عرض مشاركة واحدة
قديم 02-11-2020   #3


الصورة الرمزية إرتواء نبض

 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ يوم مضى (08:16 PM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11617
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : لا استخدمه My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي





أَبْصَرَت الدُّنيا من عَيْني صُبْحٍ باهِت.. فالخَريفُ قَد حَلَّ ضَيْفًا بالكاد يُرى وَيُحَس به.. فهو مُكَبَّل من قِبَلِ صَيْفٍ يَرفض النّزوح وشِتاء يأبى الاستسلام.. كان الجَو المُتَذَبْذِب يُشْبِه حَياتهما المُهْمَلة فَوْقَ حَبْلٍ رَهيف.. خُيوطه تُنازع انْقطاعٍ حَتمي قَد يُلْقي تلك الحياة في مُنْحَدَرٍ تَسْكنهُ صُخورٌ مُسَنَّنة، الله وحده يعلم عُمق الجِراح التي قَد تُسَبّبها. للتو دَخلا شِقتهما القابِعة في حَيٍ حَديثٍ وراقي.. شَهر العَسل لَم يَكن شَهرًا بل كان خَمَسَة عَشَر يَومًا فَقط.. فهو قَد تَحَجَّجَ بالمَصْرِف وبضغط العَمل وبابْنته أيضًا.. وإنما في الحَقيقة هو قَلَّص أيَّام انْفرادهما لِيَنجو بنفسه من نفسه.. من ذاته.. من تَخَبّطه ومن شجاعته المُكَبَّلة.. نعم هُو جَبان.. قَلْبهُ أجوف من كُل شيء عَداها تلك.. أُنثى عُمره. تَرَكَ الحقائِب في غُرفة الملابس.. نَظَرَ لساعة رِسغه وهو يُدَلِّك صِدْغه بِأصابعه.. صُداع يَكاد يُفَجِّر رَأسه.. وكأنَّما اسْمَنت قَد صُبَّ داخله والآن قَد تَصَلَّبَ مُهَدِّدًا بِاختراق جُمْجمته.. كانت الساعة تُشير للخامسة وخَمسَة وأربعون دَقيقة صَباحًا.. عليه أن يَذهب، يَخشى أن يَفته لِقائها.. خَرج من غُرفة المَلابس إلى غُرفة النّوم.. حَيثُ كانت ياسَمين تَسْتَقِر على السَّرير بِسكونٍ غَريب.. حجابها بجانبها.. يَد قابِضة عليه ويَد وَسَط حضنها.. شَعرها مُسترسل على كَتفيها وَظهرها.. وَعيناها مُتَرَكِّزتان على نقطة مُعينة.. نقطة هو يَعلمها ولكنّه يُكَذِّب على نفسه ويَنكر معرفته بأساسها.. تَنَحْنَح وهو يَقترب منها.. رَمَشَت ببطء نِصفهُ برود دُون أن تَلتفت إليه.. وَقَفَ أَمامها شاهِدًا على بدايات انْكسار هُو فاعله.. تَنَهَّدَ بلا صَوت وَقَلبه قَد أَثَقلهُ الشحوب المُشاغب نُعومتها.. هَمَسَ ناطِقًا باسْمها: ياسميـن
رَفَعَت بَصَرها إليه وبابْتسامة مُطْفَأة: نعم
كَشَفَ هذه المَرَّة عن تَنهيدته وهو يُمْسِك بذراعها لِيَشدها بملق حتى تَقِف وتُقابله.. احْتَضَنَ وَجْهها بَكَفِّيه وعَيناه تُقابلان عَينيها بنظرة مُعتذرة: استمتعت واجد في السفرة معاش.. كانت من أحلى السفرات.. والله
هَمَسَت وهي تُقاوِم الغَصَّة: وأنـا بعد.. استانست معاك
داعبَ خَدَّيها بإبهاميه: إن شاء الله نعيدها في المُستقبل
صَمَتت للحظات قَبْل أن تُعَقِّب بنبرة عارية من اليَقين: إن شاء الله
