عرض مشاركة واحدة
قديم 02-21-2020   #2


الصورة الرمزية إرتواء نبض

 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 2 يوم (08:46 AM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11618
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : لا استخدمه My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي





كانت تَرتدي قِرْطاها أَمام المرآة عندما دخل الشقة.. تَركت الغرفة وهي تُلْبِس أُذنها القرط الألماسي الصَغير.. كان يقف وَسط غرفة الجلوس يُحادث والدته في الهاتف: ما عليه.. مو مشكلة يُمّه "صَمت يَستمع إليها ثُمَّ عَقَّبَ" عادي يُمّه ما فيها شي.. بقول لها "صَمتَ من جَديد ثُمَّ واصل بعد ثواني" إن شاء الله.. طمنيني.. مع السلامة
أَخْفَضَ الهاتف ثُمَّ نَظَرَ لشاشته وهو يَزفر من شَفتيه بوضوح.. رَفَعَ رأسه لها فاقتربت منه وهي تَفهم من عَيْنيه أَنَّهُ سَيُحادثها.. وفعلاً عندما اسْتَقَرَّت أَمامه قال وهو يَتحاشى النَّظر إلى وجهها: هذي أمي.. تقول إن تكنسلت الشوفة
عُقْدة حاجِبَين خَفيفة واسْتغراب: ليـش؟
بتنهيدة وهو يتراجع ليجلس على الأريكة: تقول فيصل تعرض لحادث ونزف.. وكانت معاه جنان وتبهذلت تبهذل المسكينة
شَهقة خافتة فَرَّت منها أَتبعها سؤالها الخائف: صادها شي جِنان؟
حَرَّك رأسه: لا.. الحمد لله هي ما تضررت.. بس على حد قول أمي إنها مصدومة واجد ورافضة تطلع من غرفتها.. عشان جذي اضطرت تعتذر من الجماعة "أكمل بخفوت وعيناه اسْتَعد الغَبش لالتهامهما" شكلها خافت عليه.. واجـد
لَم تُعَقِّب.. حَمدت الله في سِرّها بأنَّ جِنان لَم تَتضرر، وبأن يكون ضرر فيصل بسيط. نَظَرت لزوجها.. راقبت ملامحه وهي تَستحيل جَليدًا يُصْعَب كَسره أو حتى إذابته.. تَأمَّلت عَينيه وانطوائهما.. أَصغت لصفير أَنفاسه المُرْهقة.. ولاحظت انقباض وانبساط يده المَجروحة. اسْتدارت لتخطو بهدوء عائِدة لغرفتها.. دقائق وعادت وهي مُحَمَّلة بعلبة مُطَهِّر.. مرهم خاص بالجروح.. شاش.. قطع صغيرة من القطن.. وشريط لاصق؛ وقَد جَمعت شعرها عند قِمّة رأسها حتى لا يُضايقها. جَلَست بجانبه فالتَفتَ إليها ببصر زائغ.. رَكَّز في الذي بَين يَديها.. وقَبل أن يَستوعب غافلتهُ اللسعة التي تَسَبّبَ بها المُطَهِّر.. تأوّه ويده بردة فعل طَبيعية نَفَرت عن قطعة القطن التي حوت المُطَهِّر.. هي انتظرته حتى تفاهم مع الأَلم ثُمَّ عادت وأَمسكت يده لتنظف الجِرح جَيّدًا وهي تَتحدث بصوت هادئ قريب من الهَمس: أنا ما صار لي مدة طويلة أعرفكم.. أَقصد عايلتك.. أمك وأبوك وأخوانك.. بس قَدرت ألاحظ بعض الأمور.. أو عشان أكون صريحة.. اضطرتني المواقف إنّي ألاحظ بعض الأمور "تناولت المَرهم.. أزاحت غِطاءه ثُمَّ بدأت تُبَرّد الجرح بوضع القَليل منه بأطراف أصابعها وهي تُواصل حَديثها" ومن الأمور اللي لاحظتها حال جِنان.. ما أقدر أجزم.. بس أقدر أكون متيقنة بنسبة قوية إنها تعاني.. واجد تعاني.. تحتاج إنها تتكلم وتفضفض.. تحتاج أحد يدلها الطريق ويوصلها له.. مو بس يعطيها إشارات "وهي تَلف الجِرح بقطعة الشاش" تحتاج تسمع صوت غير صوتها عشان تعرف تقرر صَح "ثَبَّتت الشاش بالشريط اللاصق" ومن كلامك وكلامها فهمت إن قبل سفرك كانت علاقتكم غير عادية "رَفعت بَصرها إليه مُرْدِفة" فأعتقد حديثك معاها راح يكون مُفيد
