عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 02-17-2020
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
لوني المفضل Aliceblue
 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 2 يوم (08:46 AM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11618
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 55 الفصل الثاني



بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
تَوكلتُ على الله

الجزء الخامس والخَمسون
الفَصل الثاني


انْكَمَشَت مَلامحها.. ويَدُها ارْتَفَعت لأنفها تُغَطِّيه مُتفادِية اسْتنشاق الرَّائحة الكَريهة.. هَمَسَت لهُ بِضحكة وهي تُداعب ظاهر كَفّه المَقْبوضة: شفيك ماما؟ هذي المرة الثانية خلال ساعة!
أَبْعَدَ كَفَّه وأَخذَ يُحَرِّك رأسه يُمْنةً وشِمالاً وهو يُصْدِر أَصْوات تُنْذِر بالبُكاء.. ضَحَكَت وهي تَنحني إليه.. قَبَّلت خَدَّيه ثُمَّ حادثته بنبرة طفولية: آســفة حسّوني.. الواضح إنّي ضايقتك بكلامي "داعبت أَنفه بأَنفها ثُمَّ حَملته بحَذَر وهي تُرْدِف" اللحين بنادي ماما عودة تجي تبدّل لك
خَطَت بهدوء لخارج الغرفة وكَفُّها تُسْنِد ظَهْره.. طَرَقَت باب غُرفة والديها لَكن لم يأتِها جَواب.. دَخَلت وهي تُنادي: ماما؟ "قابَلتها الغُرفة الخالية والمُضاءة من أَشعة الشَمس المُتَمَرِّدة.. نَظَرَت للصَّغير المُرْتاح برأسه على كتفها وهي تهمس" ماما عودة مو اهني.. تتوقع تحت؟ "حَرَّكَت رأسها مُؤيّدة وكأنّهُ أَجابها" أنا بعد أقول جذي
تَرَكت الغُرفة قاصِدَةً السُّلم.. تَوَقَّفَت عند بدايته لتُنادي بصوتٍ عالٍ قَليلاً: مــامــا... ماما.... مامااا
بانَت لها الخادمة جيني والتي أَجابت على ندائها من الأسَفل: والدتكِ في المَطبخ
ابْتَسَمت لها بلُطف: هل يُمكنكِ مُنادتها؟ أحتاج مُساعدتها
أَوْمأت بأدب: بالطّبع سيّدتي
هَمَسَت لطفلها بحماس عندما ذهبت جيني: اللحين راح تجي ماما عودة عشان تبدل لك.. بتصير نظيــف
ابْتَسَمت لوالدتها التي اسْتَفسَرت: نعم ماما حَنين.. شنو تبين؟
تَساءلت: ماما وين كنتِ؟
: كنت أطبخ الغدا.. تبين شي؟
أَجابت بحَرج لاطَفَ خَدَّيها: بس حسّون موصّخ
بعدم فهم: انزيــن؟
وَضَّحَت: ماما تدرين ما أعرف.. فإذا ما عليش أمر تطهرينه
مالَ رَأسها وباسْتنكار: ماما شلون للحين ما تعرفين؟ ما يصير حَبيبتي لازم تتعودين.. أنا مو طول الوقت بكون عندش.. مثل اللحين
تَصَدَّعَت ملامحها وضيقٌ ثَقيل عادَ يُخالج نَفسها: مـاما للحين ما تعودت.. وتكرمين أخاف يطيح من ايدي في الحمام
قالت تُذَكّرها: البارحة دخلتين وطهرتينه وبدلتين له بنفسش
بَرَّرَت: كان معاي بسّام مو بروحي
بمحاولة أخيرة: ماما حَنين.. إنتِ أمه.. يعني بتكونين حَريصة عليه أكثر من أي أحد.. لا تخافين ما راح تضرينه.. بتتحملين فيه
رَجتها بشدّة: مــامــا.. أرجووش "أشارت للطفل تَسْتعطفها" المسكين متضايق يبي يبدّل
باسْتسلام وهي تركب العَتبات: زيـن.. مثل ما تبين "اشْتَرَطت" بس إنتِ اللي راح تستلمين المهمة.. أنا بس بكون معاش
برِضا: ما عليــه: بس أهم شي معاي أحد



