الموضوع
:
تفسير الاية " وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت "
عرض مشاركة واحدة
#
1
09-13-2017
SMS ~
[
+
]
أحبك وأنت النبض ودقات قلبي كله
:066
لوني المفضل
White
♛
عضويتي
»
28589
♛
جيت فيذا
»
Oct 2015
♛
آخر حضور
»
منذ 2 ساعات (08:46 PM)
♛
آبدآعاتي
»
1,056,610
♛
الاعجابات المتلقاة
»
13862
♛
الاعجابات المُرسلة
»
8054
♛
حاليآ في
»
سلطنة عمان
♛
دولتي الحبيبه
»
♛
جنسي
»
♛
آلقسم آلمفضل
»
الفنى
♛
آلعمر
»
22سنه
♛
الحآلة آلآجتمآعية
»
عزباء
♛
التقييم
»
♛
♛
♛
♛
مَزآجِي
»
بيانات اضافيه [
+
]
تفسير الاية " وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت "
القول في تأويل قوله تعالى : (
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
)
قال
أبو جعفر
:
اختلف أهل العلم في تأويل "ما" التي في قوله : (
وما أنزل على الملكين
) .
فقال بعضهم : معناه الجحد ، وهي بمعنى "لم" .
ذكر من قال ذلك :
1670 -
حدثني
محمد بن سعد
قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ،
عن
ابن عباس
قوله : (
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
)
فإنه يقول : لم ينزل الله السحر
.
1671 -
حدثنا
ابن حميد
قال : حدثني
حكام ،
عن
أبي جعفر
، عن
الربيع بن أنس
: (
وما أنزل على الملكين
)
، قال : ما أنزل الله عليهما السحر .
فتأويل الآية - على هذا المعنى الذي ذكرناه عن
ابن عباس
والربيع ،
من توجيههما معنى قوله : (
وما أنزل على الملكين
)
إلى : ولم ينزل على الملكين - : واتبعوا الذي تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر ، وما كفر سليمان ، ول
ا أنزل الله السحر على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر "ببابل هاروت وماروت" . فيكون
حينئذ قوله : " (
ببابل هاروت وماروت
)
، من المؤخر الذي معناه التقديم .
[ ص: 420 ]
فإن قال لنا قائل : وكيف - وجه تقديم ذلك؟
قيل : وجه تقديمه أن يقال : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك
سليمان
[
من السحر ] ، وما أنزل [ الله السحر ] على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر
ببابل ،
هاروت
وماروت
-
فيكون معنيا ب "الملكين" :
جبريل
وميكائيل ،
لأن سحرة
اليهود ،
فيما ذكر ، كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان
جبريل
وميكائيل
إلى
سليمان بن داود ،
فأكذبها الله بذلك ، وأخبر نبيه
محمدا
صلى الله عليه وسلم أن
جبريل
وميكائيل
لم ينزلا بسحر قط ، وبرأ
سليمان
مما نحلوه من السحر ، فأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ، وأنها تعلم الناس [ ذلك ]
ببابل
، وأن اللذين يعلمانهم ذلك رجلان : اسم أحدهما
هاروت ،
واسم الآخر
ماروت
.
فيكون "
هاروت
وماروت
"
، على هذا التأويل ، ترجمة على "الناس" وردا عليهم .
وقال آخرون : بل تأويل "ما" التي في قوله : (
وما أنزل على الملكين
) - "
الذي" .
ذكر من قال ذلك :
1672 -
حدثنا
الحسن بن يحيى
قال : أخبرنا
عبد الرزاق
قال : قال
معمر
، قال
قتادة
والزهري
عن
عبد الله
: (
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
)
، كانا ملكين من الملائكة ، فأهبطا ليحكما بين الناس ، وذلك أن الملائكة سخروا من أحكام بني
آدم
.
قال : فحاكمت إليهما امرأة فحافا لها ، ثم ذهبا يصعدان ، فحيل بينهما وبين ذلك ، وخيرا بين عذاب الدنيا
وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا . قال
معمر ،
قال
قتادة
:
فكانا يعلمان الناس السحر ، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا : "إنما نحن فتنة فلا تكفر" .
[ ص: 421 ]
1673 -
حدثني
موسى
قال : حدثنا
عمرو
قال : حدثنا
أسباط
، عن
السدي
:
أما قوله : (
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
)
، فهذا سحر آخر خاصموه به أيضا . يقول : خاصموه بما أنزل على الملكين ، وأن كلام الملائكة فيما بينهم ، إذ
ا علمته الإنس فصنع وعمل به ، كان سحرا .
1674 -
حدثنا
بشر بن معاذ
قال : حدثنا
يزيد
قال : حدثنا
سعيد ،
عن
قتادة
قوله : (
يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
) .
فالسحر سحران : سحر تعلمه الشياطين ، وسحر يعلمه
هاروت
وماروت
.
