عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 12-16-2019
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
لوني المفضل Aliceblue
 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 4 يوم (06:13 PM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11619
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ذات مقيدة حول عنق إمرأة /44 الفصل الثاني



بسم الله الرحمن الرحيم
تَوَكَّلتُ على الله

الجزء الرَّابع و الأَرْبعون

الفَصْل الثَّاني

ماضٍ
البُكاء قَد نَصَّبَ نَفْسه مَلِكاً طاغياً على سَعَادتها..نَحَتَ دُموعه فَوْقَ مَوَاضِع ذات زَمَن عانَقَتها قُبْلات ذلك القاسي..وَجْنَتيها و شَفَتيها مَثَلاً..،شَهَقَات تَعْبُر حَلْقها لتُحيل النَّحيب نَاياً مَشْروخاً..يَعْزِف مُوسيقى الفِراق..و الأَنَّات حُبِسَت في صَدْرها لتَرْتَطِم بأَضْلُعٍ جَمَّدَها شِتاء بُعْده..كان الدّفء و الرَّبيع و شَمْسُ الحَياة..قَسَى و تَكَبَّر ثُمَّ أَلْقاها بين أَرْضٍ و سَماء لا تَعْرفان سوى ظُلْمة شِتاء سَرْمَدي..،انْكَمَشَ جَسَدَها المُضَّجِع وَسَط سَريرها المُصَيّرتهُ دُمُوعها بَحْراً من أَسَى،لا تَطوفه سُفُن إنْقاذ..أَغْمَضَت عَيْنَيْها و بانْطوائها على نَفْسِها تُعيد إحْياء صُورة الجَنين الذي قَضَى نَحْبه بعد أن تَقَلَّب في رَحْمها تِسْعة أَشْهُر..صَغيرتها..طِفْلتها التي أَرادت أن تَنْهَب الحَياة من بين قَبْضَتها الصَّغيرة..و كأنَّ الله أَراد أن يُعاقِبَها على سُوء فِعْلها..فهي لخَمْسة أَشْهُر تَعَلَّقَت بها..كانت أَنيسها في وِحْدَتها..الرُّوح التي تَسْمَع صَوْت تَحَطُّم حُبّها..الحُب الذي خُلِقَ لوالدها..لطالما حادَثَتها..بهَمْسٍ مُتَهَدّج أَخْبَرتها..بأنَّ والدُكِ قاسٍ صَغيرتي..كِبْرياؤه فاقَ حُدود حُبّي الذي ناغى رُجولته..لم يَسْمَعني و ظَلَمَني..و هو الذي كان قَد وَعَدَني بأَمانٍ تَنامُ منهُ رُوحي بلا خَوْفٍ من فَقْدٍ مُتَرَبّص..لم يَصْدق عَزيزتي..خانَ الوَعْد والدِكُ و لم يَصْدق..،أَزاحَت جِفْنيها المُتَوَرّمان من حِمْل البُكاء..انْكَشَفت عَدَسَتاها المُضطَّرِبَتان..غِشاء الدُّموع قد صَعَّبَ عليهما رُؤية المَجال بوُضوح..تَنَشَّقَت بتَقَطُّع و هي تُمَرّغ جانب وَجْهها في وسادتها الصَّامِتة،مَرَّرَت لسانها على شَفَتيها تَسْتَطْعِم مَرارة حالها الرَّث..بالأمس انْتهت عِدَّتها..انتظرتهُ طوال تلك الفَتْرة..بَقِيَت واقِفة عند نافِذة الأَمَل تنتظر إشْراق وَجْهه ليُعيد بَثَّ الحياة فيها بعَوْدته..لكنَّهُ لم يَعُد،و النَّافِذة وَقَعت رَهْن قُيود لَيْلٍ أَسْود..لا نِهاية لهُ..،اَسْتَقَرَّ بَصَرُها على نُقْطة لم يُتَرْجمها عَقْلَها..لم تَدْرِ حينها كانت تَنْظُر لغطاء سَريرها الأَبْيَض،أم لكَفَنِها المُبْتَسِم بَخَبَث..فالمَوْتُ لَوَّحَ لها مُذ عَلِم فَيْصَل بوُجود رَجُل يًسَمَّى أَحْمَد..،خَبى بُكاءَها و الدُّموع الْتَزَمَت الصَّمْت وَسَط مُقْلَتَيها..مَضَت أَيَّام لا تعلمُ عَدَدَها لم تَرَ فيها وَجْه بَشَرٍ قَط..مُنذُ أن عادت من لُنْدن و هي تَعيش بين جُدْران غُرْفَتها الكَئيبة..هذه الغُرْفة التي شَهِدَت على فَقْدِها الأوَّل..الثَّاني..و الثَّالث..و الرَّابع أَيْضاً..فَفَقْد ابْنتها لا يَقْتَرِن مع فَقْدِها لحَبيبها..كُل فَقْدٍ انْتَبَذَ لهُ حُزْناً أَكْثَرُ وَجَعاً من الآخر..حُزْنٌ يَمْرَقُ القَلْب كما سَهْمٌ يُفَرّق حجراته لتُمْسي الرُّوح أُنْثى ثُكِلَت أُمومتها و أُعْدِمَت قِصَّة عِشْقَها..،عادَت لتُغْمِض عَيْنيها هارِبةً من الواقع الأَبْكَم..الرَّافِض أن يَبيعها بِضْع كَلَمات تَكُون تِرْياقاً يُعيدها للخَوْض في هذه الدُّنيا الماكِرة..