طَرَقَت الباب، أَتاها الجَواب بَعْد ثوانٍ.. ابْتَسَمَت بحنان لِجَنى التي قالت بتَرحيب: سَـلااام ماما عودة "شَرَعت الباب تَدعوها" تعالي لعبي معانا.. أنا أمكيج ماما وماما تمكيجني
ضَحَكَت بخفّة وهي تَنحني لتُقَبِّل خَدّها القُطني ثُمَّ تَقول: لا حَبيبتي شُكرًا "وهي تَطُل للدّاخل تَبحث بعينيها عن ابْنتها" أنا أبي أكلّم ماما جِنان بروحنا "اسْتأذنت بلُطف" يصير؟
ابْتَسَمت: اي يصير "وباسْتفسار" بس أنا وين أروح؟
أَجابت: لعمو جُود.. هي فوق في شقتها
هَزَّت رأسها: أوكـي "اسْتَدارت لوالدتها مُلَوّحة" ماما بروح لعمو جود.. بعدين برجع
تَحَرَّكَت الصَّغيرة للطابق الثاني تَحْتَ نظرات جَدّتها ووالدتها التي قالت باهْتمام: ماما جَنى حاسبي لا تركضين على الدرج
نَظَرَت لوالدتها بَعد أن وَصلها صَوت تَرحيب جُود بِجَنى.. هَمَسَت وهي تَهْرب بعينيها عنها: تفضلي
أَغْلَقت الباب ثُمَّ تَبعت ابْنتها للأريكة.. جَلَست بجانبها بصمت.. كُل واحدة كانت تَتَنَصَّت على الغَوغاء الصارخة في رُوح الأخرى.. تُصْغي للآهات وللحَسَرات.. وتَسْتَقبِل بِيَدٍ مُسامِحة عبارات النَّدم المَكتومة. هي جِنان.. كانت مُلْتَفِتة للجَليد المُتَكَتِّل فَوْق صَدْرها منذ تلك الليلة.. ها هي تَشْعر بهِ يَنْصَهِر شَيئًا فَشيء بِسَبب الحَرارة التي أَخَذَت تَنمو داخلها.. وكأَنَّ البُكاءُ يَسْتَعِد لإطلاق سَراحه بَعْد حَبْسٍ دام لليالٍ وأَيّام.
نَطَقت كلاهما في الوقت نفسه: سامحيني
نَظَرت الاثنتان لبعضهما البَعض وفي العَيْن الْتَمَعَ دَمْعٌ آسِن عَكَّرَ صَفْو وَجْهَيهما.. بَكت عَين الأُمومة التي تَعَفَّنَت من الفَقد وَأَخَذَت تُطْعِم فاه جِنان وِحدة وَضَياع.. حتى زُرِعَت في بؤرة الحاجة المُهْمَلة في رُوحها نَبْتة مَريضة.. لها جُذور عَليلة ومُخْتَلَّة.. امْتَدَّت حتى طالت تُرْبة غَريبة، اسْتَنشَقت فيها رائحة الحَنان، واسْتَطعَمت بين ذَرّاتها مَذاقَ حُبٍّ افْتَقَدت حلاوته في عُمْرٍ خَطير. انْبَجَسَت من عَيْنيها دُموع المُراهقة المُتَخَبِّطة.. ناحَ على خَدَّيها النَّدمُ.. وارْتَفَعَ من صَدرها دَوي تَكسّر الشَّهقات التي تَعَكَّزَت لسنواتٍ على الانتظار.. كَم انتظرت أَن تُقْبِل عَليها والدتها بِجِنْحَي الاحْتواء.. تَحْميها من جَوْرِ الزَّمان ولعبته المُخادعة.. تَبْني لها فَوْقَ غصْنٍ هَزيل عُشًّا تَعلوه أوراقًا ظَليلة.. تَتَصَدَّى للسعة الشَّمس ولنَحيب السَّماء. تَحَرَّكَت ذراعي والدتها بتَرَدّد.. لَطالما احْتَضَنتها سابِقًا.. رُبما كان آخر احتضان قَبل أيّامٍ بَسيطة.. لَكن في هذه اللحظة شَعَرَت وكأَنَّها سَتَحْتَضِن الطّفلة أو المُراهِقة المَنبوذة في زاوية منسية في رُوح هذه التي أَمامها.. أَمْسَكت ساعديها بِمَلَق، قَبْلَ أن تُناديها لِصَدرها لِيَجمعهما عِناق دفئه العَتيق أَعادهما لماضٍ ذَبُلَت فيه الرُّوح من شتاء فَقْدٍ قاسٍ.. هَمَسَت بتنشّق وهي تُقَبِّل كَتف والدتها قُبلات سَريعة، مُعتَذِرة، ومُتَلَهِّفة: يُمّـ ـه.. سامحيني.. سامحيني.. لأنّي.. خنت الثقة.. سامحينـ ـي
بغصَّة اتَّخَمت منها الكَلمات العابِرة حَلْقها: الله العالم.. شكثر صَدمني.. وجرحني.. اللي سمعته.. والله العالم شكثر ضاق قلبي منش.. بس بَعد "مَسَحت على شَعرها بكف وبالأخرى شَدَّت على كَتفها المُنْحَني من ثِقل خُزيٍ وعار؛ وأكملت باستسلامٍ تــام" مسامحتش.. ما أقدر غير إنّي.. أسامحـش!
ابْتَعَدت عنها قَليلاً لِتَشرح بلوحة بؤسها المَنشورة على وَجْهها نَدَمها: أدري يُمـه.. أدري.. أنا غلطت.. غلطتي كبيـرة.. غلطتي تنزّل روسكم بالتراب.. حتى.. السّماح.. ما أستاهلـ ـه.. بس يُمـه.. والله.. والله كنت أحس الدّنيا بكل ظلامها قاعدة على صَدري.. تخنقني.. يُمّه هو.. أحمد.. ما ضرني يُمّه.. ما استغلني.. أنا اللي "أَحْنَت رَأسها لتُكْمِل بصوتٍ أَخفضته أفعالها المُشينة" أنا اللي طلبت منه.. الزواج.. أنا اللي ترجيـ
قاطَعتها يَد والدتها التي امْتَدَّت إلى فَمها.. هَمَسَت: مابي أسمع شي.. أي كلام عن الماضي راح يجرحنا ويتعبنا احنا الثنتين.. كل وحدة ما راح تقتنع بتبريرات الثانية.. ثنتينا غلطنا.. وثنتينا نَدمنا.. وثنتينا نبي السّماح.. استرجاع اللي صار ما بيسوي شي غير إنّه بيعرقل مصالحتنا.. خلينا ننسى يُمه.. خلينا في اللحين.. في الحاضر.. بنعتبر الماضي بنيان وانهدم.. خل نبني واحد جديد.. خل نبني له أساس يخليه باقي لنا لين نهاية العمر
هَزَّت رأسها سَريعًا بموافقة راغِبة بالسَّلام وهي تهمس: خلينا في اللحين
عَقَّبَت: واللحين ينتظر منش قرار.. بخصوص نادر "اسْتَطردت عندما لاحظت أَطياف الارْتباك وهي تَطأ ملامحها" خالش قال لي إنّه سأل عن الرجّال.. وأخوانش بعد.. محمد وعلي.. سألوا عنه
تَساءَلت بتردّد: وشنو.. شنو قالوا؟
ابْتَسَمت بخفّة وبيدها مَسَحت الصَّبيب عن وَجْنَتي ابْنتها وهي تُجيب: رجال مصلّي ومسمّي.. أخلاق ودين.. متوفّق في شغله والكل يشهد له بطيب أصله وتربيته
ازْدَرَدَت ريقها وعَدستاها تَجولان وَسَط البياض بحيرة بحثًا عن مَنفذ للقرار.. بعد ثوانٍ اسْتَقَرَّت بهما على وَجْه والدتها.. لا زالت الابْتسامة تَسْكن شَفتيها.. نَظَرت لعينيها.. لا تدري هل تَتوهم.. أَم أَنّها فعلاُ رَأت حَماسًا يَومض وَسَطهما؟ لذلك سألت بخفوت: إنتِ شنو رايش يُمّه؟
أَسْدَلت جِفْنَيها وهي تَسْتَنشق نَفَسًا عَميقًا.. وكأنَّها تَسْتَمِد من المُسْتَقبَل العَوْن لِرَسم الصّورة التي تَرغب أُمومتها في أَن تَحْتضن حَياة ابْنتها.. أَبْصَرت لتُجيب بوَجْسٍ سَرى من قَلْبها لِيَسْتَقِر وَسَط قَلْب جِنان المُنْصِتة بجُل حَواسها: أنا رايي من رايش.. الحياة اللي إنت تَبينها لنفسش أنا موافقة عليها.. سواء وافقتين أو رفضتين.. هذي حياتش ومن حقش تعيشينها مثل ما تبين.. صَحيح إنّي أتمنى أشوفش في بيت زوجش وعندش عايلتش الخاصة.. بس في النهاية القرار قرارش.. وإنتِ مو خسرانة شي في كلا الحالتين
صَمَتت لِبُرْهة تُفَكِّر.. تَتناقش مع قَلْبها وعَقلها.. من حقّها أن تعيش.. من حَقّ قَلبها أن يُجَدّد حجراته لاستقبال حُب جَديد.. من حقّ رُوحها أن تَتمازج مع رُوح جَديدة، بكُل حرية وثقة ووضوح.. دون أسرارٍ وخَفايا.. من حق ذاتها أن تُولَد على يَدي رَجُلٍ آخر.. يُحبّها ويُقَدّرها.. رَجُل غير ذاك الذي رَفَضَ أن يَسْمعها ذات ليلٍ وأَلم.. من حَقّ جِنان أن تَعيش.. أن تَبدأ وتَحيا من جَديد.. فكما هو اختار طَريقًا يخلو من جِنان.. فهي أيضًا سَتختار طَريقًا لا يَمضي بها إلى فَيصل. لَجأ إليها الهواء هذه المرّة.. اسْتَنشقتهُ وهي تَشعر وكأنّما طَيْرٌ يُرَفْرِف داخلها.. زَفَرت برجفة الخطوة الأولى ثُمَّ هَمَسَت بثقة تَقَلَّدت بها حواسها: أنـا موافقة.