1675 -
حدثني
المثنى
قال : حدثنا
عبد الله بن صالح
قال : حدثني
معاوية بن صالح
، عن
علي بن أبي طلحة
، عن
ابن عباس
قوله : (
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
)
، قال : التفريق بين المرء وزوجه .
1676 -
حدثني
يونس
قال : أخبرنا
ابن وهب
قال : قال
ابن زيد
: (
ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين
)
، فقرأ حتى بلغ : ( فلا تكفر ) ، قال : الشياطين والملكان يعلمون الناس السحر .
قال
أبو جعفر
:
فمعنى الآية على تأويل هذا القول الذي ذكرنا عمن ذكرناه عنه : واتبعت
اليهود
الذي تلت الشياطين في ملك
سليمان
الذي أنزل على الملكين
ببابل
وهاروت
وماروت
، وهما ملكان من ملائكة الله ، سنذكر ما روي من الأخبار في شأنهما إن شاء الله تعالى .
قال
أبو جعفر
إن قال لنا قائل : وهل يجوز أن ينزل الله السحر ، أم
[ ص: 422 ]
هل يجوز لملائكته أن تعلمه الناس ؟
قلنا له : إن الله عز وجل قد أنزل الخير والشر كله ، وبين جميع ذلك لعباده ، فأوحاه إلى رسله ، وأم
رهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحل لهم مما يحرم عليهم . وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي ع
رفهموها ، ونهاهم عن ركوبها . فالسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها ، ونهاهم عن العمل بها .
وليس في
العلم بالسحر
إثم ، كما لا إثم في العلم بصنعة الخمر ونحت الأصنام والطنابير والملاعب . وإنما الإثم في عمله وتسوي
ته . وكذلك لا إثم في العلم بالسحر ، وإنما الإثم في العمل به ، وأن يضر به ، من لا يحل ضره به .
فليس في إنزال الله إياه على الملكين ، ولا في تعليم الملكين من علماه من الناس ، إثم ، إذ كان تعليمهم
ا من علماه ذلك ، بإذن الله لهما بتعليمه ، بعد أن يخبراه بأنهما فتنة ، وينهاه عن السحر والعمل به
والكفر . وإنما الإثم على من يتعلمه منهما ويعمل به ، إذ كان الله تعالى ذكره قد نهاه عن تعلمه وال
عمل به . ولو كان الله أباح لبني
آدم
أن يتعلموا ذلك ، لم يكن من تعلمه حرجا ، كما لم يكونا حرجين لعلمهما
[ ص: 423 ]
به؛ إذ كان علمهما بذلك عن تنزيل الله إليهما .
وقال آخرون : معنى "ما" معنى "الذي" ، وهي عطف على "ما" الأولى . غير أن الأولى في معنى السحر ، والآخرة في معنى الت
فريق بين المرء وزوجه .
فتأويل الآية على هذا القول : واتبعوا السحر الذي تتلو الشياطين في ملك
سليمان
، والتفريق الذي بين المرء وزوجه الذي أنزل على الملكين
ببابل
هاروت
وماروت
.
ذكر من قال ذلك :
1677 -
حدثني
المثنى
قال : حدثنا
أبو حذيفة
قال : حدثنا
شبل
، عن
ابن أبي نجيح ،
عن
مجاهد
: (
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
)
، وهما يعلمان ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وذلك قول الله جل ثناؤه : (
وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا
) .
وكان يقول : أما السحر ، فإنما يعلمه الشياطين ، وأما الذي يعلم الملكان ، فالتفريق بين المرء وزوجه
، كما قال الله تعالى
.
وقال آخرون : جائز أن تكون "ما" بمعنى "الذي" ، وجائز أن تكون "ما" بمعنى "لم" .
ذكر من قال ذلك :
1678 -
حدثني
يونس بن عبد الأعلى
قال : أخبرنا
ابن وهب
قال : حدثني
الليث بن سعد
، عن
يحيى بن سعيد
، عن
القاسم بن محمد
-
وسأله رجل عن قول الله : (
يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
)
فقال الرجل : يعلمان الناس ما أنزل عليهما ، أم يعلمان الناس ما لم ينزل عليهما؟ قال
القاسم
:
ما أبالي أيتهما كانت .
1679 -
حدثني
يونس بن عبد الأعلى
قال : حدثنا
أنس بن عياض
، عن
[ ص: 424 ]
بعض أصحابه ،
أن
القاسم بن محمد
سئل عن قول الله تعالى ذكره : (
وما أنزل على الملكين
)
، فقيل له : أأنزل أو لم ينزل؟ فقال : لا أبالي أي ذلك كان ، إلا أني آمنت به
. .