ظَنَنتُ أنَّها ابْتَسَمَت لي أَخيراً،لكنَّها أَثْبَتَت لي أن خَلْفَ ابْتسامتها أَنْيابٌ تُنْذِر بجَحِيمٍ عَظيم..،زَفَرَت ارْتِعاشاتها المَحْشورة في صَدْرها و هي تُبْصِر من جَديد..بصعوبة تَحَرَّكَت تُريد أن تَرْفَع جَسَدها المُتَصَلّب عن السَّرير..و كأنَّها حُنّطِت فَوْقه طيلة أَشْهُر حِدادها..جَلَست بمَيَلان صَوَّرها غُصْنَاً نَهَب الخَريف أَوْراقه ليَشيب من حُزْنه و الأَرْضُ تُناديه لسُقوطٍ نهائي..خُصْلات شَعْرها قَد فَقَدَت تَمَوُّجاتها الجَذَّابة..كانت تُحيط بوَجْهها بذُبول،و كأنَّها تُعَزّيها..حَرَّكَت بَصَرَها على الغُرْفة المُسْتَسْلِمة للظَّلام..عدا ضَوْءٌ خافت يَنُوح على يَمينها ..،أَرْجَعَت خُصْلاتها خَلْف أُذْنها و هي تُعيد إطْلاق الزَّفَرات ليَضُجُّ المَكان بالوَجَع..آآآه من الوَجَع،هُو لا يَرْحم و لا يُشْفِق على قُلوب فاقِدة..تَخَضَّلَت عَيْناها بدُموعٍ حارِقة و في جَوْفِها نَطَقَ صَوْتٌ مَخْنوق..اشْتَقْتُكَ فَيْصَل..،أَغْمَضَ البُؤس عَيْناها..واحَتا الصَّبيب الآسِن..مَسَحت بظاهر كَفَّيها البَلَل المُسْقِم وَجْنتيها،قَبْلَ أن تُبْعِد الغطاء عنها لتُلامس أطراف أصابع قَدَميها الأرْضيَّة الباردة من شِتاء و من مُكَيّف لم تُغْلقه على الرَّغم من انْخفاض دَرَجَة الحَرارة..فكانون لم يُطْفئ أُوار رُوحها لا في أَوَّله و لا في ثانيه..،وَقَفَت لتَخْطو جِهة المَصابيح،ثوانٍ و احْتَضَنَ الغُرْفة ضَوْءٌ أَصْفَر كَئيب..رَمَشَت مَرَّاتٍ مُتتالية لتَعْتاد على الإضاءة الغَريبة عنها..و إن زارَ الضَّوْءُ بَصَرها،فيُسْتَحَال أن يَبْتَلِع عُتْمَة رُوحها..،اتَّجَهت للأَرْكان الغابِرة باحِثةً عن هاتِفها المَنْسي..وَجَدَتهُ في حَقيبَة يد قد أُلْقِيَت بإهْمال عند خِزانة ملابسها..كان بالطَّبْع لا يَعْمَل..فهو أَفْرَغ طاقَته طيلة الأيَّام التي هَجَرتهُ فيها..لذلك شَبَكَتهُ بشاحنه ليَسْتَعيد وَعْيه و يُعينها على مُهِمَّتها..فهي و أَثْناء انْعزالها شَرَعت تُنَبّش بأصابع فَقْدها عن من يَنْتَشِلها من دَوَّامة الوِحْدة و الخُسْران..،تَرَكت الهاتف قاصِدةً دَوْرة المياه..حَيْثُ هُناك اصْطَدَمَت أُنوثتها بوَجْهٍ تَطوف بهِ دُهور الكَمَدِ و العَويل..مَسَّت وَجْنَتيها المُحْتَقِنَتين باحْمرار دامي..عَيْناها غائِرَتان للحد الذي قَرَّب أجْفانها من الإنْطباق و حَجْب الرُّؤية..شَفَتيها نالت منهما تَشَقُّقات إثْر احْتِكار مَوْسم الجَفاف لهما..فَرَّ احْمِرارهما الباهت ليَغيب اليَنَع عنهما،عن اللتان قَضى ذاك ليالٍ يَرْتَشِف منهما و يُناغيهما بغَزَلٍ مَبْحوح..،مَرَّرَت لسانها على الشَّفَتان الحَزينتان و هي تَبْتَعِد عن انْعكاس صُورتها المُشَوَّهة..خَلَعَت رداءَها كاشِفة عن جَسَدِها الذي فَقَد أوْزانٍ من هَمّ الغِياب..نُحولها كان جَلِي و يَحْكي تَعَباً لا تُبْصرهُ سوى عَيْن مُحِبَّة..و أَسَفاً أنَّ عَيْناه أَعْدِمَ حُبَّهما..،حَشَرَت ذلك الجَسَد المُعَفَّر بخيبات الفِراق أَسْفَل ماء بارد أَرْجَفَها من رأسها حتى أَخْمَصِ قَدَمَيْها..مُحاولةً أن تَنْشَغِل بَرَجْفَتها عن الآثار المَنْحوتة على بَطْنها..لا تُريد أن تَرى خَرائط الضَّياع التي نُسِيَت عَليه بَعْدَ أن سَرَقوا منهُ طِفْلَتها..لَيْتها حَفِظَتها في جَوْفها و لم تَدع يد الدُّنيا تَلْطم طُفولتها..كانت تَتَنَفَّس داخلها..كيف انْقَطَع نَفَسها بخُروجها ؟ هل كان هَواء الدَّنيا مُلَوَّث ؟ أم أنَّها بوُلوجها للحَياة لَمَحَت مآسٍ تُهَدّد عَيْشَها ؟ لذا فَضَّلت أن تَكُون طَيْراً طاهِراً يُحَلّق إلى سَماء آمِنة..نامي بسلام يا صَغيرتي..