وهي تسرع إلي بيت المزرعة . احمرت وجنتاها , وأضاءت عيناها . وغمرت وجهها ابتسامة دافئة لهذا الاكتشاف . وأخذ قلبها يشدو . ستاسي آدامز تحب كورد هاريس . كانت تريد أن تصرخ بهذه العبارة للعالم أجمع . ثم فتحت باب المنزل الثقيل , وقد انقطعت أنفاسها وجرت إلي البهو الصامت.
أوقفها خلو المكان تماما . فلم يكن هناك . خرج مع ليديا عصرا بعدما تشاجرت ستاسي معه . اجتاحها شعور جارف بالوحشة . كيف استطاعت أن تنسي ليديا بشعرها الفاحم وبشرتها العاجية ؟ لقد عادت السيدة المطلقة بجمالها الأسمر , لكورد , وعادت تقبل حبه الذي كان قد ألقاه مرة من قبل عند قدميها . كان يهتم بها هي وليس بستاسي , لقد نسيت شيئا هاما في غمرة انفعالها بحبها الذي وجدته توا, وهو أن كورد يحتقرها , يحتقر كل ما تمثله !
أنبت نفسها , وتقلص أنفها والنمش الذهبي المنثور عليه خشية أن يبتلعها الإشفاق علي نفسها وقالت:
تماسكي يا ستاسي آدامز , لم يرب أبوك فتاة متخاذلة . كورد يعتقد أنك فتاة مستهترة بلا ذرة عقل , لا يهمها أحد سوى نفسها . ولكن عليك أن تعرفيه أنه علي خطأ قبل فوات الأوان . علي الأقل تستطيعين أن تكافحي من أجله . وتستطيعين أن تعطي هذه الساحرة ذات الشعر الفاحم فرصة لسباق معها.
أزاحت عنها أفكار الحزن بعزم . الأهم فالمهم . والأهم هو أن تغتسل من الغبار من أثر ركوب الحصان , وبعد ذلك تبدل ثيابها للعشاء , سوف ترتدي الليلة ثوب السهرة المصنوع من قماش ألجرسيه برسوماته الجريئة باللونين الفيروزي والزمردي . كان إحضارها لهذا الثوب مجرد نزوة ولكنها الآن سوف تستخدمه .
لمعت عيناها في انتظار الموقعة وهي تخلع ملابسها بسرعة وتقف تحت الدش...كورد ... أخذت تنطق الاسم المحبب . كان له وقع اسم رجل, وقوة سوط يفرقع عاليا . لقد ربت أرض تكساس الخشنة رجلا مناسبا ليقهر أرضها القاسية .وتذكرت قوة يديه وذراعيه الحديديتين وكتفيه العريضتين . لو أنها تستطيع أن تنظر في عينيه وتري فيهما الحب الذي تتمناه لأصبحت الدنيا مكانا مثاليا .
عندما خرجت من تحت الدش استعادت سحر عواطفها الذي كانت تشعر به من قبل . عاد هذا السحر بمرونة الشباب بثقة تعتمد علي الإيمان أكثر من اعتمادها علي العقل .وجففت جسدها بسرعة , ثم عادت لغرفتها وهي تتمتم بالغناء في سعادة , وبدأت ترتدي ثيابها باهتمام أكثر من المعتاد.
وعندما فرغت من ارتداء ثيابها وقفت أمام المرآة الكبيرة تنظر إلي صورتها بعين نافذة . أبرزت ألوان ثوبها الزرقاء والخضراء اللون الذهبي في ذراعيها البضتين , كما أبرزت الأطراف الذهبية لشعرها ,نظرت نظرة أخيرة لحذائها المصنوع من الساتان وهو يظهر تحت جونلتها الطويلة . غمزت بعينيها إعجابا بصورتها وتركت الغرفة .
هبطت ستاسي الدرج كالملكة علي الرغم من خفقان قلبها , وكانت مديرة المنزل المكسيكية البدينة تعد المائدة في غرفة الطعام . فغابت الثقة التي تبدو علي وجهها إلي أعماقها عندما رأت المكان يعد لشخص واحد. كادت أن تسأل ماريا عن موعد عودة كورد للبيت , ولكن كبرياءها أبت عليها أن تنهار لاحتمال عودته في وقت متأخر , وكانت أسئلتها في هذا الشأن في الأمسيات الماضية تقابل برد سلبي , ولم تكن تحتمل أن تسمع مثل هذا الرد الليلة.
ثرثرت ماريا بابتسامتها العريضة المعتادة :
"إن الآنسة تبدو رائعة الجمال الليلة . ربما كنت علي موعد مع جيم أليس كذلك ؟"
ابتسمت ستاسي وهي تقاوم ارتعاد جسدها وقالت :
"لا!"
وجلست ستاسي بهدوء إلي المائدة الخالية . وحاولت أن تأكل من الطعام الشهي الموضوع أمامها . ولكن انتظارها لكورد لم يترك مكانا في ذهنها للرغبة في الطعام , علي الرغم من محاولتها الشجاعة لتظهر اهتمامها بسلطات الفاكهة واللحوم الباردة , التي بذلت ماريا كل هذا المجهود لإعدادها , وأخيرا , بعد أن تظاهرت بضع دقائق بأكل أحد أطباق الأناناس بدون أن تتذوق أي شيء منه ابتعدت عن المائدة . لم يكن هناك جدوى لبقائها . لقد سرق التوتر والتوجس شهيتها . وكانت منفعلة ألي درجة أفقدتها قدرتها علي الأكل . وقفت بعصبية وبدأت تمشي جيئة وذهابا بجانب المائدة.