،

هذا المَوقف الذي اسْتَحْضَرتهُ ذاكرتها وهي تَجْلس وَسَط غُرفة جُلوس الطّابق السفلي لوحدها.. الأَضواء مُغْلَقة.. وشَمس بَعدَ الظَّهيرة اخْتَرَقَت السَّتائِر لِتَسْتَريح على الأَرْضِيّة الرّخامية بسكون. أَخْبَرتها والدتها قبل ربع ساعة أَنَّ أُم نادِر وشَقيقاته سَيزرنهن غَدًا.. فَبَعدَ أَن بَثَّت والدتها لأُمّه المُوافقة أَتى هذا الطَّلَب.. فهي تُريد أَن تَرى المرأة التي اخْتارها ابْنها بَل وأَصَرَّ عَليها.. وبالطَّبع وافقت والدتها وأَيَّدت هذه الخطوة. أَرْجَعت رَأسها للخَلف وهي تَزْفر بضيق يَحشوه تَوَتّر.. حاليًا هي تَكِره هذه العادات وتَمقتها.. لا داعي.. فعلاً لا داعـــي! هي سَتَتَزوجه أَم سَتَتزوج والدته! ماذا سَيَتغَيَّر إن قابلتها؟ القرار في النهاية قَرار نادر ولا أحد غيره. تَأمَّلَت السقف المَنقوش وهي تَسْتَسلِم لطُوفان أَفكارها.. رُبما والدته تُريد مُقابلتها لِتَبحث عن السَبب الذي دَفع ابْنها لِخطبة مُطَلّقة.. أو رُبما تُريد أَن تَتَأكَّد إن كان شَعرها يَصِل للطول المَرْجو.. وَلون بَشرتها يُرْضي الذَّوق العام.. وجَسَدها يَتوافق رَسْمُه مع الوَصف المُكَرَّر في الأَشعار الغَزلية الرَّخيصة! زَفَرَت من جَديد وهي تَغمض وتَسْتَرخي في جلوسها أَكثر.. لا فائدة من هذه الأَفكار والهواجس جِنان.. الأمر طَبيعي جدًّا.. والرؤية هذه تُطْلَب من كُل فَتاة.. ابْتسامة كان نصفها حَنين ونصفها الآخر أَلم اسْتراحت على شَفَتيها.. هي في زواجها من فَيصل لَم تُجَرِّب هذه اللحظات.. فهي طوال عمرها كانت أَمام نَاظر والدته وناظريه هو أَيضًا.. فهذه الأُمور لَم يَكن لها دور في قصّتهما. أَمّا في زواجها من أَحمد.. فَتَحت عَيْنيها والابْتسامة تَحَوَّرَت إلى عُبوس كَئيب.. زواجها من أَحمد كان أَبْعد عن الطَّبيعية في كُل شيء كَبُعد السّماء عن الأَرض.. كان خَطـأً عَظيمًا وذَنبًا سَتحملهُ مَعها لسنواتٍ لا تعلم حسابها.



