عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 09-27-2023
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
لوني المفضل Aliceblue
 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 2 يوم (06:13 PM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11618
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي التَّوَكُّل على الله عبادة قلبية



التَّوَكُّل على الله عبادة قلبية


الحمد لله رب العالمين؛ القائل في كتابه الكريم: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، والصلاة والسلام على نبينا محمد إمام المتقين المتوكلين؛ القائل: ((اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنَبْتُ، وبك خاصمت))، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فإن من أهم العبادات القلبية عبادةَ التَّوَكُّل على الله عز وجل، وهو أعلى مقامات توحيد الله جل وعلا، والمسلم إذا عرَف ربَّه معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته، فإن ذلك يُورِث في نفسه ثقة عظيمة بالله عز وجل، فيركَن إليه العبد، ويفوِّض أمره إليه، ويعلِّق قلبه به وحده دون سواه؛ لأن الله سبحانه وحده الذي يملك النفع والضر، والعطاء والمنع، والكفاية والنصر، وبهذا يجتمع شَعْثُ القلب، وتسكُن النفس، ويطمئن العبد، ويستريح من ألوان المعاناة التي تحصل لغير المتوكلين على الله عز وجل، فهو بحاجة إلى الله عز وجل في كل لحظة، فالتَّوَكُّل اعتمادُ القلب على الله سبحانه، واستناده إليه، وسكونه إليه، وتفويض الأمور كلها إليه سبحانه، القادر على كل شيء، القوي الخالق العظيم، وقَطْعُ علائق القلب بغير الله عز وجل.



ولأهمية هذه العبادة العظيمة؛ كان الحديث عنها في هذه الورقات، فاللهم إني أبْرَأ من حَوْلِي وقوتي، وأسأل الله التوفيقَ والسَّداد والإخلاص في القول والعمل، وأن يجنِّبني الزَّلَل في القول والعمل، وأسأله أن ينفع بها كاتبها وقارئها والمطَّلع عليها، إنه سميع قريب مجيب؛ فأقول مستعينًا بالله سبحانه متوكلًا عليه:

تعريف التَّوَكُّل:

أولًا: التَّوَكُّل في اللغة:

يقال: وَكِلَ بالله، وتوكَّل عليه، واتَّكَلَ: استسلم إليه، وتوكَّل بالأمر: إذا ضمِن القيام به، ووَكَلْتُ أمري إلى فلان: اعتمدت في أمري عليه، ووَكَّلَ فلان فلانًا: إذا عجز عن القيام بأمر نفسه، أو وثق فيه بأن يقوم بأمره، ووَكَلَ إليه الأمر: سلَّمه؛ [لسان العرب (11/ 734)].



وقال الزبيدي في [تاج العروس (31/ 98)]: "وحقيقة التَّوَكُّل: إظهار العجز والاعتماد على الغير".



ثانيًا: التَّوَكُّل في الاصطلاح:

لأهل العلم تعريفات متعددة؛ منها:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضارِّ، من أمور الدنيا والآخرة كلها"؛ [جامع العلوم والحكم، ت: ماهر الفحل، (3/ 1266)].



وقال سعيد بن جبير: "التَّوَكُّل جِماع الإيمان"؛ [أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو نعيم في الحلية، وينظر: جامع العلوم والحكم (3/1266)].



وقال الحسن: "إن توكُّل العبد على ربِّه أن يعلم أن الله هو ثقته"؛ [جامع العلوم والحكم (3/1266)].



وقال الزبيدي في [تاج العروس (31/ 98)]:"التَّوَكُّل: الثقة بما عند الله، واليأس مما في أيدي الناس".



وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في [مجموع فتاواه (1/63)]: "التَّوَكُّل هو صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع، ودفع المضار، مع فعل الأسباب التي أمر الله بها".



حقيقة التَّوَكُّل، وضرورة الأخذ بالأسباب:

فحقيقة التَّوَكُّل - أيها الأحبة - اعتماد القلب على الله عز وجل، مع الأخذ بالأسباب، مع التيقن الكامل بأن الله هو الرازق الخالق، المحيي المميت، لا إله غيره، ولا رب سواه.



