عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 11-09-2023
Oman     Female
SMS ~ [ + ]
أحبك وأنت النبض ودقات قلبي كله:066
لوني المفضل White
 عضويتي » 28589
 جيت فيذا » Oct 2015
 آخر حضور » منذ 9 دقيقة (05:46 PM)
آبدآعاتي » 1,057,619
الاعجابات المتلقاة » 13960
الاعجابات المُرسلة » 8086
 حاليآ في » سلطنة عمان
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Oman
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الفنى
آلعمر  » 22سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » عزباء
 التقييم » ضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  اطبخ
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي وقفات مع بعض أخلاق سيد الأنام عليه الصلاة والسلام



وقفات مع بعض أخلاق سيد الأنام عليه الصلاة والسلام

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله، في مطلع عامٍ هجري جديد من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يطيب لنا أن نقلب بعض صفحات ماضينا المجيد؛ لنتعرف على بعض أخلاق درة تاج الجنس البشري، وأعظم المخلوقات في العالم السفلي والعلوي, يطيب لنا في هذا اليوم بعد انقضاء عام، ودخول عام، من تأريخ هجرة النبي عليه الصلاة والسلام أن نتعرف على بعض أخلاقه، على بعض أخلاق هذا النبي العظيم، الذي زكاه العلي العظيم بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، لا سيما وأمة الإسلام تعيش أزمة في أخلاقها، وتقليد أعدائها، وذلك بسبب جهلها، وعدم الانقياد لسنة وأخلاق نبيها عليه الصلاة والسلام.

فحيا هلا بكم في هذا اليوم، وفي ظل هذه الأزمة الأخلاقية التي تعيشها الأمة الإسلامية أن نستعرض بعض أخلاق الإسلام التي كانت واقعًا ملموسًا في حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فدعونا نتعرف عن أخلاق نبينا؛ لنعلم أين نحن من أخلاق وجمال ديننا؟!

فكلنا يعلم أن ديننا هو دين الأخلاق، ونبينا بعث ليتمم مكارم الأخلاق، ونصف مساحة العالم الإسلامي دخلت إلى هذا الدين بالأخلاق، وإنما الأمم الأخلاق، دعونا نشنف أسماعنا، ونشرح صدورنا، ونروي أكبادنا بعرض أخلاق نبينا - عليه الصلاة والسلام - وكيف كانت أخلاقه؟ وكيف كان تواضعه، وجوده، وكرمه؟ كيف كان عفوه، وحلمه؟ كيف كان جوده، وشجاعته، وكرمه؟!

فهو الذي زكاه ربه، زكى عقله فقال: ما ضل صاحبكم وما غوى، وبصره فقال: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17]، وفؤاده، ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]، وصدره: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1]، وذكره: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]، ومعلمه: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 5]، وصدقه، ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3]، وحلمه، ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وزكَّاه كله، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

ويكفيك عن كل مدح مدح خالقه
واقرأ بربك مبدأ سورة القلم
أحيا بك الله أرواحا قد اندثرت
في تربة الوهم بين الكأس والصنم
نفضت عنها غبار الذل فاتقدت
وأبدعت وروت ما قلت للأمم

فمن أين أبدأ؟ هل أبدأ بحلمه وعفوه، أم بجوده وكرمه، أم بوفائه وشجاعته، أم بأخلاقه وتواضعه؟ فهو الذي علم الدنيا التواضع عليه الصلاة والسلام!

هو الذي كان يقضي الحوائج، ويفرج الكروب، ويعلم الجاهل، ويطعم الجائع، ويسلم على الصبي، ويمسح على رأس اليتيم، ويدخل السرور على أصحابه، ويكرم من دخل عليه ولوكان من أعدائه، وربما بسط له ثوبه، وآثره بوسادته.

هو الذي كان يجيب الدعوة، ويقبل الهدية، ويجالس الفقراء، والمساكين، ويقول - كما في الصحيح -: «اللهم أحيني مسكينًا، واحشرني مع زمرة المساكين!»[1] عليه صلوات رب العالمين.

اختار أن يكون عبدًا رسولًا على أن يكون ملكًا نبيًّا، ولعظم تواضعه نهى عن إطرائه، ورفعه فوق منزلته، فقد قال - فيما صح عنه -: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله!»[2] ، وقال: «ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله إياها! ولما قال له رجل: يا خير البرية، قال: ذاك إبراهيم!»[3].