أَحْنى رأسه وبخفّة قَبَّلَ جَبينها.. نَقَل بَصره بَين عَينيها ومَلامحها ثُمَّ قَرَّبَ وَجْهه أكثر حَتى مَسَّ أنفه طَرف أَنفها.. أشاحت وَجهها عنه خَوْفًا على قَلبها.. لا تُريد إحراج جَديد.. لا تَقوى على الاسْتماع لِدَوي انْكسار مِصَباح أمَلٍ آخر.. هَمَسَت برجاء والغَصَّة قَد ابْتَلعت صَوتها: فيصـــل
تَجاهَل نِداءها.. فيُمْناه تَركت وَجْنتها قاصِدةً خِصرها.. شَدَّها إليه لِيُقرِّبها وكذلك اقترب هُو.. ارْتَعَشَت وهي تَرى نَفسها مُحاصَرة به بالكامل.. وَقَبَل أن تُفَكِّر في فَكاك نَفسها سَبَقتها شَفتيه وأَحَيَت فيها أَضعاف ارْتعاشها.. لِوَهلة ظَنَّت أَنَّها في حُلم.. حُلم كان قَبلَ لَحظات مُحال الوُصول إليه.. لكنَّ خطوات أصابعه عَلى خَدَّيها وعُنقها.. أَنفاسه المُتَطَيِّبة بعطره.. ومَلمس شَفتيه الأَشبه بِتَقبيل المَطر.. كُل ذلك أَكَّد لها من أنَّها تَعيش الحُلم واقِعًا. ولكن الأحلامُ لا بُد أن تنتهي.. انتهت القُبْلة لا تدري بعد كَم.. فالحِساب فاتَها وهي بَين يَديه.. ابْتَعَدَ عنها قَليلاً، لكن القُرب ما زال شَديد.. فَتَحَت عَيْنيها وهي تَزدرد ريقها بصعوبة.. نَظَرَت إليه والسَّكْرة لا زالت تُغَيِّب بعض حواسها.. هُو هَمَسَ ببصرٍ مُنخفض: ياسمين أنـا.. "أَطْبَقَ شَفتيه للحظة ثُمَّ أكمل" أنا أبدًا مو قاصد جرحش.. أدري.. ما بتفهميني.. بس.. .. بس أرجو منش.. إنش تتفهميني.. شوي الوضع صعب عَلي.. أحتاج منش صَبر.. إنت عارفة بالماضي.. وعارفة عني كل شي.. بس أبي منش شوية صبر.. شوي بس
نَظَرَ لها.. كان وجهها أَحْمَر.. أحمر جدًا.. ابْتَسَم بخفة قَبْلَ أن يقول وإبْهامه يُداعب شَفتها السُفلية: حلو عليش الخجل.. لايق عليش... "صَمَت لوهلة قَبْل أن يُناجي عَيْنيها وبسؤال راج" تقدرين تصبرين؟
تَنَفَّسَت بعمق.. ازْدردت ريقها مرة أخرى.. شَبَكت بَصرها الخَجول ببصره المُنتظِر.. ويَدها ارْتفعت لِتَحْتَضِن برقَّة جانب وجهه.. وبهمسٍ مُبْتَسِم: إن شاء الله
الْتَوى قَلبها بِعَطف للامتنان الذي غَمَر عَينيه.. قَرَّبَ يَدها لِفمه وَقَبَّل باطنها ثُمَّ قال بِصدق: ما بنسى هالشي منش.. أبدًا "تركها ثُمَّ تراجع للخلف مُسْتَطرِدًا وهو ينظر لساعته" أنا اللحين بروح عشان ألحق على جنى "نظر لها" ما بتأخر.. إنتِ نامي وارتاحي "هَزَّت رأسها بالإيجاب فرفع يده مُلوّحًا بابْتسامة" أشوفش
خَرَج هو وتهاوت هي على السَّرير باستسلامٍ تام لفوضى المشاعر الزاعقة داخلها.. أَغمضت وهي تستلقي على بطنها وتدفن وَجهها في الوسادة.. أنفاسها سَريعة وعالية.. جَسدها أصَبَح مَنبعًا للحَرارة والعَرَق قَد بَلَّلها من رأسها حتى أخمص قَدميها.. كُلَّما اسْترَجعت قُبلته في ذاكرتها ارْتَعَشت وكأنَّها تعيشها من جَديد.. بَزَغت من بَين جَميع التباساتها ابْتسامة صَغيرة تَجرَّعها قماش الوسادة.. وهي على هذه الوضعية سَرَقَ وَعيها النَّوم وَقلبها لا زال طَير الحُب يُغَرِّد بَين حُجراته بِنَشوة.