والتَّوَكُّل أعم من الاستعانة؛ فإن الاستعانة هي أن تطلبَ من الله أن يعينك على فعل أمرٍ من الأمور، أما التَّوَكُّل فيدخل فيه الاستعانة، فتتوكل على الله في إعانتك على أمورك، والتَّوَكُّل أوسع وأشمل من ذلك، فيدخل فيه التَّوَكُّل على الله في جلب المنافع ودفع المضار، وغير ذلك من الأمور؛ وقد جمع الله بين الأصلين في قوله سبحانه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فالعبادة له سبحانه، والاستعانة به، والتَّوَكُّل عليه، وحده لا شريك له.



فإذا جاءت الأمور على غير ما تتمنى، فَكُنْ شاكرًا لله، ولا تخشَ شيئًا، وإذا فوَّضتَ أمرك إلى الله، وكنت رجَّاعًا إلى الله مُتَّكِلًا عليه، فعند ذلك ينصرك الله تعالى ويؤيدك، فكُنْ راضيًا بما قدَّر الله وكتب.



فينبغي على الإنسان أن يأخذ بالأسباب، لكن من غير اعتماد عليها، فالأخذ بالأسباب هو سَيْرٌ على السنن الكونية، وأن النافع والضار هو الله وحده؛ قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في [الفوائد (ص: 87)]: "وسرُّ التَّوَكُّل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده، فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلوِّ القلب من الاعتماد عليها والركون إليها، كما لا ينفعه قوله: (توكلت على الله)، مع اعتماده على غيره، وركونه إليه، وثقته به، فتوكُّلُ اللسان شيء، وتوكُّلُ القلب شيء، كما أن توبة اللسان مع إصرار القلب شيء، وتوبة القلب وإن لم ينطق اللسان شيء".



واتخاذ الأسباب أمر مشروع؛ فقد كان أكبر المتوكلين على الله وأعظمهم صلى الله عليه وسلم يتخذ الأسباب في مواقف كثيرة؛ ليبيِّنَ لأمَّته أن اتخاذها لا ينافي التَّوَكُّل؛ ففي طريقه صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة اتخذ دليلًا يرشده إلى الطريق، وخرج في وقت يغفُل فيه الناس، ومن طريق غير الطريق التي تُسلَك عادةً، وفي يوم أُحُدٍ لبِس درعين واحدًا فوق الآخر، ووضع الْمِغْفَرَ على رأسه حين دخل مكة يوم الفتح.



ومما يدل على أهمية الأخذ بالأسباب حديثُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله، لَرَزَقَكُم كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا))؛ [أخرجه أحمد في المسند (205)، وقال محققوه: "إسناده قوي، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبدالله بن هبيرة، فمن رجال مسلم"، والترمذي في سننه (2344)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (310)].



قال ابن القيم رحمه الله معلقًا على الحديث في [جلاء الأفهام (ص: 287)]: "إخبار بأنه سبحانه يرزق المتوكلين عليه من حيث لا يحتسبون، وأنه لا يخليهم من رزق قط، كما ترون ذلك في الطير، فإنها تغدو من أوكارها خماصًا، فيرزقها سبحانه حتى ترجع بطانًا من رزقه، وأنتم أكرم على الله من الطير وسائر الحيوانات، فلو توكلتم عليه، لَرَزَقُكم من حيث لا تحتسبون، ولم يمنع أحدًا منكم رزقَه، هذا من قبيل الإخبار".



الفرق بين التَّوَكُّل والتواكُل:

التَّوَكُّل - كما سبق - لا بد فيه من اتخاذ الأسباب من غير اعتماد عليها، أما عدم الأخذ بها فهو تواكل، وليس من دين الله عز وجل؛ وقد قال الله سبحانه لمريم عليها السلام وهي في حالة ضعف ونِفاس، آمرًا لها بفعل السبب: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]، يُؤخَذ من الآية أن الله سبحانه لا يكلِّف النفس ما لا تُطيق، بل يكفي أحيانًا السبب اليسير، وقد يستغرب البعض ويقول: مريم عليها السلام ضعيفة وفي حال ولادة، فكيف تهز هذه النخلة القوية الراسخة ليتساقط عليها الرطب؟



فيُقال: الله سبحانه أراد أن يعلمنا من خلال هذه القصة أهمية اتخاذ الأسباب، ولو كانت الأسباب ضعيفة، فلم يكن لها حيلة في هذا الوقت إلا هذا العمل الضعيف، ولكن حين توكَّلَتْ على الله تعالى حقَّ توكله، وعمِلت بالسبب الضعيف، أعطاها الله ما تريده وأنالها إياه.