إن بعض الناس إذا لم تناده بكنيته، أو بلقبه، ومشيخته، انتفخت أوداجه، واحمر وجهه، ونبينا سيد البرية، وأفضل الذرية يقول: ذاك إبراهيم، ولا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله إياها».

تراه عليه الصلاة والسلام بين أصحابه دون أن يتميز عليهم؛ حتى إن الداخل لا يعرفه، ولا يميزه من بين أصحابه، روى البخاري رحمه الله أن أعرابيًّا دخل المسجد والنبي عليه الصلاة والسلام بين أصحابه، فقال: أيكم محمد؟ أيكم محمد؟[4] سبحان الله!

لم يكن له عليه الصلاة والسلام فرش وفيرة، أو مجالس زاهية، بل ربما نام على الحصير فأثر في جنبه! أتاه عمر يومًا وقد نام على حصير فأثر في جنبه، فهملت عيناه رضي الله عنه وجثى على ركبتيه، ثم قال: صفوة الله من خلقه فيما أرى، وفارس، والروم يعبثون بالدنيا، ادعوا الله يا رسول الله! فاحمر وجهه عليه الصلاة والسلام وقال: «أوفي شك أنت يا بن الخطاب؟! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدينا، أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟! ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20]».

ها هو ابن مسعود رضي الله عنه يقول: كنا يوم بدر كلُّ ثلاثة على بعير لقلة الظهر، وكان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله عليه الصلاة والسلام على دابته!

وتأمل بالله عليك ثم تأمل، لماذا لم يفرد رسول الله نفسه براحلة مستقلة، بل جعل نفسه كبقية أفراد جيشه؟ لماذا لم يجعل له حراسة مشددة، ومرافقين من بين يديه ومن خلفه؟! لماذا؟ ليعلمنا أن الكمال ليس بالترفع، التعالي على المؤمنين، ليعلمنا:
إن كريم الأصل كالغصن كلما
تحمل من خير تواضع وانحنى



وروى ابن ماجه، وصححه الألباني - رحمة الله عليهما - عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابته من هيبته رعدة، فقال صلى الله عليه وسلم: «هوِّن عليك، إني لست بملك؛ إنما أنا بن امرأة من قريش تأكل القديد!» [5]، الله أكبر!

فهل رأيت مثله يا ذا الحجا
لزينة الدنيا ومحو للدجى

إنه الخلق العظيم الذي زكاه العلي العظيم، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، هكذا علمنا صاحب الخلق العظيم أن العظمة، والهيبة، ليست في استغلال الناس وإرعابهم، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد.

والله يا عبد الله لو عرفت قدر نفسك ما تكبرت، لو عرفت من أنت؟ وممن أنت؟ ومن أين خرجت؟ وما الذي تحمله الآن في بطنك؟ ما تكبرت.

يا مدعي الكبر إعجابًا بصورته
انظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم
ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
يا بن التراب ومأكول التراب غدا
أقصر فإنك مأكول ومشروب

هكذا كان تواضعه عليه الصلاة والسلام، وإن سألت عن حلمه، ورفقه، فهو أحلم الناس، كيف وقد قال عنه رب الناس: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

سألته عائشة رضي الله عنها: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟! فقال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت؛ وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبدِ يا ليل، فلم يجبني إلى ما أردت؛ فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا في قرن الثعالب، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني فرفعت رأسي، ونظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت، قال فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد، ذلك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فعلت! فقال الرحمة المهداة الذي أرسله الله رحمة للعالمين: لا! لا! بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئًا»[6].

