عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2020   #6


الصورة الرمزية إرتواء نبض

 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 2 أسابيع (06:13 PM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11619
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : لا استخدمه My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي





اجْتَذَبهُ للواقع صَوْتها المُلْتَحِف بِهَمسٍ بالٍ.. وَعَّاهُ هَذا الهَمس مُؤكِّدًا على وُجودها في هذه اللحظة أَمامه.. تَساءَلت من جَديد وحَشَرجة البُكاء الخائف تُعرقل كلماتها: فيصل.. الله يخليك.. قول لي.. شصايــر! ترى دمّي نشف.. بنتي فيها شي؟
لَم يُجِبْها.. رَفَع رأسه مُتَلَفِّتًا ينظر لما حَوله.. هُما يُعتبران في الخارج.. أي في الطّريق.. والصّوت في المَساء أَسْرع في الانتقال. نَطَقت وهي تَكادُ أن تُجَن من الوساوس التي زَرَعتها تَصرفاته سَرطانًا يَنقسم في نَفسها بلا سَيْطرة: شنو فيها بنتي؟ ويــنها بنتي؟ فيصــ
قاطَعها بِقسوة شَعَرت بها في كَتفها الذي تَمَرَّدت عليه يَده الصَّلبة ودَفعته: بنتي بنتي بنتي.. وكأنّ بنتش تهمّش.. كأنّ سعادتها واستقرارها شغلش الشاغل "وهو يَتَقَدَّم منها بخطوات بطيئة وهي بالمقابل تَتراجع للخلف بخطواتٍ أَبطأ" عمرش.. عمــرش ما اهتميتين لها.. من أول ما كانت نطفة في رحمش ما همّتش.. كل اللي يهمش راحتش ومستقبلش وعلاقاتش التافهة
اصْطَدَم ظَهْرها بالباب الدّاخلي وعَقلها الجاثِمة فَوْقه غَمامة سوداء تُمطِر قَلَقًا لَم يَتَمَكّن من استيعاب مَقصد كلماته.. هَمَسَت بِعَيْنَين أَوسعهما الاسْتنكار: شفيـك! ليش تقول لي هالكلام! بنتي شنو فيها؟ "ارْتَفَعَ صوتها والبُكاء قَد الْتَقَم نِصف نَبرته" شنو فيها بنتي... تحجـــى!
قَرَّب وَجْهه منها ناطِقًا بلسانه النّاقع بالسّم: جَــب.. جَــب يالخاينـــة "ارْتعَدَت فرائصها من وَجْسه اللادغ رُوحها" إنتِ شنو؟ ما تستحين؟ ما عندش حيا؟ إلى هالدرجة إنتِ أَنانية! إلي هالدرجة إنتِ ما تحبين غير نفسش! أهم شي في الدنيا نفسش وبس.. وباقي الناس خلهم تلعب فيهم الريح.. حتى بنتـش ما هي مهمة!