فالله سبحانه قادر على إسقاط التمر بلا سبب، ولكن لما كان السبب سنة كونية أمرها بهزِّ الجذع، ثم إذا عُدِمَ الإنسان كل سبب ممكن، فلا ينسى أعظم الأسباب وأقواها؛ وهو دعاء الله عز وجل العظيم، والاستغاثة به جل جلاله.



فتَرْكُ الأسباب - أيها الأحبة - قدح في العقل، والاعتماد عليها وترك التَّوَكُّل قدح في التوحيد.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى (10/ 35)]: "قال طائفة من العلماء: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التَّوَكُّل المأمور به ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع".



وقال ابن القيم رحمه الله في [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 117)]: "التَّوَكُّل لا ينافي القيام بالأسباب، فلا يصح التَّوَكُّل إلا مع القيام بها، وإلا فهو بَطالة وتوكُّل فاسد".



وقال: "فَتَرْكُ الأسباب المأمور بها قادح في التَّوَكُّل، وقد تولَّى الحقُّ إيصال العبد بها، وأما ترك الأسباب المباحة، فإن تركها لِما هو أرجح منها مصلحة، فممدوح، وإلا فهو مذموم".



وذكر كلامًا طويلًا إلى أن قال رحمه الله في [مدارج السالكين (2/ 119)]: "فإن مَن نَفَاها فتوكُّله مدخول، وهذا عكس ما يظهر في بدوات الرأي: أن إثبات الأسباب يقدح في التَّوَكُّل، وأن نفيها تمام التَّوَكُّل، فاعلم أن نُفاة الأسباب لا يستقيم لهم توكل ألبتة".



والتواكل هو أحد أسباب ضعف الأمة، يجلس الواحد في بيته وينتظر رزقه وهو لا يحرك ساكنًا، ولا يفعل سببًا، ويقول: أنا متوكل على الله.



وكذا انتظار الناس أن ينصرهم الله عز وجل على أعدائهم، ولم يُعِدُّوا لذلك علمًا ولا عُدة، كما هو حال الأمة اليوم، والله المستعان.



أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان أهل اليمن يحُجُّون ولا يتزوَّدون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدِموا مكة سألوا الناس؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].



فأنكر الله تعالى عليهم ادِّعاءهم التَّوَكُّلَ، وهم لا يتزودون بشيء مما يُعينهم على أمور حَجِّهم.



حكم التَّوَكُّل:

التَّوَكُّل على الله سبحانه من أعظم الواجبات، وهو شرط الإيمان؛ وذلك مفهوم قول الله سبحانه: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، فإذا انتفى التَّوَكُّل انتفى الإيمان.



وقال ابن تيمية رحمه الله في [مجموع الفتاوى (7/ 16)]: "التَّوَكُّل على الله واجب من أعظم الواجبات، كما أن الإخلاص لله واجب، وحب الله ورسوله واجب، وقد أمر الله بالتَّوَكُّل في غير آية أعظم مما أمر بالوضوء والغسل من الجنابة، ونهى عن التَّوَكُّل على غير الله".



والآيات الواردة في الحثِّ على التَّوَكُّل على الله عز وجل كثيرة معلومة، وكذا الأحاديث.



ثمرات التَّوَكُّل:

الحديث عن ثمرات التَّوَكُّل يُحرِّك النفوس، ويدفعها إلى التمسك بهذا الخُلُق الإيماني العظيم، وذلك أن معرفة ثمرة العمل حافز على فعله والتحقق به، فمن ثمراته ما يلي:

أولًا: أنه يبعث العبد على التزام حدود الله تعالى، ومجانبة الحرام: وذلك أن الإنسان إذا علِم أن رزقه مقسومٌ، وأن ما كتب الله عز وجل له كائن لا محالة، وأنه مهما عمِل واجتهد واحتال على طلب المال، فلن يأتيَه منه إلا ما كتب الله تعالى، فيكون مفوِّضًا إلى الله سبحانه أمره كله، ويطلب الرزق من حِلِّه، ويَدَع الحرام.



ثانيًا: طمأنينة النفس وارتياح القلب، وطرد الهم: فإذا توكل العبد على ربه حقَّ التَّوَكُّل، كفاه همَّه، وأراحه مما أهمَّه، وأنزل عليه سكينته، فاطمأنَّ إلى حكمه الديني الشرعي، واطمأن إلى حكمه الكوني القدري.