لا إله إلا الله!
صدق الله العلي العظيم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

جرعه أهل مكة، الصاب، والعلقم أخرجوه من بلده، آذوه في نفسه، وجسده، قالوا عنه: ساحر، مجنون، كاهن، قاطعوه في الشعب، وحبسوه، ووضعوا الشوك في طريقه، وألقوا سلا الجزور على رأسه، فعلوا به ما فعلوا، لا يومًا، ولا شهرًا، ولا سنة، ثم بعد ذلك أظفره الله بهم، حتى صاروا تحت حكمه، وتحت قبضته وسطوته، وسيطرته، فماذا فعل يا ترى؟ ماذا فعل بهم؟ وماذا قال لهم؟ ولكن قبل أن تسمع الكلام، عد بذاكرتك إلى الأمام، ثم تذكر أفعالهم، ولو كنت مكانه فماذا ستفعل بهم؟! ماذا ستفعل بقوم تكلموا عليك، ضربوك، رجموك، سخروا منك، وطردوك؟ قال لهم - بعد كل أفعالهم، وأعمالهم -:«أقول لكم ما قال أخي يوسف: ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]، اذهبوا فأنتم الطلقاء».

سبحان ربي العظيم! أي خلق، وأي حلم، ورفق في هذا النبي العظيم؟! عليه صلوات رب العالمين.

انظر في أخلاق المصطفى عليه الصلاة والسلام ثم تأمل كيف أصبح كثير من الناس في هذا الزمان! وكيف أصبحت قلوبهم مليئة بالأحقاد والكراهية، والحسد والأنانية، كيف أصبح الأخ يقتل أخاه بسبب شبر من الأرض، أو بسبب لعاعة من هذه الدنيا الدنية، تأمل كيف أصبح الجار مع جاره؛ يكاد بعضهم يأكل بعضا، وهم – ربما - من قبيلة واحدة، بل وفي عمارة واحدة، والسبب في ذلك إما بمشكلة حصلت بين أولادهم، أو بسبب خلاف بين زوجاتهم، إلى غير من أحوالهم، والله المستعان!

وها هو جرثومة الشر ابن أُبي - عليه من الله ما يستحق - له سجل حافل بالكذب والمخازي، فكم وكم فعل بالمسلمين ما فعل من كيد، ومكر، فهو الذي أرجع ثلث الجيش في معركة أُحد، وهو القائل: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، هو القائل: ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]، وهو الأذل الأعوج الأهوج، هو الذي اتهم أمَّنا - أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها وعن من ترضى عنها - بالفاحشة، وطعن في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم، وكم هم أولئك الذين أخرجوا من ضئضئ هذا المنافق اللئيم في هذا الزمان الأليم؟! وهكذا جاء دور ابن أبي ومات بعد أن ملأت رائحة نفاقه كل فج، جاء ابنه الصالح عبد الله رضي الله عنه إلى رسول الله، وسبحان الذي يخرج الحي من الميت! فطلب الصفح عن أبيه، فصفح، وطلب منه أن يكفنه في قميصه فمنح، وأن يصلي عليه؛ فتقدم وصلى عليه، فقال الفاروق الأواب عمر بن الخطاب: أتصلي على ابن أُبي يا رسول الله؟! أتصلي على هذا المنافق؟! ثم جاءت العدالة العليا لتحسم الأمر: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 84].

هكذا كان عفوه صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان حلمه، مع أعدائه قبل أقربائه، وأصحابه.

وإن سألت عن أخلاقه، فيكفيك مدح خالقه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، واسمع إلى هذا الخبر العجيب: روى البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني، عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه سيد بجيلة، نعمَ الفتى ونعمت القبيلة، يقول: لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي، وحللت عيبتي، ولبست حلتي، ثم دخلت المسجد ورسول الله يخطب، فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي: يا عبد الله، هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر! قال: بينا هو يخطب إذ قال: «إنه سيدخل عليكم من هذا الفج رجل من خير ذي يمن، ألا إن على وجهه مِسحة ملَك»، وكان رضي الله عنه جميلًا حتى كان عمر يسميه، ويلقبه بيوسف هذه الأمة.

ودخل جرير بعدها على النبي عليه الصلاة والسلام في بيته، وعنده جمع من الصحابة فضن الناس بمجالسهم – أي: بخلوا بمجالسهم ولم يفسح له أحد ليجلس - ثم قصد الباب ليخرج، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه ثم ألقاه إليه ليجلس عليه، فأخذه جرير وألقاه على وجهه وجعل يقبله، وهو يبكي ويقول: ما كنت لأجلس على ثوبك، أكرمك الله كما أكرمتني يا رسول الله! ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما رواه ابن ماجه، وصححه الألباني - رحمهما الله -: «إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه» [7].