،

ما إن اسْتَقَرَّ في مَرْكَبته حتى فَرَّت من صَدْرهِ آه عَميـــقة، شَعَرَ وهو يُفْرِغها من رُوحه بأن قَلْبه يَخزه.. كأَنَّما يَلومه على خِيانته.. أَغْمَضَ وملامحه تَتَصَدَّع بمُعاناة.. زَمَّ شَفَتيه والقُبْلة تُعاد في عَقله مُضاعِفَةً غَصَّته.. يَشعر بالانْهزام، وكأنَّه قَد اسْتَسلَم بَعد عَدْوٍ ماراثوني اسْتَمَرَّ لِستة أعوام.. تَعبه.. صَبره.. غيرته.. وحبّه المُجنون.. كُل ذلك أَصبح هباءً مَنثورًا.. لا جَدوى من كُل الذي كان.. لا جَدوى.. لَم تَعد جِنان أُنثى رُجولته الوَحيدة.. ها هي تَتَنَحَّى عن عَرشها الذي صَمَدت فَوْقه لأكثر من رُبعِ قَرن! فَتَحَ عَينيه، نَظَرَ للحَياة أَمامه.. السَّماء رَمادية، أَحقًا هي رَمادية أم أَنَّ حَواسه قَد اسْتفرغت أساها فَصَبغتها؟ بَحَثَ عن الشَمس.. ليست هُنا.. لَم يَرَها تَتباهى مثل كُل صَباح.. هُو يَحتاجها اليَوم.. يُريد عنايتها الدافئة وشُعاعها الهادي.. يُريد أن تَتعاقد مع الوُجود لِتَصنع لهُ ظِلًّا يُطَبْطِب على خَسارته.. خَسَرتَ كُل شيء فيصل.. هي كُل شيء لذلك خَسرتها.. خَسَرتَ جِنان... مُجدَّدًا. احْتراق لاسع في عَيْنيه تَبعَتهُ رُطوبة على خَدّه الأيمن.. رَفَعَ يَده بِنَبْضٍ مُتَوَجِّس، مَسَحَ ما بِخَدّه ثُمَّ نَظَرَ لأصابعه.. ذُعْرٌ صَفَقَ جَناحيه داخله.. كانت دَمْعة... دَمْعة!... قَبَضَ يَده يَدَفنها سِرًّا بَين عَيْنه وخُطوط كَفّه.. تَأوَّهَ من جَديد وهُو يَشد خصلات شَعره.. يا الله هذا الوَجعُ ثَقيــل.. كُل الأوجاع الوالِدة من رَحْمِ الجِنان ثَقيلة.. كُلّها يَنخر القَلب ويُعَكِّر ما بَقي من صَفاء في الرُوح.. أَوجاعها نَقيضًا لِجَنَّتها.. أَوجاعها جَحيمٌ مُسْتَمِر.. تُخَلَّد فيه الذات إلى يَوم يُبعثون.. هذه الدمعة التي هَرَبت من عَيْنه كانت صَرْخة في وَجه خيانته.. هُو بِقُبْلته قَد خانَ ذاته.. خانَ رُجولته.. خانَ حُبّه.. وخانَ الطِّفل الذي احْتَفَظت شَجرة بآثار قَدميه اللتان تسَلّقتا جِذعها؛ لِيَقطف التُوت قَبْلَ أن يَموت على شَفتيها. تَحَرَّكت المركبة بَعد دقائق طويلة تَلَوَّى فيها من جَلْد ذاته.. نَظَرَ للساعة وهو يَمسح خدّه بقسوة.. كانت تَقترب من السادسة وخمس دقائق.. رَفعَ عَيْنيه للمرآة.. ازْدَرَدَ ريقه عندما أَبْصَر عُروق حَمْراء تُزَعْزِع بَياض مُقَلتيه.. تَحَسَّس جَيبي بنطاله الأماميين ثُمَّ التفتَ للمقعد بجانبه قَبْلَ أن يَزم شَفتيه بضيق.. نَسِيَ نَظَّارته في الشقة.. لا يُريدها أن تَرى الضعف وهو يَغزوه بسيطرة.. يَرجو أن تُشْفى ملامحه إلى حين لقائها.