سألتها المرأة المكسيكية الواقفة في مدخل غرفة الطعام:
"هل أنت بخير يا آنسة ؟"
لم تشأ ستاسي أن تجرح مشاعرها فقالت معتذرة :
"إنها وجبة ممتازة , غير أنه ليست لي أي شهية للطعام".
بدا علي ماريا أنها قبلت تفسير ستاسي للأمر , وبدأت تحمل الأطباق من المائدة . وراقبتها ستاسي برهة وهي تحاول استجماع شجاعتها لتسأل ماريا عما إذا كانت تعرف مكان كورد . وسألت ماريا:
ربما وددت أن أحضر لك قهوتك بالخارج في الساحة ؟"
تمتمت ستاسي في شرود :
" نعم سيكون هذا لطيفا ".
بدأت تخرج من الغرفة في هدوء ثم وقفت وسألت في صوت غير مبال:
" هل تتوقعين عودة سيد هاريس مبكرا هذا المساء؟"
أجابتها ماري قبل أن تسرع إلى المطبخ:
" أوه.لا.لقد ذهب لعشاء لمربي المواشي, وهو عادة يتأخر في العودة"
مشت ستاسي مكتئبة من خلال غرفة الجلوس إلى الأبواب الزجاجية الكبيرة المؤدية إلي الشرفة. واختفت نظرة الأمل من عينيها وهي تفتح الباب وتقف على الأرض الحجرية .
وتسللت الوحشة إلى عظامها, واختنق كل الأمل والثقة التي كانت تتحلي بهما. مشت وهي قلقة واستنتجت إلى احد الأعمدة التي تحمل الشرفة إلى اعلي . كافحت في يأسٍ لتدفع الكآبة والتراخي الذين أحاطا بها, وكانت مياه المستنقع تلمع في غموض في الضوء الخافت, ولكن كان في أعماقها ما ينذر بالشؤم. وحملقت في اتجاه المدافن فوق الربوة التي تعلو المنزل وقد أخفتها الجدران الحجرية عن النظر . ثم همست في هدوء متوسلة إلى دونا إلينا جدة كورد , فربما توسط شبح المرأة لها إذا علمت مبلغ حب ستاسي لهذه البلاد ولحفيدها . ولكن لا...لا يحدث هذا إلا في الأحلام . مجرد أن تتمني أن يكون كورد بجوارها لا يكفل حضوره. سمعت ستاسي وقع خطوات علي الشرفة وهي شاردة . ظنت أنها لماريا وهي تحضر القهوة, فظلت مستندة إلى العامود رغبة في ألا ترى المكسيكية دموعها وهي تنذر بالتساقط علي خديها .
جاء صوت ستاسي خافتا علي غير العادة وقد اختنق حلقها من الانفعال الذي لم تستطع السيطرة عليه:
"ضعي القهوة على المنضدة يا ماريا . ساصبها لنفسي بعد برهة"
جاها الرد:
"القهوة موجودة على المنضدة . هل تمانعين في أن اصب لنفسي قدحا قبل أن تبرد؟"
همست في ضعف:
" كورد؟"
خشيت لمدة دقيقة أن تخونها ساقاها, وفي تلك ألحظة القصيرة أسرع إلي جانبها .
أمسكت يداه بكتفيها بخشونة وقال:
" ستاسي . هل أنت بخير"
أجابت ستاسي بتهدج :
"نعم. نعم انأ بخير , لقد أخفتني"
ورفضت أن تنظر في عينيه الغامضتين خشية أن يظهر في عينيها الحب المجرد الذي تشعر به:
" ظننت في هذه اللحظة انه سيغمي عليك. أنت شاحبة كالشبح. أواثقة انك على مايرام؟"
ظل صوته ينم عن اهتمام ويداه الداكنتان علي ذراعيها . وغمرها قربه منها , كانت واعية تماما لبذلته السوداء الثمينة وبياض قميصه الناصع ووجهه على بوصات قليلة من وجهها حتى أنها لم تستطع النظر إلى أعلى . لم تستطع أن تريه تأثيره عليها . وركزت عينيها على يده أليسري بأصابعها القوية والشعر الداكن المجعد يظهر من كم قميصه.
قالت بصوت واهن وهي تخشي أن تميل علي صدره العريض:
" أنت تؤلمني".
ابتعد كورد عنها فجأة وقال وقد عادت الحدة لصوته:
"أنا أسف. لم انتبه"
نظرت ستاسي إليه ولكن ظلال الليل اخفت عينيه ولم تستطع أن تحدد رد فعله . هل كان يعتبرها فتاة حمقاء من المدينة تخشي الظلام ؟
تحكمت ستاسي في نفسها بصرامة . إذ يجب ألا تتصرف كتلميذة غرة . الم يكن هذا ما أرادته ؟الفرصة في أن تكون وحدها معه؟ كانت المشكلة أن الحب الذي ملاء قلبها اخرس لسانها. فلم تقوي علي الكلام. أن من السهل أن تقول له ببساطة أنها تحبه. سارت إلي طرف الشرفة بتمهل لتنضم إليه
"هل ترغبين في سيجارة ؟"
أجابت ستاسي:
" نعم. شكرا"
راقبت يديه الخشنتين الممسكتين بعلبة السجائر وهو يأخذ منها سيجارة ذات فلتر ويشعلها لها. أضاء وهج الولاعة المفاجئ ملامح وجه كورد الخشنة مبهرا خطوط الإرهاق المحيطة بفمه.
سألته وهي تحاول أن تظهر له مدي اهتمامها
"لم تتوقع ماريا حضورك مبكرا . قالت لي انك تحضر عشاء لمربي الماشية . هل تناولت طعامك؟"
أجاب قائلا بدون تحديد :
"نعم"
سألته ستاسي في محاولة يائسة للاستمرار في الحديث:
"هل تنتهي مثل هذه المناسبات مبكرا مثلما حدث اليوم ؟"
|