أُرْقدي بقَلْبٍ أَبْيَض،لم تُنَجّسهُ الدُّنيا بمُدْلَهِمَّات بَشَرها..،خَرَجت و الرَّجْفة لا زالت تَسْكُن أَوْصالها..جَسَدها يَمْطُر غارِقاً الأَرْض من أَسْفَلها..و شَعْرُها قد أخْنَقَتهُ المياه حتى الْتَصَقَ بإعْياء على جوانب وَجْهها،كَتِفيها وظَهْرها..و كأنّهُ أَراد أن يَحْتَضِن جَسَد الجِنان المُقْفَر من رَبيع..،جَلَسَت على المَقْعَد قُرْبَ هاتفها..تناولتهُ بكف و الكَفُّ الأُخْرى بارْتعاش كانت تَشِد رداء الإسْتحمام لتُخْفي جِرْح فَخْذها النَّاظر لها بعَيْن الذّكْرى القاسِية..ضَغَطَت أَرْقاماً حَفِظَتها لكِثْرة اتّصالات النَّجْدة التي كانت تَقُوم بها في الماضي..و ها هُو الحاضر يُعيدها لطَوْق النَّجاة ذاته، بعد أن صالَ العذاب بها و جال حتى اضْمَحَلَّت قُواها،ليَبْقى فُتات الضّعف و لا غيره..،رَفَعتهُ لأذْنها و الرَّنين تَشْعُر بهِ يَقْرَع وَسَط قَلْبها..باغَتَتها رَعْشة كانت نَتاج صَوْته الهادئ المُعانق مَسْمَعها،:جِنـــان !
فَتَحَت فَمها مُحَرّكة لسانها لتُجيبه،لكنَّ الغَصَّة حالت بينها و بين الكَلام..فَرَّت منها شَهْقة مُلْتاعة أَقْلَقَته ليَعُود صَوْته عارٍ من الهُدوء،:جِنان شصاير ؟ إنتِ قاعدة تصيحين !
رَفَعَتَ كَفَّها الخاوية من دِفء إلى وَجْهها..تَشَرَّبَت بخُطوطها المُتَعَرّجة سُمَّ دُموعها و لسان حالِها يُجيبه بنَعَم..نَعَم أنا أَبْكي..و لم تَعْرف عَيْناي صَديقاً غَيْرَ البُكاء..في الصَّباح أُزَعْزِع شُعاع الشَّمْس بنَعيق نَوْحي..و في المَساء يُشاركني القَمَر انْتِحابي..و النُّجوم تَسْلخ لَمَعانها لتُمْسي باهِتة كما عَدَسَتَي المُنْطَفئ بَريقهما..نَعَم أنا أَبْكي و البُكاء قد شَيَّدَ صَرْحه بين قَلْبي و نَبْضي..،
قَال بنَبْرة لَيّنة و كأنَّهُ يُحادث تِلك المُراهِقة التي عَرَفَها،:اخذي نَفَس و اهدي عشان تقدرين تكلميني
الْتَقَطَت بضع ذَرَّات هَواء ليَرْتَفِع من صَدْرها صَوْت شَهيق حاد يَحْكي مُعاناتها لاسْتلال النَّفَس..ازْدَردت غَصَّاتها،بَلَّلَت شَفَتيها مُسْتَعِدَّةً للنُطْق..غادرَ من حَنْجَرَتِها هَديلٌ يَئن،و في أنينه كَلِمات تَمِدُ يَد الحاجة ناحيته..،:ابـ ـي اشوفك أحمـ ـد
أَتى صَوْته غارِقاً في اسْتنكاره و سؤاله كذلك،:وين..في لندن ؟
ضَمَّ شَفَتيه بعد أن نَطَقَ بسُؤاله و إغْماضٌ لَحْظي لازمَه..هي تُحادثه من رَقْمها المَحَلّي..إذاً هي هُنا ! أكَّدَت لهُ ببحَّة،:أنا اهني أحمد..صار لي أربعة شهور اهنـ ـي
أَفْصَحَ عن تَوَجُّسه،:صاير شي سيء جِنان ؟
كَرَّرَت بتَقَطُّع يَنم عن قُصْر صَبْرها،:ابــ ـي اشوفـ ـك أَحْمـ ـد..أرْجووك
حَبَسَت شَهْقة بين أَضْلاعها و أُذْنَها تَتَرَقَّب جَوابه،مُتعاضِدة مع حَدَقَتيها المُسْتَسْلِمَتين لاتّساعٍ و ضيق..هَمَسَ لها بعد ثوانٍ من الصَّمْت،:نفس المكان..بكون هناك بعد ربع ساعة
هَزَّت رأسها سَريعاً بالإيجاب و لسانها يَنْطُق،:اوكـــي
فَوْرَ انْتهاء المُكالمة وَقَفَت لتَقودانِها قَدَماها إلى غُرْفة ملابسها..ارْتَدَت بنطال من الـ"جينز" و سُتْرة صوفية خَفيفة سَوْداء..اللون الذي لم يُفارقها مُنذُ أن وُسّدت طِفْلَتها قَبْراً لا تَعْلم أين أَرْضُه..ارْتَدَت عَباءتها على عَجل قَبْلَ أن تَحْشر خُصْلاتها المُحْتَفِظة بشيء من البلل تحت غِطاء رأسها..تناولت مفاتيحها لتُغادر الغُرْفة بَعد مَضي شُهور كَئيبة..،قابَلَت والدتها في الأَسْفَل..هي واصلت مَشْيها دون أن تنطق بكَلِمة..لكنَّ سُؤالها المُسْتَنْكِر أَوْقَفها،:وين رايحة جِنان!
