ذات زمان
كنت أسكن في كوخ منعزل من حديد
لا تصل إليه أشعة الشمس ولا يُسمع فيه صوتاً غير الهمس ولا يصل إليه صوت العابرين
كوخ يكاد يكون سجناً
وتكاد تختفي منه الألوان
يبدو باهتاً من الخارج
تتدلى من فوقه بعض الأشجار وحوله القش يبدو مترامي الأطراف
يخشى العاقل منه الاقتراب
يبدو كئيباً مخيفاً
فخيوط العنكبوت قد نُسجت أمام الباب
و بيض العصافير ومنازلها في الأرجاء
والهدوء يغلب على المكان
وقفت أمام باب صغير من الخشب
يكاد يسقط من الوهن قد أكلت دودة الأرض منه ما أكلت وتركت تلك الثقوب الصغيرة فيه
وحين لم أسمع صوتاً
نظرت من إحدى الثقوب فرأيته ذلك الرجل وقد بدأت التجاعيد بالظهور في وجهه يبدو متجهماً متكبراً
كان يقف أمام عجوز مستلقية على السرير وقد أثقلها المرض وكثرت تجاعيد وجهها وبدت وكأن شبح الموت يطارد روحها
ساعدها على الجلوس وسلمها بعض الحبوب
ابتلعتها بصعوبة ثم شربت القليل من الماء
واستلقت مجدداً
ثم قالت بصوت أقرب للهمس
" فلتطلق سراح تلك الطفلة كي أشعر أنني بخير "
قال بهدوء " لا تقلقي إنها لن تموت قبلك ! "
ثم اقترب من الباب فهرعت إلى طاولة تتوسط الكوخ
كانت صغيرة
وعليها بيضتان فقط
ونصف كوب من الحليب لي والآخر لذلك الشخص
جلس امامي
فجلست
ثم أكلت بيضتي في لقمتين
وشربت كأس الحليب
لم يكن هذا ما يسد جوعي ولكنني قلت الحمدلله
قال وهو ينظر إلي ببرود مخيف " ستخرجين من هنا قريباً "
تلك الكلمات اسعدتني قليلاً
ثم عاد يقول " لا تفرحي فقد تشتاقي لهذا المكان كثيراً "
لم افهم مايعني
ولكنني لم ارى الكثير
لم ارى الطيور ولا اعلم ماهي ولا الفراشات ولا البحر ولا اي من تلك الاشياء الجميلة التي لا أقرأ عنها سوا بالكتب
وحين دخل إلى الغرفة مجددأ
سمعت صوت بكاء مكتوم
فعدت لأنظر خلسة من ذلك الثقب
إنه ذلك الرجل إنه يبكي بمرارة
لم أعتقد أنه قد يشعر !!
ولككني تساءلت ماذا حدث ؟!
لقد ماتت تلك العجوز هذا ماقاله لي
لا هل ماتت حقاً انني لا املك نحوها اي مشاعر ولكنني رغم ذلك بكيت
وفي المساء عاد ذلك الشخص بعد ان قضى عدة ساعات بالخارج
كان يرتدي السواد
ثم امسك بيدي
وجمع اغراضي
واخرجني من الكوخ
ذلك السجن الفضيع
وحين أدركت أنني خارجاً
تركت يده
وركضت بسرعة نحو صوت النهر فأنا لطالما أردت رؤيته
وتجاهلت صوته وهو يصرخ توقفي ستضيعي هناك عودي
حين وصلت إلى النهر شعرت بالحرية
بفرح غمر روحي
ورأيت كيف يبدو العالم
كيف تبدو النجوم
جلست لاقوم بعدها وانا متكأة على شجره
غير مكترثة لبرودة الجو
انني لا اشعر الا بسعادة الهروب من السجن
نظرت حولي فرأيت دائرتين صفراوتين مشعتين تتجه نحوي بثبات
اقتربت مني قليلاً
شعرت بخوف سرق مني أنفاسي
ولكنها اقتربت دون اكتراض للرعب الذي بدا في عيناي
ثم بدات الرؤية تتضح لي انه حيوان له فرو كثيف وانياب حادة
انه مخيف جداً
بدا يدور حولي تجنبت النظر اليه وقلت ليته مجرد حلم
وحين فتخت عيناي ايقنت انه حقيقة
وقد اقترب مني كثيراً
وحين فتح فمه
سمعت صوتاً عالياً
وسقط ذلك الحيوان أرضاً
هل أنت بخير لقد كاد الذئب يأكلك
-يأكلني ؟
-اجل لقد كنت فريسته
ثم امسك بيدي وساعدني على النهوض
وظللت أمسك بيده بقوة كي لا اضيع مجددا
ايقنت ان سجني امن
وان العالم مخيف جداً
.
.
هذا ما يحدث بداخلي انه صراع بين أن اختلط بالبشر او ابقى حبيسة افكاري الباردة وصمتي المطبق ..
فتلك العجوز التي كادت تموت هي الأمل ..
وذلك الرجل الكئيب هو اليأس
ومنزلي الذي يحبسني عزلتي
وصوت النهر ذلك حنيني
إنني حبيسة مابداخلي
فهل سأهرب مني يوما ؟!

م . ن

• جنون قصايدليل في التصاميـم
• لآ تسألونيے مـכּ أڪَوכּ •● هُنآ أنفَآسْ وξـشقـہآ כـتى الجنوכּ •●