عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 06-12-2018
Saudi Arabia     Male
لوني المفضل Darkgray
 عضويتي » 27957
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 2 أسابيع (02:49 AM)
آبدآعاتي » 240
الاعجابات المتلقاة » 3
الاعجابات المُرسلة » 1
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Male
آلقسم آلمفضل  » الادبي
آلعمر  » 33سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » اعزب
 التقييم » نَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond reputeنَـوًّاَفْ has a reputation beyond repute
مشروبك   water
قناتك rotana
اشجع naser
مَزآجِي  »  احبكم
بيانات اضافيه [ + ]
M0dy 063 تأملات في ملكوت الخالق ( بحر الأسرار )

















بحر الأسرار
تطلّع الجرّاح إلى ذلك الجسد الصغير المسجى على الفراش في غرفة العمليات .. الرأس مكشوف .. وفي موضع بارز والأضواء مسلطة عليه .. تمت حلاقته بشكل كامل .. وهناك علامات بخط أزرق للمنطقة التي ستتم عبرها الجراحة .. تضم الغرفة (إضافةً إلى جرّاح المخ والأعصاب والمريض) طالبين متدرّبين ضمن فترة تدريب التخصص (في جراحة المخ والأعصاب) .. وجرّاح مساعد مقيم في السنة الأخيرة من تدريبه .. وطبيب التخدير .. وممرضتين .. سبعة أشخاص يحيطون بذلك الطفل .. ذو الأربعة أعوام .. الذي تم تشخيص إصابته بورم نخاعي Medulloblastoma .. متموضع في قاعدة المخ .. بدأ بغزو ذلك الدماغ الفتي النامي .. بالغ الانتظام والدقة .. بدأت خلايا ذلك الورم بالتكاثر بين فصي المخيخ .. لدرجة أن باتت تضغط لا على المخيخ وحده .. بل على المخ أيضاً .. وبدأ الورم بإعاقة السوائل التي تجري في الدماغ من السريان عبر مساراتها .. كان الطفل يتعرّض للدوار والتقيّؤ .. والسقوط المفاجئ أحياناً .. وهو الآن مخدّر .. في انتظار أن يتخلّص من هذا الورم .. وتلك الأعراض إلى الأبد بمشيئة الرحمن ..
طبيب التخدير يتابع قلب الطفل وسرعة نبضه .. وتنفسه .. ودرجة غيابه عن الوعي تحت تأثير المخدّر .. إحدى الممرضتين تهتم بالشاشات التي "تراقب" الإشارات الحيوية .. بينما الأخرى بقرب الجرّاح لامداده بما يحتاج من الأدوات ..الجراح المساعد في الجهة المقابلة .. والطالبين المتدرّبين في موضع آخر يؤمّن لهما "المشاهدة" .. والتعلّم ..
بدأ الجرّاح بالعمل .. المبضع المعقّم يعمل على الموضع "المعلّم" في فروة الرأس .. ينتهي من القطع .. يبدأ بنزع الجزء المقطوع من الفروة .. تصدر فروة الرأس صوتاً مميزاً خاصاً بها عندما تُنتزع عن الجمجمة .. كصوت "شريط لاصق" كبير يُنزع عن مكان لصقه ! .. "وكأنه" صوت غاضب .. حزين النبرة !.. حدّد الجراح نقاطاً على الجمجمة .. وتناول "المثقاب" الكهربي من الممرضة .. ارتفع "الأزيز" الرتيب للمثقاب وهو "يحفر" عظم الجمجمة .. اربعة ثقوب تمت في تلك الجمجمة الصغيرة .. تناول الجراح أداة أخرى .. المنشار الكهربي .. وبدأ العمل به .. "نشر" خطوطاً تصل ما بين النقاط التي حفرها المثقاب .. صوت المنشار الممزوج برائحة شبيهة بنشارة الخشب (ناتجة عن "نشر" مادة عظم الجمجمة) أَلقَت الرهبة في قلبي الطالبين .. لم يُشاهدا .. أو "يشمّا" .. أو يسمعا شيئاً "كهذا" بشكل واقعي حي أمامهما .. لا يوجد في كلية الطب أي "منهج" لتعليم "الأصوات" و"الروائح" التي سيواجهونها أثناء جراحة الدماغ !..
انتهى الجراح من "نشر" قطعة مربعة تقريباً من عظم الجمجمة .. وبدأ بنزع هذه القطعة عن أول أغشية الدماغ تحتها .. غشاء الأم الجافية .. يقطع المقص ذلك الغشاء السميك نسبياً .. الذي يحيط بالدماغ ويحتضنه .. فينكشف الدماغ أمام الحضور .. بتلافيفه وأوعيته الدموية المنتشرة على سطحه (والمتعمّقة بشبكة كثيفة داخله) .. وباهتزازه بإيقاع رتيب مع كل خفقة من القلب .. الجراحة الفعلية ستبدأ الآن .. الجرّاح "يشق" طريقه نحو "الورم" بحذر شديد .. ومهارة سنين في هذا المجال .. ومع ذلك فجراحة الدماغ صعبة للغاية .. وأصعبها ما يجري في قاعدة المخ .. ولا يفوق ذلك صعوبة سوى محاولة القيام بها في دماغ طفل صغير !!.. أي "خطأ" أو قطع في مكان غير مناسب .. ولو بحدود ملليمترات .. قد يعني نزفاً لا يمكن السيطرة عليه .. أو فقداً لوظيفة حيوية .. أو حتى الموت !..