ثالثًا: ما يحصل من كفاية الله عز وجل للمتوكَّل عليه في أموره كلها: قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي: كافِيهِ؛ قال ابن القيم رحمه الله في [بدائع الفوائد (2/ 766-767)]: "والتَّوَكُّل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخَلْقِ وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله حسبه؛ أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه، فلا مطمعَ فيه لعدوِّه، ولا يضره إلا أذًى لا بد منه؛ كالحر والبرد، والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده، فلا يكون أبدًا... وذكر كلامًا إلى أن قال: بل جعل نفسه سبحانه كافيَ عبده المتوكِّل عليه وحَسْبَه وواقيه، فلو توكَّل العبد على الله تعالى حق توكله، وكادته السماوات والأرض ومن فيهن، لَجَعَلَ له مخرجًا من ذلك، وكفاه ونصره".



وقال الربيع بن خثيم في قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]: "من كل شيء ضاق على الناس"؛ [أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وابن جرير في تفسيره].



رابعًا: التَّوَكُّل من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار: قال الله سبحانه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174]؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في [تفسيره (2/ 171)]: "لما توكلوا على الله، كفاهم ما أهمَّهم، ورَدَّ عنهم بأس من أراد كيدهم، فرجعوا إلى بلدهم ﴿ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [آل عمران: 174]، مما أضمر لهم عدوهم، ﴿ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174]".



وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (1/ 90)]: "فعقَّب هذا الجزاء والحكم لذلك الوصف والعمل بحرف الفاء، وهي تفيد السبب؛ فدلَّ ذلك على أن ذلك التَّوَكُّل هو سبب هذا الانقلاب بنعمة من الله وفضل، وأن هذا الجزاءَ جزاءٌ على ذلك العمل".



خامسًا: أنه يُورِث محبة الله عز وجل للعبد: إن الله سبحانه قد وعد عباده المتوكلين عليه بالمحبة، ووعدُهُ عز وجل لا محالة واقع؛ قال الله تعالى: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، والمحبة كما يقول ابن القيم رحمه الله [مدارج السالكين (3/ 8)]: "هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخِص العاملون، وإلى علمها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، نسيمَها تروَّحَ العابدون؛ فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقُرَّةُ العيون"؛ إلى آخر كلامه رحمه الله.



سادسًا: التَّوَكُّل يُورِث قوةَ القلب وشجاعته وثباته، والصبر والتحمل.



سابعًا: التَّوَكُّل يُورِث النصر والتمكين: قال الله عز وجل قارنًا بين النصر والتَّوَكُّل: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].



ثامنًا: التَّوَكُّل يقوِّي العزيمة والثبات على الأمر: لذلك أمر الله عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وسلم إذا عزم أن يتوكل على الله تعالى؛ فقال: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، وكمال العبد بالعزيمة والثبات.



تاسعًا: التَّوَكُّل على الله يَقِي بإذن الله عز وجل من تسلُّط الشيطان: قال الله عز وجل: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 98، 99].



العاشر: التَّوَكُّل على الله من أعظم أسباب دفع السِّحْرِ والحسد والعين: سبق الإشارة إلى ذلك في الكلام على الثمرة الثالثة عند قول الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أن كثيرًا من المرضى يُشفَون بلا تداوٍ، ولا سيما أهل الوَبَر والقرى، بدعوة مستجابة أو رقية نافعة، أو قوة للقلب وحسن التَّوَكُّل"؛ [مجموع الفتاوى (21/ 563)، بتصرف يسير].



الحادي عشر:التَّوَكُّل من أسباب تحصيل الرزق: قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].



الثاني عشر:أن التَّوَكُّل يطرد عن قلب العبد داء الكِبْرِ والعُجْبِ.



الثالث عشر: أن التَّوَكُّل يُورِث الرضا بالقضاء، وهذا من أعظم ثمراته.



الرابع عشر:التَّوَكُّل سبب لدخول الجنة من غير حساب ولا عذاب: كما في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، فوصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم: ((لا يَسْتَرْقُون، ولا يتطَيَّرون، ولا يَكْتَوُون، وعلى ربهم يتوكلون))؛ [متفق عليه].



الخامس عشر:التَّوَكُّل يُورِث صاحبه الغِنى عن الخَلْقِ: وهذه خَلَّةٌ شريفة، ومن افتقر إلى الناس، ذلَّ وذهب ماء وجهه، واستثقله الناس، ومن استغنى عنهم واكتفى بالله، عزَّ.



