03-07-2016
|
#10
|
حاولت أن أصف لكم بعض الذي قاسيته في ذلك السجن الذي قضيت فيه فترة شبابي اليافع ... و التي ضاعت سدا ...
فترة جافة قاسية أكسبتني جفافا و خشونة لم أولد بهما و لم أتربى عليهما
و غيرت في بعض طباعي ، و بدأت أدخن السجائر
كان الحارس يتصدق علينا بسيجارة واحدة ، ندور بها فيما بين شفاهنا جميعا ...
و تقتسم همومنا و نقتسم سمومها ....
و مر عام آخر ...
و أكثر ...
ألمّ المرض بصديقي نديم من جراء التعذيب المستمر ...
كان على فراشه ، و كنت اعتني بجروحه و إصاباته التي لم شملت حتى أطراف أصابعه ...
" وليد .. "
" نعم يا عزيزي ؟ "
" يجب أن تخرج من هنا ... "
قال نديم ذلك ثم رفع يده و مسح على رأسي ، ثم وضعها فوق كتفي .
" يجب أن تخرج من هنا يا وليد و إلا لقيت حتفك "
" إنني هالك لا محالة ... لا جدوى و لا أجمل ... "
" افعل شيئا يا وليد و غادر هذا المكان ... إنك لا زلت شابا صغيرا ... "
كنت الأصغر سنا بين الجميع ، و أكثرهم تذمرا و شكوى ، و بكاءا ، إلا أنني هدأت و استسلمت لما فرضته الأقدار علي ... و لم يعد الأمر يفرق معي ...
ابتسمت ابتسامة استهتار و سخرية ، و يأس ...
نديم كان ينظر إلي بعين عطف شديد و محبة أخوية ... قال :
" اسمعني يا وليد ...
لدي مزرعة في المدينة الشمالية ، حيث كنت أعيش مع ابنتي و زوجتي ... متى ما خرجت من هنا ... فاذهب إليهما و أخبرهما بأنني كنت أفتقدتهما كثيرا و أنني بقيت على أمل العودة إليهما دون يأس لآخر لحظة في حياتي ... "
" نديم ... "
قاطعني قائلا :
" لا تنس ذلك يا وليد ... و إن احتاجتا مساعدة منك ... فأرجوك ... ابذل ما باستطاعتك "
أقلقتني الطريقة التي كان نديم يتحدث بها ، هززت رأسي و قلت :
" لماذا تقول ذلك يا نديم ...؟ "
و انتظرت أن يجيب
لكنه لم يجب ...
و تحركت يده الممدودة على كتفي ، ثم هوت للأسفل ... و ارتطمت بالفراش ... و سكنت سكون الموت ...
إنا لله ... و إنا إليه راجعون ....
بعد سنتين من ذلك ...
و في أحد الأيام ...
و فيما أنا مضطجع على سريري بكسل و عدم إكتراث ، أدخن بقايا السيجارة بلا مبالاة ، و انظر إلى السقف و أرى الحشرات تتجول دون أن يثير ذلك أي اهتمام لدي ...
إذا بالباب يفتح ، ثم يدخل بعض الضباط
معظم زملائي وقفوا في قلق ...
أما أنا ، فلم أحرك ساكنا ... و بقيت أراقب سحابة الدخان التي نفثتها من صدري ترتفع للأعلى ... و تتلاشى ...
" وليد شاكر "
هتف أحد الضباط ...
فقمت بتململ و التفت إليه ببرود
لم يعد يهمني إن كان لدي أي درس جديد في الضرب أو غيره ...
عاد الضابط يهتف بحدّة :
" وليد شاكر "
نهضت عن فراشي و وقفت ازاء الضباط و أجبت بضجر :
" نعم ؟ "
و أقبل بعضهم نحوي ، فرميت بالسيجارة أرضا و سحقتها باستسلام ...
أمسكوا بي و قادوني نحو الباب ، فسرت بخضوع تام ...
عندما صرت أمام الضابط الذي ناداني ، رمقني بنظرة احتقار شديدة
و هي نظرة قد اعتدت عليها و لم تعد تؤثر بشعوري ...
قال :
" وليد شاكر ؟ "
أجبت :
" نعم أنا ، و لا علاقة لي بالسياسة ، أرجو أن تتاكد من ذلك جيدا "
رفع الضابط يده و صفعني على وجهي صفعة قوية كادت تكسر فكي ...
ثم قال :
" هذه تذكار "
التفت إلى زملائي و عيني تقدح بالشر ، و قابلتني نظراتهم بالتحذير ...
فكتمت ما في صدري ، ثم قلت :
" ثم ماذا ؟ "
ابتسم الضابط ابتسامة خبيثة دنيئة ، ثم قال :
" لاشيء ! فقط ... أفرجنا عنك "
|
|
ٳل̨هي جملني بحلتين قلب رحيم وعقل حكيم ...
|
|