اسْتَدارت لها و هي تراها تَتَقَدَّم منها بأناقتها المُعْتادة..غَريبٌ كَيف أنَّ الحُزْن لا يَعْبَث بشَخْصية والدتها القَوِيَّة..على الرّغم من انْكساراتها المُتَعَدّدة إلا أنَّها دائماً ما تَتَجَلَّد بالقوَّة..حتى فَقْدَ مُحَمَّد لم يَنَل من أنوثتها..طال صِحَّتها لكن كان عَصِيَّاً عليه القَبْضَ على ذاتها..،على عَكْسِها هي..كُل فَقْدِ يَشْطُر ذاتها إلى أَنْصافٍ لا تُجَمَّع حتى أَضْحَت الرّوح خاوية من ذات..بلا تَعْريف هي..فالليْلُ يَعْرفها بأنثى البُكاء..و الحَياة تُسَمّيها سَيّدَة الفَقْد..،أَرْدَفَت والدتها بعد أن أَصْبَحَت أمامها و ابْتسامة مُتَرَدّدة تُحَيّي شَفَتيها،:ماما جِنان الحمد لله إنش تركتين الغُرفة "حَطَّت بيَدها على كَتِف جِنان الهَزيل مُواصِلة بسؤال" بس وين رايحة حبيبتي ؟
شَدَّت على الحَقيبة مُجيبةً ببحَّة عَظيمة،:بروح اشم هوا..تمللت من البيت
اسْتَفْسَرَت،:مع نَدى ؟
صَمَتَت لثوانٍ و الحَديث يَسْعَر في جَوْفِها..غَريبٌ هذا السُّؤال و نادر جِدّاً أن يَصْدُر من والدتها ! لسَنوات لم تُوَجّههُ إليها..كانت تَتَمَنَّى أن تُخْطئ وَ لَو لمرَّة و تَسْألها إلى أين إنتِ ذاهبة..لرُبَّما هذا الإهْتمام الشَّحيح كان الشُجَيْرة الصَّغيرة التي تَسْتَظِل بها عن حَرور الدُّنيا..لكن لم تَكُن هُنالك شُجَيْرة و لا ظِلٌّ يَحْويها..لذا كان البَحْثُ عن مُنْقِذٍ يُشْبعها بشُعور الإهْتمام..لعَلَّها تَرْتَدي تاجَ الوُجود..فبإهمالهم أَمْسَت عَدَم،رُفات يَتَخَبَّط بلا هُدى حتى اصْطَدَمَ بأَحْمَد..ذاك الذي تَفَهَّم ضَياعها و لم يُلْحقها بسوء حتى بَعْد سَنوات..،بَلَّلَت شَفَتيها قَبْلَ أن تُجيبها بكَذِب،:ايــه..مع نَدى
هَزَّت رأسها و ابْتسامتها تَتَسِع من بشارة الأَمَل المُحَلّقة لها..أَمَلٌ بتَحَسُّن ابْنتها و التَّحَرُّر من صَدْمة فَقْدها لجَنينها و زَوْجِها..،بمَلَق مَسَّت خَدَّها لتَقُول،:زين يُمَّه انتبهي لنفسش..في أمان الله
تَراجعت للخلف لتَسْتدير مُواصِلة طَريقها..غادرت لخارج المَنْزل حَيْثُ أُرْكِنَت سَيَّارتها لفَتْرة لم تَكُن قَصيرة..تَعْتَقِد أنَّ عَلي كان يُشَغّل مُحَرّكها بين الفينة و الأخرى حتى لا يَهْرَم و تُخْتَزَل طاقته..،رَكِبَت لتَحْتَك العَجلات بعد ثوانٍ بالطَّريق أمام مَنزلهما..كانت السَّاعة قد تَجاوزت الثَّامنة مَساءً..و الأُسْبوع في وَسَطه،لذلك كان الشارع صامِتاً من ضَجيج..إضافة إلى أنَّ الطُّلاب يَخُوضون امتحاناتهم النّهائية..،ابْتسامة مَريرة شَدَّت شَفَتيها..قَبْل ولادتها المَشْؤومة بأُسْبوع قَدَّمت امتحانها الأخير لشهادة الماجستير..لا عِلْمَ لها بنتيجتها و لم يَصلها خَبَر عنها..كُل الذي كان يَصْخَب في داخلها المَوْت الذي نَهَب طِفْلتها..تَصَدَّعت الإبْتسامة،و المَرارة تَحَوَّرَت إلى أَسَى مُوْحِش،لَهُ أَذْرُع سَوْداء..تُهَدّد باخْتناقٍ يَطْمِسُ الفَرَحَ عَنْها..،زَفَرَت عُلَلَها مع امْتزاج ماء عَيْنيها برَفْرفة الأَمْواج الجَليَّة رَقَصاتها الهادئة..و كأنَّها تَتَهَدْهَد باسْتِجابة لعَزْفٍ يَصْدَح من بين أَوْتارِ شتاء سَاكن..،أَرْكَنَت مَرْكَبَتها..أَوْقَفَت المُحَرّك ثُمَّ فَتَحَت الباب سامِحة لِقَدَمَيها برَسْمِ آثارهما فَوْق الرّمال النَّائِمة..مَسَّ وَجْنَتَيها نَسيمٌ بارد يُنْعِش الرُّوح إلا رُوحها..فهي قد تَحَلَّلَت بين ضِيقِ لَحْدٍ حَوَى أُنْثاها الصَّغيرة..،بَدَأت تَمْشي و الهَواءُ يُعَرّف أَطْرافها على أَحَدِ الفُصول المُنْتَبِذة بُرودة تَبْعَثَ خَدَراً ين الخَلايا..و هي التي تَخَدَّرت حَواسها عن كُل إحْساسٍ سَعيد يَنْبُض بالأمَل..و باتت تَسْتَشْعِر لَسَعات سَوْطٍ مَسْموم..يَسْلُخ جِلْدها ثُمَّ يَبْصُق سُمَّه ليَمْتَزِج مع دمائِها المُسْتَفْرَغة من جِراح لها صَديدٌ مُوْجِع..يَنْبَعُ من قَلْبٍ فاقِد..