الجرّاح يعمل بمبضعه بحذر .. وهدوء نفس عجيب .. ومهارة يحسد عليها .. الورم يزال قطعة قطعة .. بقيت آخر قطعة .. هم الجرّاح بإزالتها فاكتشف انها مرتبطة بأحد الأوردة الرئيسية في قاعدة الجمجمة .. شبكة الأوردة والشرايين في قاع الجمجمة معقّدة بشكل لا يصدق .. راح مساعد الجراح "يشفط" السوائل المنسابة بلا توقف .. بينما يعمل الجراح "بعناية" لبتر آخر بقايا الورم .. وفي هذه اللحظة تشتت انتباه المساعد للحظة .. فمزّق جهاز شفط السوائل أحد الأوردة .. وانفتحت أبواب الجحيم !!.. ملأت الدماء النافرة تجويف العمل الجراحي .. وبدأ الدم يتدفّق بغزارة !!.. صرخ طبيب التخدير منبهاً بأن ضغط دم الصغير بدأ بالانخفاض بشكل مريع .. وأنه لا يستطيع تعويض الدم بالسرعة المطلوبة .. ليس للجراح الآن سوى تطويق الوريد "المجروح" لأيقاف النزيف .. لكنه لا "يرى" هذا الوريد .. "بحيرة" الدماء التي تكونت منعته من رؤية الوريد النازف .. جهاز شفط السوائل لم يتمكن من السيطرة على النزف .. وراحت يد مساعد الجراح ترتجف .. مما منعه من تقديم أي مساعدة تذكر !.. الوضع حرج للغاية .. صاح طبيب التخدير " توقف القلب عن النبض" !!.. وبدأ فوراً بإنعاش ذلك القلب الصغير .. راح يضغط على قلب الطفل بيد .. واليد الأخرى على ظهره محاولاً بيأس حث قلبه على الخفقان من جديد .. من أجل استمرار "ضخ" الدماء .. والجراح يحاول جاهداً "كبح" الوريد .. لكن رؤيته كانت مستحيلة وسط تلك الدماء .. وبات إنقاذ الطفل مع كل تلك الأحداث الحرجة مستحيلاً .. سيموت الطفل غالباً .. تطلّع الجراح إلى الموضع الممتلئ ببركة الدماء .. هدأ من "روعه" .. وفكّر في احتمال يتجاوز الخبرة .. يتجاوز "المنطق" الطبي .. فكّر في "معجزة" لا يُسيّر أمرها إلا الخالق عز وجل .. وحده .. من أبدع هذا الدماغ .. ومن يقدّر (وحده) لحظة موته وحياته .. أرخى عضلات جسده المشدودة .. وركّز ذهنه .. تصوّر بعين "عقله" الوريد المتهتك و"موضعه" .. متوارياً بين شبكة أعصاب الصبي .. وهو لا "يرى" شيئاً فعلياً .. لكنه يدرك أن اللحظة التالية إما أن تؤمّن استمرار حياة الطفل إلى ماشاء الله .. بكل ماقدره الله له .. وإما أن تنتهي حياته في هذه اللحظات..
داخل "بركة الدماء" الصغيرة .. وفي موضع لا "يراه" سوى "توقّعاً" بعيني "قلبه" .. مدّ يده بملقط مفتوح .. أغلقه .. وسحب يده في هدوء .. وتوقف النزف !.. سمع صوت جهاز تخطيط القلب يصفر ببطء وخفوت .. كان خفقاناً بسيطاً .. غير متسق .. لكنه ازداد قوة ً وانتظاماً مع الوقت .. كما تفعل كل القلوب حين تعود للحياة .. شعر الجرّاح بخفقان قلبه يواكب إيقاع طنين الجهاز .. حمداً للخالق عز وجل .. سينجو الصبي برحمة خالقه وتقديره .. سيعيش بمشيئة الرحمن كأي طفل عادي .. وسيتكلّم ويضحك خلال ثمانٍ وأربعين ساعة .. بدون ورم مهددٍ لحياته .. سينمو ويكبر .. ودماغه سينسق استجاباته ونشاطات حياته .. كأي بشر سليم آخر .. بكل دقة وانتظام .. هذه "الأفكار" كانت تنساب في دماغ الجرّاح .. والطالبين وبقية الحضور ينظرون بإعجاب ورهبة للمعجزة التي تمت أمامهم قبل لحظات .. محورها دماغين .. دماغ "جرّاح" جاهد "عقلياً" في سبيل نجاة "الدماغ" الآخر .. الذي سينمو ويكتمل "نضجه" فكراً .. "وعقلاً" .. يعمل "بحكمة" .. ويفرّق بين "الخطأ" و"الصواب" .. بكل ما أوتي من "أعصاب" دماغية .. ونواقل "عصبية" متشابكة .. ومعقدة .. غاية التعقيد .. في "نظام" بديع .. لا يعرف عنه الجرّاح .. وغيره من كل البشر .. على مر العصور السابقة (أو حتى اللاحقة) سوى "قطرات" ضمن بحر لجي .. مترامي الأطراف ..
بحر الأسرار ..

في أمان العظيم ..


وكل عام وأنتم بخير
نــــــــــــــــــــــــــواف






رد مع اقتباس