تَنظر لهذا الكَوْن الفَسيح بِعَيْنَيْن مُتَّخِمَتَيْن بالأَسئلة.. تَلك النَّجْمة الوامِضة وَسط هذا المَدى السَّماوي تَهْمِس لها بالمُحاولة.. بالسؤال.. وبِطَلب المَشورة.. فهي تَحْتاج للمساعدة.. تَحْتاج لكلمة تَجمع شَمل الكَلمات التائهة في رُوحها.. ولِنَصيحة تُوَجّهها للطَّريق الآمن الذي سَيفضي بها إلى الجَنَّة المُنتَظَرة. التَفَتَت لِرَفيقتها التي تُشاركها التَّأمل.. حَرَّكَت بَصرها على جانِب وَجْهها.. انْسجامها واضِح، وتَرشيح عَقلها من كُل الشوائب السَّلبية انْعَكَسَ على مَلامحها التي أَمْسَت أَكثَر صَفاءً وأَلَقًا. أَدارت وَجْهها للحظات تَنظر للحَديقة المُمتدة أَمامهما قَبْلَ أن تعود بنظراتها لرفيقتها التي ابْتَسَمت وهي تَهمس: قولـي مَلاك
ضَحَكَت بخفّة: شدراش إنّي أبي أقول؟
أَجابت وهي تَلْتَفِت بكامل جَسدها ناحِيتها: حركاتش وعيونش.. من العصر وأنا أنتظرش تتكلمين "اسْتَطرَدت باهْتمام" تحجّي.. أسمعش.. وإذا أَقدر أَساعدش بساعدش أكيد
أَرْخَت بَصرها للحظات مُفَكِّرة.. قَبْلَ أن ترفعه وهي تَلتقط طَرف شَفتها السُفلية بأسْنانها.. نَطَقَت: بتكلم.. بس اوعديني ما يوصل الكلام لأمي.. أو أي أحد
أَكَّدت: ما بيوصل لأحد.. تعرفيني عدل ملاك
أَوْمأت برأسها: اي أعرفش ومو تَشكيك في أمانتش.. بس لأن الموضوع خاص.. واجـد
بثقة: وَعــد
تَنَحْنَحت.. مَرَّرَت لسانها على شَفَتيها.. أَرْجَعت خصلاتها خلف أذنها.. شَبَكت أَصابع يَديها، ثُمَّ قالت بهدوء وهي تُثَبِّت بَصرها ببصر حُور: أَنا ومحمد.. اتفقنا.. قبل لا يتم الزواج
صَمَتَتَ فاسْتَفسَرت حُور بتَشجيع: اي كملي.. شنو الاتفاق؟
مَسَّت أَسْفَل أنفها بظاهر سَبّابتها وهي تُكْمِل بتردّد: اتفقنا.. إن يكون.. زواجنا.. إن يعني.. ما يكون بيننا شي
عُقْدة خَفيفة: شلون يعني ما يكون بينكم شي؟
وَضَّحَت بكلمات غير مُباشرة: يعني.. ما نتزوج فعلاً.. ما نكون زوجين.. بكل ما للكلمة من معنى
فَغَرَت فاهَها وفي اتّساع عَيْنيها هَتَفَت الصَّدمة.. هَمَسَت مُسْتَنكرة: انتوا مَجانيــن! شهالاتفاق.. هالحجي لا يرضي لا الله ولا رسوله.. لعبة هي لعبة!
تَصَدَّعَت مَلامحها وبرجاء: حُور أرجوش اسمعيني للأخير
زَفَرَت بقلّة صَبر: كملي
عادت وأبعدت خصلاتها عن وجهها وهي تُواصل سَرد الحكاية: اثنينا كنا نبي هالشي.. أنا كنت للحين ما شفيت تمامًا من صدمتي.. وهو عنده مشاكله الخاصة.. فكنا راضيين ومتقبلين.. بــس
واصلت عنها: بس صار بينكم قرب من غير إرادة منكم وخرّب أبو الاتفاق صح؟
تَطَلَّعت إليها بملامح باهِتة: شدراش!
وَضَّحت: لأنّه شي طَبيعي ملاك.. اثنينكم كاملين من جميع النواحي.. ما فيكم علّة لا سَمح الله.. وإنتِ حلاله وهو حلالش.. يعني الشي المو طبيعي إن ما يصير بينكم قرب.. لازم كان في النهاية فطرتكم بتسيّركم
وَضَّحت بكلمات مُرْتَبِكة: هو.. هو بس.. أنا يعني.. تعرفين.. أستحي "أَلَمٌ قَطَّبَ ملامحها" بس هو واجد عاقب نفسه.. كأنه مسوي ذنب كبير.. أو كأنه ضرني.. وأنا ما أبيه يحس جذي.. لأن "أَخْفَضَت بصرها وبخجَلٍ داعَب أطراف وَجْنتيها" يعني أنا.. ما تضايقت.. كلش
تَنَهَّدَت قَبْلَ أن تهمس: ملاك طالعيني "اسْتَجابَت إليها فأكملت بذات الهَمس" ملاك علاقة الزوج وزوجته من أجمل الأشياء في الدنيا وأقدسها.. أنا أكيد ما بسألش شنو صار بالضبط.. بس اتأكدي إن اللي صار مهما كان مو شي عادي.. ومن بعده إنتِ ما راح تكونين إنتِ الأوليّة.. صدقيني بسبب اللي صار حياة ثانية انولدت داخلش، واللحين قاعدة تنمو وبترغّبش بالمزيد.. بيصير قربه هو الهوا وهو الضوء وهو الماي "صَمَتَت لثوانٍ ثُمَّ اسْتَطرَدت وعَيْناها تَتعلَّقان بسنابك ذكرياتٍ جَرَّتها لساعاتٍ مُوْجِعة" علاقتي بأخوش ما كانت طَبيعية.. كان بيننا قرب بس مو قرب طَبيعي.. والسبب مرضه.. كنت أشفق على نفسي وينكسر خاطري عليها.. وكنت أكره أخوش.. بس أرجع وأتذكر شكثر أنا أحبه.. أقرا ضياعه في عيونه وأشوف احتياجه محبوس ما بين شَفايفه.. عرفت إن لازم أنا اللي آخذ بإيده.. صَحيح مُمكن الخطوة اللي اتخذتها غير مقبولة أو مُمكن أحد يستنكرها.. بس كان لازم واحد مننا يبذل جهد مُضاعف عشان يرجّع الحياة لتوازنها الطبيعي.. ويوسف كان بعيد عن الطبيعية.. فأنا اتصرفت "عادَ بَصرها لملاك وبابْتسامة ناعِمة لاطفتها الرّاحة" والحمد لله.. شوفي شلون اللحين وضعنا.. ما كنت أحلم فيه حتى في أكثر لحظاتي أمل
ابْتَسَمت بحُب: الله لا يغير عليكم
اتّسَعت ابْتسامتها: إن شاء الله
تَساءَلت: يعني اللحين إنتِ تقصدين.. أنا أبدأ بالقرب؟
وَضَّحَت لها الفكرة: مدام تقولين إنّه حاس بالذنب من اللي سواه.. فأكيد يظن إنّه ضايقش.. فلازم يعرف إنش مو متضايقة.. بل بالعكس.. تبين تكون حياتكم كأي زوجين
بحيرة ولهفة للقاء: زين شلــووون؟
أَجابت بملامح عابِسة: بما إنكم متفقين هالاتفاق الغبي فأكيد تلبسين وكأنش للحين في بيت أبوش "أكملت بابتسامة مائلة" فاللحين لبسي له.. تزيني.. استغلي أنوثتش ونعومتش.... إنتِ حَلالــه.. خليه يشوف ما أحله له الله
ارْتَوى وَجْهها بحُمرة قانِية أَشعرتها بالاحتراق.. هَمَسَت بخجل شَديد: حُور شنو تقولين! مُستحيــــل
ارْتَفَعَ حاجِباها: شنو مُستحيـــل! "سألت" مو إنتِ تبينه؟
كَحَّت وبصوت بالكاد يُسْمع: اي
ببساطة: بس خــلاااص.. ليش تحرمين نفسش وتحرمينه؟ شهالعذاب! ريحي الرجال وريحي نفسش يا بنت الحلال وعيشوا حياتكم
هَمَسَت ببصر مُشيح: بحاول
تَحَرَّكَت يدها لتقبض على ذراعها وبتشجيع: حاولي مرة ومرتين وعشر "غَمَزت لها" لين ما تضبط ونسمع إنش حامل
انْقَبض شيء في بطنها ونَبضاتها تَسارعت بجنون حتى أشعلت النيران بين أوصالها.. خَبَّأت خَجلها الفائض من مَلامحها بكَفّيها وهي تقول بصوت مخنوق: أووه خلاص حور.. زودتيها
ضَحَكت: لا زودتها ولا شي.. الطفل مُكمّل لهذي العلاقة "وبرغبة عَميقة غَمَرَت صَوْتها" والله إنّي متشفقة على بيبي
كَشَفَت وَجْهها وهي تُعَقّب بعَطفٍ ومَوَّدة كَبيران، ويدها قد احْتَضَنت يَد حُور المُتَلَهّفة لعناق طِفلها: بعد عمري إن شاء الله يوسف ينهي علاجه ويصير عندكم أحلى بيبي
بِرَجاء عَظيــم: إن شاء الله يارب.. إن شــاء الله