قال الإمام ابن حبان البستي رحمه الله في [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 153)]: "الواجب على العاقل لزوم التَّوَكُّل على من تكفَّل بالأرزاق؛ إذ التَّوَكُّل هو نظام الإيمان، وقرين التوحيد، وهو السبب المؤدي إلى نفي الفقر، ووجود الراحة.



وما توكل أحدٌ على الله جل وعلا من صحة قلبه، حتى كان الله جل وعلا بما تضمن من الكفالة أوثق عنده بما حَوَتْهُ يده - إلا لم يَكِلْه الله إلى عباده، وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب".



درجات التَّوَكُّل:

الدرجة الأولى: معرفة الرب وصفاته، فالتَّوَكُّل لا يتم ولا يحل للإنسان إلا بمعرفة الله عز وجل معرفة صحيحة بذاته وأسمائه وصفاته، فإذا اكتملت له هذه المعرفة، عرَف أن له ربًّا قادرًا قويًّا، عزيزًا رازقًا، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، فكلما كان العبد بربه أعرف وأعلم، كان متأهلًا للتوكل أكثر من غيره، فهذه الدرجة هي العلم بالمعبود جل جلاله.



الدرجة الثانية: إثبات الأسباب ورعايتها والأخذ بها، فإنها لا تُطرَح بالكلية.



الدرجة الثالثة: رسوخ القلب في مقام التوحيد، فإنه لا يستقيم توكل العبد حتى يصح له توحيده، بل حقيقة التَّوَكُّل توحيد القلب، فما دامت فيه علائق الشرك، فتوكله معلول مدخول، وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التَّوَكُّل، فإن العبد متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه؛ فنقص من توكله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة، ومن ها هنا ظنَّ مَن ظنَّ أن التَّوَكُّل لا يصح إلا برفض الأسباب، وهذا حق، لكن رفضها عن القلب لا عن الجوارح، فالتَّوَكُّل لا يتم إلا برفض الأسباب عن القلب، وتعلُّق الجوارح بها، فيكون منقطعًا منها متصلًا بها، والله سبحانه وتعالى أعلم"؛ [من كلام الحافظ ابن القيم بتصرف واختصار؛ ينظر: مدارج السالكين (2/119، 120)].



الدرجة الرابعة: أن يعتمد القلب على الله عز وجل، ويطمئن إليه، ويسكن إليه، ويثِق بتدبيره سبحانه وتعالى، فيكون - كما قال بعضهم - كالطفل الذي لا يعرف إلا ثَدْيَ أمِّه، ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن إلا إليه.



الدرجة الخامسة: حسن الظن بالله عز وجل، فحسن الظن به يدعو إلى التَّوَكُّل عليه، وعلى قدر حسن ظن العبد بربِّه، وإرجائه له، يكون توكله عليه، وإذا ساءت الظنون بالله عز وجل، ضعُف التَّوَكُّل؛ ولهذا ذمَّ الله الظانين به ظنَّ السوء، ومن الظنون السيئة به سبحانه ظنُّ الذين يظنون أن الله لا ينصر أولياءه، أو أن الله يُديل أعداءه على أوليائه إدالةً مستمرة؛ وكذا قول أهل النفاق في وقعة الأحزاب: ﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12]، وذلك حين وعدهم بكنوز كسرى وقيصر، ووعدهم بفتوح عظيمة كفتح اليمن والشام وفارس، فلما رأى المنافقون الأحزابَ قد أحاطوا بالمدينة؛ قال ما أخبر الله عن قولهم: ﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12].



ونحن في هذه الأيام في أمَسِّ الحاجة إلى حسن الظن بالله عز وجل، وإلى تكثيره في القلوب، وتعظيمه، وشرح القلوب وتوسيعها ببعث الأمل، وتعريفها بصفات الله عز وجل التي تدل على اقتداره، وعلى حِلْمِه وإمهاله للظالمين، والناس في حاجة إلى أن يُذَكَّروا بسُنَنِ الله عز وجل في التغيير ما يحتاجون إليه في مثل هذه الأيام، وإلا فإن الكثيرين قد يحصل لهم من الانهزام الداخلي والتشكُّك بوعد الله عز وجل ما يُفضي بهم إلى أمور عظيمة من جهة الاعتقاد؛ ولهذا بعض أهل العلم فسَّر التَّوَكُّل بحسن الظن بالله.



"والدرجة السادسة: أن يستسلم القلب لربِّه، وأن تنجذب دواعيه كلها إليه"؛ [مدارج السالكين (2/122)، بتصرف].