قال
أبو جعفر
:
والصواب من القول في ذلك عندي ، قول من وجه "ما" التي في قوله : (
وما أنزل على الملكين
)
إلى معنى "الذي" ، دون معنى "ما" التي هي بمعنى الجحد . وإنما اخترت ذلك ، من أجل أن "ما" إن وجهت إلى معنى ال
جحد ، تنفي عن "الملكين" أن يكونا منزلا إليهما ، ولم يخل الاسمان اللذان بعدهما - أعني "هاروت وماروت" - من
أن يكونا بدلا منهما وترجمة عنهما أو بدلا من "الناس" في قوله : (
يعلمون الناس السحر
)
، وترجمة عنهم . فإن جعلا بدلا من "الملكين" وترجمة عنهما ، بطل معنى قوله : (
وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزو
جه
)
؛ لأنهما إذا لم يكونا عالمين بما يفرق به بين المرء وزوجه ، فما الذي يتعلم منهما من يفرق بين الم
رء وزوجه؟
[ ص: 425 ]
وبعد ، فإن "ما" التي في قوله : (
وما أنزل على الملكين
)
، إن كانت في معنى الجحد عطفا على قوله : (
وما كفر سليمان
)
، فإن الله جل ثناؤه نفى بقوله : (
وما كفر سليمان
)
، عن
سليمان
أن يكون السحر من عمله أو من علمه أو تعليمه ، فإن كان الذي نفي عن الملكين من ذلك نظير الذي نفي عن
سليمان
منه -
وهاروت
وماروت
هما الملكان - فمن المتعلم منه إذا ما يفرق به بين المرء وزوجه؟ وعمن الخبر الذي أخبر عنه بقوله :
(
وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر
)
؟ إن خطأ هذا القول لواضح بين .
وإن كان قوله "هاروت وماروت" ترجمة عن "الناس" الذين في قوله : (
ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر
)
، فقد وجب أن تكون الشياطين هي التي تعلم
هاروت
وماروت
السحر ، وتكون السحرة إنما تعلمت السحر من
هاروت
وماروت
عن تعليم الشياطين إياهما! فإن يكن ذلك كذلك ، فلن يخلو "هاروت وماروت" - عند قائل هذه المقالة - من أحد
أمرين :
إما أن يكونا ملكين ، فإن كانا عنده ملكين ، فقد أوجب لهما من الكفر بالله والمعصية له بنسبته إيا
هما إلى أنهما يتعلمان من الشياطين السحر ويعلمانه الناس ، وإصرارهما على ذلك ومقامهما عليه - أعظم
مما ذكر عنهما أنهما أتياه من المعصية التي استحقا عليها العقاب! وفي خبر الله عز وجل عنهما - أنه
ما لا يعلمان أحدا ما يتعلم منهما حتى يقولا (
إنما نحن فتنة فلا تكفر
) -
ما يغني عن الإكثار في الدلالة على خطأ هذا القول .
أو أن يكونا رجلين من بني
آدم
.
فإن يكن ذلك كذلك ، فقد كان يجب أن يكونا بهلاكهما قد ارتفع السحر والعلم به والعمل - من بني
آدم
؛ لأنه إذا كان علم ذلك من قبلهما يؤخذ ومنهما يتعلم ، فالواجب أن يكون بهلاكهما وعدم وجودهما ، عدم
السبيل إلى الوصول إلى المعنى الذي كان لا يوصل إليه إلا بهما .
[ ص: 426 ]
وفي وجود السحر في كل زمان ووقت ، أبين الدلالة على فساد هذا القول . وقد يزعم قائل ذلك أنهما رجلان م
ن بني
آدم
، لم يعدما من الأرض منذ خلقت ، ولا يعدمان بعدما وجد السحر في الناس ، فيدعي ما لا يخفى بطوله .
فإذ فسدت هذه الوجوه التي دللنا على فسادها ، فبين أن معنى ( ما ) التي في قوله : (
وما أنزل على الملكين
)
بمعنى "الذي" ، وأن "هاروت وماروت" ، مترجم بهما عن الملكين ، ولذلك فتحت أواخر أسمائهما ، لأنهما في مو
ضع خفض على الرد على "الملكين" . ولكنهما لما كانا لا يجران ، فتحت أواخر أسمائهما .