أكرم به من مرسل ومعلم
وله الشفاعة يوم نحشر في الورى

فتح الإله به قلوبا غلقت
وأنار أبصارًا وكانت لا ترى
أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يرزقنا الاقتداء بنبينا، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أيها المسلمون عباد الله، سمعتم بعضًا من أخلاقه عليه الصلاة والسلام ومن تواضعه، وحلمه، وعفوه، وأما عن وفائه عليه الصلاة والسلام فهو الذي علم الدنيا الوفاء، فلا يوجد من هو أوفى ذمة، ولا أنقى سريرة منه عليه الصلاة والسلام، كان وفيا مع أصحابه، مع زوجاته، مع الحيوانات، مع الجمادات بل حتى مع أعدائه، وإن لم تسمع فاسمع إلى ما رواه الإمام مسلم في صحيحه: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: ما منعني أن أشهد بدرًا؛ إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار قريش وقالوا: إنكم تريدون محمدًا، قلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة.

فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لننصرفنَّ إلى المدينة ولا نقاتل مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال فأتينا رسول الله، وأخبرناه الخبر.

ولك أن تتأمل ماذا فعل سيد البشر عليه الصلاة والسلام تأمل إلى وفاء سيد الأوفياء، في هذا الوقت هو أحوج ما يكون إلى زيادة فرد في جيشه؛ ليتقوى به على عدوه الذي هو أضعاف أضعاف عدده، ومع ذلك قال لحذيفة: انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم[8].

الله أكبر! والذي نفسي بيده؛ ما فتح نبينا قلوبًا غلفًا ولا أسمع آذانًا صمًّا، ولا هتفت الدنيا بذكره إلا بسمو أخلاقه عليه الصلاة والسلام.

وروى الإمام أحمد وصححه الألباني رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جزورًا من رجل من الأعراب بوسق من تمر العجوة، ورجع به النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيته ليعطيه حقه، فالتمس التمر فلم يجده، فخرج وقال: «يا عبد الله، التمسنا التمر فلم نجده»، فقال الأعرابي: واغدراه! وغدراه! فنهاه الناس، وانتهروه، وقالوا: قاتلك الله! اتُغَدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال عليه الصلاة والسلام: «دعوه؛ فإن لصاحب الحق مقالًا!»، ثم قال لرجل من أصحابه: اذهب لخولة بنت حكيم فأوف له حقه، ثم قال الأعرابي: جزاك الله خيرًا! قد أوفيت، وطيبت، فقال عليه الصلاة والسلام: «أولئك خير عباد الله الموفون المطيبون»[9].

نعم أيها الناس، نعم معاشر المسلمين والمسلمات، إن لصاحب الحق مقالًا.

بالله عليكم - أيها الناس - كم هي الحقوق التي تُؤخذ في هذه الأيام؟ أليس منا من يجحد حق أخيه، ويحلف على ذلك؟ أليس منا من يستدين أموال الناس، ويماطلهم وهو قادرٌ على سدادهم، ويسبهم إن طالبوا بحقوقهم؟ أليس من المسلمين من يأخذ حق زوجته، وربما يأخذ حُليها من أول عام من زواجه بها؟ وإذا طالبت بحقها، أخذ يسبها أو يضربها، وربما يهددها بطلاقها، بل كم هم أولئك أصحاب المحلات الذين يشكون من دين ومماطلة المدينين لهم.

كم رأينا أناسًا أغلقوا محلاتهم بسبب كذب بعض الناس عليهم، ومماطلتهم لهم، وإذا جاؤوا يطالبون بها ما يسمعون إلا الأيمان الكاذبة، والوعود الفارغة، والله المستعان.

«إن لصاحب الحق مقالًا، إن لصاحب الحق مقالًا»، هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

ومن وفائه: أنه كان وفيا مع أصحابه الذين ناصروه، وبذلوا مهجهم في سبيل دعوته، ونشر سنته، فقال يوصي الأمة جمعاء بصحابته: «احفظوني في أصحابي!»[10].

وقال: «الله الله في أصحابي!»[11].

وقال: «لا تسبوا أصحابي»[12].

وقال: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين!» [13].

وقال: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا؛ ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه!» [14].