والدرجة السابعة: أن يفوِّض أمره إلى الله ربه تبارك وتعالى؛ لأنه يعلم أن الله عليم، يعلم الأمور كلها، وهو حكيم يضع الأمور في مواضعها، ويُوقِعها في مواقعها، فإذا حصل اليقين بذلك مع وثوق بقوة الله عز وجل وقدرته، فإنه يستسلم ويفوِّض أمره إلى الله عز وجل.



فالتفويض "هو روح التَّوَكُّل ولُبُّه وحقيقته؛ وذلك أن تسلِّم أمورك كلها إلى فاطرك وبارئك سبحانه، وأن تُنْزِلَ به حوائجك اختيارًا لا اضطرارًا"؛ [مدارج السالكين (2/122)، بتصرف].



والدرجة الثامنة: هي الرضا؛ قال ابن القيم رحمه الله في [مدارج السالكين (2/ 122)]: "وهي ثمرة التَّوَكُّل، ومن فسر التَّوَكُّل بها، فإنما فسره بأجَلِّ ثمراته، وأعظم فوائده، فإنه إذا توكَّل حقَّ التَّوَكُّل، رضِيَ بما يفعله وَكِيلُه".



ثم نقل عن شيخه ابن تيمية رحمه الله أنه قال كما في [مدارج السالكين (2/ 122)]: "إن الرضا والتَّوَكُّل يكتنفان المقدور، فالتَّوَكُّل قبل وقوعه، والرضا بعد وقوعه".



وقد قرن الله عز وجل بينهما في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [التوبة: 59].



وجمع بينهما صلى الله عليه وسلم في حديث الاستخارة المشهور، الذي كان يعلمه أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم))، فهذا توكُّل وتفويض، ثم ختمه بسؤال الرضا بقوله عليه الصلاة والسلام: ((وقدِّر لي الخير حيث كان، ثم رَضِّني))؛ [أخرجه البخاري].



ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: ((وأسألك الرضا بعد القضاء))؛ [أخرجه النسائي في الكبرى، وابن خزيمة في التوحيد، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الجامع]، فهذا سؤال لتحقيق الرضا بعد وقوع المقدور.



قال الشيخ السبت: "فهذه درجات ثمانٍ إذا اجتمعت للإنسان، كمل له التَّوَكُّل، وإذا نقص شيء منها أو اختلَّ، اختلَّ توكله.



والإنسان بحاجة إلى ملاحظة قلبه، وعرض توكله على هذه الدرجات؛ من أجل إصلاحه وتكميله؛ [أعمال القلوب (1/476)].



قال أبو علي الدقاق: "التَّوَكُّل ثلاث درجات: التَّوَكُّل، ثم التسليم، ثم التفويض"، وقال: "التَّوَكُّل بداية، والتسليم واسطة، والتفويض نهاية".



وسُئِلَ سهلٌ عن التَّوَكُّل فقال: "قلب عاش مع الله تعالى بلا علاقة"؛ [ينظر: الرسالة القشيرية (1/ 302)].



وقال بعض الحكماء: "التَّوَكُّل على ثلاث درجات: أولاها: ترك الشكاية، والثانية: الرضا، والثالثة: المحبة، فترك الشكاية درجة الصبر، والرضا سكون القلب بما قسم الله له، وهي أرفع من الأولى، والمحبة أن يكون حبه لِما يصنع الله به، فالأولى للزاهدين، والثانية للصادقين، والثالثة للمرسلين"؛ [التَّوَكُّل على الله لابن أبي الدنيا (ص: 71)].



و"على قدر إيمان العبد يكون توكله"؛ كما قال الحافظ ابن القيم رحمه الله [بدائع الفوائد، ط عالم الفوائد، (2/ 767)].



و"أعظم أنواع التَّوَكُّل: التَّوَكُّل في الهداية، وتجريج التوحيد، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجهاد أهل الباطل، فهذا توكل الرسل وخاصَّةِ أتباعهم"؛ [الفوائد لابن القيم (ص: 86)].



هذا ما تيسر القول فيه، ونسأل الله العظيم أن يجعل قلوبنا عامرة بذكر الله والتَّوَكُّل عليه، والخوف منه، والخشية له جل جلاله، وأن يرزقنا حبَّه وحبَّ من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبِّه، وأن يوفقنا لكل خير، بمنِّه وكرمه.



وسبحان من يتفضل على من يشاء بما شاء، والله ذو الفضل العظيم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، والحمد لله رب العالمين



 توقيع : إرتواء نبض



رد مع اقتباس