فإن التبس على ذي غباء ما قلنا فقال : وكيف يجوز لملائكة الله أن تعلم الناس التفريق بين المرء وزوجه
؟ أم كيف يجوز أن يضاف إلى الله تبارك وتعالى إنزال ذلك على الملائكة؟
قيل له : إن الله - جل ثناؤه - عرف عباده جميع ما أمرهم به وجميع ما نهاهم عنه ، ثم أمرهم ونهاهم بعد ا
لعلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه . ولو كان الأمر على غير ذلك ، لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم
. فالسحر مما قد نهى عباده من بني
آدم
عنه ، فغير منكر أن يكون - جل ثناؤه - علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله ، وجعلهما فتنة لعباده
من بني
آدم
-
كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما : (
إنما نحن فتنة فلا تكفر
) -
ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه ، وعن السحر ، فيمحص المؤمن بتركه التع
لم منهما ، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما ، ويكون الملكان في تعليمهما من علما ذلك - لله
مطيعين ، إذ كانا عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه يعلمان . وقد عبد من دون الله جماعة من أولي
اء الله ، فلم يكن ذلك لهم ضائرا ،
[ ص: 427 ]
إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به ، بل عبد بعضهم والمعبود عنه ناه ، فكذلك الملكان ، غير ضائرهما سحر
من سحر ممن تعلم ذلك منهما ، بعد نهيهما إياه عنه ، وعظتهما له بقولهما : (
إنما نحن فتنة فلا تكفر
)
، إذ كانا قد أديا ما أمرا به بقيلهما ذلك ، كما : -
1680 -
حدثنا
محمد بن بشار
قال : حدثنا
يحيى بن سعيد
، عن
عوف
، عن
الحسن
في قوله : (
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
)
إلى قوله : ( فلا تكفر ) ، أخذ عليهما ذلك .
ذكر بعض الأخبار التي في بيان الملكين ، ومن قال إن
هاروت
وماروت
هما الملكان اللذان ذكر الله جل ثناؤه في قوله : ( ببابل ) :
1681 -
حدثنا
محمد بن بشار
قال : حدثنا
معاذ بن هشام
قال : حدثني أبي ، عن
قتادة
قال : حدثنا
أبو شعبة العدوي
في جنازة
يونس بن جبير أبي غلاب
،
عن
ابن عباس
قال : إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون إلى أعمال بني
آدم
، فلما أبصروهم يعملون الخطايا قالوا : يا رب ، هؤلاء بنو
آدم
الذي خلقته بيدك ، وأسجدت له ملائكتك ، وعلمته أسماء كل شيء ، يعملون بالخطايا! قال : أما إنكم لو ك
نتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم . قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا! قال : فأمروا أن يختاروا من يهبط إلى ال
أرض ، قال : فاختاروا
هاروت
وماروت
.
فأهبطا إلى الأرض ، وأحل لهما ما فيها من شيء ، غير أن لا يشركا بالله شيئا ولا يسرقا ، ولا يزنيا ، ولا يش
ربا الخمر ، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق . قال : فما استمرا حتى عرض لهما امرأة قد قسم له
ا نصف الحسن ، يقال لها : "
بيذخت
"
فلما أبصراها أرادا بها زنا ، فقالت : لا إلا أن تشركا بالله ، وتشربا الخمر ، وتقتلا النفس ، وتسجدا لهذ
ا الصنم! فقالا : ما كنا لنشرك بالله شيئا! فقال أحدهما
[ ص: 428 ]
للآخر : ارجع إليها . فقالت : لا إلا أن تشربا الخمر ، فشربا حتى ثملا ودخل عليهما سائل فقتلاه ، فلما وق
عا فيما وقع من الشر ، أفرج الله السماء لملائكته ، فقالوا : سبحانك! كنت أعلم! قال : فأوحى الله إلى
سليمان بن داود
أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمث
ل أعناق البخت ، وجعلا
ببابل
.
1682 -
حدثني
المثنى
قال : حدثنا
الحجاج بن المنهال
قال : حدثنا
حجاج
، عن
علي بن زيد
، عن
أبي عثمان النهدي
،
عن
ابن مسعود
وابن عباس
أنهما قالا : لما كثر بنو
آدم
وعصوا ، دعت الملائكة عليهم والأرض والسماء والجبال : ربنا ألا تهلكهم! فأوحى الله إلى الملائكة : إن
ي لو أنزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ونزلتم لفعلتم أيضا! قال : فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا اعتصمو
ا ، فأوحى الله إليهم : أن اختاروا ملكين من أفضلكم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض ، وأنزلت ا
لزهرة إليهما في صورة امرأة من
أهل فارس
، وكان
أهل فارس
يسمونها "
بيذخت
" .
قال : فوقعا بالخطيئة ، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا . (
ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا
) .
فلما وقعا بالخطيئة ، استغفروا لمن في الأرض ، ألا إن الله هو الغفور الرحيم . فخيرا بين عذاب الدنيا وع
ذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا
.
[ ص: 429 ]
1683 -
حدثني
المثنى
قال : حدثني
الحجاج
قال : حدثنا
حماد
، عن
خالد الحذاء
،
عن
عمير بن سعيد
قال ، سمعت
عليا
يقول : كانت الزهرة امرأة جميلة من
أهل فارس
، وأنها خاصمت إلى الملكين
هاروت
وماروت ،
فراوداها عن نفسها ، فأبت إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء . فعلماها ، فتك
لمت به ، فعرجت إلى السماء ، فمسخت كوكبا
.
