الفصـل العــاشر والأخــير..
تزوج سعيد من منى ، وبعد أسبوع من الزواج ، قرروا الذهاب إلى شهر العسل ، انطلقوا مع أذان صلاة العصر ، وبينما هم في الطريق إذ مر سعيد بجانب منزلهم القديم ، يتذكر أيام طفولته ، ويتذكر أمه وخالد الذين لن ينساهم أبدا ، ذهب من أمام المنزل ، وبعد مسافة قريبة جدا لا تتجاوز الخمسة كيلو متر ، أقيمت الصلاة ، ووقف بجانب مسجد هناك ، أوقف سيارته ثم نزل منها ، ونزلت معه منى ، أدخل زوجته إلى مصلى النساء ، ثم عاد ليدخل من باب المسجد ، وهناك شاب معاق يريد الطلوع من عتبة باب المسجد ولكنه لم يستطع ، رآه سعيد وذرفت عيناه ، أتدرون لماذا ، لأنه ذكر خالد ، ذهب سعيد مسرعا ليساعده في الدخول إلى المسجد ، أدخله سعيد إلى المسجد ، وشكره ذلك الشاب المعاق على ما فعله معه ، وبعد الفراغ من الصلاة ، أخذ سعيد ينظر إلى ذلك الشاب المعاق ويتذكر أخاه ، يتذكر حبيبه ، يتذكر أنيسه ، خرج سعيد من المسجد ، وعاد إلى سيارته ، وقد زاده الشوق والحنين إلى أمه وأخيه ، وبعد أن صعدت زوجته ، حرك سيارته ، وبدون أي شعور عاد أدراجه إلى منزلهم القديم ، وزوجته سارحة في خيالها ، وهناك أمرقد شغل تفكيرها ، وفجأة إذا بسعيد يقول
سعيد : إلى أين نحن ذاهبون ؟
زوجته : لا أعلم .
سعيد : ولماذا لم تتكلمي أنني أخطأت في الطريق .
زوجته : لم أكن منتبهة فقد شغلني أمر.
سعيد : وما ذاك الأمر يا ترى ؟
زوجته : لقد رأيت في المسجد مسنة قد أصابها الهم والحزن ما الله به عليم أطلت النظر فيها ، وإذا بامرأة بجانبي تقول لي : هل رأيت تلك المرأة ، إنها ترتاد المسجد منذ 15 عام تقريبا ، تدعو وتتضرع ، وتبكي ومن المرارة تتجرع ، لو تذهبي إليها وتسأليها ما الذي حدث لها ، ستشرح لك قصتها .
ذهبت إليها وسألتها ما بك يا خالة ، وما الذي أصابك ، عندها بكت ، أو تدري ما قالت ؟
سعيد : وماذا قالت ؟ !!
زوجته : قالت لي :
المسنة : سأروي لك قصتي باختصار ، كنت متزوجة ، وأنجبت من زوجي ابنا سميته خالد ، ثم سافر وتزوج علي ، وتركته ، وذهبت إلى شقة أخرى ، وتركنا بعدها وكنت حاملا ، وأنجبت بعدها سعيد ، وتمر الأعوام ، ويحصل حادث لابني خالد أصبح بعدها معاق ، وبعد مرور من الزمن ، أتى أبو خالد ، وأخذ مني سعيد ، وحرمني منه إلى الآن ، فأنا الآن لي 15 عاما لم أرى ابني ، ولا أعلم عنه شيئا ، هل هو فرحان أم حزين ، هل هو بصحة وعافية أم مريض ، وأنا لم أيئس من وجوده ، وأنا أدعو الله دوما أن أعلم عنه أي شيء لكي أرتاح ، أريد أن أعلم عنه هل مطمئن ، هل هو بخير هذا ما أريده .
منى : أليست قصة أليمة ( والتفت إلى سعيد ) يا ........
دهشت مما رأت ، لقد ذرفت عيناي سعيد ، وعاد أدراجه مسرعا إلى ذلك المسجد ، وزوجته تقول : أنا أعلم أنها قصة أليمة ، ولكن ماذا بأيدينا أن نعمل ، ما لنا إلى ندعو الله لها أن يعيد إليها ابنها .
وصاح سعيد بأعلى صوته ، أنا ابنها ، إنها أمي يا منى ، إنها من حرمني أبي عنها ، إنها أمي وليست كما تظنين أن أمي سلمى ، وبدأ يبكي كالطفل الصغير ، وبدأت زوجته تبكي معه ، وصلوا إلى المسجد وانتظروا إلى صلاة المغرب ، نزلوا إلى المسجد وبعد الصلاة ، خرج سعيد مسرعا وخرجت زوجته وهو يقول
سعيد : هل رأيتها ؟
منى : لا إنها لم تأت .
ضاق سعيد مما سمع ، لا بأس ستأتي العشاء ، أُذن لصلاة العشاء وأتوا إلى المسجد مسرعين لعلهم أن يجدوا من يبحثوا عنه .
ومثل صلاة المغرب لم يجدوا المرأة المسنة
سعيد : اذهبي واسألي أحدا ربما يعرف أين منزلها .
عادت منى إلى المسجد واستوقفت امرأة في المسجد وسألته هل تعرف امرأة اسمها مريم ( أم خالد )
المرأة : نعم أعرفها ، ووصفتها بمنزلها .
