-والآن ارجوك يامسز بيترتون. ان تفكري جيدا .. الم تلاحظي اي تغيير في سلوك زوجك منذ ذلك اليوم؟ اي حوالي منتصف شهر اغسطس؟ اعني قبل سفره إلى المؤتمر بنحو اسبوع؟
-لا .. لا.. لم الاحظ اي شيء.. كان سلوكه عاديا لم يطرأ عليه تغيير.
دق جرس التليفون الداخلي الموضوع على مكتبه فتناول السماعه وادناها من اذنه واتاه صوت من الطرف الآخر يقول :
-هنا رجل يريد ان يقابل احد المسؤولين بشأن موضوع بيترتون.
-ما اسمه؟
خط جيسوب الاسم على قصاصه امامه ثم قال:
-اهو بولندي الجنسيه؟
-لا ادري ياسيدي؟ انه يتكلم الانجليزيه بطلاقه ، ولكن بلكنه اجنبيه.
-حسنا اطلب اليه ان ينتظر ,
دفع جيسوب إلى مسز بيترتون بالقصاصه المسطور عليها الاسم وسألها
-اتعرفين احدا بهذا الاسم؟!
اتسعت عيناها دهشه وهي تقرأ الاسم وخيل إليه ان بادره من الخوف غشت عينيها لحظة :
-نعم اني اعرفه .. فقد بعث إلي بخطاب بالأمس... إنه ابن خخالة زوجة توم الأولى. وقد وصل لتوه إلى هذه البلاد، وكان شديد الاهتمام بمسألة اختفاء توم، فكتب إلي يسألني عما اذا كانت لدي اية انباء عنه.
-الم تسمعي عنه من قبل؟ الم تتقابلا؟
-لا ، لم يحدثني زوجي عنه ابدا ولم التق به في يوم من الأيام .
-إذن من المحتمل ان يكون مدعيا ؟
-هذا الخاطر لم يدر بخاطري.
ثم اردفت :
-كانت زوجة توم الأولى اجنبيه ، انها ابنة البروفيسور مانهايم. فهذا الشخص كما يتبدى من خطابه يعرف كل شيء عنها وعن توم. ولكن إذا كان مدعيا فما الهدف من وراء ذلك؟
فرد جيسوب باسما:
-إنه السؤال العويص الذي يتردد على السنتنا بهذا المكتب. إننا دائما نسأل انفسنا ما الهدف من هذا وما الهدف من ذاك ؟ ومع ذلك فالجواب دائما مستعص لا سبيل إليه.
قالت مسز بيترتون:
-إني لم اعد اطيق هذه الحال . لا شيء إلا ان اجلس وانتظر .. إني اريد ان اسافر إلى اي مكان على سبيل التغيير .. وإني افضل ان اسافر إلى الخارج لأروح عن نفسي.. إني موشكه على الانهيار. إني احاول ان اتشبث بالشجاعه ولكن اعصابي لم تعد تحتمل .. فقد كتبت إلى طبيبي استطلع رأيه ، فأشار علي بضرورة السفر على سبيل الاستجمام ثلاثة او اربعة اسابيع.
اخرجت من حقيبتها خطاب الطبيب ودفعت به إلى جيسوب فقرأه وأعاده إليها فسألته:
-ايمكن السماح لي بالسفر؟
نظر إليها بدهشه وقال:
-طبعا يمكنك ان تسافري متى شئت يا مسز بيترتون.
-كنت اخشى ان تعترضوا.
-ولماذا نعترض؟ كل ماهنالك هو اني اريد ان اعرف مقرك لأتصل بك إذا أتتنس بعض الأنباء.
فردت:
-في نيتي ان اسافر إلى مكان مشمس ، اسبانيا او مراكش.
-إذن اتمنى لك رحلة طيبه .
وانصرفت وهي ماتزال بادية القلق والاضطراب.