أَرْكَنَت مَرْكبتها في مواقف المَبْنى المَقْصود.. هواء المُكَيِّف يَلْفَح وَجْهها والجزء العلوي من جَسدها، تَهْتَز دواخلها من بُرودته فَتَرْتَجِف أَوْصالها.. أَمِن الهواء البارد تَرْتَجِفين فَقط فاتن؟ أَغْمَضَت مع ارْتفاع كَفّيها لِوْجهها.. أَخفت ملامحها وهي تَزفر وتَسْتنشق برتم خاص اعْتادت عليه أَثْناء تَأمّلها.. تُريد أن تَهدأ.. بل تَحتاج أن تَهدأ.. فالأمر الذي هي مُقْبِلة عليه كَبيــر للحَد الذي لا تقوى رُوحها على تَحمّل ثقله. تَحَرَّكَت يَداها قَليلاً إلى جوانب وَجْهها.. احْتَضَنته وهي تَضغط بخفة على خَدَّيها.. النار والجَليد يَتصادَمان هُنا.. سؤالٌ طَفى على سَطح عَقلها: ماذا لو لَم يَكُن هُو؟ تَسارعت نَبضاتها حتى أَنَّ قَلْبها أَوْجعها من شِدّة ضَرْبها لِحُجْراتها.. لحظة أَم أَنَّ الاحْتمال الواقعي هُو الذي أَوْجَعها؟ نَعم فاتن.. هذا هو الاحتمال الأقرب للواقعية.. فَمُنذ مَتى كانت تُقابلكِ الحَياة بوجهها المُبْتَسِم؟ أَيُعْقَل أَنَّها سَتُشْفِق عليكِ هذه المرة وسَتُهْديكِ أَخيكِ على طَبقٍ من زَهْرٍ ووَرد! أَرْخى التَّشاؤم أَوْصالها وبَدأت تَشْعر بانْسحاب الحَماس من دِمائها.. لكن فاتِن.. الله هُنا.. ودائمًا كان هُنا بجنابكِ ودائمًا سيكون.. هُو الذي بيديه كُل أَمْرٍ وشَيء.. هُو الذي سَيهديك الفَرْح وسَيصل بكِ إلى أَخيك.. إن لَم يَكن هذا هُو طَلال.. فَسيأتي اليوم الذي تَلتقين فيه به.. رُبما غدًا أو بعد سَنة أو بَعْد عَشر.. ورُبَّما فَوْق سَرير المَوت عند آخر لحظة من المَعركة مع الحَياة... سَيأتيكِ بِعَيْنيه الرِّمادِيَّتَيْن وبِبَحره الأزرق وقاربه الخَشبي. عند هذه الجُملة التَفَتَت يَمينًا.. ازْدَرَدت ريقها وهي تُبْصِر من خَلف غشاء الدَّمع الرَّقيق القارب الذي أَهْداها إيّاه.. الدليل الوَحيد والأقوى.. فهُناك مئة رَجُل اسْمه طَلال بعينين رَمادِيَّتَين وبقلبٍ يَعشق البَحر.. رُبَّما! لكن هُناك طَلال واحد الذي أَهدى فاتن قاربه الخَشبي الصَغير. أَوقَفَت المُحَرِّك بيد في الوَقت الذي فَتَحت فيه يَدها الأَخرى الباب.. أَخْفَت القارب في حَقيبتها الواسعة التي اسْتَقَرَّت على كَتِفها.. ثُمَّ غادَرت السَّيارة تَحْتَ نَظراتٍ مُراقِبة تَختبئ في مَرْكبة تَبْعد عنها أكثر من خَمسة أَمتار. اسْتَفرَغت آخر زَفْرة.. رَفَعت عَيْنيها للسَّماء.. أَغْمَضَت وبدعاءٍ هَمَسَت: يا رب ساعدني.. يا رب

