رسالة الخميس لابن يوسف الكاتب
وهي الرسالة التي وجهها أحمد بن يوسف إلى أهل خراسان بعد تولي المأمون الخلافة، قال :
من عبد الله الامام المأمون أمير المؤمنين إلى المبايعين على الحق والناصرين للدين، من أهل خراسان وغيرهم من أهل الاسلام: سلام عليكم، فان أمير المؤمنين يحمد إليكم الله الذي لا اله الا هو، ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله، أما بعد فالحمد لله القادر القاهر، الباعث، الوارث، ذي العز والسلطان، والنور والبرهان، فاطر السماوات والأرض ومابينهما، والمتقدم بالمنّ والطول على أهلهما، قبل استحقاقهم لمثوبته، بالمحافظة على شرائع طاعته، الذي جعل ما أودع عباده من نعمته، دليلاً هادياً لهم إلى معرفته، بما أفادهم من الألباب، التي يفهمون بها فصل الخطاب، حتى أقيموا على موارد الاختبار، وتعقّبوا مصادر الاعتبار، وحكموا على ما بطن بما ظهر، وعلى ما غاب بما حضر، واستدلوا بما أراهم من بالغ حكمته، ومتقن صنعته وحاجة متزايل خلقه ومتواصله إلى القوم بما يلمه ويصلحه على أن له بارئاً هو أنشأه وابتدأه، ويسّر بعضه لبعض، فكان أقرب وجودهم بما يباشرون من أنفسهم في تصرف أحوالهم، وفنون انتقالهم، وما يظهرون عليه من العجز عن التأنّي بما تكاملت به قواهم، وتمت به أدواتهم، مع أثر تدبير الله عزوجل وتقديره فيهم، حتى صاروا إلى الخلقة المحكمة، والصورة المعجبة، ليس لهم في شيء منها تلطّف يتيمّمونه، ولا مقصد يعتمدونه من أنفسهم، فانه قال تعالى ذكره )يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم الذي خلقك فسوّاك فعدلك في أي صورة ماشاء ركّبك( ثم ما يتفكرون فيه من خلق السموات وما يجري فيها من الشمس والقمر والنجوم مسخّرات، على مسير من تصاريف الأزمنة التي بها صلاح الحرث والنسل واحياء الارض ولقاح النبات الأشجار، وتعاور الليل والنهار، ومر الأيام والشهور والسنين التي تحصى بها الأوقات، ثم ما يوجد من دلائل التركيب في طبقات السقف المرفوع، والمهاد الموضوع، باتساق أجزائه والتئامها، وخرق الأنهار وارساء الجبال، ومن البيان الشاهد على ما أخبر الله عز وجل به من انشائه الخلق حدوثه بعد أن لم يكن، مترقيا في النماء، وثبوته إلى أجله في البقاء، ثم محاره منقضياً إلى غاية الفناء، ولو لم يكن مفتتح عدد، ولا منقطع أمد، ما ازداد بنشوء ولا تحيّفه نقصان، ولا تفاوت على الأزمان، ثم ما يوجد عليه منفعته من ثبات بعضه لبعض وقوام كل شيء منه يسّر له في بدء استمداده، إلى منتهى نفاده، كما احتج الله عزوجل على خلقه، فقال: )أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً(، وقال عز وجل )كل من عليها فان ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام(، وكل ما تقدّم من الأخبار عن آيات الله عزوجل ودلالاته في سمواته التي بنى، واطباق الارض التي دحا، وآثار صنعه فيما برأ، وذرأ، ثابت في فطر العقول حتى يستجرّ أولي الزيغ ما يدخلون على أنفسهم من الشبهة فيما يجعلون له من الأضداد، والأنداد، جلّ عما يشركون. ولولا توحّده في التدبير، عن كل معين وظهير، لكان الشركاء جدراء ان تختلف بهم ارادتهم في الخلق، ولأمكن التخلّق فيه من إثبات وإزالة فيخلو من أحد وجهيه، وأيهما كان فيه فالعجز والنقص فيما ذرأه وبرأه، جلّ البديع خالق الخلق ومالك الأمر عن ذلك، وتعالى علواً كبيراً، كماقال سبحانه )ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عمّا يصفون.
|