الفصل الثاني :
ما ان انصرفت اوليف بيترتون حتى استدعي الزائر الذي كان في الانتظار إلى مقابلة مستر جيسوب.
قال الزائر وهو يستوي جالسا على احد المقاعد :
-إني الميجور غلايدر ، وهاك خطاب تعريف من السفارة الأمريكيه.
جرى جيسوب بعينيه على سطور الخطاب في نظرة سريعه ، ثم وضعه أمامه على المكتب وسأله:
-أية خدمة استطيع ان اؤديها لك يا ميجور ؟!
-إنني قادم لتوي من الولايات المتحدة وقد اتيت إليك أسألك عما إذا كانت لديك أنباء جديده عن توماس بيترتون الذي اختفى اخيرا بطريقة مثيره ، إن المرء لا يستطيع ان يصدق دائما ماتنشره الصحف ، وقد قيل لي انك الوحيد الذي لديه معلومات موثوق بها .
فقال جيسوب :
-يؤسفني أنه ليست لدي معلومات مؤكدة عن بيترتون.
-لقد خطر لي أنه ربما أوفد إلى الخارج في مهمة خاصه. مهمة سريه.
فقال جيسوب في كلمات متمهله :
-إن بيترتون ياسيدي العزيز مجرد عالم وليس دبلوماسيا او عميلا سريا.
استطرد الميجور غلايدر باللهجة الجديه نفسها :
-إن الألقاب كثيرا ماتكون خداعه يامستر جيسوب ولعلك الآن تتساءل عما يدفعني إلى الاهتمام بهذا الموضوع .. إن توماس بيترتون يمت إلي بصلة القربى عن طريق الزواج .
-إنك فيما اعتقد ابن اخت البروفسور مانهايم؟
-آه إنكم هنا تتحرون عن كل إنسان .
فغمغم جيسوب باسما :
-إن الناس يأتون إلينا هنا ويفضون بما لديهم ، لقد كانت المسز بيترتون هنا وهي التي اخبرتني بهذا وقالت أيضا أنك بعثت إليها برساله.
-نعم .. كتبت إليها اعزيها واسألها عما إذا كانت لديها انباء جديده.
واستطرد الميجور غلايدر يقول:
-إن امي هي الأخت الوحيده للبروفيسور مانهايم، وكانا شديدي التعلق كلاهما بالآخر ، وعندما كنت طفلا كنت اقضي معظم الوقت في بيت خالي ، وكانت إلزا بالنسبة لي بمثابة اخت شقيقه وعندما مات ابي وامي انتقلت للإقامة في بيت خالي وكانت اياما سعيده ثم جاءت الحرب بويلاتها ومآسيها ، وهرب خالي وإلزا إلى امريكا اما انا فبقيت في بولندا وانضممت إلى المقاومة السريه ، وبعد ان وضعت الحرب أوزارها سافرت إلى الولايات المتحده لأزور خالي وابنة خالي ، هذا هو كل شيء.
وتابع الحديث قائلا:
-وبعد ان فرغت من انجاز المهام التي أوكلت إلي في اوروبا قررت ان استقر في الولايات المتحده بصفه دائمه لأكون على كثب من خالي وابنة خالي وزوجها ، ولكن ، وا أسفاه !! ماكدت اصل إلى أمريكا حتى مات خالي في حادث سياره ثم ماتت إلزا ابنة خالي ، اما توماس بيترتون زوج ابنة خالي فرحل إلى انجلترا وتزوج للمرة الثانيه ، وعدت أنا كما كنت من قبل بغير اسرة ارتبط بها ، وعندئذ قرأت في الصحف نبأ اختفاء العالم الشهير توماس بيترتون ، فحضرت إلى انجلترا لأرى مايمكن عمله .
وتراخى الميجور غلايدر في مقعده وقال متسائلا:
-مستر جيسوب ، لماذا اختفى بيترتون؟
فقال جيسوب:
-تمنيت لو اني عرفت .