كان الطَّريق سالِكًا.. فهو قَد وَصَل للمدرسة خلال ربع ساعة أو أقل.. تَوَقَّفَ بالقُرب من الباب حتى يَتسنى لهُ رؤيتهما حين الدخول... مَدَّ يده للشاشة... اختار له إذاعة القرآن الكَريم.. ثوانٍ وانتشر الصَوْت في أرجاء السيارة.. كان يُصغي للقارئ بانْتباهٍ شَديد وهُو يَمْسح على صَدره، فَوْقَ قلبه المُتَضَخِم من تَكَدّس الوَجع.. يُريد أَمانًا يَرشده للصَلاح.. يُريد أن يَحيا براحة بعينَين تُبصران للأَمام فَقط.. عَيْنَين تَتسامح مَعهما السَّماء وتُهديهما مَطرًا يُوسفيا يُعيد إليهما إبصار اللون وَرَغدَ الحَياة. في حدود السادسة وَأربعون دَقيقة تَوَقَّفَت على بُعد بِضع خطوات من مَركبته مَرَكبتها.. تَفاعَل نَبْضه مُباشرة مع المَشْهد أَمامه.. كانت الضحكة تَشع من وَجهيهما، وحَديثٌ شَيّق يَتِّضح أَنَّهُما تَتشارَكانه بانْدماج.. فهما حتى بَعد أن غادرتا السيارة لَم تَقطعانه.. أَوقف المحرّك بسرعة ثُمَّ تَرَّجَل من سيارته.. مَشى بخطوات واسِعة تجاههما.. نادى جَنى بصوت مَسْموع عندما أَصْبَح أقرب.. احتاج أن يُناديها مَرَّتين لتَنتبه إليه.. وما إن عانَقَت عَيْناها البريئتان وجهه حَتى شَهَقت بمفاجأة وَسعادة.. نَطَقَت بعلو مُتَحمّس وهي تترك يَد والدتها وتجري إليه: بـــابــــا إنت جيـــت
انْحَنى قَليلاً لِيَلتقط جَسَدها النَحيل بيَديه وَيَضمها إلى صدره بقوَّة.. هي بدورها أَحاطَت عُنقه بكَفَّيها الصَغيرَتَيْن بقوَّتها البَسيطة.. ضَحَكَ بانْشراح لكلماتها المُعاتِبة: بـــابا وااجد سافرت... تو ويكندز طافوا وأنا ما شفتك!
قَبَّل خَدَّيها بشوق ثُمَّ قالَ باعْتذار: حَبيبتي آسـف.. آخر مرة أسافر عنش
سَألت لتتأكَّد: مرة ثانية تاخذني معاك؟
بثقة: أَكيــد باخذش حَبيبتي
رَفَعت قَبْضتها الصغيرة بانْتصار: يَـــس
ضَحَك وهو يُداعب أَنفها الصغير بأنفه: بعد قلبي إنتِ

: الحمد لله على السلامة

التَفَتَ البَصَرُ إليها فالْتَقَت العَين بالعَين.. تَقَلَّصَت ابْتسامته ببطء والطَّيف الرَّمادي عادَ يُشاغب ملامحه.. كانت تَبْتسم.. ابْتسامة عادية.. ابْتسامة مُجاملة بتعبيرٍ آخر، كَما يعتقد.. لكنَّها في الحَقيقة كانت تُقابله بابْتسامة حَلَّقت من جَواها إلى شَفتيها.. فهي اشْتاقت إليه.. لا تَستطيع أن تنكر ذلك.. فهي اعْتادت أن تُقابله كُل صَباح عند المَدرسة.. حتى اللقاءات العابرة في منزل خالها أو جدّها افْتَقدتها.. ما كان يُبْقي شَوْقَها على قَيد الثَّبات صَوْته المُنبعث من هاتفها وهو يُحادث صَغيرتهما. تأمَّلته بدقّة.. بنطال من الجينز لهُ لون سَماوي وبلوزة بأكمام قَصيرة.. سَوداء بالطَّبع... خَصلات شعره كانت مُبَعثرة قَليلاً بطريقة أَضفت إليه جاذبية خاصَّة.. أما ملامحه فَقد أثارت تساؤلاتها إلى حَدٍّ ما.. ذابلة بطريقة غَريبة.. حتى جَسده بدا لها أَنحف من السابق.. أو أنَّهُ تأثير اللون الأسود؟