،

جَسَدها مُسْتَلْقٍ على الأَريكة نصف اسْتلقاءٍ مُسْتَرْخي.. يَديها تَحت ظَهْرها في محاولة لِإبراز بَطنها المَكْشوف.. هو كان مُسْتَقِر فَوْق بَطنه على يَمينها.. يَد تُسْنِد خَدَّه، ويَد تَمْسَح على بَطْنها بشرود. ضَحَكَت بخفّة وهي تَتساءَل: شفيك سرحان؟ في شنو تفكّر؟
أَجابَ دُون أَن يُحَرِّك عَيْنيه عن بَطْنها: أَفكّر في غيداء يوم كانت حامل بعبّود.. أبي أتذكر متى كبر بطنها
ارْتَفَع حاجِبَاها وبابْتسامة واسِعة: وليــش تبي تتذكر؟
وَضَّحَ: عشان أَعرف متى بيكبر بطنش "ضَحَكَت بعلو فارْتَفَعت عَيْناه إليها بتعجّب" شنــو! ما قلت شي يضحك!
شاكَسته: امبلــــى
عَقَدَ حاجِبَيه وباعْتراض: لااا!
قالت وبقايا الضِّحكة مُتَعَلِّقة بأطراف شَفَتيها: حَبيبي طَلال كل حامل تختلف عن الثانية.. مو شرط اللي صار لغيداء يصير لي في نفس الوقت
مَدَّ يَده وقَرَص زندها وهو يُعَقِّب: أدري مو غبي أنا.. بس أقصد بقدّر
ضَيَّقَت عَيْنيها وبابْتسامة جانبية: متأكّـد؟
اكْتَسَت ملامحه الجديّة وفي صوته سَمعت نَبْرة زَعل: ترى أنا أفهم.. ليش تعاملوني جنّي غَبي؟ مو يعني أنا مو مكمّل دراستي يعني ما أفهم!
قالت باعْتذار والأَسف خالطَ آثار الضّحكة المُزَيِّنة وَجْهها: حَبيــبي سامحني "وبصدق ويَدها تُمْسِك ذقنه بلُطف" والله ما قصدت إنّك غبي.. ولا عمري فكرت فيك بهالطريقة.. بس توقعتك فاهم غلط.. وعادي يعني لو غلطت.. انتوا رجال وهذي الأمور ما تعنيكم "أَشاح وَجْهه عنها بحاجِبَيْن مُقَطَّبَيْن فنادته بهمسٍ رَقيق" حَبيبي.. طَلال.. عُمري.. حَياتي؟
هَمَسَ بضيق وهو يَعتدل في جلوسه: روحي عني
تَجاهلت كلماته واقْتَرَبت منه حتى التَصَقت به.. اتَّكأَت بمرْفَقيها على صَدره وهي تهمس بمُداعبة: أفــا أفــا.. تبي نُور نتفتك تروح عنّك؟
ارْتَفَع حاجبه وببرود: إذا بتتطنزين عَلي فأي روحي عني.. ما أبيش
وهي تَحْتَضَن وَجْهه بكَفّيها: والله والله ما قصدت أتطنز عليك.. ينقص لساني لو سخرت منك في يوم "اسْتَطردت بمُعاتبة" بعدين إنت ليش متحسس هالكثر من موضوع دراستك! عــادي ترى.. كلش عــادي
نَطَقَ بحـدّة أَلْمَعت الماضي في عَيْنيه: شلون عادي وإنتِ ذيك المرة رفضتيني بسبب دراستي!
هَتَفَت باسْتنكار شَديــد اتَّضَح في العُقْدة التي تَوَسَّطَت حاجِبَيها: شنـــو!

قاطَعَ نقاشَهما المُتَذَيِّل بسُم الحَقيقة رَنين الجَرس.. أَبْعَدَ ذراعيها عن صدره بهدوء ثُمَّ تَرَكَ الأَريكة دَون أَن يَغْفَل عن الحيرة التي غَلَّفَت نَظراتها. فَتَحَ الباب لِيَلْتَقي مع آخر شَخص يَتمنى مُقابلته.. مُباشرة ما إن تَصادَمَت عَيْناهما احْتَدَّت ملامحه واكتساها جُمود يُوحي بالقَسْوة. تَساءَل بصوت يخلو من أي مشاعر.. حتى المُجاملة لَم تَسْمعها في صَوته: نعم؟ في شي؟ ما قال لي رائد إن بتلتقون اهني!
أَجابت بخفوت وهي تَضغط على حِبال الحَقيبة: لا.. أنا مو جاية عشان رائد
ارْتَفَع حاجِبه وبتهكّم: عَيل؟ ليش ياية مدام مو عشان زوجش؟ ما أعتقد بيننا علاقة أو كَلام!
زَمَّت شَفَتيها وقَبْضَتاها تَكادان تَنْزُفان من شِدّة ضَغطها عليهما بأظافرها.. اغرورَقَت عَيْناها وشيء يشبه الفَرقعات أَحْرَقَ أَنْفها.. شَعَرَت بالغَصَّة تَتَكَتَّل وَسط حَلْقها وهي تَرى السُّخرية تَنْضَح من عَيْنيه.. هَمَسَت بحشرجة وهي تَتراجع للخَلف: خـلاص
أَدارت نصف جَسدها لكن نداء نُور أَوْقَفها: تبين شي فاتن؟
عادت وقابلتهما بِجَسدها المَشحون من التَّوتر.. نَظَرت لِنور الجَليّة عليها أمارات الاهْتمام.. شَدَّت على الحَقِيبة والتَّرَدّد يُعَرْقِل كَلماتها الزاعقة عند بداية حَلْقها.. أَطْبَقَت شَفتيها وأَخْفَت رَأسها عندما نَطَقَ طَلال بذات الحِدّة الشَرِسة: ما تبي شي.. شنو تبي يعني! ما بيننا وبينها شي
وَصَلها هَمْس نُور المأهول بالحَرج: طَــلال!
تَجاهَل اسْتنكار زَوْجته وغَضبها الذي نَفَر وَسَط مُقْلَتَيها.. قال وهُو يَسْتَعِد لإغلاق بابَيْن.. باب الشِّقة.. وباب حَقيقة أُخوّتها: رائد مو اهني واحنا ما بيننا علاقة.. فتيسّري.. مع السلامة
يَدا نُور تَحَرَّكتا لِمَنعه من إغلاق الباب.. تَمَسَّكتا به بقوَّة حتى أنَّ أطراف أَصابعهما احْمَرَّت.. نَطَقَت بحدّة وهي تَضع قَدمها حاجِزًا بين حافّة الباب والجِدار: طَلال خلها.. عشان رفيقك
هَمَسَ من بين أَسْنانه ورَماده بدأ يَسْتَعِر: ما بيننا وبينها شي
بإصْرار حام: خلْـــها.. شنو بتخسر!
شَدَّ قَبْضته وبنفاذ صَبْر: نُـور قلـ
قاطعته بهمسٍ هُجومي: ما لك دخل.. ما تبي تسمعها كيفك.. بس أنا أبي أسمعها "اسْتدارت لفاتن وهي تقول" تفضلي فاتن.. قولي اللي تبينه "قَبَضَ على ساعدها يَنهرها لَكنّها نَظَرَت إليه وبحزْمٍ كَرَّرت" مــو كيــفــك.. ما تبي تسمع روح واتركنا "حَرَّكَت بَصرها لفاتن وهي تُكْمِل" أنا أبي أسمــ
بَتَرَت كَلِمتها في اللحظة التي سَقَطت فيها عَيْناها على الذي تَحْمله فاتِن بَيْنَ يَديها.. مالَ رَأسها بخفّة وعلى جِفْنَيها اتَّكأ الاسْتغراب. طَلال انْتَبَه لانْشداه زَوْجته.. لذلك تَتَبَّع مَسير بَصَرها دُون أَن يَعلم أَنَّه سَيَصْطَدِم بِخَشَبٍ عُمْره أكثر من خَمسة وثَلاثين عامًا.. فَغَرَ فاهه وفي صَدره شَهَقَ البَحرُ وارْتَفَعَ مَوْج الماضي لِيُلْقي بالذِّكرى على شاطئه المُقْفَر.. حَرَّكَ رَأسه ببطءٍ شَديد وكأنّهُ غارِق يَبْحث عن نَسْمةِ هواه تُعينه.. لَعَلَّه باسْتنشاقه يَسْتَوعِب بأَنّه عالِق بَين تلاطم الأمواج بلا حَوْل ولا قوة.. هذه الأمواج التي لا تَكف عن المَد.. ها هو الآن يَشعر ببللها يَعْتريه.