-ولكنك تشتبه في شيء ما على الأقل ؟!
فقال جيسوب في حذر :
-هذا جائز فاختفاء بيترتون ليس الأول من نوعه .
-هذا صحيح فقد قرأت عن الكثير من حوادث الاختفاء.
واخذ الزائر يشير في كلمات سريعه إلى عدد من حوادث الاختفاء التي وقعت في العهد الأخير
ثم عقب بقوله :
-وكلهم من العلماء ، أليس هذا غريبا؟
لبث جيسوب صامتا .
فاستطرد الميجور جلايدر:
-اتراهم ذهبوا إلى ماوراء الستار الحديدي؟
-هذا احد الاحتمالات ولكنه ليس احتمالا قاطعا ، فمن المستحيل انهم انضموا إلى إحدى الجماعات السريه الفاشستيه او انهم ضاقوا بعملهم .
-ولكنهم طبعا ذهبوا طواعيه واختيارا؟
فقال جيسوب:
-حتى هذا السؤال من الصعب الإجابة عليه.
ثم اردف :
-ولكن ماهو سر اهتمامك ببيترتون، وهو بالنسبة إليك ليس إلا مجرد نسيب عن طريق الزواج؟ بل إنك لم تقابله ابدا في حياتك .
-هذا صحيح ولكن الأسره عندنا معشر البولنديين من الروابط الوثيقة وهي تفرض علينا التزامات لانملك ان نتحلل منها .
ونهض جلايدر واقفا واحنى رأسه تحية في جفاء وقال:
-يؤسفني ان شغلت من وقتك اكثر مما ينبغي ، شكرا على انك قابلتني
نهض جيسوب واقفا وهو يقول :
-يؤسفني انني لم استطع ان اساعدك ولكني احب ان اؤكد لك اننا لا نعرف شيئا على وجه اليقين، ولكن إذا بلغني اي نبأ فأين يمكن ان اتصل بك ؟
-طرف السفارة الأمريكيه ، واكرر لك الشكر.
وللمرة الثانيه انحنى تحية واستدار منصرفا.
ورفع جيسوب سماعة التليفون يدعو الكولونيل هوارتون إلى مكتبه .
وابتدره جيسوب قائلا:
-اخيرا بدأت الأمور تتحرك .
-حقا وكيف حدث هذا ؟!
-مسز بيترتون تريد ان تسافر إلى الخارج.
-أتراها تنوي ان تلحق بزوجها ؟
-هذا ما ارجوه ، لقد جاءتني مزوده بتقرير طبي ينصحها بالسفر طلبا للراحه والاستجمام.
-تدبير محكم منها.
فقال محذرا:
-ومع ذلك فقد تكون حقا مقبله على انهيار عصبي .
تساءل هوارتون:
-هل استطعت ان تنتزع منها شيئا؟
-مجرد بادره ضعيفه، بيترتون كتم عن زوجته انه تناول الغداء في فندق دورسيت مع هذه المرأه المدعوه سبيدر.
فغمغم هوارتون قائلا:
-اتعتقد ان لهذا صلة باختفائه؟
-ربما فقد سبق ان استجوبت كارول سبيدر، امام لجنة فحص النشاط المعماري لأمريكا / وإن كاننت قد استطاعت ان تثبت براءتها.
-وهل اتصلت مسز بيترتون بإحد فأصدر إليها تعليماته بالسفر إلى الخارج ؟!
-لم يزرها احد في بيتها وان كانت قد تلقت بالأمس خطابا من رجل بولندي هو ابن خالة بيترتون الأولى وقد كان هنا في مكتبي منذ قليل يستفسر عما لدي من أنباء.
-أيكون هو الذي حرضها على السفر؟
-هذا محتمل وإن كنت لا ادري الحقيقه
-وهل تنوي ان تضعه تحت المراقبه ؟
|