وإنما كتابة تحتاج إلى قراءة. وهي كتابة ستظل مستغلقة ما لم تعالج القراءة أقفالها وتفك عقدها. وإن نحن نعتناها بالوصف الخارجي، فاتنا من الشعر أروع ما فيه. وكأني بالشاعر قد انتهت مهمته عندما أنجز التحويل الرمزي، وقدم الكتابة بدل الطلل الواقعي. وذلك جهد طاقة الشعر، ومنتهى مستطاع الشاعر. ويبقى النص الجديد في حاجة مستمرة إلى قراءة.


5-تحولات الكتابة:


إنه نص عجيب غريب، دائم التحول ‍! كيف ؟‍ إن اللحظة المكانية التي ارتسمت في قرارة الشاعر ، كانت تعتمد على جملة من العناصر المادية المشاهدة، والتي ما تزال في رحمة التحول المستمر الذي تجريه الطبيعة على هيئتها من محو وتثبيت، كلما عادت إليها الأنواء، وعدت عليها الرياح ، وتعاقب عليها الشتو والمصيف.. وكل حركة في هذه الظروف تغير ما تشاء من سطر، محوا وإضافة. إن الشاعر يدرك ذلك جيدا، ولا يأمن أن تظل الصحيفة التي شاهد على حالها، بل يجزم أنها ستتغير غدا أو بعد غد .. لذلك كانت صياغته للنص تحمل هذا التحول، وتشير إليه، حتى لا ينخدع المتلقي بما وصف، ولا يأمن بدوره السكون الذي يوحي به المكان ظاهريا.

إن صورة المطر الذي يخلط التربة، ويشكل من ألوانها المختلفة زخارف وهيئات، فعل اللاعب اللاهي، ترفع إلينا ما نشهده في الفن الحديث الذي يقوم على مزج الألوان تلقائيا، مانحا للمصادفة صنع الأشكال وتمازجها، ودرجات تلوّنها. والفن الحديث يعجز إذا رام استنساخ صورة تصنعها المصادفة. لأنها خاضعة لوضعيات لا يتحكم فيها الرسام أبدا. وإذا اجتهد ليعيد الكرة، لم تسعفه المصادفة أبدا لإخراج ما كان قد تحقق قبل. كذلك فعل الماء المنهمر، قد يخضع لغزارة الشؤبوب، واتجاه الريح، وشدة القطر.. ولا يكون هو هو أبدا. فالصورة التي ينشئها الساعة ستكون مغايرة لما أنشأ قبلها. إن الكتابة التي تحكمها المصادفة لا تقع على مثال سابق، ولن تكون نموذجا آخر لآحق. إنها كتابة مستمرة، ومحو مستمر يتداولان على الصحيفة.

بيد أن عقل الشاعر يريد لهذه الكتابة شيئا من يقين القصد، وإلاّ استحالت عبثا لا معنى يرجى فيها. فيختار صورة الكاتب المكب على الصحيفة، يتبع قلمه قصدا مبيتا ، كلما كان ساجيا قاصدا لما يريد.وكأن الشاعر يريد من هذه الهيئة المزدوجة تحميل النص الجديد مقصدا، فيه من اليقين ما يمنحه فعل الدهر من سحق للكائن والموجود، وإفنائه مهما تطاول به العهد. وفيه من العبثية ما يعجز دونها التفسير، بل يجد فيها العقل مادة تفكير تصوغ للدهر حقيقته، وتعطي للفنان رمزيته، وللأزلية مطلقيتها. أما ما دعوناه عبثا فليس يراد من العبث معناه المعهود عندنا، وإنما ألجأنا الجهل به إلى هذا النعت. لأنه كتابة مستعصية علينا، لم تألفها عقولنا، ولا حواسنا. وقصارى الجهد إزاءها أن نفتحها على التأويل. فيكون لنا من النص الذي رفعه إلينا الشاعر سبيلان: سبيل التفسير، وسبيل التأويل. يقرأ التفسير ما خطّه القصد، ويقرأ التأويل ما اشتطّ به القلم.

إن مهمة الشعر أن يرفع إلينا مثل هذه النصوص، حتى وإن وجدنا فيها – جهلا – وصفا خارجيا محضا. إنها نصوص مفتوحة غير منتهية. إنها في حاجة ماسة إلى قراءة ذات السبيلين. وكلما رفع الشاعر إلينا نصه ذاك، فقد انتهت مهمته، وبدأت مهمتنا نحن. لأن الشعر واسطة بين كتابتين : كتابة مستمرة يجيرها الدهر في الوجود، يقتطف منها الشعر لحظات فقط، وكتابة يحولها الشعر – بعد الاقتطاف – إلى لغة في حاجة إلى مزيد.
قال لبيد بن ربيعة العامري:



