كانت رؤيتهما حول إدارة الشركة تختلف من النقيض إلى النقيض فبنما كان "سوير" رجل أفكار يأخذ إدارة الشركه بطريقة هادئة متبعا في ذلك حدسه،كان "هوكر"رجل اعمل حقيقيا شديد المراس وعنيدا في دفاعه عن الشركة وكان يعمل بلا هوادة. لم يكن هذا فقط مايميز احدهما عن الآخر بل كان الرجل العجوز لايقبل أن تذهب حصة من الأرباح في مشاريع مثل مشروع المزرعة الذي كان يعتبره"هوكر" مجرد تبذير.
قال "ليونارد" قاطعا حبل افكار "سوير":
- هل حاولت المزايدة؟
تسائل الشاب قائلا:
- بخصوص ماذا؟
انفجر "هوكر" غاضبا وانتفخت اوداجه وقال ثائرا:
- كيف "بخصوص ماذا"؟ بخصوص الأجر أيها الأحمق ! هل عرضت عليها مرتبا أكبر من الذي تحصل عليه حاليا؟
لم يجد الشاب ردا على هذا السؤال بل ترك عمه يواصل هجومه عليه:
-"سوير" ، لابد علينا أن نطرق الحديد وهو ساخن في مشروع الحقيقة الوهمية هذا لأن الكثيرين بداءوا يحومون حوله، وإذا فشلنا نحن فيه فسوف تكتسح شركات اخرى هذا السوق الذي نحظى نحن فيه إلى الآن بمكانة مميزة، لذا اقترح ان تحاول أن تجعل الدكتورة"لي بارون" توقع على عقد وإلا فسوف اعتني بذلك شخصيا.
وقف"هايس" فجأة وهو يوجه إصبعه ناحية عمه مهددا إياه:
-إنني امنعك ، اتسمع،إنني أمنعك من الأقتراب من "بيب" بأي طريقة كانت حتى يثبت العكس مازلت أنا المدير العام، وأكبر المساهمين في "ميرث"، ولآخر مرة ياعم "لين" ، سوف أفعل ما اشاء في الوقت الذي أشاء ، هل هذا واضح؟
نهض "ليونارد هوكر" بدوره ، كان وجهه محمرا من الغضب والغيظ، ونظر طويلا إلى ابن اخيه ثم تمتم قائلا قبل أن يستدير ليخرج من الغرفه مسرعا:
- واضح تماما.
بعد أن قام الرجل العجوز بغلق الباب خلفه بشدة,انها "سوير" على كرسيه وأمسك براسه بين يديه وهمس قائلا:
- ياإلهي!
كانت تلك المواجهات المتزايدة تعذب الشاب ، لأنه كان يعلم أنه سيأتي يوم يطلب فيه من عمه الأستقاله. ولهذا كان يمهد لذلك بأن قام بتعيين "هيربرت بور كالتر" منذ سنتين ، ليحل محله.كان هذا الأخير رجل اعمال حقيقيا، وبالرغم من كونه شابا إلا انه تعلم بسرعه ، وكانت ميزتة الأساسية هي انتماؤه إلى جيل اكثر مرونه وأكثر تقبلا للمناقشة من "ليونارد" الذي كان صلبا وغير متفهم.
هز "سوير هايس" رأسه ثم طلب سكرتيرة مكتبه على الإنترفون:
-"جلوريا" ، هل حصلت على تذاكر الحفلة الموسيقية؟
- بالطبع ،سيدي المدير. لقد حاربت طويلا من أجل ذلك ولكنني حصلت في النهاية على أماكن جيدة.
ساد صمت قصير:
- سيدي المدير، هل استطيع أن أسألك عن شيء؟
- نعم يا "جلوريا".
- ماهذه الفرقه المسماةبـ"المجانين الغاضبين"؟
ابتسم "سوير " في صمت.