عَقَّبَ بخفوت وهو يُمْسِك يَده المُعالَجة: اللحين احنا مو مثل قبل.. تغيّر الوضع
بذات النبرة نَبَّهته وهي تُشْبِك عَيناها بِعَيْنيه: لا ما تغيّر.. للحين هي إختك وإنت أَخوها
أَشاحَ عنها وعُقْدة انزعاج تَتَوَسَّط حاجبيه: ما راح تتكلم
حَرّكت كتفها: جَرّب.. لو ما تكلمت اللحين بتتكلم بعدين.. لأنها لقت الاهتمام "ابْتَسَمت له وهي تُرْدِف بهمس ونظرة حاذِقة" ويمكن هذا الشي اللي كانت فاقدته واللي كان سبب في تخبّطها " كعادته أَحنى كاهِل رُوحه بِثقل الكلمات ولَم يُفْصِح عن أي كَلِمة.. دَعَكَ صدغه وهو يَنظر للأمام.. فواصلت هي الخوض في غِمار ذاته واحتضنت يَده بكلتا يَديها وهي تَسْتَطرد" حاول ما تستخدمها جم يوم عشان لا تجهدها.. أنا بطهّر الجرح وبحط لك مرهم وبغير الشاش كل يوم
هَمَسَ وهو يَنظر ليده: شُكرًا
تَساءلت دون أن تُحَرّرها من دِفئها الكَثير على فقده: ها.. بتروح؟
نَظَرَ لها بعقدة حاجبَين: اللحين!
أَكَّدت: اي اللحين.. هذا أفضل وقت
شَرَح الوضع: بس أمي تقول ما تبي تشوف أحد
ابْتَسَمت: ما عليك.. هذا حجي بس.. الصدق هي تبي أحد يتجاوز أمرها ويثبت لها أنها شي مهم
وهو يُجاهد نفسه لألا تُسْهِب في تأمّل ملامحها المُتزينة بنعومة بسيطة: إنتِ جذي تقولين؟
هَزَّت رأسها بثقة: ايــه "غَمَزت لهُ بشقاوة وابْتسامتها المَعهودة تُداعب شَفتيها" صَدّقني راح تشكرني بعدين
ابْتَسَمَ بخفّة وعَيْناه تَسْتَجيبان لنداء الشَّفَتين.. تَعَلَّقَ بصره بهما والتَّرددُ حاديه.. مَطليتان بلون زَهري على ما يعتقد.. وكأنَّ بتلة من زَهْر قَد ذابت فَوقهما. هي المُلتفتة إليه بجُل حَواسها لَم تَفتها النظرة التائقة.. انتفضَت دواخلها وتسارعت نَبضاتها واحْمرارٌ طَفيف شَعرت بهِ ينزح إلى وَجْنتيها. كَسَرَ نَظرته ثُمَّ وَقَفَ وهو يقول: اللحين بروح
نادته قَبل أن يخرج: لحـظة محمد
اسْتدارَ إليها بنصف جَسده: تبين شي؟
أَجابت وهي تمشي إليه: اي.. أبي أقول لك شي
اسْتَفسَر باهتمام: شنو؟
أَشارت إليه ليقترب: تعال
ابْتَسَمت وهي تَرى كَيْف قَرّب رأسه منها بِحَذَرٍ يُثير الضّحك.. دَنَت منه لتهمس في أذنه: ترى.. من أول يوم دخلت فيه الشقة وأنا زوجتك.. ما صدر منك أي شـي يضايقني أو يضرني
وقَبْلَ أن يَسْتوعب عَقله معنى الذي قالته.. أَرْخَت يَدها فَوْقَ صدره، وببالغ النّعومة قَبَّلت زاوية شفته.. قُبْلة قَصيرة.. رَقيقة.. ومُلْهِبة. ابْتَعَدَت قَليلاً ليَتسنّى لها النَّظر لوجهه السابح فيه الذهول وعدم التَّصديق.. اتَّسعت ابْتسامتها وهي تُناديه: محمـد