1684 -
حدثنا
محمد بن بشار
ومحمد بن المثنى
قالا : حدثنا
مؤمل بن إسماعيل
-
وحدثنا
الحسن بن يحيى
قال : أخبرنا
عبد الرزاق
-
جميعا ، عن
الثوري
، عن
موسى بن عقبة
، عن
سالم
، عن
ابن عمر
،
عن
كعب
قال : ذكرت الملائكة أعمال بني
آدم
وما يأتون من الذنوب ، فقيل لهم : اختاروا منكم اثنين - وقال
الحسن بن يحيى
في حديثه : اختاروا ملكين - فاختاروا
هاروت
وماروت
، فقيل لهما : إني أرسل إلى بني
آدم
رسلا وليس بيني وبينكم رسول ، انزلا لا تشركا بي شيئا ، ولا تزنيا ، ولا تشربا الخمر . قال
كعب
:
فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه إلى الأرض حتى استكملا جميع ما نهيا عنه - وقال
الحسن بن يحيى
في حديثه : فما استكملا يومهما الذي أنزلا فيه حتى عملا ما حرم الله عليهما
.
[ ص: 430 ]
1685 -
حدثني
المثنى
قال : حدثنا
معلى بن أسد
قال : حدثنا
عبد العزيز بن المختار
، عن
موسى بن عقبة
قال : حدثني
سالم
أنه سمع
عبد الله
يحدث
عن
كعب الأحبار
أنه حدث : أن الملائكة أنكروا أعمال بني
آدم
وما يأتون في الأرض من المعاصي ، فقال الله لهم : إنكم لو كنتم مكانهم أتيتم ما يأتون من الذنوب ، فاختا
روا منكم ملكين . فاختاروا هاروت وماروت ، فقال الله لهما : إني أرسل رسلي إلى الناس ، وليس بيني وبينكما ر
سول ، انزلا إلى الأرض ، ولا تشركا بي شيئا ، ولا تزنيا . فقال
كعب
:
والذي نفس
كعب
بيده ، ما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا ما حرم الله عليهما
.
[ ص: 431 ]
1686 -
حدثني
موسى بن هارون
قال : حدثنا
عمرو
قال : حدثنا
أسباط
،
عن
السدي
:
أنه كان من
أمر
هاروت
وماروت
أنهما طعنا على أهل الأرض في أحكامهم ، فقيل لهما : إني أعطيت ابن
آدم
عشرا من الشهوات ، فبها يعصونني . قال
هاروت
وماروت
:
ربنا ، لو أعطيتنا تلك الشهوات ثم نزلنا لحكمنا بالعدل ، فقال لهما : انزلا فقد أعطيتكما تلك الشهوات
العشر ، فاحكما بين الناس . فنزلا
ببابل
دنباوند ، فكانا يحكمان ، حتى إذا أمسيا عرجا فإذا أصبحا هبطا ، فلم يزالا كذلك حتى أتتهما امرأة تخاصم
زوجها ، فأعجبهما حسنها - واسمها بالعربية ، "
الزهرة
"
، وبالنبطية "بيذخت" ، واسمها بالفارسية "أناهيذ" - فقال أحدهما لصاحبه : إنها لتعجبني! فقال الآخر : قد أ
ردت أن أذكر لك فاستحييت منك! فقال : الآخر : هل لك أن أذكرها لنفسها؟ قال : نعم ، ولكن كيف لنا بعذاب الل
ه؟ قال الآخر : إنا نرجو رحمة الله! فلما جاءت تخاصم زوجها ذكرا إليها نفسها ، فقالت : لا حتى تقضيا لي عل
ى زوجي ، فقضيا لها على زوجها ، ثم واعدتهما خربة من الخرب يأتيانها فيها ، فأتياها لذلك ، فلما أراد الذ
ي يواقعها ، قالت : ما أنا بالذي أفعل حتى تخبراني بأي كلام تصعدان إلى السماء ، وبأي كلام تنزلان منها
؟ فأخبراها ، فتكلمت فصعدت ، فأنساها الله ما تنزل به فبقيت مكانها ، وجعلها الله كوكبا - فكان
عبد الله بن عمر
كلما رآها لعنها وقال : هذه التي فتنت
هاروت
وماروت
! -
فلما كان الليل أرادا أن يصعدا فلم يستطيعا ، فعرفا الهلك ، فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة ، فاختارا عذ
اب الدنيا من عذاب الآخرة ، فعلقا
ببابل ،
فجعلا يكلمان الناس كلامهما ، وهو السحر
.