****
كانت الضوضاء لا تطاق ، وكان محبو "المجانين الغاضبين" في حالة هستيريه أكثر من الحالة التي كان عليها المطربون ذوو الشعر الطويل الذين يغنون من اجلهم.كانت حركة الجماهير تزداد عنفا مما جعل "سوير" يقلق وأشار إلى "بيب" بأن تتبعه. ابتعدا عن القاعه ليجدا نفسيهما على السلم المؤدي إلى قاعة الحفلات.
انحنى"سوير" ناحية الفتاة ثم قال لها:
- كيف وجدت هذا؟
قامت هي بتسليك إحدى اذنيها ثم قالت:
- معذرة؟
كرر عليها نفس السؤال.
- لست ادري، ربما وجدته مثيرا للإهتمام لكنه قوي بعض الشيء.
- هل تودين العودة؟
- فقط إذا عدت انت وإلا....
رد الشاب وهو يتجه نحو باب الخروج:
- إذن هيا نخرج من هنا.
بعد لحظات من خروجهما من القاعه قال"بيب":
- أظن أنني تعرضت إلى صدمة ثقافيه،فيداي ترتعشان، وقلبي يخفق بشده، واجد ايضا صعوبه في التنفس، هل هذا طبيعي؟
تمتم قائلا:
- طبيعي جدافالموسيقى يمكن ان يكون لها هذا المفعول.كانت"بيب" تتسائلإذا ماكانت رغبتها في ان يقبلها"سوير"هي الأخرى طبيعيه ولكن اخلاقها وحياءها لم يسمحا بطرح هذا السؤال.ارتعدت اوصالها.
- ماذا بك؟
- كل شيء على مايرام.
- قالت لنفسها مؤنبه:ايتها هاالكاذبة!
لقد كانت تشعر بالموسقى والجو العام قد ادى إثارة شيء ما بداخلها، مما ادى بدوره إلى اضطرابها. وكان فكرها العلمي عاجزا عن تفسير هذا لنوع من الإثاره التي تشعر بهاتجاه"سوير"الآن. وللمره الأولى في حياتها ، كانت "اليزا بيث لي بارون"، الدكتورة في الفلسفة، منجذبة جسديا وعاطفيا إلى رجل. كانت تخشى إن هي باحت له بما يجول بخاطرها أن يهزأ هو من مشاعرها أو أن يقوم برفضها، كانت الخواطر تتصارع بداخلها لدرجة أنها بدأت تشك في سلامة عقلها.ورأت أن تتصل بـ"كارول فينهويزن" لتتطلب منها المساعدة فهي على كل حال طبيبة نفسية
******
بعد أن قامت بترتيب الأواني المستعملة أثناء النزهة الخلوية التي قامت بها مع"سوير" بالقرب من منزله، تذكرت الفتاة لقاءها مع "كارول" التي قالت لها:
- "كل ماتشعرين به أمر طبيعي، لا داعي على الإطلاق للقلقِ، إنك فقط تعيشين فترة مراهقة متأخرة بعض الشيء"
- هل انت متأكدة؟
- لايوجد أي شيء غير طبيعي في هذا . إلا السن التي تشعرين فيها بهذه الأحاسيس. الشيء الوحيد الذي يجب عليك مراعاته هو عدم ترك نفسك تنساقين وراء كل ماتحسين به أو سوف تحسين به. لابد أن تكوني يقظة وحاولي أن تجعلي تجربتك تتم بالتدريج ، وعليك أنت أن تحددي مايليق بك أكثر.
نظرت "بيب" إلى "سوير" المستلقي بجوارها وكأنه يغط في نوم عميق.
كانت تتأمل فيه ، وكان حتى هذه اللحظة يملأ حياتها حتى عندما يكون غائبا عنها. كانت تفكر فيه طوال الوقت، تحلم به في نومها، وعندما يكونان معا يوميا تقريبا ، من الثامنة صباحا حتى منتصف الليل- لم تكن تراى سواه- كان يحتويها..
رات"بيب" أن "سوير" يحرك يديه، وبدأت عيناه ترمشان بينما كان لايزال مستلقيا ، ثم بدا وكأنه يبحث عن شيء ما.سألته:
- عم تبحث؟
- عن نبات نفل ذي أربع ورقات.