"وبتهكّمٍ حـاد" يا خَطيبة أستاذ نــادر
ارْتَخَت أَجْفانها.. تَحَرَّكَت أَهدابها ببطءٍ شَديد.. انْزاحت الغَمامة عَن لُبّها وانْقَشَع الظَّلامُ عن اسْتيعابها.. اسْتَفرَغَت كُل مَشاعر الخَوْف والقَلق التي تَوَحَّلت منها أَطْرافها.. تَوَضَّحَت لها الصّورة الآن.. ابْنتها بخير.. بخير. هَمَسَت وعَيْناها مُعَلَّقتان بِعَيْنيه الهُجومِيّتَيْن: اطلع برّا
ارْتَفَعَ حاجِبه وباسْتصغارٍ لأمرها: نَعـم مدام نادر؟ عيدي ما سمعت
كَرَّرَت من بين أَسْنانها وهي تَرص على الحُروف بِحَنَق: اطْـــلـــع بـــرّا
عَقَّبَ بلا مُبالاة وهو يَرْفع كَتِفَيه: أوكي بطلع.. بس حَبّيت أذكرش يمكن تكونين ناسية "لَمَعَت في عَيْنَيه نَظْرة لؤم وهو يُرْدِف" أَنا قول وفعل.. والماضي يشهد على هذا الشي.. كل كلمة قلتها في مكتبش بتتطبق بالحرف الواحد "شَخَرَ وهو يُكْمِل بسخرية" عاد بعدين تعالي نوحي عندي وقولي أبي بنتي
نَطَقَت بنَبْرة جَليدية تعاضَدت مع ملامحها الجامِدة لِوَخز ثقته: مــا تقدر تسوي شي
بِفَحَيح ووجهه انْعَكَسَ في عَدَسَتيها عدو لا يَرحم: لا أقدر.. صدقيني أقدر "وهو يَسْتعير بنبرة تَهديده" والله يا جِنان لا أخليش تندمين على خيانتش
وهي تَضمر ابْتسامة أَوْجَعتها قَبْلَ أن تُوجعه: خنتك وانتهيت.. وعاقبتني وانتهيت.. الجرح لليوم غافي على فَخذي.. ما محته سنين ولا داوته دموع.. "اهْتَزَّ صَوتها إلا أَنّها تَعَكَّزَت بالثّبات" وبنتي.. اللي انحرمت منها.. للحين ذاكرتي تصيح على سنواتها اللي مَضَت وما انطبعت صورها على جدرانها.. أنا خنتك مثل ما تقول.. وغلطت مثل ما أنا أقول.. وندمت... وللحين ندمانة على غلطتي.. شتبي أكثر!
هَزَّ رأسه بحَسرة: ما كانت غلطة.. ما كانت غلطة.. كانت خيــانة.. لا تحاولين تطهرين نفسش من نجاسة أفعالش
احْتَدَّت نظراتها وسِهامٌ من تأنيب تراشَقت من عَيْنيها لِتُهاجمه: أنـا مو خاينة.. ما خنتــك.. دمّي ما خالطته الخيانة ولا للحظة.. اي غلطت واعترف.. غلطت غلطة كَبيــرة وغبيّة.. لكنّي ما خنتك.. ما خنتك.. "تَصافقت أهدابها كجَناحَي طَيْر وَطَأت سَماءه سَحابة المَطَر.. أَكْمَلت بكلماتٍ غالتها رَجْفة تَفَجَّرت من كُل جُزيء من تَكوينها" و ووحبّيــ ـتك.. حبّيتك.. وللحيــن "نَفَسٌ عَميق وانسلاخٌ من الكبرياء، ومن ثُمَّ" أحــ ــبّــك.. أَحبّــك.. للحيـــن...... أَحبّــــك.
سَهْمٌ.. لا.. بل خَنجر.. أَو رُبّما سَيْفٌ اخْتَرَقَ يَسار صَدْره لِيَسْتَقِر في قَلْبه.. ارْتَبَكَت أَنفاسه والليْلُ يُصغي لِصَفيرها العَشوائي.. تَصَلَّبَت أَطْرافه وعَيْناه تَدُوران على وَجْهها بِتِيه وسؤال.. تَحَجَّرَ الريق في حَلقه وقَبْلَ أن يَمْتص اسْتيعابه الاعتراف الذي نَطَقَت به.. أَكْمَلت لِتَنسف الأَمَل الصَّغير المَوْلود في ذاته؛ على هَيئة ضَوء نَستهُ الشَّمس هائمًا بين عَرصات لَيْلٍ أَسْود..: لكن بتزوجه.. بتزوجــه وأنا أَحبّـك "مالَ رَأسها وابْتسامة مُسْتَفِزّة خالطَها القَهَر اسْتَحوَذَت على مَلامحها" وإنت خَلّك متعلّق بغرورك مع ياسمينك.. خلّك وأبقى مثل ما إنت.. إنسان بلا ضَمير ولا إحساس.. يستغل بنته عشان يمارس جنونه.