1687 -
حدثني
المثنى بن إبراهيم
قال : حدثنا
إسحاق
قال : حدثنا
ابن أبي جعفر
، عن أبيه ،
عن
الربيع
قال : لما وقع الناس من بعد
آدم
فيما وقعوا فيه من
[ ص: 432 ]
المعاصي والكفر بالله ، قالت الملائكة في السماء : أي رب ، هذا العالم إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك ، وق
د ركبوا الكفر ، وقتل النفس الحرام ، وأكل المال الحرام ، والسرقة ، والزنا ، وشرب الخمر! فجعلوا يدعون عل
يهم ولا يعذرونهم ، فقيل لهم : إنهم في غيب؛ فلم يعذروهم ، فقيل لهم : اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري
وأنهاهما عن معصيتي ، فاختاروا
هاروت
وماروت
، فأهبطا إلى الأرض ، وجعل بهما شهوات بني
آدم
، وأمرا أن يعبدا الله ولا يشركا به شيئا ، ونهيا عن قتل النفس الحرام ، وأكل المال الحرام ، والسرقة ، وا
لزنا ، وشرب الخمر ، فلبثا على ذلك في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق - وذلك في زمان
إدريس
.
وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب ، وأنها أتت عليهما ، فخضعا لها
بالقول ، وأراداها على نفسها ، وأنها أبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها ، وأنهما سألاها عن دينها التي
هي عليه ، فأخرجت لهما صنما وقالت : هذا أعبد . فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا! فذهبا فغبرا ما شاء الله ،
ثم أتيا عليها فخضعا لها بالقول وأراداها على نفسها ، فقالت : لا إلا أن تكونا على ما أنا عليه . فقالا : لا ح
اجة لنا في عبادة هذا! فلما رأت أنهما أبيا أن يعبدا الصنم ، قالت لهما : اختارا إحدى الخلال الثلاث : إما
أن تعبدا الصنم ، أو تقتلا النفس ، أو تشربا الخمر . فقالا : كل هذا لا ينبغي ، وأهون الثلاثة شرب الخمر ،
فسقتهما الخمر ، حتى إذا أخذت الخمر فيهما وقعا بها ، فمر بهما إنسان ، وهما في ذلك ، فخشيا أن يفشي علي
هما فقتلاه . فلما أن ذهب عنهما السكر ، عرفا ما وقعا فيه من الخطيئة ، وأرادا أن يصعدا إلى السماء ، فلم
يستطيعا ،
[ ص: 433 ]
فحيل بينهما وبين ذلك ، وكشف الغطاء بينهما وبين أهل السماء ، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه من الذن
ب ، فعجبوا كل العجب ، وعلموا أن من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض -
وأنهما لما وقعا فيما وقعا فيه من الخطيئة ، قيل لهما : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة! فقالا : أما عذا
ب الدنيا فإنه ينقطع ، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له؛ فاختارا عذاب الدنيا ، فجعلا ببابل ، فهما يعذب
ان
.
1688 -
حدثنا
القاسم
قال : حدثنا
الحسين
قال : حدثنا
فرج بن فضالة
، عن
معاوية بن صالح
،
عن
نافع
قال : سافرت مع
ابن عمر
، فلما كان من آخر الليل قال : يا
نافع
انظر ، طلعت الحمراء؟ قلت : لا - مرتين أو ثلاثا - ثم قلت : قد طلعت! قال : لا مرحبا ولا أهلا! قلت : سبحان الل
ه ، نجم مسخر سامع مطيع! قال : ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : قال لي رسو
ل الله صلى الله عليه وسلم
"
إن الملائكة قالت : يا رب ، كيف صبرك على بني
آدم
في الخطايا والذنوب؟ قال : إني ابتليتهم وعافيتكم ، قالوا : لو كنا مكانهم ما عصيناك! قال : فاختاروا ملكين
منكم! قال : فلم يألوا أن يختاروا ، فاختاروا
هاروت
وماروت
.
[ ص: 434 ]
1689 -
حدثني
المثنى
قال : حدثنا
أبو حذيفة
قال : حدثنا
شبل
، عن
ابن أبي نجيح
،
عن
مجاهد
:
وأما شأن
هاروت
وماروت
، فإن الملائكة عجبت من ظلم بني
آدم ،
وقد جاءتهم الرسل والكتب والبينات . فقال لهم ربهم : اختاروا منكم ملكين أنزلهما يحكمان في الأرض بي
ن بني
آدم
.
فاختاروا
هاروت
وماروت
.