- لماذا؟
صاح قائلا:
- لكي يجلب لي الحظ، ماذا تظنين غير ذلك؟
- هل تؤمن حقيقة بمثل هذه الأمور، الحظ، القدر؟
اعترض "سوير" قائلا:
- بالطبع نعم! فكيف تعتقدين أنني وصلت إلى ماأنا فيه الآن؟
- بالكثير من العمل والذكاء ، أظن.
- خطأ. بالحظ فقط. هل تعلمين لماذا؟ لأنني اقوم بجمع النفل ذي الورقات الأربع منذ كنت طفلا،إن عندي كتبا مليئا بها.وأذكر أنني عندما وجدت أولها اكتشفت كيف استخدم نقودي التي كنت اوفرها في البورصة وأجعلها تتكاثر . ضربة حظ حقيقية.
- بل هي المصادفه البحته، لأن النفل ذا الورقات الأربع ماهي إلا طفرة عادية تصيب هذا النوع من النبات.
- حسنا...... أقترح عليك شيئا سيثبت لك صدقي. أي من سيجد عددا أكبر من النفل ذي الورقات الاربع سوف ينال مكافأة.
- وماهي.
- الخاسر سوف يقوم بدفع ثمن العشاء عند"فارجوز" وبعد مرور ساعه،قام المتنافسان بعرض غنائمهما فوق البطانيه.
سألها "سوير":
- كم وجدت؟
- خمس وانت؟
- خمس ايضا.
- قالت الفتاة بهدوء وهي تفكر:
- تعادلنا اذن ، انه امر مزعج.
قال الشاب مقترحا:
- فلنستمر في البحث عن طريق لعبة الموت المفاجىء.
- الموت الفاجىء؟
- الأول الذي يجد النفل السادس يفوز بالمكافأة. امر سهل أليس كذلك؟
بدون أن تضيف أي كلمة ألقت "بيب" بنفسها وسط حقل النفل من جديد وهي تبحث بشغف. ولكن"سوير" لم يتحرك، كان ينظر إليها فقط. كانت متحمسة بطريقة طفولية ولكنها كانت مندمجة بشدة.
قال "سوير "في نفسه : "إنني شغوف بها حقا".
في الواقع لم يكن شغوفا فحسب ، بل كان واقعا في حبها بجنون. كانت تشغل تفكيره منذ عدة اسابيع مضت، ولم يكن تأثيرها عليه تأثيرا جسديا فقط ، بل كانت تمارس عليه سلطة دائمة، بطريقتها في الحديث عن الأشياء ، بتواضعها الشديد بالرغم من غزارة ثقافتها وارتفاع مستواها الدراسي ، ولكن الشيء الذي كان يطغى في حبه لها هو: تلقائيتها.
كان امامها يشعر بأن لديه روح مغامر مستعدا لتسلق الجبال، قطع الصحارى والأدغال المتوحشة ليعود بالكنوز المجهولة ويضعها تحت اقدام محبوبته.
صاحت الفتاة وهي تلقي بنفسها على "سوير":
- لقد وجدت واحدا! أظن أن الحساب سيكون عليك، لقد خسرت!
نهضت ومسحت ركبتهيا ، ثم نظرت إلى الشمس التي مالت إلى الغروب، مدت يديها نحو "سوير" الذي أمسكها برفق.
- هل ستضع كل هذه الانفال ذات الورقات الاربع في كتابك الكبير الجالب للحظ؟
رد "سوير" وهو يهز رأسه بهدوء:
- لست أدري. أعتقد أن لقائي بك كان أكبر حظ في حياتي كلها.
ساد صمت طويل ، كان خلاله"سوير" يداعب شعر"بيب" التي كانت تريد أن تقول له شيئا ولكنها فضلت احترام صمته
****
تناولا عشائهما في المنزل بسرعة، وكانا خلال ذلك يتحدثان عن اشياء غير ذات اهمية، كان كل واحد منهمايفكر في لحظة الفراق ، وفجأة رن جرس الهاتف عدة مرات دون أن يلتفت"سوير" للرد.