بَصَقَت آخر كَلِمة ثُمَّ قَذفتهُ بِنَظْرة مُشْمئزة لَسَعته؛ قَبل أَن تَسْتَدير عائدة للداخل.. إلا أَنَّهُ لَم يَكْتفِ.. فالذي بَينه وبينها الآنُ حَرب.. رُبَّما نَفَذَت أَسلحتها.. لكنّهُ لا زال يَحتفظ بالكثيــر.. لذلك لحقها إلى المَمر الداخلي للمنزل، ويَده بلا تَرَدُّد انقَضَّت على ذراعها بقوَّة اضطَّرَت شَهْقة أَن تَجرح حَلقها بسببها.. شَدَّها إليه وذراعها الأخرى قُيِّدَت كما أُختها بقبضته.. هَمَسَت واضطرابٌ بَدأ يَعيث داخلها: اتركني فيصل.. اتركنــي
تَجاهلها لِيَغرس شَوْكًا في روحها، وعَيناه احتكرهما جُحوظٌ مُخيــف: والله.. والله يا جِنان إذا وافقتين عليه بتشوفين شي عمــرش ما شفتيه.. الجنون اللي انتحر داخلي في زواجش من أحمـد.. بينفجر وبيحرقش بمجرد موافقتش على نادر.. هذا ما هو تهديد.. هذا واقع بيدمرش لو عاندتيني ووافقتين
لا تدري من أَين جاءت هذه القوة التي تَقَلَّد بها لسانها.. على الرَّغم من أَنَّ جَوْفها يَرْتعد: بوافــق.. كلامك وتهديدك والواقع على قولتك اللي قاعد تخوفني فيه ما بيغيرون رايي.. بوافق وببدأ حياة جديدة مع إنسان يحبني ويقدرني
شَدَّ قَبْضتيه وهي من فرط تعذيبه لذراعيها لَم تَعد تَشْعر بجري الدّماء فيهما: جــربي توافقين.. وبتشوفين شلون خريطة حياتش بتنقلب فوق تحت
هَمَسَت وحنّة بُكاء تَتَكسّر في صدرها بوهن: مــا تقدر.. ما تقدر تسوي شي "تَحَرَّكَ جَسدها بغضَبٍ عارم وضيق نالا منها، وذراعيها تُجاهِدان للتَّملص من قَيَديه" اتركني.. مو من حقــك تلمسني "شَدَّ أَكثر وكأنّهُ يَتَعَمَّد مُضايقتها فَصَرخت من قُعر قَهرها ووَجعها الغائر في رُوحها" اتركنــــي.. مــا لك دخــل فيني ولا في حياتي... خلني في حال سبيلي.. ولو للحظة حــِـسْ واعتقني
رَجاءها حُقِّقَ على يَد ذلك الرَّجُل الذي لَطالما كانت كَفّها الوَحيدة أَمانًا لطفولته.. فهو دَفَعهُ عَنها بعصبية واستنكار حـاد بانَ في كلماته: إنت شفيـــك! بأي حق تمسكها بهالطريقة!
تَراجع للخلف وهُو يُبصر وُقوف عَلي بجانبها عَضيدٌ مُحامي.. هَمَسَ وهو إلى الآن لَم ينتبه لباقي العُيون الشاهدة على الحَرب: بحقوق واجد يا علي.. بحقوق ما تعرفها إنت ولا هي تعرفها
أَدارَ رَأسه بانتباه لعمّته التي زَجرته: ما بينك وبينها أي حق يسمح لك إنّك تمسكها بهالطريقة! ما هي حلال عليك ولا إنت مسؤول عنها بأي شكل
عادَ ونظر لعلي الذي تساءَل وهو يُحيط كَتف شَقيقته بذراعه: أصلاً إنت ليش جاي؟ بنتك مو معاك يعني مو جاي عشانها
أَكَّدَ وصَدره يَرتفع ويَنخفض من لُهاثه: امبلى.. عشانها.. جاي عشان بنتي "رَفعَ يده وإصْبعه يَتحَرّك في الهواء" أنا قلت لها.. محّـد بيهمني.. واللحين أقولها لكم.. بنتي ما تتربى عند رجّال غَريب
اسْتَنكرت عَمّته: نَعـم!