،تَوَقَّفَت أَمام إبْداعٍ إلهي تَغْرَقُ العَيْنَ فيه تَسْبيحاً و تَهْليلا لعَظَمةِ الخالق الأَحَد..ارْتَفَع صَدْرها كاشِفاً عن اسْتنشاق عَميــق أَتْبَعهُ انْخِفاض غادَرت معهُ زَفَرات مُوَشَّحة بالتَّعَب..وُلِدَت نُجوم دَمْعِ لامِعة وَسَط مُقْلَتيها..و في حَلْقِها تَكَوَّمَت غَصَّة أَخْنَقَت هَمْساً كان يُريد أن يُنادي يـــا رَب..،صَوْتُ خُطوات ضَجَّت من خَلْفها..اسْتَدارت لتُبْصِر وَجْههُ المُعانِق ساعات مَصائبها..و ضَياعها..هُو بانَ لهُ تَحْت أَجْنِحة الليْل وَجْهها الشَّاحِب كالمَوْتى..و في عَيْنَيْها لَمَحَ بَوْحٌ مَخْنوق،صَيَّرَهُ الحُزْنَ دَمْعاً أَحْمَر..تَصَدُّع مَلامحها وَشْوَشَ لهُ بأنَّ خَطَراً مُبْهَم قد كَبَّل هذهِ الضَّعيفة..تُرَى ما الذي حَصَل ؟ نَطَقَ وهَو يَبْعُد عنها خُطْوَتان من قَلَق،:جِنان ليش جذي حالش ! شصاير ؟
إغْماضٌ آسِف احْتَكَرَ عَيْنيها،و كَفَّيها بوَهَن احْتَضَنتا ذَوْي ملامحها..إلهى كم تَشْعُر بالضَّياع،و الضّعف تَنْتَعِلَه إجْباراً..هي جَرْداء من قُوَّة..كانت و لازالت عَبْدةً بين يَدي الضّعف..،اقْتَرَبَ خُطْوة مع ابْتلاع الصَّدْمة لِعَدَسَتِيه المُتَّسِعَتَين..هَمَسَ يُطالب بتَفْسير،:جِنان..أحد من أهلش فيه شي ؟ زوجش..أمش و أبوش ؟ "بنفاذ صَبْرٍ أَرْدَف" تحجي أَرْجوش
أَزاحت يَدَيها قَليلاً لتَتّضح لهُ عَيْنها اليُسْرى و هي تَنْضَح بالدَّموع..من قُعْرِ أَلَمها انْتَشَلَت صَوْتها لتَكْوي قَلْبها بالحَقيقة مُجَدّداً..،:بنتـ ـ...بنتـ ـي ماتت..كنت حـ ـامل..وَلَدت البنت...بـــس مَيْـ ـتة
يَدَهُ ارْتَفَعت عابِرة الهواء التي تَجَمَّد بينهما من الصَّدْمة،لتَحُط فَوْق فَمَه كاتِماً شَهْقة ارْتَطَمَت بأضْلاعه..ازْدَرَد ريقه مع انْحراف يَده إلى خَدّه المُشْعر،و هَمْسٌ عاطِف ناحَ من حَنْجَرته،:الله يعوضكم
فَرَّت الغَصَّة من صَدْرها مَعْقودةً بالشَّهْقَة مع تَحَرُّك رأسها بنَفْيٍ يائس..و لسانها يُفْصِح عن المأساة،:طَلَّقْنـــ ـي " أَغْمَضَت بهوان مُكَرّرة بحَرْقة" فيصـ ـل طَلَّقْني
حاجِباه أَرْفَعَهُما الإٍسْتنكار و في عَيْنَيه لَمَحتَ سُؤاله لتُجيب بنَدَم،:شافْنا...ذاك..اليـ ـوم
يَدَه تابَعَت مَسَيرها قاصِدةً نَظَّارته..خَلَعها و هَوَ يُخْفِضها مع انْعِقاد عَيْنيه بالرّمال بذُهول..يَدَهُ الأُخْرى تَخَلَّلَت أَصابعها خُصْلاته و كَأنَّه يَبْحث من بينها عَن حَبْلِ خَلاص من هذهِ الصَّدَمات المُتراشقة عليه مَدافع لا تُصَد..،تَخَبَّطَ بَصَره بذَرَّات الرّمال و الأُكْسُجينات الشَّحيحة..قَبْلَ أن يَرْتَفِع لوَجْهها ناطِقاً،:ليش ما قلتين له عن نُوع علاقتنا !
رَفَعَت كَتِفَيْها تُتَرْجِم لهُ افْتِقاره لطَريق صُلْحٍ و لِقاء،:ما رَضى يسْمع..هُو..هو شاف الصَّورة قَبل..وو شــ ـاف الرّوايات و الــ ـكلام..فيوم شافنا..جَنْ أحمـ ـد
انْكَمَشَ جَسَدها لتَرْتَفِع ذراعيها لتُحيطانه و تُهَدّآن رَوْعه المُسْتَعِر من ذِكْرى الجِرْح المُخَلَّف وَسَط فَخْذِها..أَكْمَلت و الفَزَعُ يَحُوم حَوْلَ مَلامحها..،:و كأنه صار مَجْنون بعد ما شافنا..صار..صــ ـار قاسي "ارْتَعَشَ ذِقْنها من ثِقْل بُكاءٍ مَقْهور و هي تُرْدِف"قَسى و ما رحمنـي..نَسَى وعده و تركنـ ـي
انْهَمَكَت في جَرّ عَويل لهُ لَحْنٌ كَئيب على إثْرهِ اجْتَرَعت السَّماء قَمَرَها..لتَحْميه من مَرَضٍ قد يُطْفئ جَماله..انْتَشَرَت رايات الدّمع من مُقْلَتَيْها..قَهَرٌ..تَعَب..خُذْلان..ضَعْفٌ و فَقَدٌ كانوا يَمْرَقون صَدْرها على شَكْلِ شَهَقَات حادَّة..و ما بَيْنَ شَهْقة و شَهْقة كان يَرْتَفِعُ أنينُ احْتياج..احْتياجٌ زُرِعَ في أَرْضِ فَقْدِهاالسَّخِيَّة..،