" قَبَّلها على الخَدَّيْن ثُمَّ قال وهو يَمُد لها السَّفينة: اخذيها عشان تسافرين فيها إذا تبين تجين عندنا"

أَرْخَت نُور بَصرها تَنظر ليَده وهي تُرْخي من مَسكتها لساعدها.. رَفَعت عَينَيها إليه فقابلتها ريـحٍ رَمادية مُوْحِشة.. في برُودتها قَسْوة مُخيفة.. فَتَحَت فَمها تُريد أن تُناديه، لَكنّها شَهَقَت بفَزَع حينما دَفَع فاتن من كَتفها بهمجية تَسَبَّبَت في سُقوط القارب على الأَرض وفي تَقَهقر جَسدها للخَلف.. تَمَسَّكت فاتن بالحاجز الجانبي للسّلم لِتَحَمي جَسَدها المُرْتَعِد من السّقوط.. تَصافَقت أَهْدابها بارْتياع من كَلماته التي نَطَقَها بهدوءٍ لَهُ صَخَبٌ عَنيف؛ أَفْرى رُوحها حَدَّ تَمنيها المَوْت والفَناء: رُوحي دوري على أخو غيري.. فاتن بالنسبة لي اندفنت مع أمي.. عشان تبقى في قلبي ذكرى بيضا.. بدل ما تتلوث من رُخص الحاضر



يُراقب ابْنه المُسْتَغرق في النَّوم.. ابْتَسَم بحُب نَقي وهو يُبْصِره مُتَسَرْبل بحُلَّة ملائكية بارعة الجَمال.. تَنَهَّد بلذّة وهو يَسْتَشعر جَري النَّهر في صَدْره.. مُذ وُلِد طفله وهذا النهر يُسْقي رُوحه ويُنْعِش ذاته التي لَطالما تَعَطَّشت للامتزاج مع نَبْع عِشقها الأَوْحد.. تلك الحَنين التي تَسْتَطيع أَن تَعْبَث بوجوده برمشة عَيْن فَقط. ابْتسامة شاحِبة تَرَكَّزَ فيها حُزْنٌ أَثيري لَم يَفتأ أن يَعتلج في خاطره حَطَّت على شَفَتيه.. فَوالدته المَرْحومة لَم تُقَر عَيْنها برؤية حَفيدها.. لَم تُقَبِّله ولَم تُعانقه ولَم تُغَنِّ له.. لكن يعلم أَنَّها تراه من هُناك.. وهي سَعيدة لأجله.. فهو قَد أَسَّسَ مع حَنين عُمْره عائِلة. التَفَت لزوجته التي للتو خَرَجَت من دَوْرة المياه برداء الاستحمام.. طَرَد ابْتسامة الفَقد لِتَحل مَكانها ابْتسامة خاصّة بها.. هَمَسَ عندما جَلَست على السَّرير أمامه وهي تُجَفِّف شَعرها: نَعيمًا
ابْتَسَمت وفي عَيْنيه ابْتَسَم الرَّبيع وأزهاره: ينعم بحالك "اسْتَطردت بذات الهَمس وهي تُناظر بتفحّصٍ حَنون ابْنها المُسترخي في سَريره الخاص " بعد عمري نام
اقْتَرَبَ منها وعَيْناه تَسْبَحان في نهرها العَسلي: الولد بار بوالديه.. يبي يخلي لهم الجو
ضَحَكَت بخفّة وهي الأخرى تَقترب مُعَلّقة بهمس: عارف نوايا أبوه
غَمَزَ لها قَبْلَ أن يُهْدى نَفسه المُشتاقة قُبْلة عَميقة تُنير ما أَظْلَم في غيابها.. ابْتَعَدَ قَليلاً لِيَهْمس بصوتٍ شَجي لطالما أَطْرَبَ نَبضاتها: وَحشتيني حَنين "مَرَّرَ أَصابعه بين خصلاتها وهو يُرْخي جَبينه على جَبينها مُرْدِفًا" مشتاق.. والله مشتــاااق
ابْتَسَمت باسْتمتاع وكلماته الهامسة وإحساسه الصادق قَد أَرْضوا غرورها.. لذلك اقتربت منه لِتُعينه على شَرح شوقه وصَب كُل مشاعره على رُوحها المشتاقة أيضًا لغيثه.. فَقَد مَرَّ أَكثر من شَهرين على مَبيتها في منزل والدها.. هو يَنام وَحده في شقتهما هُناك في منزل والده.. يَنام في غرفة الجلوس.. فَقد أخبرها أَنَّ قَلْبه لا يَقوى على السماح له بالدخول لغرفة النَّوم وهي خالية منها. تَعلم أَنَّهُ مُشْتاق لها حَدَّ الثَّمالة.. فنَظراته الساهية فيها.. ابْتساماته.. هَمساته الوالِهة.. ولَماسته الرَّقيقة.. كُلّها تَحْكي عن مَدى شَوْقه.
صَوْت بُكاء.. ابْتَعَدت عنه سَريعًا لِتَتَّجه لابْنها.. هَمَسَ وهو يُتابع حَركات الصَّغير معها: شكله يبي قعد
أَكَّدت وهي ترفع رداءها على كَتفيها وتُعيد رَبْطه حول خصرها: اي.. مع إنّه المفروض مو من زمان نايم
أَكَّدَ وهو يَتراجع لِيُسْنِد ظَهره للسَّرير: اي.. بعد ما دخلتين الحمام بشوي "اسْتَفسَرَ" متى تفكرين ترجعين البيت؟
أَجابت مُباشرة وبنبرة عادية: إذا صار عمره سنة
تَقَدَّمَ جَسده للأَمام بِصدمة بانت في عَيناه المُتَوَسِّعتان وهو يَقول بعلو: نَعــم!
وَضَعت إصْبعها على شَفتها: أُشش قصّر صوتك
قال باسْتنكار: حَنين شنو سَنة! إنتِ تمزحيـن!
رَدَّت باسْتغراب: لا "حَمَلت الصَّغير الذي فَتَح عينيه واسْتَقَرَّت بهِ في حضنها وهي تُرْدِف" بعدين نتفاهم
نَطَقَ سَريعًا: بس حَنين مـ
قاطعته برجاء: بسام خل الحجي لبعدين.. أبي أرضعه يمكن يرد ينام عشان أنا أقدر أنام بعد وما يسهّرني
أَطْبَقَ شَفتيه باسْتسلام وهو يتراجع للخَلف والصَّدمة لا زالت تُلَوِّح من قارعة وَجْهه.. سَنــة! تُريد أن تهجر شقتهما لِسنة! هذه المُدّة مُبالغ فيـها.. مُبالغ فيها جدًا!