أَعادَ بكلماتٍ أخرى: هذا اللي جاي خاطبها ترفضه.. بنتي ما أرضى إنها تعيش عند رجّال غريب "حَرَّكَ بصره لجِنان ووعيدٌ يَتَّقِد وَسط عَدَسَتيه" ولو وافقت.. تحرم عليها شوفة بنتها لين ما أموت
اسْتَشاطَت غَضبًا ونيرانه المُرْسَلة من قَبائِل تَهديده أَحرقتها فَأَجَّجت هُجومها: أّذبحــك يا فيصل ولا أخليك ولو للحظة تحرمني من بنتي "وصَوتها المَقهور يُمازجهُ عتاب" ما كفتك السنين اللي حرمتني فيهم منها؟ من دون أي إحساس قلت لي إنّي ولدتها ميتــ ــة.. شلون قوى قلبك ونطقت بهالكلمة على بنتك! واللحين بعد جاي تهددني تحرمني منها!
تَهَكَّمَ وهو يُكْسِب وقوفه مَظْهر اللامُبالاة: اللي يسمع حجيش يقول هذي كانت متشفقة على شوفة بنتها.. ما كأنش كنتِ تبين تتخلصين منها وتجهضينها عشان أحمــ ـ
تَعَثَّرَ باسْمه فانْتَبه لِما كان سَينطق به.. لذلك تَدارك الوَضع واقْتَطَعه.. لكنّها فاجَأتهُ وأَكملت الاسْم بشجاعة لَم يَتصور أَنّها في يومٍ كانت سَتَرتديها: أحمــد.. عشان أحمد.. ليش سكت؟ خفت يسمعون؟ خفت على رجولتك لا تنهان مرة ثانية؟ قولها.. كمّلها.. عشان أحمـــد.. تبيهم يعرفون من هو أحمد؟ تبي أقول لهم؟ "عَلا صَوْتها" تبيني أقول من هذا أحمد اللي بهذلك؟ هــا؟ تبيني أقــول لهم؟
جَسَدهُ اسْتقام بتحفّز وحواسه نالتَ منها إنكار للحال الذي آلت إليه.. وكأَنَّ الجُنون مَسَّها.. حَذَّرها بحدّة هامِسة: جِنـــان
لكنّها لَم تَسمعه.. لَم تَكن تسمع.. بل لَم تَكُن تَشعر.. في تلك اللحظة ومَشهد المَعركة الأخيرة يَغتال جَهْلَ عائلتها؛ فَقَدت كُل شُعور.. أَصْبَحت كائن مُجَوَّف من الداخل.. وهُلامي من الخارج.. لَم تَعد تَخزها أشواك تَحذيره التي غَرسها.. تَهديده كلامٌ سَفساف اعتادَ عليه خَوفها فَأَحجم عن مُقاومته.. النار الفاغِرة فاهَ جَحيمها وَسَط عَينيه لا تَستطيع مُجابهة الجَليد الذي بَدأ يَزحف لعالمها المُغتال على يَديه.. في تلك اللحظة.. خَلَعت جِنان عَن ذاتها.. سَلَخت الضَعف المُتَعَفِّن فَوْق قَلبها.. أعادت تَكوين رُوحها وارْتَدت وُجودًا آخر.. ارْتَدَت الأُم التي سَلَبها منها دُون وَجْه حَق.. نَطَقَت مُزيلةً السِّتار عَن كُل الذي خُفي: أنا أقول لهم.. أنا بعرّفهم على أحمد.. على الإنسان اللي لَعب دور ثلاثة بَنيت عليهم أحلامي "أَرْسَلت الرَّصاصة الأولى لوالدها المُتَفَرِّج دومًا" لعب دورك يُبه "الرصاصة الثانية لِمُحَمَّد" ولعب دورك محمد "والثالثة لفيصل" ولعب دورك إنت.. كان لي أبو.. وأخو.. وزوج "واصَلَت ولَم تُثَبطها يَدُ عَلي وهي تَنفر من كَتفها" اي زوج.. تزوجته لأكثر من سنة.. محّد كان يدري.. ولا أحد فكَّر إنّه يدري.. كنت أغيب عن البيت في كل الأوقات.. وفي كل الأوقــ ـات مَحَّد فَــقــدنــي
اسْتَنكَرَ عَلي رافِضًا أن تَكسر الحَقيقة ثقته في شَقيقته الكُبرى: جِنان إنتِ واعية للي قاعدة تقولينه!