حاضِر

الليْلة الماضية
رائِحة عِطْره تَكالبَت على أَنْفاسِها لتُسَمّمها..نَعَم كانت الرَّائحة سُمٌّ بامْتزاجه مع نَفَسِها الهَلِع..سُمٌّ يَهْمِس لها بتكرار الرّزِيَّة..اسْمهُ الذي حَلَّقَ طَيْراً مَرْعوباً من حَنْجَرتها لم تَتْبَعهُ كَلِمات رَجاء أو اسْتنجاد..فَصَوْتُها قد كُفّنَ في جَوْفها حتى ظَنَّتَ أَنَّها نَسِيَت كيف تَتَكَلَّم..أَرادت أَن تَرْفَع يَدَيها لتُبْعده عَنها و تُنْقِذ أُنوثتها من اغْتصاب مُحْتَم..لكنَّ قُواها خانَتها..و تَطايَرت من بين فَراغات أصابعها تُراباً مَنْثورا..ذَوَت قُدْرَتها و النَّبْضُ في قَلْبها شُلَّ من فَزَع..صَوْتُ نَشيجٍ وَهِن ارْتَفَع من صَدْرها،و كأنَّما كان صَوْتُ تَهَشُّم أَضْلاعها..تَهَشَّمَت حتى تَهْربُ الرُّوح..فلَيْتَها تَمُوت و لا تَحْضُر حَواسها هذه الفاجِعة..،نَفَسَهُ سَلَخ بَشْرَتها المُهْتَرِئة من الدّمع..قُرْبهُ كانَ ساحِقاً و مُخيفاً للحَد الذي أَرْبَكَ بَصَرها المُتَخَبّط و الذي لا تَعْلَم كيف اهْتَدَى إلى عَيْنيه،ليَجْتَرِع غَبَشَهما الغامِض..عَيْناها الجَاحِظَتان تَعَلَّقتا بهما،اصْطفاقة هُدُب مَريرة تَكَلَّمت،تَرْجوه أن ارْحَمْني..،ارْتعاشة مُؤلِمة باغتت جَسَدَها،وُلِدَت اسْتِجابةً لوَجْسِه المُنْتَبِذ من الرّياح هَفيفها،:مسْتسلمة بكل ما فيش..الضعف إلْتبسش " أَرْدَفَ و من بين أسْنانه خَرَجَت الكلِمات شَظايا عَلَّها تُوْقِظ عَقْلها" يعني لو كنت ولد حـــراام..باخذ اللي ابيه منش بدون أي متاعب
تَراجَعَ عَنْها سامِحاً لثَغْرة الصَّدْمة أن تَتَوَسَّط شَفَتيها..و من خِلالها تَلِجُ أَنْفاسُ الخَلاص و الإسْتيعاب..،تَرَكَ السَّرير ليَقِف بطُوله الفارع أمام ناظِرَيها المُتَتَبِعانه و الذُّهول حاديهما..حامَ حَوْلَها طَنينٌ أَشْبَه بسُكون الصَّحْراء بَعْد انْتهاء الوَغَى..تَجَمَّدَ الدَّمْعُ على صَفْحة مُقْلَتيها،و الشَّهَقَات تَوَقَّفَت عن تَقْطيع رُوحها و نَثْرَها أَشْلاء..مُتَرَقّبة خُطْوَته التَّالِية..،هُو ابْتَعَدَ عن مُحيطها قَليلاً ليَسْتَقِر وَسَط غُرْفة نَوْمه مُواصِلاً دَرْسه القاسي..بصَوْت كان يَتَجَرَّد من حُكْم البُرود شَيْئاً فَشَيء،و عَيْناه تُبْصِقان غَضَبَهُما الأَسْود عَليها،:تصرفاتش أَبَداً ما تدخل العَقل..و لو صَفّيتين لي أَلْف تَبرير ما بتقنعيني
تَقَدَّمَ خُطْوة و يَدُه أشارت إليها سَهْماً يَخْتَرِق وَعْيَها،و عُقْدة اسْتنكار تَتَوَسَّط ما بين حاجبيه تَشْرَح لها عُظْم الغَضاضة التي تَتَذَيَّل اَفْعالها،:يعني إنتِ تَبين تذبحين أمش ؟ تبين تجيبين الفَضيحة لأهلش ! "مَسَّ صِدْغه بأصابعه مُرْدِفاً بمَلامح انْكَمَشَت ضيقاً" شنو من عَقل في راسش !
حَرَّكَ عَدَسَتيه على وَجْهها المُحْتَكِر فَصْلَ الجَليد،و حَواسها المُرْتَدِية مِعْطَفاً من سُكون..قال ليُفْرِغ آخر حُممه عَلَّها بالإحْتراق تَعي فَداحة ما قامت بهِ،:إنتِ مرأة..بنت..أُنْثى..إذا مَسّش سوء بيظل عــــااار لين ما تموتين..لذلك خَلّي شغل الرجال..للرجال
انْحَنى ليَلْتَقِط سُتْرَته..رَفَع جذعه بهُدوء..أَلْقى عَلَيها نَظْرة تَسَرْبَلَت بالحدّة قَبْلَ أن يُلْقيها جانبه مُتَّجِهاً ناحيةَ الباب..أَخْرجَ من جَيْب بنطاله مفتاح،و تَحْتَ نَظَراتها الفاقِدة حَشَرَهُ في القفل ليَنْفَصِل بعد ثوانٍ جَسَدهُ عن الغُرْفة،و يَغيب عن بَصَرِها الذي تَقَلَّبَ على الأرْكان بتَيه..يُنَبّش عن جَوابٍ وتَفْسير للذي حَصَلَ للتو..رَمَشَت ببطء ساحِق و هي تَسْتَمِع للهَمْس في جَوْفِها..غادر..هُو غادرَ و تَرَكها..لم يَقْتَرِف جَريمة هَدَّدَ أُنوثتها بها..هُو لم يَمَسَّها،و لم يُلَوّث شَرَفها الذي بَقِي على دُرْنه الأَوَّلي..أَهي حُرَّة إذاً ؟ عادت لتَنْظر للباب الذي اخْتَفَى من خِلاله..انْفراج بَسيط مَنَعَهُ من الإنْغلاق..ظَلَّت لثوانٍ تَسْتَرِق النَّظَر عَبْره من مكانها..ثانية..ثانيتان... .. ثَلاث.. أربع..الثَّانية الخامسة و لا شيء..السَّادسة..و في السَّابعة مَرَقَ الصَّمْتُ الصَّاخِب تَنَشُّقٌ حــاد جَرَّحَ حَلْقها..و من خَلْفِهِ تَوالت الشَّهَقات كما سُيوف تَنْحَر حِبال صَوْتها..تَطافَرَت الدُّموع من عَيْنيها وَدَقاً اخْتَلَطَ بهِ مِلْحُ عَبَرات ناحَت في جَوْفها..ارْتَفَع منها البُكاء بهستيريَّة تَحْكي دقائِق الرُّعب و الهَلَع التي عاشَتها بِسَببه..كُل ذلك كان تأَديبٌ قاسي افْتَقَرَ لفُتات شَفَقَة يُنْثِرها فَوْق جَواها المُرْتَعِش..أَفْقَدَها وَعْيها..حَشَرها في غُرْفته و فَوْق سَريره قَيَّدها..و هو تَجَرَّأ و عَرَّاها من عَباءَتها..اقْتَرَبَ منها قُرْباً يُنْذِر بالفاحِشة..فقط ليُأدّبها ! أيُّ قَلْبٍ يَغْفو خَلْفَ أَضْلُعه ؟ أَمُتَأكّد أنَّ ما يَنْبض في جَوْفهِ قَلْب ؟ أم أنَّهُ بلا نَبْضٍ وُلِد ؟ و بَدَلاً عنهُ وَرَثَ سُيوفاً و رماحاً و سِهاما..يُأدّب النَّاس بها..،انْحَنى جَسَدها بإعياء للسَّرير،بلا إرادة منها اتَّخَذَت وَضْعَ سُجودٍ مُخْفِية وَجْهها بكَفَّيها و نَحيبها شَقَّ رداء الليْل..انْخَرَطَت فيه حتى صَيَّرها فَراشة مُنْطَوية بهَوان وَسَط شَرْنَقة..تَتَغذَّى بين خُيوطها على الخَوْف و الأَلَم..تَمْضَغ الفَقْد و تَجْتَرِع الغَصَّات..فهي لم تَنْسَلِخ عن الدَّمع لعُشرون عاماً..فمَتى الخَلاص يا إله الكَوْن ؟