رَمَشَ بانتباه وأطبق فَمه الفاغر وهو يَتنحنح.. اعْتَدل في وقوفه وببصرٍ هارب: نعـم؟
تراجعت للأريكة وَوَسط مُقلتَيها رَقَصت رَغْبة انجَذَبت لها ذاته المُحتاجة: راح أنتظـرك



المَبنى ذاته.. هذه المرة لَم تَطل مُدَّة بقاءَها مثل المَرة الأولى.. يحتاج أن يعرف تفاصيل الساكنين في ذلك المَبنى. أَلْقى الصور بإهمال على المنضدة القَريبة في الوقت الذي دَخلت فيه مُساعدته ومن خلفها ذاك الأبله.. ابْتَسَم بسخرية مُسْتَفِزّة وهو يَتأمَّل ارْتباكه وتعرّقه المُبالغ فيه.. أَشارَ له ليجلس ثُمَّ أَشار لمُساعدته بالخروج. ذاك الأبله سأل بتأتأة: عمّـ ـي.. قلت.. قلت.. تبيني
ببرود وهو يُشْعِل سيجارة: ايــه
وهو يَعبث بأصابعه: خــخــ.. خيـر عمّي؟
أَلقى عليه سَهْمٌ حاد: خيـــر! إنت يجي منّك الخير؟
وأنفاسه تكادُ تَنفد من الرُّعب: شــ ..ــسويت.. عمّي!
بحدّة: يوســف.. أشوف وضعه في تحسّن
بَرَّرَ: مو بإيدي عمّي.. صدقني مـ
قاطعه بتهكّم: لاا؟ مو بإيدك؟ بعد ما لهفت الفلوس قلت لي مو بإيدك؟
وهو يَتشبث بالكلمات لِتُعينه: عقب آخر مرة.. دخل فيها.. المستشفى.. صار يشرف عليه أكثـ ..ـر.. أكثر من طبيب.. فما ما أقدر.. إنّي ألعب في الأدوية.. على كيفي.. بنكشف
اسْتَفسر بصوت جهور: وما يصير إنت تشرف على علاجه بروحك؟
نَفى: لا.. اللحين جذي النظام الجَديد
أَمرَه: عطني كل المعلومات عن الأطباء المشرفين عليه.. أبي معلومات بالتفصيــل
هَزَّ رأسه سريعًا وكأنّه قَد تَلَقَّف طَوق النّجاة: إن شاء الله.. إن شاء الله عمي.. ولا يهمّك.. بعطيك كل الملعومات اللي أعرفها
نَفَثَ الدّخان وبنبرة دَقَّت ناقوس حَذره: اللي تعرفها واللي ما تعرفها
بلهاث مُثير للشفقة والازدراء: إن شاء الله عمّي.. على راسي



فَتَح الباب لِتَلتقي عَيناه مع العَيْنَيْن اللتين يَنسلخ ضِعفه تحت أهدابهما عن كبريائه المَزْعوم.. هَمَسَ بعِتاب عندما فاضت على وَجْنَتيها دُموعٌ أَرْهَبت ضَميره: يُمّـه عـاد لا تصيحين وتعورين قلبي "وَقَفَ أمامها ثُمَّ أحاط كَتفيها بذراعه وهو ينحني لتقبيل جَبينها قَبْلَ أن يُرْدِف بابْتسامة شاحِبة" شوفني يُمّه.. ما فيني إلا العافية
أَخذت يَده تَمسح دُموعها، أمّا يَداها هي فَقد قَصَدت جَسده باحِثةً بحواس أُمومتها عن وَجَعٍ وَجِرح.. وبهمسٍ مخنوق: حَبيــ ـبـي.. إنت بخير يُمّه؟ ما فيك شي؟ ما يعورك شي؟
شَدَّت على كَتفها: والله يُمّه ما فيني شي
مَسَّت جرح جبينه من فوق الضمادة وبصوت مُتَهَدّج: يا بعد طوايفي.. فيني ولا فيك
قال بسرعة: اسم الله عليش يُمّه.. لا تقولين جذي.. الحمد لله جت خفيفة
تَمْتَمت بَعد أن قَبَّلت كَتفه: الحمد لله "رَشَّحت صوتها لِتَسْتَفسر" كلمت زوجتك؟ اتصلت فيني تسأل عنّك تقول تتصل لك وما ترد
أَجاب: اي كلمتها.. بس ما قلت لها عن شي.. بس قلت لها انشغلت مع أبوي.. ما أبيها تخاف