وقال: كما عند البخاري - عندما وقف في أحد حزينًا على شهدائهم: «أنا شهيد عليهم يوم القيامة! » [15].

ولما مات أبو سلمة رضي الله عنه وقد قُتل في سبيل الله، خلَفه رسول الله، وقال لأم سلمة - كما روى الإمام أحمد -: «عيالك عيالي يا أم سلمة!»[16]،

ويقول لامرأة جعفر كما في الحديث الذي صححه الألباني رحمه الله، عندما قتل زوجها العيلة: « العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة!»[17].

ومن وفائه عليه الصلاة والسلام أنه كان وفيًّا مع أول من صدقه، وآمن به، فقد بيَّن مكانته للناس ليعرفوا قدره، ومنزلته؛ حيث قال - فيما صححه الألباني رحمه الله -: «ما لأحد عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه بها، ما خلا أبا بكر فإن له يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة!»[18] ، وقال: «ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر!»[19] ، وقال: «ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي، لاتخذت أبا بكر خليلًا»[20]، وقال: «لا يبقين باب في المسجد إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فهو الذي لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح إيمانه، وما طلعت الشمس، ولا غربت على أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه!»[21].

ومن وفائه: أنه كان وفيًّا لعمه أبي طالب الذي رباه حتى بلغ أشده، وأعانه على إبلاغ رسالته، ومنعه من سفهاء قومه، فلم يخلصوا إليه بسوء في حياته، ولما حانت وفاة عمه اهتزت مشاعر الوفاء في قلبه، فحرص كلَّ الحرص على أن ينقذه من النار، فجعل يناشده: أي عم، قل: «لا إله إلا الله، كلمة أُحاجُّ لك بها عند الله! يا عم قل: لا إله إلا الله»، ثم مات على غير لا إله إلا الله؛ فوجد عليه النبي عليه الصلاة والسلام وجدًا شديدًا، لما يعلم من مصيره، فقال له العباس بعد موته: ما أغنيت عن عمك يا رسول؟! فقد كان يحوطك، ويغضب لك، فقال - كما روى البخاري ومسلم -: «هو في ضحضاح من نار؛ لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار!»[22].

ويظهر سمو وفائه عليه الصلاة والسلام لمن عاش معه ريعان شبابه، خديجة أم المؤمنين - رضي الله عنها وأرضاها - لها منقبة لم تعرف لامرأة سواها؛ إذ أرسل الله إليها السلام مع جبريل - كما روى ذلك الشيخان -: «وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب»[23].

أحبها حبًّا جمًّا، لم يتزوج عليها حتى توفاها الله، فحزن عليها حزنًا شديدًا، فقد ماتت رضي الله عنها، لكن حبها لم يمت في قلبه عليه الصلاة والسلام، فقد كان يكثر من ذكرها، ويقول - كما روى الإمام البخاري-: «إني رُزقت حبها، وقال إنها كانت... وكانت... وكان لي منها ولد!» [24].

كان يذبح الشاة ويقطعها أوصالًا، ويبعث بها إلى صدائق خديجة كما روى البخاري رحمه الله.

ولما استأذنت هالة أخت خديجة عليه، تذكر استئذان خديجة وهش وارتاح لصوت ذكره بخديجة، فقال: «اللهم هالة بنت خويلد!»، قالت عائشة: فغِرت وقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين - يعني: لا أسنان لها من الكبر - هلكت في الدهر أبدلك الله خيرًا منها، قالت: فتمعر وجهه تمعُّرًا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي، أو عند المخيلة - أي: عند السحاب - ثم قال: «ما أبدلني الله خيرًا منها! آمنت بي إذ كفر بي الناس، واستني بمالها إذ حرمني الناس، رزقني الله منها الولد إذ حرمت أولاد غيرها!»، قالت عائشة: والذي بعثك بالحق، لا أذكرها بعد هذا اليوم إلا بخير!

ولما أتته عجوز يومًا - كما صحح ذلك الألباني رحمه الله - أحسن لقاءها، وأكرم مثواها، وسألها عن حالها، كيف أنتم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت بخير - بأبي أنت وأمي - يا رسول الله، فقالت عائشة: أقبلت على هذه العجوز هذا الإقبال! قال: إنها كانت تأتيني زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان.