،


فَوْق إحْدى أرائكه كان يَجْلُس،بين سَبَّابته و الوسطى تَسْتَقِر سيجارته..يَسْتَنْشِق منها ليُعيد تَكْديس كُتَلَ الجَلَد في ذاته في مُعادلة عَكْسية للطَّبيعة ! فحَريق هذه السيجارة بدَلاً من أن يُذيب بُروده هُو يُضَعّف منه..و كأنَّما هذه البَيْضاء المَقْبوضة بشَفَتيه تُتَرْجم بعَمَلها التَّناقُضات المُتشابِكة بتَعْقيد لذات هذا الرَّجُل..،كان قَد سَتَرَ صَدْره بعد أن عَرَّاه ليُرْعبها..و نَجَحَ..فبُكاءَها لم يُنهِ مَسَيره بَعْد..تَحْتاج لدقائق و رُبَّما ساعة لتَتَخَلَّص من الشَّعور الذي بَثَّهُ في رُوحها..عَيْناه لا تَرْمشان،مُتَعَلّقتان بهاتفها الغافي فَوْقَ الطَّاولة أمامه..اسْتَنْشَقَ بعُمْقَ،ثُمَّ نَفَثَ دُخَّاناً تَكاثف بانتشار،امْتزجَ مع سُحبه المُتداخلة برمادية كَئيبة لتَحْمله لساعاتٍ مَضَت..،