تنهّدت بتعب وهي تُشير للأعلى: جَنى بالغصب رضت تنام.. سألت عنك وعن أمها يمكن عشرين مرة.. جنها كانت حاسة إنّي أجذب عليها بالأعذار
عَلَّقَ بعاطفة: بعد عمري.. بركب لها بعد شوي "وبتساؤل" وين أبوي؟
رَدَّت وهي تجلس على الأريكة بارْتياح: صار له فترة يحوس في الحوش.. ما شفته؟
أنكر: لا "وبتفكير" يمكن ورا البيت "وهو يتراجع للخلف "بروح أشوفه
تجاوز الباب الداخلي لباحة المنزل الخلفية.. وهُناك عند المَخزن الكبير التقى بوالده الذي قال بنبرة ناقِعة في التَّهكم: الحمد لله على السلامة يا مُديـــر
وَقَفَ أمامها وهو يَحشر كَفّيه في جَيبي بنطاله: الله يسلمك
دون أن ينظر إليه وهو يُفرغ السّماد في الأصائص الصغيرة: هــا.. شخبارك بعد حادث السرقة الخطير؟ خسرت ثروتك كلها لو تلاحقت على عمرك؟
ابْتَلَع كلماته للحظات يستوعب فيها مقصده قَبْلَ أن ينطق بسؤال: قالت لك نور؟
نَظَرَ إليه وحَول أَجْفانه رَفْرَفت السُخرية: ما يحتاج تقول لي.. الخطة الطفولية واضحة.. يعني شهالصدفة اللي خلت المراهقين يجون يبوقونك ليلة شوفة بنت عمتك! ولا.. بنت عمتك نفسها كانت الوحيدة اللي معاك!
حَرّك كتفيه يدّعي البراءة: بعد صار اللي صار
حَمَلَ الأصائص ثُمَّ اقترب إليه ناطِقًا ببروده الحـاد: وعدتني إنّك ما راح تضرها
قال سَريعًا: ما ضريتها.. ما صار فيها شي.. بس أنا اللي انجرحت
ارْتَفَع حاجبه وفي عينيه لوَّح سَوْطٌ لاسع: يعني لازم يسيل دمها عشان يحس ضميرك ويوتعي؟ تراها نزفت واجـد.. بس من داخل.. إذا واصلت على استهتارك وأنانيتك بيجي يوم وبتشوفها جامدة.. الإحساس كله بيكون مات فيها بعد ما استنفذت كل دمها
تَحَرَّكَ والده فَلَحِقه وهو يَجُر معه رُوحه التي أَفزعتها كلماته.. ناداه وهو يُشاهده يَصُف الأصائص على جانبي الباب: يُبـه
رَدَّ بانزعاج: شتبي؟
وَقَفَ أَمامها وسنوات عمره الثلاثة وثَلاثون تَقَلَّصَت إلى عَشْر.. هَمَسَ بخواء وقلّة حيلة: شسوي؟ قول لي شسوي؟
وَقَفَ أمامه وبتنبيه: ارجع لعقلك
أَفْصَح مُعرٍّ بذلك ذاته: ما أقدر.. عقلي ضاع مني من ضاعت هي من بين ايديني
وَخزه بلا رأفة لعلّه يَفيق من غفلته: إنت اللي ضَيّعتها.. كنت تقدر تزعل منها وتعاقبها وتخاصمها وهي عندك وزوجتك
وَضَع يَده فوق جَبينه بهيئة الحيرة والتيه: كنت مصدوم يُبه.. مصدوم ومجروح.. كنت معاها ألمس الجنة.. بعد اللي شافته عيوني حرقتني النار وأرمدت كل شي فيني وحولي
عَقَّبَ ببساطة: كل شي له حل.. حتى الرماد مُمكن إنّه يستحيل إلى ألوان مدامكم مع بعض
أَلقى ثقل جَسده المُتهالك على عَتبة الباب.. هَمس بإغماضٍ يُترجم الانهزام وهو يَحني ظَهره ويُمَرّر أصابعه بين خصلات شعره: بس اللحين احنا مو مع بعض.. وما راح نصير مع بعض.. يعني الرماد راح يبقى رماد.. والجنة من بعد ما ودعتنا.. ما راح يكون لنا معاها لقاء