أَنزلَ ابْنته دُون أن يترك يَدها.. أَجابها بنبرة نَشَرت وِحْشة داخلها: الله يسلمش
أَخْفَضَ رَأسه لِجَنى التي تَساءلت: بابا عقب وين بتروح؟
أَجابَ بنصف ابْتسامة: البيت
اسْتَفسرت: بيت بابا ناصر؟
: لا حبيبتي.. بيتنا.. أنا وخالو ياسمين
تَقَوَّسَت شَفَتيها بزعل: يعني ما بشوفك؟
شَدَّ على كَفّها: بلى بابا بتشوفيني.. أنا بس بروح أتسبح وأنام شوي وعقب بجي آخذش من المدرسة عشان تتغدين معاي في بيت بابا ناصر
مَسَّت شَفتَيها بِسَبَّابتها بتردّد والسؤال يُشاكس أهدابها الطَّويلة.. حَثَّها على الحَديث: بابا قولي اللي في خاطرش
مالَ رأسها وبِخَجلٍ لَذيذ تساءلت: يصير اليوم أنام معاك؟
سَبَقتهُ جِنان وجاوبتها باعْتراض: لا حبيبتي جَنى.. ما يصير
نَظَرَ لها بعُقدة خَفيفة: وليش ما يصير!
أَشاحت ببصرها عنه وهي تَمس أَنفها بظاهر سَبَّابتها وتُجيبه بخفوت: لا بس يعني.. عشان تاخذون راحتكم
أخفى ابْتسامة السخرية بداخله.. لَو أَنَّكِ تَعلمين! عَقَّبَ بثقة: عـادي.. البيت بيتها تجي في أي وقت "وجَّه الحَديث لابنته" حبيبتي جِناني يصير تنامين معاي اليوم وأي يوم
تَعلَّقَت بذراعه وهي تقول بفرح عارم: ثانكيــوو بابا حَبيبي
هي زَفَرَت بضيق جَلي أَرْفَعَ حاجِبَيه اسْتنكارًا.. تجاهلته واسْتدارت تخطو لداخل المَدرسة مُتَجَنِّبَةً أي هُجوم قَد يَصدر منه.. هما تَبِعاها بمسافة بَسيطة وأسئلة جَنى تقود حَديثهما الحَميمي.. الْتَقَت بأستاذ نادر على مقربة من صَف ابْنتها.. والذي قال سَريعًا بابْتسامة واسِعة: كنت انتظرش
تَعَجَّبت: تنتظرني! ليـش؟
قالَ بضحكة: أول شي صَباح الخير
بابتسامة: صَباح الخير "تساءلت" ليش تنتظرني؟
أَجابَ على سؤالها بحماس: كلمتني أمس المعلمة الأولى بعد نهاية الدوام.. كانت حاضرة لصف جَنى في حصة الرياضيات.. لَفتتها مُشاركة جَنى وسرعتها في حل الأسئلة وثقتها.. واطَّلعت على نتائجها في الاختبارات والأنشطة اللي قدَّمتها.. وقالت لي أسجلها في مسابقة الحَلَقة الأولى
عَقَدَت حاجِبَيها: بس جَنى توها كَي جي!
هَزَّ رأسه: قلت لها.. بس من رايها واللي أوافقها عليه إن مخ جَنى أكبر من عمرها.. فبتقدم نتائج ممتازة في المسابقة
اسْتَفسرت: ومتى المُسابقة؟
فَتَحَ فَمه لِيُجيبها ولكن يَدٌ رُجولية قاطَعته بلا مُقَدِّمات وامْتَدَّت إليه وصَوتٌ ببحَّة حادَّة يَدْعمها: مــا تشَرَّفنــا!