نَظَرَت إليه والدَّمعُ الجامِد في مُقلتيها يُشاركها اسْتعادة الماضي: اي واعية.. واعية مثل ما كنت واعية في ليالي الشتا حاضنة خوفي وخوفك من الرعد اللي حرمنا النوم.. ومثل ما كنت واعية للوم اللي ترميه أمي على أبوي.. وأبوي يرميه على أمي.. ومثل ما كنت واعية لحجي الناس السّم عن غيبة محمد.. ومثل ما كنت واعية لوحدتنــ ـا من غير أم وأبو
نَطَق والدها أخيرًا وكأَنَّ سنين البُكْم قَد انْقَضَت: لا إنتِ مو واعية.. ما في وحدة واعية تسوي مثل هالبلوى! تتزوجين بدون علمنا ما كأنَّ وراش والي!
ارْتَفَعَ حاجِباها تَعَجّبًا وضِحكة السخرية تتعلّق بأطراف شَفتيها: ليش منصدم يُبه! هالبلوى ما أخذتها من غريب.. أخذتها منك.. من أبوي اللي جرّب ربع بنات العالم
صَفْــعـة حــارة.. حارِقة.. صادِمة ومُوجِعة.. ها هي تَنبض باشْتعال على خَدِّها الأَيسر.. لكنّها ويا للأسف تَبَلَّدَت.. الأَلم فَشَلَ في إذابة جَليدها.. حتى يَدها لَم تَرْتفع لِاحتواء خَدّها المَلْطوم.. هي خالفت كُل رُدود الفِعل الطَبيعية وضَحَكت.. نَعم ضَحَكت.. ضِحْكة قَصيرة، مَبْحوحة ومُحَطَّمة.. ثُمَّ هَمَسَت بِخَيْبة: الكف متأخــر يُبــه.. واااجـــد متأخر.. كان لازم ينطبع على هالخد من قبل خمستعش سنة.. كان لازم يرسم خط أحمر في طريق جِنان المُراهقة من قبل خمستعش سنة.. كان لازم يحِن عَلي من قبل خمستعش سنة.. صدقني.. وقتها كنت بشوفه حَنان وحرص.. بشوفه حُب وخوف واهتمام.. بيخليني أشوفك أبـو على الرغم من قسوته.
صَمَتت وصَمَتَ الجَميع.. لَم يُعَقِّب أَحد وهي لَم تُضِف حَرْفًا آخرًا.. حَرَّكتَ عَيْنيها عن والدها المَشغول في صَدمته وحيرته وأَسفه المُوارب.. انْتقَلت بها لوالدتها الغارق وَجْهها في بَحرٍ من الدّموع.. ثُمَّ لِعَلي الذي انْهارَ جَبَل الثِّقة الذي بناهُ بأيدٍ صَغيرة.. ثُمَّ لِجود الناطِق النَّدَم من عَينيها.. وكذلك قَصَدت وَجْه مُحَمَّد المُبْهَم كعادته.. ومَلاك التي تَكالبَ عليها الحَرَجُ والفَزَع.. وأخيرًا.. تَوَقَّفت عنده.. عند المُسَبِّب الأوَّل لهذا الانفجار.. يُفترض أنَّ الحَرب انتهت بفوزك.. أليس كَذلك؟ فَهَمَ السؤال لكن لَم يُجِبها.. فلقد كان مثلها... مُعرَّى من كُل شيء.