شارَكه والده الجُلوس وهو يَنفض يَديه من بقايا السّماد.. يُراقب السّماء وهي تَتَسربل بغلالة زرقاء داكِنة مُرَصّعة بنجومٍ ساهِرة.. ويَتَسَيّدها قَمَرٌ لَم يَفتأ أن يُضيء عتمة الأرواح الحائِرة. التَفتَ لابنه عندما تساءَل بخفوت: حددوا الملجة؟
أجابَ بكلمة واحدة: لا
أَخفض يَديه عن رأسه ليرنو إليه باستغراب: ليش؟
باختصار وهو يَترقَّب ردّة فعله: لأن ما تَمّت الشوفة
ارْتَجَفَ قلبه بلهفة تُثير الشفقة.. ومن عَيناه هَتَفَ انتصارٌ أَعرج.. فَتحَ فَمه يَبحث عن كلمة تُعبّر لكنّهُ أطبقَ شَفتيه بعد ثوانٍ بافتقار.. ضَحَكَ بخفّة وهو يلتفت عنه ويمسح جانب وجهه.. وكأنَّما يَمسح غُبار الحَرب التي رَبحها بعد أن راوغته الخَسارة. ازْدَردَ ريقه وهو يُحاول أن يُخفّف من بهجته.. فَلم ينتهِ الأمر بعد.. فحتى لو لَم تكن لنادر هذا فَقد تكون لغيره.. ارْتَعدت فرائصه عندما خَدَّرت أحلامه هذه الحقيقة.. شَخَبَت الضحكة من وجهه شَيئًا فشيء لتحل محلّها وِحْشة قاتِمة تُثير الكآبة. هَمَسَ برأسٍ مُنَكَّس وهو يَنظر لأرضٍ أمَست قَبْرًا لحُبّه وأحلامه: إذا ما كانت له.. بتكون لغيره
هَمْهَمَ والده يُؤيّده قَبْلَ أن يَكشف عن سؤال غير واضح المعالم: جم حسابك في البنك؟
التَفتَ إليه بلا استيعاب وعُقْدة مُسْتَنكِرة تَوَسَّطت حاجِبَيه: شنـــو؟
كَرَّر: جم حسابك في البنك؟ جم عندك فلوس في البنك؟
وهو لَم يَستطع أن يَفهم ما يرمي إليه: وليــش!
بلا مُقَدّمات وبلا عَطْفٍ على ذاته الفاقِدة أَجابَ لِيرفع رُوحه لباب الجَنّة التي طُرِد منها: عشان أعرف.. يكفي اللي عندك مَهر لها ولا أساعدك



طَرَقَ الباب ولَم يأتِه جَواب في المرّتين.. وفي الثالثة حَلَّقَ إليه صَوْتٌ بِجناحٍ مَكسور: خلــ ـوني بروحي
كان سَيُلَبّي الطَلب وسَيتراجع.. ولكن كلمات زَوجته عادت وحَفَّزته للدخول إليها وإن كانت رافضة.. لذلك فَتحَ الباب بهدوء فَلفحه هواء المُكَيّف البارد المُخترق الظلام المُصْمَت.. الجَو مُعْتَدِل.. لا يَعتقد أَنّهُ يَستدعي حرارة مُنخفضة لهذه الدرجة! أَغلقَ الباب وهو يَتحسس الحائط بجانبه.. فتحَ أوَّلَ زِر لامسته إصبعه.. فأُضيء المصباح المُسْتَقِر بجانب سَريرها.. انتبه إليها وهي تدفن وجهها في الوسادة وتَسحب اللحاف لتُغطّي رأسها.. هَمَسَ وهو يقترب: جِنان.. أنا محمد
الْتوى عِرْقٌ ناجٍ وَسَط قَلبه من نَحيبها الذي اعْتلى.. جَلَسَ بجانبها وهو يُحاول أن يُبعد الغطاء عن رأسها: قومي جنان
نَطَقت بصوت مَكتوم قَد ابتلعت نصفه البحّة: مابي مــااابي.. خلوني بروحي
اسْتطاع بسبب قوته أن يُزيح الغطاء عنها.. أَبعدَ خصلاتها عن جانب وجهها بيد وبالأخرى أمسك كتفها بَحنو.. طَلب منها بلُطف: طالعيني جِنان.. طالعيني حَبيبتي
تَضاعف بُكاؤها والنَّحيبُ غارَ في صَدرها حتى اتَّسعَ عمق الفَجوة التي تَنتحر عندها الأَنفاس.. أَمسكها بكلتا يَديه.. وبشدّة بسيطة رَفعها حتى تَصطدم عَيْناه بلوحة البؤس المُحتكرة ملامحها.. هَمَسَ بانشْداه عارم: جِنــان! ليش جذي؟ ليش جذي مسوية في نفسش!
