الفصل الحادي عشر :
اغلقت البوابه وراء القادمين الجدد مرسله رنينا حادا ، بدا في هذا السكون الشامل كأنه صادر من مطارق تدق السندان دقا عنيفا ,, وخيل إلى هيلاري ان رنين البوابه كان يحاكي صوتا يقول: انتم يامن تدخلون اطرحوا الامل فأنتم لاتعودون ..
نعم تلك هي النهايه .. النهايه الحقيقيه نهايه بلا رجعه .. إنها الآن وحيده وسط الاعداء ولن تمضي دقائق معدوده حتى تواجه باكتشاف امرها وانفضاح سرها ..
دار بخلدها : الآن انطبقت علي المصيده ، ولم يعد أمامي سبيل إلى الفرار .. سوف لا يقع عليها بصر توماس بيترتون حتى ينطلق صارخا : ولكن هذه ليست زوجتي ..
وتنتهبها العيون من كل جانب .. بنظرات حانقه شزراء .. جاسوسه في وسطهم ؟ وخطر لها ان تعكس الموقف: فبدلا من ان يصرخ بيترتون بأن هذه ليست زوجتي ، ستبادره هي بمجرد ان يقع بصرها عليه : كلا ليس هو زوجي ..
وإذا استطاعت ان تجعل الحماس يدب في صوتها والرعب يطل من عينيها فسوف تنجح في إثارة الشكوك ،، وسوف يرتابون ويتساءلون : ترى هل بيترتون هو حقا بيترتون ام عالم اخر انتحل شخصيته واندس بينهم ؟ هل هو الجاسوس اما هي فالزوجة الحقيقيه؟!
ولكن اليس معنى هذا ان يصبح بيترتون هو الضحيه ؟! وأن يقضى عليه بالهلاك ؟!
إن ضميرها لم يبكتها ولن تندم ابدا فبيترتون خائن انحاز إليهم وجاء اليهم ليبيعهم اسرار بلاده ، فهو اهل لأن يموت دون شفقه او رحمه ..
انتزعها من خواطرها اليائسه رجل عملاق الجسم وسيم الوجه ، اقبل على الجماعه يستقبلهم ويحييهم واحدا تلو الاخر ..
وحين مد يده يصافح هيلاري رسم على شفتيه ابتسامه باهته مصطنعه وقال لها :
- لا شك انك متلهفه إلى لقائه ..
اشتد اضطرابها واخذتها غشيه عابره من الدوار وشردت عيناها بنظره تجردت من التعبير .
بادر اندرو بيترز بلمس ذراعها في رفق ، وسندها وهو يقول للمضيف الذي جاء يرحب بهم :
- لعلك لا تعلم ان الطائره سقطت بالسيده بيترتون وأنها اصيبت بارتجاج في المخ ، وقد زادتها هذه الرحلة المضنيه المتواصله ارهاقا فوق ارهاق . إنها الآن يجب ان تستريح ساعة او ساعتين في غرفه معتمه .
استشفت هيلاري من صوته ومن ذراعه التي تسندها بادرة من الرحمه والإشفاق ولكنها استجمعت شجاعتها ورفعت رأسها وقالت :
- كلا كلا .. يجب ان اقابل توم .. إذهبوا بي إليه في الحال .. اريد ان اراه حالا ..
قال الرجل العملاق الوسيم :
- بالتأكيد يا سيدة بيترتون .. إني استطيع ان ادرك حقيقة مشاعرك ..
أشار إلى امرأه تقف على قيد خطوات وهو يقول :
- دعوني اقدم لك الآنسه جينسون ..
وقدم إليها القادمين الجدد كل واحد بدوره .. ثم قال :
- ستصحبكم الآنسه جينسون إلى مكتب التسجيل وتقدم إليكم شرابا ريثما اصطحب السيدة بيترتون إلى زوجها وسأعود إليكم بعد برهه وجيزه ..
استدار منصرفا وفي اعقابه هيلاري كرافن وحانت منها لفته إلى الوراء ورأت بيترز يتابعها ببصره وخيل إليها انه يهم في تردد ان يلحق بها ثم آثر البقاء ..
وقال لها الرجل وهو يمشي بها في دهاليز طويله ملتويه :
- إنني ادعى بول فان هايديم .