،

بعد ساعات

نَظَرَت بتَدقيق لصورته الواضحة في شاشة هاتفها.. هو في المَرأب.. البارحة وفي طريقهما لحفل الزواج حَمَّلَ لها التَّطبيق الخاص بآلات التَّصوير للمراقبة.. وقال: تقدرين تراقبين الشقة بالكراج.. عشان مرة ثانية إذا بغيتين تتأكدين أنا اهني ولا برا تجيكين البرنامج.. لأن أحيانًا ما يكون التيلفون حولي أو أنشغل وما أنتبه له.
هي لَم تُعارض اقتراحه بل في قرارة نفسها وافقت عليها.. حتى تكون أَكثر اطْمئنانًا. هي اسْتَحَمَّت وصَلَّت ثُمَّ أَشغلت نَفسها بالهاتف.. وأخيرًا قَبْلَ أن تنام فَتَحَت لها كتاب لتَستأنف قراءته إلى حين قُدوم النّوم. نَظَرت للساعة.. اقتربت من الثانية والنصف صَباحًا.. هو لَم يَعُد وهي لَم يَطْرق النّعاس باب عَيْنيها.. هي تعلم لماذا هو في المَرأب حتى هذه الساعة.. فَبَعد الذي حَصَل في مَنزل والده هي لا تَلمه.. فالمَوقف كان عَظيم ويُثير الرَّهبة.. لكنّها لا تُريده أن يخلو بجرحه.. هي مُتَيَقِّنة أَنَّهُ الآن قَد قَطَّع بَقايا ذاته جَلْدًا.. بالطَّبع هو قَد أَلقى اللوم عليه.. بل بَوْح جِنان بأكمله كان يُوَجِّه إصْبع الاتّهام إليه.. لكنّهم لا يعلمون شَيء.. أَرْواحهم لَم تَشبها المأساة التي حَلَّت عليه.. لَم تُصَم آذانهم من وَحْل ما أَفْصَح عنه.. هُم رُبَّما يَنظرون إليه بنظرة الجاني.. لكنّه كان المَجني عليه الأَكبر.. هو المَظلوم في هذه الحِكاية.. الجِرح جِرحه والفَقدُ فَقده.. إن هُم افْتقدوه وافْتقدوا أحلامًا وآمالاً بَنتها مَشاعرهم عليه.. فهو قَد فَقدَ ذاته.. إنسانيته وجُلَّ مَشاعره. لا تُريده أن يَقسو على نَفسه أَكثر.. حَرامٌ أن يُوَلد جِرحًا جَديدًا في نَفسه.. فَلقد أَهْرمته الجُروح وأَعادت صِياغة وُجوده.. فهو قَد أَمسى جِرْحٌ خالِد.. لا إنسان. عَزَمَت أَمرها وتَرَكَت السَّرير ذاهبةً إليه.. لا داعي للتَّردّد.. تلك الليلة كان مُعْجَبًا بها ورُبَّما خاف اَن يُعَبِّر وتَفهمه بطريقة خاطِئة.. لكنّهما أخان.. وهي من المُحال أن تَترك أَخيها يُعاين جِراحه لِوَحده. اسْتَخدَمت الباب المؤدي للمَرْأب.. هَبَطَت السَّلالم قَبْلَ أن تَقف أَمام الباب المُوْصَد بِرَقم سِرّي عَلَّمها إيّاه مُسْبَقًا.. ضَغَطَت الأَرْقام ومُباشرة فُتِح لِتُبصره وهو مَشْغولاً بإحدى المَركبات. تَقَدَّمت منه والباب من خلفها انْغَلَق.. هَمَسَ دُون أَن يَنظر إليها: مَلاك ارجعي