أَصدرت إشارات آمرة لأطرافها لِتَتمَلَّص من قَبضتيه لكنّ كُل الذي صَدر منها كان حَركة لحظية وَهِنة.. بالكاد استشعرها مُحمّد.. هَمَسَت وهي تَهرب بعينيها عن عَينيه المُتَفَحّصَتين: خلنـي.. خلني محمد
قَرَّبها منه وهو يقول بحزم: لا.. ما راح أخليش "رَفع رأسها يُرغمها على النظر إليه ويهو يُكمل" ما راح أخليش تفهمين؟ تبين تصيحين صيحي على جتفي
أَغْمَضَت بأسـى وماضيها استعان بلسانها ليَحكي عن الثَغرة التي هَرَبت منها كُل أحلامها: ليــتك جيت لي حزّتها.. يوم كنت محتاجة لجتفك.. ليـتك ما رحت أصلاً! "مالَ رَأسها على كَتفه وهي تَسكب دُموعًا كان لها عُمران.. بعضها وُلِد اليوم.. وبَعضُها وُلِد قَبْلَ أعوام. بتنَشِّقٍ هَمَست وهي تَنظر لمَسير حَياتها الاعتباطي" تعبــ ـانة.. أحس إنّي واقفة على حافة الموت.. ضايعة.. أدور على طريق يرجعني له.. بس ما في حواليني غير الموت.. أحس إنّـي.. حتى مو كفو أربي بنتي
لامها وهو يَشدّها إليه: جِنان شهالحجي؟
مَسحت بظاهر كَفّها الدمعة التي اتَّكأت فوق أنفها وهي تقول: والله.. لو بنتي تطّلع على الماضي بطيح من عيونـ ـها
نَهرها: كفاية جِنان.. كفاية جلد لذاتش
باهتزاز صَوت: أسـ ـتاهـ ـل "شَهَقت ثُمَّ واصلت بحُرقة" شوَّهت مراهقتي، وبغلطة سخيــفــ ـة هدمت حياتي مع زوجي.. واللحيــ ـن.. بكل غبـــاء وافقت على تشويه حاضري ومستقبلي
سَأَل وهو مُتَيَقِّن من الجواب: للحين تحبينه؟
ابْتَسَمت بشحوب وهي تُجيب بوَجْسٍ مُسْتَسلم للاعتراف: أنا عايشة على حُبه محمد.. هو يميني ويساري.. كل ما التفت ألقاه.. حتى بنتي.. أغلى مخلوق في الدنيا.. قطعة منـه.. وين ما رحت ووين ما شردت عنه ألقاني أرجع له.. شســوي! "رَفعت نفسها لتنظر إليه باسْتجداء" قول لي محمد؟ شَســوي؟!