فقال لهما حين أنزلهما : عجبتما من بني
آدم
ومن ظلمهم ومعصيتهم ، وإنما تأتيهم الرسل والكتب من وراء وراء ، وأنتما ليس بيني وبينكما رسول ، فا
فعلا كذا وكذا ، ودعا كذا وكذا . فأمرهما بأمر ونهاهما . ثم نزلا على ذلك ليس أحد لله أطوع منهما . فحكم
ا
[ ص: 435 ]
فعدلا . فكانا يحكمان النهار بين بني
آدم
، فإذا أمسيا عرجا وكانا مع الملائكة ، وينزلان حين يصبحان فيحكمان فيعدلان ، حتى أنزلت عليهما الزهر
ة - في أحسن صورة امرأة - تخاصم ، فقضيا عليها ، فلما قامت ، وجد كل واحد منهما في نفسه ، فقال أحدهما لصا
حبه : وجدت مثل ما وجدت؟ قال : نعم ، فبعثا إليها : أن ائتينا نقض لك ، فلما رجعت ، قالا لها - وقضيا لها - : ائت
ينا! فأتتهما ، فكشفا لها عن عورتهما ، وإنما كانت شهوتهما في أنفسهما ، ولم يكونا كبني
آدم
في شهوة النساء ولذاتها ، فلما بلغا ذلك واستحلاه وافتتنا ، طارت الزهرة فرجعت حيث كانت ، فلما أمسي
ا عرجا فردا ولم يؤذن لهما ، ولم تحملهما أجنحتهما ، فاستغاثا برجل من بني
آدم
، فأتياه فقالا ادع لنا ربك! فقال : كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا : سمعنا ربك يذكرك بخير في الس
ماء! فوعدهما يوما ، وغدا يدعو لهما ، فدعا لهما فاستجيب له ، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فنظ
ر أحدهما إلى صاحبه ، فقالا : نعلم أن أنواع عذاب الله في الآخرة كذا وكذا في الخلد ، ومع الدنيا سبع مرات
مثلها ، فأمرا أن ينزلا
ببابل
، فثم عذابهما . وزعم أنهما معلقان في الحديد مطويان ، يصفقان بأجنحتهما
.
قال
أبو جعفر
:
وحكي عن بعض القراء أنه كان يقرأ : ) وما أنزل على الملكين ) ، يعني به رجلين من بني
آدم
.
وقد دللنا على خطأ القراءة بذلك من جهة الاستدلال ، فأما من جهة النقل ، فإجماع الحجة - على خطأ القر
اءة بها - من
[ ص: 436 ]
الصحابة والتابعين وقراء الأمصار ، وكفى بذلك شاهدا على خطئها .
وأما قوله ( ببابل ) ، فإنه اسم قرية أو موضع من مواضع الأرض . وقد اختلف أهل التأويل فيها ، فقال بعضه
م : إنها "
بابل دنباوند
" .
1690 -
حدثني بذلك
موسى
قال : حدثنا
عمرو
قال : حدثنا
أسباط
، عن
السدي
.
وقال بعضهم : بل ذلك"
بابل العراق
" .
ذكر من قال ذلك :
1691 -
حدثنا
القاسم
قال : حدثنا
الحسين
قال : حدثني
حجاج
، عن
ابن أبي الزناد
، عن
هشام بن عروة
، عن أبيه ، عن
عائشة
-
في قصة ذكرتها عن امرأة قدمت
المدينة
، فذكرت أنها صارت في
العراق ببابل
، فأتت بها
هاروت
وماروت ،
فتعلمت منهما السحر .
قال
أبو جعفر
:
واختلف في معنى السحر ، فقال بعضهم : هو خدع ومخاريق ومعان يفعلها الساحر ، حتى يخيل إلى المسحور الشي
ء أنه بخلاف ما هو به ، نظير الذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء ، ويرى الشيء من بعيد فيثبت
ه بخلاف ما هو على حقيقته ، وكراكب السفينة السائرة سيرا حثيثا يخيل إليه أن ما عاين من الأشجار والجب
ال سائر معه! قالوا : فكذلك المسحور ذلك صفته ، يحسب بعد الذي وصل إليه من سحر الساحر ، أن الذي يراه أ
و يفعله بخلاف الذي هو به على حقيقته ، كالذي : -
[ ص: 437 ]
1692 -
حدثني
أحمد بن الوليد
وسفيان بن وكيع ،
قالا : حدثنا
يحيى بن سعيد
، عن
هشام بن عروة
، عن أبيه ،
عن
عائشة
:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر ، كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله
.
1693 -
حدثنا
ابن وكيع
قال : حدثنا
ابن نمير
، عن
هشام بن عروة ،
عن أبيه ،
عن
عائشة
قالت ، سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود
بني زريق
يقال له
لبيد بن الأعصم
، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله
.
[ ص: 438 ]
1694 -
حدثني
يونس
قال : أخبرنا
ابن وهب
قال ، أخبرني
يونس
، عن
ابن شهاب
قال : كان
عروة بن الزبير
وسعيد بن المسيب
يحدثان :
أن
يهود بني زريق
عقدوا عقد سحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوها في
بئر حزم ،
حتى كان رسول الله ينكر بصره ، ودله الله على ما صنعوا ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
بئر حزم
التي فيها العقد فانتزعها ، فكان
[ ص: 439 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سحرتني
يهود بني زريق
.