معاشر المسلمين والمسلمات، ما أحوجنا اليوم إلى أن نستلهم هذه الدروس العظيمة للحفاظ على الود وحسن العهد في الحياة الزوجية!

ما أحوج الزوج مع زوجته أن يتعلما الوفاء من هذه الدروس الوفية، والمواقف النبوية التربوية من سيد البشرية، عليه صلوات رب البرية!

كم نسمع عن زوج تزوج على زوجته - ولا لوم في هذا - لكنك تراه ينسى زوجته الأولى، ويهملها، ويتنكر لها، ويقهرها، وهي التي لطالما صبرت عليه، وعلى تربية أولاده، وفقره، هي التي تقلبت معه بين حلو العيش ومره، هي التي عاشت معه حياة مليئة بالمواقف، والذكريات مع البنين والبنات، أصبح بعد ذلك يسبها ويعيرها، ويهددها بطلاقها، وهي صابرة لأجل أولادها، وأصبحت كالخادمة له ولزوجته التي تزوج بها عليها!

فأين الوفاء أيها الأزواج؟! أين الوفاء؟! وأين أنت أيها الزوج من هذه المواقف الوفية، وهذه الأخلاق النبوية على صاحبها الصلاة والسلام؟!

ولا يعد هذا الكلام إقرارًا ورضاءً لمن يجعل زوجته الثانية للمتعة، أو أنه ما تزوجها إلا للخدمة، ويصرف حبه للأولى لأنها أم عياله، ورفيقة دربه أو ابنة عمه كما يقول بعضهم، لا ولا، ولكن: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].

فيا أمة الإسلام، ويا أحباب محمد عليه الصلاة والسلام، هذا هو جمال دينكم، الذي أكرمكم الله به وشرفَكم، وهذه هي أخلاق نبيكم، الذي به فضلتم على غيركم.

فو الله ما خلق الإله ولا برى
خَلقًا ولا خُلقًا كأحمد في الورى
فعليه صلى الله ما قلم جرى
أو لاح برقٌ في الأباطح أو قبا

اللهم ارزقنا الاهتداء بدينك، والاقتداء بنبيك، واجعلنا من أوليائك وأصفيائك! اللهم صل على محمد عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، مداد كلماتك.........

[1] رواه الحاكم في مستدركه (7911)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
[2] أخرجه البغوي في السنة (13/ 246).
[3] رواه مسلم في صحيحه (2369)، عن أبي هريرة رضي الله عنه .
[4] رواه البخاري (93)، عن أنس رضي الله عنه.
[5] رواه ابن ماجه (3312).
[6] رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795).
[7] رواه ابن ماجه (3712).
[8] رواه مسلم (1787).
[9] رواه أحمد في مسنده (26312).
[10] رواه ابن ماجه (2363)، والحاكم في مستدركه (390)، عن سعد بن أبي وقاص وجابر بن سمرة رضي الله عنهما .
[11] رواه أحمد (20549)، والترمذي (3862)، عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه .
[12] رواه البخاري (3673)، ومسلم (2540) عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما.
[13] رواه الطبراني في الكبير (12709)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[14] رواه أبو داود في سننه (4658)، عن أبي سعيد رضي الله عنه .
[15] أخرجه أبوداود (3136) (3137)، والترمذي (1016)، وأحمد (3/ 128)، والدار قطني (4/ 116-117)، والحاكم (1/ 365، 2/ 120، 3/ 196)، والبيهقي (4/ 10-11).
[16] رواه أحمد (16344)، عن أم سلمة رضي الله عنها.
[17] رواه أحمد (1750)، عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه.
[18] رواه الترمذي (رقم 3741) عن أبي هريرة رضي الله عنه .
[19] رواه أحمد (7446) وابن ماجه (94)، عن أبي هريرة رضي الله عنه .
[20] رواه البخاري (467)، ومسلم (2383).
[21] رواه البخاري (3654)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[22] رواه البخاري (6208)، ومسلم (209)، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
[23] رواه البخاري (3820)، ومسلم (2432)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[24] رواه البخاري (3818)، عن عائشة رضي الله عنها.



 توقيع : ضامية الشوق



رد مع اقتباس