عفت الديار محلـها فمقامـها بمنى تأبد غولهـا فرجامـها
فمدافع الريّـان عـري رسمها خلقا كما ضمن الوحي سلامها
وجلا السيول عن الطلوع كأنها زبر تجـدّ متونـها أقلامها
أو رجـع واشمة أسف نؤورها كففا تعرض فوقـهن وشامها
وقفت أسألها، وكيف سـؤالنا صما خوالد ما يبن كلامها ؟ (5)


لقد كان العربي يدرك أن الكتابة تقاوم البلى، وتتغلب على النسيان. إنها فن عزيز، لا يملك ناصيته إلاّ آحاد من الناس، يضمنون به استدامة المعرفة والخبر. وكانوا يدركون ما للكاتب من مكانة عند ذويه، لأنها عنوان العلم والمعرفة.ولما كان الدهر معدن كل المعارف والخبرات، جعلوا عوارضه الطبيعية كاتبة. وربما كان في حديث النّصبة عند الجاحظ ما يشير إلى هذا المعنى. ومهما يكن فإن الخط أثر ، والأثر خط، والدهر كاتب، والدمن صحائفه. والشاعر وهو يقف أمامها يستشعر معنيين: معنى التحول الذي يسكن الموجودات، فيزحزحها عن أحوالها التي كانت لها من قبل، ويتدرج بها من الجدة إلى البلى، ومن العمران إلى الخراب، ومن الحياة إلى الموت. ومعنى الكتابة التي لا تزال في حاجة إلى قراءة ثانية وثالثة.. وكأن وقفة الشاعر لا تكفي لاستيفاء المكتوب حقّه، بل تحتم عليه شروط الصناعة وإكراهاتها أن ينقل الإحساس خاما تتولاه العقول والذائقة فحصا وصهرا. تستخرج منه النفيس الذي يقاوم بدوره هاجس النسيان والمحو.

لقد خطّت السيول على وجهي الجبلين أخاديد وتجاعيد، تمتد كما يمتد السطر على وجه الصحيفة بيّنا واضحا. وكأن الجبل يفقد من جسده نصيبا كلما عاوده السيل، ينتقص منه انتقاصا، يزيل عنه هيبة القوة والجلد. فتبدو تجاعيده كتجاعيد الوجه الذي غضّنه الزمن، وكتبت عليه الأيام المتوالية صحيفتها التي لا يمحوها سوى الموت. ولا يجد الشاعر لهذا المظهر من محول رمزي سوى الكتابة على الصخر، أو في الزبر، أو خط الواشمة.. هيئات ثلاث تتلاحق في قرارة نفسه، ولكل واحدة منها حقيقتها الخاصة، وحمولتها المعرفية، ومرجعيتها التاريخية. ألم يكن لبيدا مثقفا ؟ - بالمعنى الذي نعرفه اليوم – إنه يعلم ما يثيره لفظ الوحي حتى وإن كان نظم القصيدة في الجاهلية ! ثم الزبر .. كلها ألفاظ تجعل القارئ الحديث يمد بصره نحو التاريخ، يتحسس آثار الحنيفية الأولى في العرب، ويتحسس أحاديث أهل الكتاب، ثم ينعطف إلى البيئة القريبة ليجد صورة الواشمة قريبة المنال من سامعيه.

هذا حظ النص الذي يرفعه الشعر إلينا. يرفعه كتابة نعيد من خلاله رسم أبعاد المنظر الذي يجري فيه الريان بين جبلين وقد ترك الدهر فيهما آثاره. ولكن الشاعر يحاول محاولة أخرى سرعان ما يتخلى عنها، لأنها ليست من مهمة الشعر.. إنها مناط القراءة وحدها. حاول أن يقف ليسأل، ثم يتراجع منكرا موقفه. كيف يسأل صما خوالد ما يبين كلامها ؟ ولكنه يعرف أن لها كلاما على الرغم من صمتها وجمودها .. ودور القراءة أن تسألها أسئلة الشاعر، وأن تستنطقها لتسمع كلامها.

لقد قلنا قبلا أن التعامل مع المكان في الشعر العربي تعتوره قراءتان: قراءة تفسير وقراءة تأويل، وللتفسير حظ ما اعترى الجبلين من تحول، وحتّ، وتعرية. وللتأويل ما اكتنز الصخر من كلام. فإذا طالبنا الشاعر – بعد هذا – مواصلة القول فيها، فقد ألغينا دور القراءة، وعطلنا قدرة الشعر على الاستمرار، وقتلنا في نفوسنا الشاعر الذي لم نكنه في الفعل، وكناه في القوة.


هوامـــش:


1-سيزا أحمد قاسم. بناء الرواية.ص:77.
2-أحمد الهاشمي. جواهر الأدب.ج1.ص:328.
3-إيليا الحاوي. فن الوصف وتطوره في الشعر العربي.ص:22.21.
4-أنظر مصطفى ناصف. محاورات مع النثر العربي. الفصل الأول خاصة.
5-أحمد الهاشمي.م.س.ج2.ص:88.87.


كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
جامعة سيدي بلعباس.22000. الجزائر


 توقيع : جنــــون


مواضيع : جنــــون