سَألَ وهو يَتشرب بخطوط كفّيه صَبيبها: إنتِ شتبين؟
هَمَسَت والتَّرَدّد يؤطّر أجفانها: ما أدري
احْتَضَن وَجْنتيها وبتَشجيعٍ حَنون: قولي جِنان.. لا تخافين.. ما راح أحكم عليش.. إنتِ حرة في تمني اللي تبينه.. حتى لو حسيتين إنّه غلط أو بيثير حفيظة اللي قدامش
بِشَفَتين مُطْبَقَتَين حَرَّكَت عَدَستيها على وَجْهه تَبحث عن الصِّدق.. وَوجدتهُ هُناك.. في مهْد نَظراته.. وبَين أحضان ابْتسامته المُتَطَلِّعة لإصلاح الخَراب.. تَمَسّكت بِكَتفيه وكأنَّما تَتمَسّك بآخر أَمل للنّجاة من حافة المَوْت الحَتمي.. سَطَع الدّمعُ وَسطَ المُقلتين.. احتراقٌ اشْتَعَلَ في أنفها.. شَيءٌ يشبه الفَرقعات وَمَضَ في فكّها.. وَغصّة تَكوّمت على نفسها ألف مرّة حَرجًا من الحَقيقة التي آزرها شَقيقها لكشف الخِمار عنها؛ قَد انتصفت حَلْقها.. هَمست في الوقت الذي عَزفت فيه الدّموع لَحن الأُمنية المَكسورة: أبــ ــي.. نرجع.. أنا وهو.. مع بعض.. نربي بنتنا.. ما في أحمد ولا نادر.. وما في ياسمين.. بس أنا وهو وَجنى.. أنا أنسى وهو ينسى.. والله.. والله أقدر أنسى جرحي منه مدامني بكون معـ ـاه.. والله! "تَقَوَّسَ حاجِباها ومن قَلبها المُلتاع ارْتفع سؤال" عادي يصير هالشي؟ عادي ولا مُستحيــ ـل؟
طَرَدَ جُثث الدّمع عن خَدّيها.. أزاحَ خصلاتها الذابلة عن وَجهها.. قَبّلَ جَبينها ثُمَّ رَبَّت على الوَجْنَتين بإبهامَيه، وهو يُجيب بنبرة أَرغمتها على الالتفات للضّفة الأُخرى حيث تَستقرالنّجاة: عــادي.. ما في شي مُستحيل على رَب العِباد.

،

عاد إلى منزله في تَمام الساعة الحادية عَشر لِيَجدها مُسْتَغرِقة في النَّوم على الأريكة الطَّويلة.. ابْتَسَمَ وهو يَتَأمَّلها.. ساقيها مَطْويتان وثوب نومها القطني قَد انحسَر قَليلاً كاشِفًا عن جزء من فَخذيها.. خصلاتها حُرّة من ربطة، وقَد تناثرت ببعثرة ساحِرة حول وَجْهها المُسْتَكين.. يَد تحت خَدّها والأخرى قَد تَدَلَّت لخارج الأريكة ومن أسفلها على الأرض قد استقرَ جِهاز التّحكم الخاص بالتلفاز.. الْتقطهُ من الأرض ثُمَّ أغلق التلفاز قَبْلَ أن يضعه على المنضدة. اقترب منها وعيْناه لَم تُفارقانِها.. سِحرها أَبدي.. مُخَلَّد أَثره في الرُوح والذّاكرة. انحنى بهدوء وهو يَضع ذراع أسفل عُنقها، وذراع أسفل رُكبتيها.. وبخفّة حَملها ليمضي بها إلى غُرفتها.. حُيثُ هُناك أَراحها فَوْق سَريرها الوَثير.. اسْتدار ليقصد زِر المُكَيّف لكنَّ رَبيعها الدّافئ أَوقفه.. التَفتَ ليَدها التي عانقت ساعده قَبْلَ أن يرفع بصره إليها.. ابْتَسمت إليه وهي تَهمس بنعاسٍ شَهي: آسفة.. نمت وأنا أنتظرك
بادلها الابتسامة ونبضه يُعاقب قَلبه الجَبان: لا عـادي
شَدَّته بخفّة وكأنّها تدعوه للجلوس وهي تَتساءَل: شنو صار؟
استجاب لها وجَلسَ على السَرير أمامها.. تفصلهما مَسافة أمان.. وهو يُجيب بذات الابتسامة: الحمد لله.. صاحت واجد.. بس حسيتها ارتاحت.. خصوصًا بعد ما تكلمت.. وكأن حِمل ثَقيل انزاح من على ظهرها "ضَحَكَ بخفّة" مشكـورة
عَقَّبت بموَدّة: حاضريــن. الحمد لله.. أهم شي ارتاحت.. وااجـد تَمــام
أَوْمأ برأسه: الحمد لله
نَظَرَ لها وفي عَيْنيه حَديث استطاعت بخبرتها البسيطة أن تُبصره.. لكنّه أَسرع وأشاح عنها ليُخفيه كعادته.. لذلك زَحفت على رُكبتيها حتى قَلَّصَت المَسافة إلى ما يُقارب الصِفر وبهمس رَقيق: تبي تقول شي محمد؟
عَضَّ على شَفته قَبْلَ يَكشف عن ضحكة قَصير مُحْرَجة.. ضَيَّقَ عينَيه وهو يدعك صِدغه.. قَبْلَ أن يَنظر إليها ومن شَفتيه لَم تَغِب الابْتسامة.. هَمَسَ بعد فترة: يصير أسأل سؤال؟
باهْتمام واضح: أكيـد يصير
حَكّ ذقنه وأخفض بَصره.. ثُمَّ عاد ورَفعه مُفْصِحًا: ليش ملامحش هالكثر ناعمة؟
هي التي لَم تَتوقّع سؤاله أبدًا ضَحكت باستغراب وبتلّات خَجل بدأت بسَقي خَدّيها.. وبجواب وحيد: مـا أدري!