،


أَسْرَع حاشِراً جَسده خَلْف الباب بعد أن ضَغَط الأرْقام لِفَتْحه.. تَنَفَّسَ الصُّعَداء مع اسْتناد ظَهْره به و رأسه يَرْتَفِع بإغْماضٍ مُسْتَرْخي..حَمْداً لله،اسْتطاع أن يَخْتَفي قَبْلَ أن تَطَأ أَقدامهم المَكان..فلو رَآهُما أَحدهم حينها ماذا سَيَقُول ! فَقُرْبَهما المَجْنون،و الشُّحْنات الغريبة المُتَدَفّقة من جَسَديهما يُسْتَحال أن تُفَسَّر بالحُسْنى..فَتِلك الجَريئة لم تَضَع أَمامهُ خِيار غَيْر إلْباسها رِداء الإغْماء..،ببطء ارْتَفَع جِفْناه كاشِفان عن لَيْليه الغَبَشيين..حَرَّكَ عَدَسَتاه على السَّقْف مع انْتباهه لحَرارة جَسَدها المُخْتَرِقة العَباءة لمُباغتة جَليد ذِراعيه..أَخْفَضَ رأسه بهُدوء لِيَسير بَصَرهُ ناحية وَجْهها..رَمَشَ بخِفَّة كانت ارْتِباكاً جاهَدَ ليَمْنَعهُ عن نَفْسه..فلا داعي له ! تَجاهل نَبْضه الذي اسْتَجَاب للرّمال السَّمْراء المَنْثورة على وَجْهها..لَيْسَ من الطَّبيعي و لا المنطقي و لا الإعْتيادي أن يَلْتَفِت قَلْبَه المُقَطَّع إلى أَشْلاء لهذهِ الأنثى أو غَيْرها..بل يُعاقَب إن حاوَل مُجَرَّد مُحاولة أن يَجْعَل عِلاقته بها تَحْدو مع ظَعينة الحُب و ما يُشاطره من المَشاعر المُهَجَّرة عن ذاته..فالحُبَّ مُحَرَّماً في عَقيدة ذاتك مُحَمَّد..،اسْتَقَلَّ السُّلَّم صاعِداً للأَعْلى حَيْثُ شِقَّته..دَلَف قاصِداً غُرْفةِ نَوْمه بتلقائِية..مَدَّدها فَوْقَ السَّرير ثُمَّ رَفَع نَفْسه باسْتدِراة مُسْتَعِدَّاً للخُروج..خَطَى خُطْوة لكنَّهُ تَوَقَّف بَعْدها بفَجْأة و خاطِرٌ ما يَحُوم حَوْل عَقْله..قَلَّبَ بَصَره على المَجال أمامه قَبْل أن يُدير رأسه ليَنْظُر لها من خَلْف كَتِفه..ببطئ لَيْثٍ مُتَحَفّز قابَلها بِجَسَده..عادَ و اقْتَرَبَ منها،اسْتَقَرَّت رُكْبة يُمْنَاه فَوْقَ السَّرير المُحْتَضِن جَسَدها الغائِب عن الصَّحْوة بسُكون..امْتَدَّت يَدَهٌ بتَرَدّد سُرْعان ما طَرَده عن حَواسه..تَلَقَّف طَرَف عَباءَتها عند صَدْرها و بخفَّة جَرَّها لتُفْتَح الأَزْرار بأكْمَلها بانْسيابية..أَبْعَد الطَّرفان اللذان افْترقا مع انْحِراف يَدَهُ لظَهْرَها..شَدَّ العَباءة من هُناك و اليَدُ الأخْرَى تَسْحَب الكُم عن ذارعها..بعد ثَوانٍ عَسيرة نَجَح في فَصْل جَسَدها عن سُتْرَها..زَفَرَ و كأنَّهُ كان يَصْعَد جَبَلاً تَشُوبه الأَخْطار..،رَفَع عَيْناه لغِطاء رَأسها دُون أن يُفَكّر أن يَلْتهم مفاتنها بنظراته و لو للحْظة..بسُهولة أَزاح الغطاء مفْرِجاً عن خُصْلاتٍ ناعِمة اصْطَبَغَت بلونٍ بُنّي داكن..تَكاد العُيون تَخالهُ سَواد نَقي..غَفَت برِقَّة حَوْلَ وَجْهها لتُكْمِل لَوْحة الأُنوثة المُفْرَطة..زَمَّ شَفَتَيه بضيق من أَفْكاره المُلْتَبِسَها الجُنون..وَقَف بِيَد تَقْبض على سُتْرَها ليَتَّجه ناحية الأريكة المُنْتَصِبة في إحْدى زوايا الغُرْفة..ألقى ما بيده هُناك قَبْل أن يَخْرُج مُغادِراً الشّقة بأَكْملها..غادَر المَبْنى من الباب الآخر دون أن يَدْخُل المَرْأب..قابَلَتهُ الشَّمْس المُسْتَرِقة أَشِعَّتها النَّظَر على هذه الأَحْداث اللامُتَوَقَّعة..غَبِيَّة و مُتَهَوّرة هذه الأُنْثى..حتى و هي مَحْنِية للخَوْف و الضّعف حِذاءها تَأتي إليه بجُرْأة لتَضُرّه ! تَوَقَّفَ عند باب السّائق..كانت سَيَّارتها تَعْمل حتَّى الآن..مالَت شَفَتاه بسُخْرية..كانت تَظُن أنَّها سَتَقْضي عليه في ثوانٍ و بسُهولة و من ثُمَّ تَعود لها هارِبةً..ارْتَفَع حاجِبه بثِقة تَجَلَّت في عَيْنيه..لم تَعْرفيني بَعْد مَلاك..،بسُرْعة و قَبْلَ أن ينتبه لهُ أَحَد أَوْقَفَ المُحَرّك قَبْلَ أن يتناول المِفْتاح منها..أَقْفَلها و لم يَنْسَ أن يَأخُذ حَقيبتها ليَعُود إلى شِقّته دون أن يُلْفِت النَّظَرَ إليه..،هُناك فَوْق الأريكة اسْتَراح جَسَده و الحَقيبة تَسْتَقِر في حُظْنه..فَتَحها مُباشرة و كأنَّها شَيْئاً يَخصّه..حَشَرَ يَده يُنَبّش فيها عن مُبْتَغاه..ثوانٍ و أَخْرَجها و هي قابِضة على هاتفها..قَلَبه بخِفَّة قَبْلَ أن يَضْغَط على الزّر أَسْفَل الشّاشة التي مَرَّر إبهامه عليها ليَفْتَحه..اتَّجَه مُباشرة لتَطْبيق الـ"واتس اب" بحَثَ بين المُحادَثات عن رَقْم والدتها و لكن لم يَجد..و بعد تَقَصّي تَبَيَن لهُ أنَّ هاتِفها غير مُتَوَفّر فيه هذا التَّطْبيق..،مَسَّ بعَفَوِيَّة صدغه بطرف سَبَّابته و هو يَعُود لتَفَقّد المُحادثات..لو كان يَعْرف اسم زَوْجة يُوسف..لكنَّها ليست مُشْكِلة..ببساطة سَمَح لنفسه بالدُّخول إلى المحادثات..اسْتَغْرَق الأَمْر عِدَّة دَقائق قَبْلَ أن يَقْرأ في إحْداهن اسْم يُوسف..رَفَع عَيْنه يَنْظُر للإسم...حُـــور..أَلْقى نَظْرة سَريعة على الحَديث السَّابق ليَتَأكَّد قَبْلَ أن يَنْتَقِل لخُطْوَته التَّالية..أرْجَعَ ظَهْره للخَلْف و من ثُمَّ زَحَف بهِ بخفَّة بجَلْسة أَقْرَب للإسْتلقاء..رَفَع الهاتف أمام و وَجْهه و هُو يَمْسكه بثَبات بكلتا يَدَيه..عُقْدة خَفيفة احْتَلَّت ما بين حاجبيه..و بتَرْكيز تَحَرَّك إبْهاماه ليَكْتب حُروفاً أَمْلاها عليه عَقْله المُدَبّر..دَقيقة و اخْتار خِيار الإرْسال لتَصِل الكَلِمات إلى حُور الغير مُتواجدة حالياً..عادَ و قَرأ ما كَتَبه

"حُور..قولي لأمي ما راح اجي على الغدا..زَميلة معاي عازمتني على بيتهم أنا و زميلاتي..و يمكن اتأخر..اذا اتصلتون و ما رديت يعني إنّي في الإجْتماع"

خَرَج من التَّطْبيق و البُرود لم يَبْرح ناصِية حَواسه..أَغْلَقَ الهاتف ثُمَّ تَرَكه على الطَّاولة بجانب الحَقيبة..وَقَف و هو يُواسي سُتْرته عند خصره من الخلف،قَبْلَ أن يَخْطو مُغادِراً الشِقَّة..حَيْث في المَرْأب اسْتَقَرَّ جَسَده بين مُوَظَّفيه مُتَجاهِلاً تلك التي ارْتَسَم جَسَدها فَوْقَ سَريره..و تَغْلَغَلت رائحتها بين ثَناياه الدَّافِئة..،

،

يتبع




 توقيع : إرتواء نبض



رد مع اقتباس