يعد الهاتف المحمول "النقال" إنجازًا عظيمًا.. أسهم في سد الثغرة في حياة البشرية، وفي حل مشاكل الاتصال بين الناس والشعوب، فعلًا إنه تقنية لا غنى عنها.

ويكاد يُجمع سكان العالم على أهمية الهاتف المحمول المتنقل أو الجوال في عصرنا هذا، وارتبطت وزادت هذه الأهمية بالدور الكبير الذي يقوم به "الجوال" في حياتنا اليومية وفي ظل التحول الرقمي الذي أصبح أسلوبًا للحياة العصرية، والذي يعد أحد الركائز الأساسية لتحقيق رؤية السعودية 2030 على اعتبار الهاتف المحمول وسيطًا ذكيًّا لإنهاء المهام وتوفير الوقت والجهد.

إنه أيقونة حياتية غاية في الأهمية، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولكن بالرغم من هذه الأهمية التي تتمثل في تحسين جودة حياة المواطن من خلال تحسين ظروفه المعيشية وتقديم خدمات إلكترونية متعددة في كل المنافذ الرقمية وغير الرقمية، واستخدام التقنيات الرقمية لإنشاء عمليات تجارية وثقافية وتجارب عملاء جديدة أو لتعديل تلك المتوفرة، وبهدف تلبية متطلبات الأعمال والسوق، فإن التغير المرتبط بتطبيق التكنولوجيا الرقمية في جميع الجوانب الاجتماعية، يعد كذلك تحولًا تنظيميًّا متكاملًا، لتسهيل الإجراءات والعمليات الإدارية ورفع جودتها، للوصول إلى مرحلة النضج الرقمي.

إدمان الهواتف المحمولة.. إنه من منظور آخر شكّل اتجاهًا سلبيًّا في الحياة الاجتماعية، فالذي يتأمل منظر الأسرة التي تجلس في مكان واحد لساعات طويلة ولا تتحدث إلى بعضها كأفراد أسرة واحدة لمناقشة بعض الأمور الحياتية، يدرك خطورة هذا الاختراع، الأمر الذي أوجد فجوة اجتماعية وعائلية وتباعدًا بين أفراد الأسرة الواحدة، وجعل كل فرد في الأسرة مُستقلًا بذاته.

وباستعراض بعض الآثار الاجتماعية التي نجمت نتيجة غزو الهاتف الخلوي وتطبيقاته للمجتمعات، فإن تأثيره قد يكون تعلم سلوكيات خاطئة وربما شاذة، وخاصةً من قبل المراهقين، فقد لُوحظ مؤخرًا انضمام الشباب لمجموعات شاذة بكثرة، وهذا الانتشار كان من ضمن مساوئ الهواتف النقالة، بل هنالك أنواع أخرى من السلوكيات الاجتماعية التي قد تغيرت بسبب الهواتف، منها إعطاء المعلومات المهمة كالشائعات والأخبار السيئة عبر الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني أو رسائل الواتساب، بدل إعطائها شخصيًّا.

إن هذا السلوك يعد وبشكل عام نوعًا من الوقاحة في الماضي!

لكن على الجانب الآخر أحدث الجوال تغييرات واضحة في طرق تواصلنا، بعض هذه التغيرات مفيدة؛ مثل: البقاء على تواصل مع أفراد العائلة الذين يعيشون في أماكن بعيدة، ولكن وكما أسلفنا سابقًا بعضها سلبيٌّ، مثل: ضعف مهارات التواصل الشخصية الاجتماعية التي قد تؤثر في إنقاص إيجابية المجتمع، حيث يجلسون مع بعضهم في بيوتهم وفي اجتماع العائلات الذي يحصل أسبوعيًّا أو في الاستراحات أو الكافيهات بحيث يكون لكل منهم عالمه الخاص الذي يغوص فيه ما إن ينكس رأسه نحو شاشة هاتفه الذكي.

يجتمعون على مائدة واحدة بأجسادهم، وعقولهم تترنح ما بين أصابعهم في عالم آخر، قلّ تواصل الأصدقاء مع بعضهم على الرغم من أنهم يجلسون معًا.

قلّ التزاور بل أصبح التواصل إلكترونيًا بديلًا للتزاور في عالم الانشغال والسرعة، إفراط وإسراف وصل إلى حد الإدمان لاستخدام تلك الأجهزة اللوحية، حيث جعلت أبناءنا بل جميع أفراد الأسرة في حالة من العزلة الاجتماعية.

بدأ الانشغال بالهواتف الذكية يأخذ منحًى خطيرًا في تأثيره على أفراد المجتمع في صور وأشكال مختلفة، إذ إن سوء استخدام مثل هذه الأجهزة يؤدّي إلى تشتّت التفكير، وبالتالي خلق حلقة مفقودة في التواصل مع الآخرين.

ختامًا..

يجب العمل على الاستخدام الأمثل للهواتف الذكية في الأشياء النافعة وكسب معلومات مفيدة لزيادة العلم من ثقافة وتطوير للمجتمع وتفتُّحه وتجنب إحداث الضرر فيه أو العبث بمكوناته.

لا بد من مراقبة الأبناء عند استخدام الهواتف الذكية وتحديد وقتٍ محدد لاستخدامها؛ لأن السماح للأبناء والأطفال بلعب أي لعبة من خلال الأجهزة الإلكترونية من غير مراقبة ومتابعة وتمحيص، قد يعرّض أطفالنا إلى مخاطر وخيمة كأمراض التوحد وضعف المهارات الشخصية الأقل سوءًا، وكذلك يجب أن تمنع عنهم أيام الاختبارات الدراسية؛ لتقليل نسبة الضعف الدراسي، ويجدر أن نستذكر حديثه صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته".

ومهما كانَ مدى الانشغال بالجوال لا بُدَّ من وضع وقت لمن حولك لزيارتهم والذهاب إليهم، فإن التواصل معهم بالهواتف ليس سببًا كافيًا لعدم زيارتهم ورؤيتهم والاطمئنان عليهم.

خلاصة القول: إن الحد بين إيجابيات وسلبيات استخدام الهواتف الذكية هو طريقة استخدامنا لها وتعاطينا معها، نحن من نبني تلك العزلة وسط أقرب الناس إلينا، بل ونختلق الأعذار والأسباب التي لو تأملنا قليلًا بها لأدركنا أنها ليست سوى مبررات لإرضاء أنفسنا ليس إلا