ويُمناه تَشَجَّعت لِمَسِّ قطعة من البَذخ المَخلوقة على هيئة وَجْنة: واجــد ناعمة.. يمكن أنعم ملامح شفتها في حياتي كلها!
سَألت بعقدة خفيفة وهي لا تزال تبتسم: يعني مو حلو؟
تداركَ: لا امبلى.. حــلو.. واجــد حــلو... بـس "تَغَضَّنت ملامحه باستعطاف وهو يُعَبّر بكلمات بَريئة" يتعّــب
اسْتَنكرَت بضحكة والخَجل يَكاد يَفيض منها: يتعّب! شلون يعني؟
مَسَّ أنفه بظاهر سَبّابته وهو يَعتدل في جُلوسه مُحاولاً شَرح إحساسه: حلو بس مُرْهِق.. يعني نفس الشي اللي يحبه القلب بس يتعبه في نفس الوقت "هَمْهَمت وهي تَزْدرد ريقها بصعوبة وتُصغي لطُبول نَبضاتها.. وهو يواصل شرحه بإسهاب لَطيف" يعني لو غَضّيت البَصر أو أطلت النظر بتعب.. التعب في كل الأحوال هو النتيجة
أَرْخَت طَرفها لتهمس بنبرة أَرْجفت ذاته: يَمـكن.. لأنّك حـارم نفسك.. وتقسو عليها.. فتتعب!
هَمَسَ باستفسار وهو يَشعر بقُرب انهيار أنفاسه: يعني.. قصدش.. أنهي الحرمان؟
أَكَّدت وصوتها يَكاد يخبو من فَرط الخَجل المُتّخِمة منهُ حواسها: ايــه.. ترى في ايدك نهاية تعبك
اقْتَرَبَ منها وبِيَديه رَفعَ قَمرَ وَجْهها ليَرتوي من النَّظر إليه: ومـا في خُوف؟
هَمَسَت بأهدابٍ تُلَملم بتحليقها النَّظرات الشاردة: ما في خُـوف
أَحاطَ عُنقها بكلتا يَديه.. اقْتَرَبَ سامِحًا لذاته باستنشاق أَنفاس الحياة الوالدة من رُوحها النّقية.. التَقَت العَين بالعَين.. ابتسَم القَلبان قَبل الشَفتين.. أَرْخى جَبينه فَوْقَ جبينها وهو يَسْتشعر بجميع حَواسها خطوات أصابعها على جانب وَجْهه وبين خصلات شعره.. مالَ رأسه وبشوق كُل ليالي الفَقْد قَبَّلها.. مُسْتَقِلًّا بذلك السَحابة التي حَلَّقَت بهما لسماء جَديدة تَشرع أبوابها من أجل اللقاء الأوَّل.. حيث تعانقت الرُّوح بالرُّوح.. لتغتسلان من ماء الأغادير العَذبة.. وتَنفضان عن كَتِف الحُب غُبار الانتظار.. وترتشفان من شُعاع الأملَ الذي ضَلَّت الذَّات طَريقه لأعوامٍ طَويــلة.


 توقيع : إرتواء نبض




رد مع اقتباس