نَظَرَ إلى وَجْهه بمفاجأة... ثوانٍ وتَعَرَّف عليه.. هذا والد جَنى.. ابْتسامة مائِلة كانت على شَفتيه.. حَقيقةً كانت سَيْفًا مَسْلولاً مُطَعَّمًا بالغرُور.. صافَحهُ وهو يُقيس المَسافة بَيْنه وبَين جِنان.. سنتيميتر واحد أو رُبَّما أقَل يَفصل بين كتفها الأيمن وصَدره.. نَطَقَ بهدوء وهو يَشعر بضغط يَد فيصل المُبالغ فيه الذي لو اشْتَدَّ أكثر لَتَسَبَّبَ في كَسر أصابعه: أستاذ نادر الــ... مُدرّس رياضيات
عَقَدَ حاجِبَيه يَدَّعي الاستغراب: إنت تدرّس بنــتــنــا! على حسب علمي اللي تدرّسها أغلب المواد ومنها الرياضيات مُدرّسة!
أَجابه بِبَعثرة وهو يُلاحظ كَيْفَ الْتَصَقَ صدره بكتف جِنان المُكْتَسي وَجْهها احْمرار: أنــا.. أدرّسها... أقصد.. يعني مو مدرسها الأساسي.. يعني.. هي في نادي الرياضيات.. وأنا المسؤول عن النادي
أَدْخلَ يَديه في جَيْبي بنطاله وهو يُعلّق بعينين ضائقتين: الواضح إنك كنت تخبّر أم جنى شي جدًّا مهم
وَضَّح: لا بس بغيت أخبّرها عن مُسابقة للريـ
قاطعه بحاجب ارْتفع لقمّة الثقة المُسْتَفِزَّة: أعتقد إن في دفتر مُراسلات بين المعلمين وأولياء الأمور يُذكر فيه كل شي يخص الطالب.. ما يحتاج تأخّر شغلك يا أستاذ وتلتقي مع كل ولي أمر
بهدوء وهو يتأمَّل التحذير المُؤطّر عَيني فَيصل: صَحيح "تَراجع للخلف وهو يومئ برأسه" أعتذر على الإزعاج
فور ابتعاده اسْتدارت جِنان لفيصل بحدّة لتهمس لهُ بملامح عَقَدها الغَضَب ويدها تَرْتفع بارْتجاف لكتفها بَعد أن تركت بينهما مَسافة مَقبولة: إنت شفيــك نسيت نفسك!
تَجاهلها وَقرْفَصَ أمام ابْنته.. قَبَّلَ جَبينها ثُمَّ قال بابْتسامة حَنونة: بابا أنا اللحين بمشي "غَمَزَ لها" انتظريني في الهدّة أوكي؟
: أووكــي
وَقَفَ.. شَزَرَها لثانية ثُمَّ اسْتدارَ خارِجًا من المَبنى ليتركها من خلفه نار تَشْتعل بألف شُعور وشُعور.



انْقَضى الشَّهر الفاصِل بَين ضِفَّة الأمان ومُنْحَدَرِ الخَطَر.. الحَقيقة كانت واحِدة ومُرْعِبة بالنسبة لها.. المَشيمة لا تُؤدّي وَظيفتها بشكلٍ جَيِّد.. هذه الحَقيقة فَجَّرَت داخلها شُعورًا بالذَّنب، وكأنَّ لها يَدًا في قُصور هذا العضو المَسؤول عن بَقاء جَنينها سَليمًا ومُعافى. ها هي تُنازع أحد مواقف الدّنيا العَصيبة فَوْقَ سَريرٍ أَبيَض يصرخ بِقُرب المَوت أَكثر مما أَنَّه يُنادي للحَياة.. جَسَدها الواقع رَهْن ارْتعاشٍ شَديد قَد أُلْبِس الرداء الخَفيف الخاص بالعمليات.. وفي كُل مرة يَصطدم بجلدها الهواء البارد تَقشعر وترتجف وتَزْداد أعضائها الوَجِلة تَجَمُّدًا.. وكأنَّ جَبَلًا جَليديًا يَمتد داخلها ثانية بعد أخرى. انتبهت للخطوات القادمة من خلف الستارة.. ازْدَردت ريقها المُتَحَجِّر مُنتظرةً ظُهور وَجه الطَّبيبة.. لكنَّ وَجْهه المُتَسَرْبِل بابْتسامة سُكون خالف اعتقادها.. تَقَدَّمَ منها تحت نظراتها المُبَلَّلة.. شَبَك أَصابعه بأصابعها الذاوية وهو يَشد على يَدها لِيَمِدَّها بِصَبْرٍ وَقُوَّة.. انْحَنى وَقَبَّلَ جَبينها ثُمَّ هَمَسَ بحُب وهو يَمسح على شَعرها: طلبت من الممرضة أشوفش قبل لا تدخلين غرفة العمليات
تَسارعت نَبضاته بتفاعل مع دُموعها التي انهارت فَوْقَ خَدَّيها.. ضَغطَ على يَدها أَكثر وبكفّه الأخرى مَسَح عَن وَجهها خوفها المُنْهَمِر: اششش.. حبيبتي لا تصيحين.. لا ترهقين نفسش بالدموع
تَكَسَّرت شهقتها حتى جَرَحت حَلْقها: خــ ـ .. ــايفة.. خايـفة.. أمـ ـوت "غَطَّت عينها بيدها وهي تُكْمِل ببكاء" بعدين... ولـ ـدي.. من له!