كانت تَنظر لساعة معصمها وهي تَنزل بهدوء من السُّلَّم.. إنَّها الحادية عَشَر صَباحًا.. أَقل من أربعين دَقيقة على الأَذان.. هي اسْتَيقظت منذ التاسعة ولَكنّها بَقت في الجَناح.. لا تُريد أَن تُعَكِّر مَزاجها الصَّباحي برؤية وَجه بَلقيس.. أووه.. ابْتَسَمت بتهكّم عندما تَقابلت معها عند باب المَطبخ.. قالت بنبرة ناعِمة وهي تُلْبِس ابْتسامتها حلاوة مُلْفِتة: صَباح الخير
بادلتها بَلقيس التحية بمُجاملة واضِحة: صباح النور " اسْتَفسَرت بنبرة اسْتجواب" توّش قاعدة من النوم؟
حَرَّكَت كتفها: يَعـني.. تَقريبًا "اسْتَطَردت" تبين مُساعدة في المطبخ عمتي؟
ارْتَفَعَ حاجِبها: ليش تعرفين لشغل المطبخ؟
ابْتَسَمت بسعة: أكيـــد.. أنا بنت سَلمى.. سِت بيت من يومني بنت الخَمستعش
هَمْهَمت وهي تَخْطو لغرفة الجلوس بنفورٍ لا إرادي من ذِكْر سَلمى: ايــه زيـن
جَلَسَت وجَلَست أَمامها مَرْوة التي واصَلت حَديثها وهي تَدَّعي صّفاء النِّية: المفروض تعرفين هالشي عمّتي.. يعني إنتِ صديقة أمي الله يرحمها من عمر.. لازم تعرفين طريقة تربيتها
ضَحَكَت بخفّة وهي تُرْخي ساق على الأخرى وتُجيب ببصر مُشَتّت: أكيـد أعرف.. بس قلت إنتِ غير.. مشغولة ويا الطب وزحمته.. فما تعرفين لشغل البيت والمطبخ
وهي تُحاكي جُلوسها: لاا أفـا عليش عمّتي.. حطّيني على يمناش.. لو تبين أي مساعدة أنا حاضرة
ابْتَسَمت لها بخفّة: شُكرًا.. ما يحتاج تتعبين نفسش.. الخدامات موجودات
أَوْمَأت رَأسها بِصَمت وهي تُراقب ملامح بَلقيس وردود فعل حواسها بدقّة.. حَكَّت ذَقنها وهي تَسْتَطرد بضحكة مُصْطَنعة: تصدقين عَمّتي.. توقعت ما بتذكريني يوم خَطبني عبد الله
بهدوء وهي تَسْتَعِد لِما بَعد هذه المُقَدِّمة: لاا؟ وليش إن شاء الله؟
أَجابت وهي تُثَبِّت عَيْنيها في عَيْني بَلقيس: لأن من بعد وفاة أمي اختفيتين.. ولا كأنش موجودة.. حتى العزا ما أذكر حضرتين!
عَقَّبَت باقْتضاب جَلَّد ملامحها: طبعًا جيت العزا.. بس يمكن ما انتبهتين حزّتها
كَرَّرت بنبرة ذات معنى: بس اختفيتين.. بشكل غريب
بَرَّرَت وهي تُنازع التَّوجس الذي أَخذ يُحيك ارْتباك داخلها: انشغلت مع بنتي.. تعرفين بعد توفى زوجها وهي صغيرة وعندها عيال.. كنت على طول معاها
هَزَّت رأسها بابْتسامة جَليِّة: اي صـح
قالت بتوضيح: أنا كنت أسأل عنكم عند خالاتكم.. بس بعدها انقطعت علاقتي فيهم
أَسْنَدت ظَهرها وابْتسامتها تَتسع: اي فهمت عمّتي.. ما كنتِ قادرة تواجهينا مُباشرة
عَقَدت حاجِبَيها وبحدّة مُهاجِمة: شلون يعني! شتقصدين بكلامش؟
فَغَرَت فَاهَها تَدّعي الصَّدمة وهي تُوَضِّح بِعَينَين مُتَوسِّعَتَيْن: شنــو يعني بقصد عمّتي! أقصد ما تتحملين تشوفينا بعد وفاتها الله يرمحها.. نزيد عليش المواجع "وببراءة مُسْتَفِزّة" بَــس، هذا اللي قصدته
وَقَفَت تُنهي الحَديث المُلْتوي كَثعبانٍ سام.. وبنبرة كَنَصلٍ جَليدي وهي تَرْنو لها بعينها: بروح أشوف الغدا
بابْتسامة باردة: اخذي راحتش.. عمّـتي
فَور مُغادرتها وَضَعت كَفّها على فَمِها تُخفي ضحكتها التي احْمَرَّ منها وَجْهها.. كَم كان الأمر مُمتع.. وكأنَّها تلعب.. تلعب بها وبظنونها.. تعلم أَنَّ لديها شكوك حولها.. ولكنّها بتصرفاتها المَدروسة تعرف كَيف تَعْبَث بها لِتُحيلها تائهة بين الشَك واليَقين. اسْتَرخت في جلوسها وهي تهمس بمكر: تونا في بداية الطَريق يا بلقيس.. اللي جاي أَقوى.. بيخليش ما تميزين الحقيقة عن الوَهم





يتبع




 توقيع : إرتواء نبض



رد مع اقتباس