سألته "بيب":
-الا ترد على التليفون؟
-لا،لابد أنها أمي مرة أخرى ، ولقد قمت توصيل جهاز الرد الآلي.
- الا تريد أن تكلمها.
- لا. على أي حال لقد تحدثت إليها بالأمس ، ولكن الأمور ساءت بيننا وقمت بتجاهلها.
- لكن لماذا؟
-إن عمي "لين" يحاول هذه الأيام أن يتدخل في شؤوني، وأنت تعرفينطريقته في إدارة الشركة ووجهة نظره فيما يخص المزرعة، إنه يفعل نفس الشيء مع حياتي الخاصة. وبمجرد أن يظهر خلاف في وجهات النظر بيننا يقوم بالاتصال بأمي لنجدته.
- لكنني كنت أظن أنك المدير العام في "ميرث"؟
-إنني كذلك . لكن العم"لين" موجود منذ وفاة جدي وساعدني كثيرا خاصة في البداية. ولكن شدته كضابط سابق تحول دون تفاهمنا. فليس لدي فكرة أن أكون موظفا وأن أذهب يوميا إلى مكتب للعمل. وهذا مايعيبه علي.
-لابد أن تعترف أنك قضيت وقتا طويلا معي خلال المدة السابقة.
- هذا صحيح ولكنني اقوم بزيارات منتظمة لمقر الشركة لأتفقد السير الحسن للأمور، وكل شيء يبدو على مايرام ،وعلى كل حال فإن هذه الشركة مريحة، وأمي تحصل على كل النقود التي تريدها وأنا، ايضا ،فلماذا إذن كل هذه الضجه حول عدم ذهابي كل يوم إلى المكتب؟ إنني افضل أن اكون معك.إنني اعشق ذلك.
فكرت"بيب"مليا، بعد ما أصابتها الدهشة من حالة عدم النضج، العقلي التي أصابت"سوير هايس" . ومن بعض النواحي كان يشبهها أكثر ممكا كانت تتصوره في البداية. لكنها في نفس القوت لم تستطع أن تقلل من أهمية رأي "ليونارد" ، لأن العمل كان بالنسبة لها اساس كل شيء.
ولكن وبحذر شديد رأت ألا تصر على موضوع يبدو حساسا وسألته:
- ولماذا يعارض عمك بهذه الشدة فكرة المزرعة، فابالإضافه إلى السعادة التي تعود على الأطفال يمكن أن تكون دعاية جيدة بالنسبة للشركة.
- العم "لين" يرى أن إدارة المزرعة تكلف الشركة أموالا أكثر مما تعود عليها بالفعل ، ومع ذلك، لقد كان واضحا تماما ، بأنه لو كان هو المدير لكان أول شيء يفعله هو ببساطة إغلاقها.
- أتمزح؟
- كلا. لقد كرر ذلك عدة مرات. وهذه هي اهم نقاط خلافنا وهي السبب الذي جعلني أراقب أعمال الشركة بدقة لايتوقعها هو.
تمتمت"بيب":
فهمت، أعتقد أنه من الأفضل لي العودة إلى منزلي أليس كذلك؟
رد "سوير":
- كما تشائين.
تنهدت الفتاة وقالت:
- لست ادري ولكنني أظن أنني قد تسببت لك في ألم نفسي.
صاح"سوير" قائلا وهو يبتسم:
- أرجو أن يكون هذا الكلام غير صحيح! فليس لدي أي شعور باالإحباط ،بل على العكس تماما. والآن دعيني أصطحبك إلى منزلك.
- هيا بنا.
مر يومان لم يظهر خلالهما"سوير"، كانت "بيب" على حافة الجنون، كانت قلقة ومضطربة ولاتستطيع التركيز، وعندما آوت إلى سريرها تحاول النوم، لتتخلص اخيرا من التفكير فيه لم تتمكن من إغماض جفنيها بل صارت تتقلب باستمرار على سريرها .
|