وأنكر قائل هذه المقالة أن يكون الساحر يقدر بسحره على قلب شيء عن حقيقته ، واستسخار شيء من خلق الل
ه - إلا نظير الذي يقدر عليه من ذلك سائر بني
آدم
-
أو إنشاء شيء من الأجسام سوى المخاريق والخدع المتخيلة لأبصار الناطرين بخلاف حقائقها التي وصفنا . و
قالوا : لو كان في وسع السحرة إنشاء الأجسام وقلب حقائق الأعيان عما هي به من الهيئات ، لم يكن بين الح
ق والباطل فصل ، ولجاز أن تكون جميع المحسوسات مما سحرته السحرة فقلبت أعيانها . قالوا : وفي وصف الله ج
ل وعز سحرة
فرعون
بقوله : (
فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى
) [
سورة طه : 66 ] ، وفي خبر
عائشة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذ سحر يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله ، أوضح الد
لالة على بطول دعوى المدعين : أن الساحر ينشئ أعيان الأشياء بسحره ، ويستسخر ما يتعذر استسخاره على
غيره من بني
آدم ،
كالموات والجماد والحيوان ، وصحة ما قلنا .
وقال آخرون : قد يقدر الساحر بسحره أن يحول الإنسان حمارا ، وأن يسحر الإنسان والحمار ، وينشئ أعيانا
وأجساما ، واعتلوا في ذلك بما : -
1695 -
حدثنا به
الربيع بن سليمان
قال : حدثنا
ابن وهب
قال : أخبرنا
ابن أبي الزناد
قال : حدثني
هشام بن عروة
، عن أبيه ،
عن
عائشة
زوج
[ ص: 440 ]
النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : قدمت علي امرأة من
أهل دومة الجندل
، جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك ، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السح
ر ولم تعمل به . قالت
عائشة
لعروة
:
يا ابن أختي ، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها ، كانت تبكي حتى إني لأر
حمها! وتقول : إني لأخاف أن أكون قد هلكت! كان لي زوج فغاب عني ، فدخلت علي عجوز فشكوت ذلك إليها ، فقا
لت : إن فعلت ما آمرك به ، فأجعله يأتيك! فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين ، فركبت أحدهما وركبت
الآخر ، فلم يكن كشيء حتى وقفنا
ببابل
، فإذا برجلين معلقين بأرجلهما ، فقالا : ما جاء بك؟ فقلت : أتعلم السحر؟ فقالا : إنما نحن فتنة فلا تك
فري وارجعي ، فأبيت وقلت : لا ، قالا : فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ، فذهبت ففزعت فلم أفعل ، فرجعت إل
يهما ، فقالا : أفعلت؟ قلت : نعم . فقالا : فهل رأيت شيئا؟ قلت : لم أر شيئا! فقالا لي : لم تفعلي ، ارجعي إلى بل
ادك ولا تكفري فأرببت وأبيت ، فقالا : اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ، فذهبت ، فاقشعررت ، ثم رجعت إلي
هما فقلت : قد فعلت ، فقالا : فما رأيت؟
[ ص: 441 ]
فقلت : لم أر شيئا . فقالا : كذبت لم تفعلي ، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري ، فإنك على رأس أمرك! فأرببت وأبي
ت ، فقالا : اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه . فذهبت إليه فبلت فيه ، فرأيت فارسا متقنعا بحديد خرج مني
حتى ذهب في السماء ، وغاب عني حتى ما أراه ، فجئتهما فقلت : قد فعلت! فقالا : ما رأيت؟ فقلت : فارسا متقنعا
خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه ، فقالا : صدقت ، ذلك إيمانك خرج منك ، اذهبي! فقلت للمرأة : والله ما
أعلم شيئا! وما قالا لي شيئا! فقالت : بلى ، لن تريدي شيئا إلا كان! خذي هذا القمح فابذري ، فبذرت ، وقلت : أطل
عي! فأطلعت ، وقلت : أحقلي! فأحقلت ، ثم قلت : أفركي! فأفركت ، ثم قلت : أيبسي! فأيبست ، ثم قلت : أطحني! ف
أطحنت ، ثم قلت : أخبزي ، فأخبزت ، فلما رأيت أني لا أريد شيئا إلا كان ، سقط في يدي وندمت والله يا أم
المؤمنين! والله ما فعلت شيئا قط ولا أفعله أبدا
.
[ ص: 442 ]
قال أهل هذه المقالة بما وصفنا ، واعتلوا بما ذكرنا ، وقالوا : لولا أن الساحر يقدر على فعل ما ادعى أنه
يقدر على فعله ، ما قدر أن يفرق بين المرء وزوجه . قالوا : وقد أخبر الله تعالى ذكره عنهم أنهم يتعل
مون من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وذلك لو كان على غير الحقيقة ، وكان على وجه التخييل و
الحسبان ، لم يكن تفريقا على صحة ، وقد أخبر الله تعالى ذكره عنهم أنهم يفرقون على صحة .
وقال آخرون : بل "السحر" أخذ بالعين .
تفسير الطبري
زيارات الملف الشخصي :
20851
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل : 337.54 يوميا
MMS ~
ضامية الشوق
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى ضامية الشوق
البحث عن كل مشاركات ضامية الشوق