تَجاهلت أَمره وواصلت اقترابها منه.. أَصْدَرَ صوت ضائق من بَيْن شَفتيه عندما تَوَّقَفت على يساره.. وبهمسٍ جَدّي: أدري إنّك متضايق.. وأدري إنّك مو طايق تشوف أحد ومو طايق نفسك أكثر.. بس ما يصير تظل بروحك.. وأنا ما أقبل أخليك بروحك وإنت بهالحالة
رَدَّ باقْتضاب: عادي.. متعود.. خليني وارجعي نامي
بحدّة خالطت صَوْتها ونَظراتها: مو على كيفك "تَحَرَّكَت يدها وأَمْسَكت بمعصمه.. شَدَّت عليه عندما حاولَ أن يَتَمَلَّص منها وهي تُرْدِف بهمسٍ تغمره مَشاعر شَتَّى" محمد لا تحاول تهرب.. سنين الهَرب والتقوقع على نفسك انتهت.. اللحين أنا زوجتك.. أو أختك مثل ما اتفقنا.. مو معقولة بتنطوي على نفسك وتجلدها وأنا معاك!
كَرَّرَ من بَيْن أَسْنانه والعاصِفة التي داخله على مَقْربة من الانفلات: مَـلاك رووحــي.. اتركيني وروحي
بِعِناد: ما بروح.. حتى إذا ما تبي تتكلم وتقول اللي في خاطرك بظل معاك.. على الأقَل لو بغيت تلتفت تلقى عيون في طريق ضياعك.. خلاص محمد.. زمن الوحدة راح.. أنا اللحين معاك.. أنا ملاك معاك
أَدارَ رَأسه إليها لِتَكتمل أَمام عَيْنيها لَوْحة البؤس برماديتها المُوحشة.. هَمَسَ ونبرة تَحذير تَطل من بين كلماته: مـلاك.. مابي أوجعش
ابْتَسَمت بألم ورَأسها يَميل: يعني شنو يوجع أكثر من اللي قلته قبل؟ خلاص محمد.. وَجعك صار وَجعي.. تشاركناه مع بعض.. إذا بتتوجع أنا لازم أتوجّع معاك.. هذا واقِع لا بد منه
حَرَّكَ رَأسه بأسى: مـلاك
شَدَّت على مِعْصمه بِمَلَقٍ واهْتمام وشَفَتاها تُلَوِّح منهما الابْتسامة: محمد.. احنا النساء انخلقنا مَجبولين على الاستماع.. هالشي من تكويننا.. عندي القدرة على سَمعك واحتواء وجعك بشكل ما ممكن تتخيله
أَلْقى عليها طَوْق النّجاة لآخر مرَّة: ارجعي ملاك.. خليني بروحي
لكنّها وَقَفَت بثبات: ما برجع.. أنا اهني مكاني محمد.. معاك
أَغْمَضَ للحظة وهو يَزْفر من فَمه.. نَظَرَ لها.. وقَبْلَ أن تُفَكِّر في مُحاولاتها التالية لإقناعه.. جَذَبها إليه وفي لَمْح البَصَر أَحْيا أَوَّلَ قُبْلة بينهما.. قُبْلة كانت بعمق المُحيطات الخَمس.. وبانْدفاع الصَّيْف ورِقَّة الرَّبيع.. قُبْلة تَعْتَقِد بأنَّها سَحابة من عَذب أَمطارها.. وتَرْتَشِف منها الرُّوح إكسير الشَّفاء فَتُخيط جِراحًا وتُصْمِت آهات.. قُبْلة بها هُو يُحاول السَّفَر إلى عالمها.. أو التَّحليق إلى كَوْكبها المُضيء.. حَيثُ هُناك يَغتسل من نَهْرها ويَروي ذاته.. وهل يُفَرِّط ُ الظمآن بماءٍ يُعيد ولادته؟ لكــن.. مُحَمَّد.. دَعها تُشاركك الوَجَع فقط.. لا تُضرم داخلها أوَجاعًا أُخرى.. تَناسى ذاتك كما نَسيتها من قَبْل.. دعها تُلَمْلِم فُتاتها والْتَفت لهذه البَريئة... كُن واعيًا لها.. لهشاشتها ومُقاومتها.. لا تَجُرّها لفوَّهة غَرَقِك.. يَكفيها ما أَحَّلَ بها.. لا تَكُن أَنانيًا مُحَمَّد وانْقذها من ضياعك. ابْتَعَدَ عنها برجفة وهو يَلهث.. تَراجع للخلف وعَيْناه تَنَشَطِران من اصْطكاك شَفَتيها الهلِعَتَيْن.. أَغْمَضَ بِنَدَم وهو يُوليها ظَهره ويده تَرتفع لِتَشَد شَعره بغيظٍ وَغَضَب.. هَمَسَ بانْهزام: روحي.. روحـــي ملاك تكفين روحــي
هي.. الكَوْكَب الذي انْقَلَب عالمَه على غَفْلة من احْتواء.. حاولت أَن تَزْدَرِد ريقها لكن حلقها كان صَحْـراء.. تَقَهْقَر جَسَدها المَسْلوب الاتّزان.. فلَقد أَحْكَمت الرَّعشة قَبْضَتها عليه.. وكأنَّ السَّماء اسْتَفرغت كُل رُعودها في جَسَدها النَّحيل.. اسْتَدَارت ببَعثرة وتَخَبّط.. خَطَت بلا وعي فاصْطَدم جَسَدها التائه بطاولة صَغيرة للأدوات.. التَفَتَ بانتباه للصَّوت المُزْعِج الذي ارْتَفع.. انْعَصَر قَلْبه المُنْهِك وهو يُبْصرها بكُل هذه البَعثرة.. هي خَطَت وأَنفاسها تَشخب من رئتيها وبذلك تُعَذِّب عَضلات صَدرها المَشْدودة.. تَوَقَّفَت عند الباب.. بيدٍ فَقَدت الإحساس ضَغَطَت الأَرْقام.. صَوْتٌ مُعْتَرِض يُرافقه ضَوءٌ أَحْمَر ارْتَفَعَ من الجهاز.. كَرَّرَت دُون أَن تَعي أَنَّها تكتب أَرْقَامًا عَشْوائية خاطِئة.. فَرَّت من حلقها شَهْقة كانَت نَصْلاً مَسْمومًا انْغَرَسَت في قَلْبه.. فيَدهُ التي امْتَدَّت لِضَغط الأَرْقام الصَّحيحة فاجَأت هُروبها.. أَتاها الفَرَجُ أَخيرًا.. فُتِح الباب وبسرعة تَرَكت المَكان.. وَفَور انْغلاقه انْهارت بحواسٍ مَشْلولة على الأَرْض.. فقَدمَيها لَم تَسْتطِيعان حَمْلها للأعلى.. ارْتَعَدَت فرائِصها من الصَّوت القَوي القادِم من الدَّاخل.. احْتَضَنت وَجْهها المُخْتَنِق احْمرارًا وهي تَتَنَشَّقَ بوضوح.. الصَّوت لا زالَ مُسْتَمِرًّا.. وكأنَّهُ يَكسر شَيء أَو يَضربه! فَرَّت من عَيْنها الجاحِظة دَمْعة.. لَم تَكُن دَمْعة رُعْب.. أو وَجَع أو غَضَب.. كانت دَمْعة حَرَج.. هي مُحْرَجة إلى حَدِّ تَمَنِّيها أن تَتَبَخَّر وتَخْتفي.. مُحْرَجة من مُقاومتها الكــاذِبة.


 توقيع : إرتواء نبض




رد مع اقتباس