أَبعدَ يَدها عن عَيْنها بِمَلق وهو يُطَمئنها بكلماته الهادئة: بعد قلبي إنت اسم الله عليش.. إن شاء الله بتقومين لنا بالسلامة إنتِ وولدنا
هَزَّت رأسها تنفي نَجاتها.. قَرَّبت يَده من صَدرها وهي تَرْجوه بلسانٍ أَثْقَله النَّحيب: بَســ ـ ـام.. بسـ ـام.. ولدي... أمانة... عنـ ـدك.. سمّه على أغلى إنسـ ـان في حياتي.. سمّـ ـه على... أبـــووي
عَقَدَ حاجِبَيه وكلماتها بَدأت تَحوم داخله مُثيرةً ذعره.. لكنّه حاولَ أن يتَجَلَّد لِيُقوِّيها ويُنقذ الباقي من صَبْره: حَنين استغفري ربش.. ما بيصير إلا ربي كاتبه.. إن شاء الله بتولدين وبتقومين بالسلامة وإنت اللي بتسمين الوَلد
أَغْمَضَت وهي تَجْتَرِع غَصَّاتها.. الإعياء يُسَيْطر على أطرافها.. طاقتها نَفَذت والوَهن بَدأ بتَكبيل عضلاتها.. تَشعر بوعيها يَتأرجح مانِعًا إياها من التركيز.. لوهلة ظَنَّت أنَّها بَين مَخالب كابوس مُعَرَّى من لون.. تُريد أن تَسْتيقظ لترى نَفسها فوق سَرير غُرفتها تنتظر شَهرها التاسع لتلد.. فَتَحت عينيها.. دارت عَدستاها وَسط المُقلَتَيْن بِتِيه بَحْثًا عن بابٍ يُفْضي للواقع.. رَمَشَت ببطء، وكأنَّما رِياح المَوْت تُحرِّك أهدابها.. يَد باردة حَطَّت فَوْق جَبينها.. إنها يَد زوجها.. هَمسهُ المُرَتِّل آية الكُرسي نَفَذَ بعذوبة إلى رُوحها.. أغمضت من جَديد.. ابْتَسَمت بغِياب لِرَكلات جَنينها.. تَحَرَّكَت يَدها إلى بَطْنها تُمَرَّرها فَوْقه بِحَنو.. هُل أنت مُتَحمِّس للحياة صَغيري؟ أنا من فَرْط شَوقي إليك أكاد أُجَن.. أخشى فَقدك.. أرجو أن نَلتقي.. فعَيناي مُتَلَهِّفتان لِصُبْح وَجهك.. ورُوحي تائقة لاسْتنشاق رائحة البراءة من جَسدك الضَّئيل.. صَغيري.. أعتذر نيابةً عن رَحْمي المُقَصِّر.. وأنا أعدكَ أن تَرْبى في حُضْنٍ يَتَّسع لكَ عُمْرًا مأهولاً بالخير والبَركة.. رُبَّما لا يُليق بي ثَوْبَ الأمومة.. ولكنّني سأحبّك كما لَم تُحِب أمٍ طفلها من قبل.. ثِق بي يا صغيري. هَدأت أنفاسها بوضوح.. تَوَقَّفت حَركة يَدها فَوْق بَطنها.. أَمَّا اليَد النائمة وَسط كَف بسّام العَريضة فَقد ارْتَخت باسْتسلامٍ لِهُروب رُوحٍ قَلِقة.


 توقيع : إرتواء نبض




رد مع اقتباس