شكرت منى المرأة ثم عادت إلى سعيد لتخبره بمكان أمه ، ذهب مسرعا إلى المنزل وهو لا يبعد عن المسجد ، وطرقوا الباب ولكن للأسف لم يجدوا أحد ، مكثوا طويلا هناك ولكنهم لم يجدوا أحدا .
عادوا كالعادة خائبين ، وقالوا ربما أخطأت المرأة في وصف بيتها ، وأن هذا ليس منزل والدتي .
استأجروا شقة في نفس الحي ، وناموا هناك ، وفي اليوم التالي وعند أذان العصر انطلقوا هناك إلى المسجد ، وصلوا ولكنهم لم يجدوا المرأة ، وقالت منى
منى : هيا نذهب إلى المنزل الذي وصفتنا إياه المرأة .
سعيد : لا أحد هناك ، وإنما سنعود كالعادة خائبين .
منى : فلنحاول هذه المرة علنا نجد أحدا يرشدنا إن كنا مخطئين .
سعيد : إذا فلنذهب على بركة الله .
عندها ساروا متجهين إلى المنزل ، طرقوا الباب ، وإذا بمن في الداخل يقول انتظروا قليلا .
فُتح الباب ، وإذا بالشاب المعاق الذي ساعده سعيد في الدخول إلى المسجد ، إذا بسعيد يقول
سعيد : خالد بن محمد ؟
خالد : نعم أنا هو . من أنت .
عندها بكى سعيد وانكب إلى أحضان خالد وهو يبكي ويصيح أنا أخوك سعيد .
ذهل خالد من هول ما سمع ، وسمعته والدته وتركت ما بيدها وأتت مسرعة .
مريم : سعيد ، ابني ، واحتضنته بشدة وبكت ، وهو يزيد في البكاء ، وقام خالد يعتمد على الكرسي إلى أن قام على رجليه ، ومشى على قدميه ليشارك أمه وأخيه الفرحة والاحتضان ، دهشت أمه مما رأت ، خالد يمشي بعد هذه السنين ، احتضنت الأم ولديها ، وبكت بكاء مريرا ، نعم ، لطالما بكت حزنا وألما ، واليوم تبكي بكاء الفرح ، ومنى بالباب تبكي مما ترى ، وبعد العناق من بعد الفراق ، وبعد تبادل القبلات ، وبعد الفرحة رأت أمه من بالباب وسألت سعيد
مريم : من هذه يا بني ؟
سعيد : إنها زوجتي يا أمي .
سلمت عليها مريم ، وأدخلتها إلى الداخل . وخالد أخذ أخيه وذهب به إلى المجلس ، وعندما جلسوا في ذاك المجلس أخذ خالد يسأل أخاه في أثناء دخول والدته
خالد : كيف حال من حرمك منا ، استصعب أن يقول أبي
سعيد : لقد مات منذ مدة ، وكتب وصيته يطلب منكم السماح .
خالد : لن أسامحه ... وأسكتته والدته بقولها : بني طلب منك السماح والآن هو ميت فسامحه الله . عندها سكت خالد ولم ينطق بكلمة .
سعيد : أخبرني يا خالد ، كيف أكملت الدراسة وأنت بهذه الحالة ؟
خالد : في المتوسطة كنت أذهب مشيا ، لأن المدرسة بقربنا ، أما في الثانوية ، فقد كان يوصلني مهند إلى المدرسة ، ويأتي بي ، وتركت الدراسة بعد الثانوية ، واشتغلت في شركة مع مهند ، والحمد لله على كل حال . وأنت يا سعيد ؟
سعيد : أنا أكملت الدراسة الجامعية وأصبحت مدرسا في هذه المدينة .
وبعد تبادل الأحاديث والأخبار قال سعيد .
سعيد : أتدرون من ينقصنا في هذه الجمعة الطيبة ، وفي هذا المجلس الطيب ؟
مريم وخالد : من ؟
سعيد : إنها أمي الثانية ، إنها أمي سلمى ، من ربتني وعطفت علي .
مريم : لا أريد أن أراها .
سعيد : أماه أرجوك ، فلو تعلمي ما فعلته لي لسامحتها وأحببتها .
مريم : وما الذي فعلته ؟
سعيد : من أشفقت علي عندما أخذني أبي ، من تضمني عندما يضربني أبي ، من كانت تحاول في أبي أن يعيدني إليك ، من كانت بدورها هي من تبحث عنك .
مريم : هل كانت تفعل ذلك حقا يا بني .
سعيد : نعم كانت تفعل ذلك ولم تكن راضية على فعل أبي بك وبي .
مريم : إذا لا بأس يا بني .
ذهب سعيد وأتى بها ، وبعد أن جلسوا يومين ، انتقلوا إلى منزل سلمى ، وعاشوا عندها في منزلها الذين يتكون من طابقين ، وأعطت كل واحد منهم شقة ليعيش بها ، وتزوج خالد ، وأصبح لسعيد ولد سماه سامي ، وابنة اسمها لمى ، وخالد لديه ابنة اسمها لمار ، وعاشوا بعدها في سعادة وهناء ......
وأخـــيراً..
أشكر كل من تابع ، وكل من زودني بالملاحظات ، ولن أقول أبدعت في هذه الرواية لأنها لم تخلو من الأخطاء ، ولأنها الرواية الأولى ، وأرجو أن تكون قد نالت إعجابكم ....
تحيات الكاتب ... عبد الله الغامدي ..
|