وقالت له هيلاري :
- إنه لأمر فظيع .. مرعب .. اعني هؤلاء المجذومين ..
فقال :
- إنك لن تلبثي ان تألفي رؤيتهم ..
توقف فجأه عند احد الابواب وقرع الباب ، ثم تريث برهه قبل ان يفتحه ..
وقال :
- بيترتون .. هاهي ذي هنا اخيرا .. زوجتك.
وتنحى عن الباب قليلا ليفسح لها مكانا للدخول ..
دخلت هيلاري إلى الغرفه .. الآن لا سبيل إلى التراجع ..
لا سبيل إلى التردد .. تقدمت إلى الداخل .. تقدمت إلى الأمام .. إلى القدر المحتوم ..
الفصل الثاني عشر :
كانت المرأه التي ترأس مكتب التسجيل شبيهه بالسجانات في صرامة وجهها وجمود قسماتها .. ورحبت بالدكتور بيترتون في كلمات وجيزه مقتضبه.. وقالت له :
- إذن .. فقد جاءت السيدة بيترتون اخيرا
كان يبدو من لكنتها انها سويسريه.
اشارت إلى هيلاري تدعوها إلى الجلوس وفتحت درجا تناولت منه عدة استمارات نشرتها فوق المكتب .. ومضت تدون بعض البيانات.
وقال بيترتون :
- إني ذاهب إلى عملي يا اوليف فالحقي بي عندما تفرغين
انصرف بيترتون وأوصد الباب وراءه ، والتفتت رئيسة مكتب التسجيل إلى هيلاري وقالت :
- والآن اسمك بالكامل والسن ومحل الميلاد واسماء الابوين .. والامراض الخطيره ، وهواياتك المختلفه والاعمال التي التحقت بها ومؤهلاتك العلميه والاطعمه التي تفضلينها وهناك اسئله اخرى سوف اوجهها إليك فيما بعد ..
ابتسمت هيلاري في اعياء واخذت تجيب على الاسئله والمرأة ماضيه في تدوينها بالاستمارات التي امامها ..
واخذت الاسئله تتوالى تباعا جتى لكأنها سيل جارف لا ينتهي ..
واخيرا رفعت المرأة رأسها وقالت :
- هذا هو ما يختص به هذا المكتب والآن سأبعث بك إلى الدكتوره شوارتز لتفحصك من الناحية الطبيه.
وتساءلت هيلاري:
- وهل هذا ضروري ؟!
- ضروري جدا يا سيدة بيترتون .. فإننا هنا نؤمن بالكمال ونحب ان نثبت كل شيء في السجلات ..
وقامت الدكتوره شوارتز بفحص هيلاري فحصا دقيقا استغرق فتره قصيره ثم قالت لها :
- والآن عليك الذهاب إلى الدكتور روبيك.
- ومن يكون الكتور روبيك هذا؟
- طبيب نفسي ..
- ولكني لست بحاجه إلى طبيب نفسي ..
- لا داعي للانزعاج سيده بيترتون .. إن ما سيدور بينكما لا يعدو اختبارا للذكاء وتحديد معالم شخصيتك..
كان الدكتور روبيك سويسريا.. في الاربعين من العمر .. ورحب بهيلاري في لطف ودماثه .. وتصفح البطاقه التي بعثت بها إليه الدكتوره شوارتز ثم قال:
- يسعدني ان اعرف ان صحتك جيده ياسيدة بيترتون ..
ثم اردف ..
- لقد بلغني انك تعرضت لحادث سقوط طائره منذ فتره وجيزه إليس كذلك؟!
- بلى وقد امضيت خمسة ايام في مستشفى كازابلانكا..
- ولكن خمسة ايام لا تكفي إطلاقا .. كان يجب ان يستبقوك اكثر من هذا..
- كنت تواقه إلى مغادرة المستشفى لأواصل رحلتي ..
- هذا تصرف غير سليم ، فالإصابه بارتجاج المخ تحتاج إلى فتره طويله من الراحه والاستجمام.. إنك قد تترائين سليمه في البدايه ولكن هناك احتمالا كبيرا لآثار جانبيه خطيره .. إن جهازك العصبي فيما ارى مضطرب إلى حد ما ، وهذا راجع دون شك إلى مشقة الرحله .. وإلى الارتجاج في الوقت ذاته ..
|