12-26-2011
|
#16
|


http://alswidi.jeeran.com/jalluon.jpg
(سيت افوغلانت ابسانس دو لوميار)
(ذلك الغياب الباهر للضوء)
وعنوان الرواية بالترجمة الطباعية للعربية
(تلك العتمة الباهرة)
للكاتب المغربي الطاهر بن جلّون (1944م - وما يزال في فرنسا مواصلاً إنتاجاته الأدبية والصحافية)
الطبعة الأولى للرواية - بالفرنسية - 2001م
الطبعة الأولى للرواية - مترجمة - 2002م
الرواية من 223 صفحة
ترجمة أ. بسام حجّار
الناشر "دار الساقي - بيروت"
((أريد أن أموت. لمَ يُبطيء الموت في قدومه؟ مَن يُؤخّر مجيئه, ويمنع نزوله إليّ, وانسلاله من تحت زنزانتي؟ إنه ذو الشاربين, الحارس الجلف, يقطع طريقه. كم هو صعب أن نموت حين نريد الموت! فالموت لا يُبالي بي, ولكن دعوه يمرّ, أحسنوا وفادته! فهذه المرة سوف يأخذني أنا. سوف يحررني. انتبهوا جيداً, لا تعيقوا حركته. إني أراه, لقد استجاب لدعائي أخيراً......))
الرواية المرعبة، ذات الأحرف الباعثة لرائحة الموت والعذاب الإنساني. وهي الرواية الأكثر مبيعاً في السوق المكتبية الفرنسية، والتي حاز كاتبها - الطاهر بن جلّون - عليها قبل أشهر جائزة (إمباك - دبلن) الدولية للأدب، واحدة من أعلى الجوائز العالمية مكانة، بعد اختيار (تلك العتمة الباهرة) من بين 125 رواية مرشحة. وإذ ذاك تقول لجنة التحكيم عنها: (تحفة فنية جددت الغرض الحقيقي من الأدب، وهو ما لا يفعله إلا كتاب يصدر من وقت لآخر). كتاب يحكي واقعاً حقيقياً مأساوياً لحياة من 18 سنة من حياة 23 من الضباط والعسكر المغاربة الذين قضوا في سجن أقل ما يقال عنه أنه شيء من الجحيم. لم يخرج منه سوى أربعة على قيد الحياة، خرجوا وكان أحدهم يتكئ على الحائط والثاني على أربع مثل الزواحف، خرجوا وهم في حالة صدمة من ضوء الشمس ومن حالة ذهول وخوف وهم يرون وجووهم في المرآة بعد كل ذلك الصراع المرير مع حفرة العذاب (تزمامارت)، في مكان ما، من صحراء في جنوب شرق المغرب. في مقدمة الرواية، وهي التي تأخر صدورها كثيراً لعدة أسباب أهمها ولاشك التعتيم بل والتكذيب لصحة وقوعها من قبل السلطات المغربية، في المقدمة كتب الطاهر بن جلّون إهدائه: <<كل أحداث هذه الرواية واقعية. إنها مستلهمة من شهادة أحد معتقلي سجن تزمامارت. إنه عزيز، وإليه أهدي هذا العمل الروائي، وأهديه أيضا إلى صغيرته رضا، نور حياته الثالثة>>. ولعل أي قارئ يقرأ مثل هذه الرواية، يتمنى لو أنها كانت أكذوبة أو من نسج خيال.
23 عسكرياً، بأوامر من قيادة عليا بالجيش، وجدوا أنفسهم بالقرب من قصر "الصخيرات" الملكي، بحجة القيام بمناورة عسكرية بالذخيرة الحية. ومن ثم يُؤمر هؤلاء مع غيرهم ممن لاحول لهم ولاقوة، بإطلاق النار على كل مَن يجدونه في القصر. ومن بين هؤلاء العسكر راوي الحدث (عزيز بنين - ملازم أول) الذي أدرك متأخراً بأن هذه العملية هي عملية انقلاب عسكري. فيقف مشدوهاً عاجزاً عن التصرَّف وعاصياً بذلك أوامر قيادته المباشرة بإطلاق النار، في حين سيل من الدماء بدأ يتدفق أمام ناظريه من الجثث المتساقطة. يفشل الانقلاب ويتم اعتقال جميع من كان مشتركاً في العملية، في حين صدرت أحكام مخففة على مثل هؤلاء، المُغرّر بهم، بالسجن سنتين أو ثلاث إلى عشر كأقصى حد. ولكن المسألة هذه كانت على الورق الرسمي فقط، أما ما حدث فعلاً، هو أن هؤلاء نقلوا معصوبي الأعين إلى منطقة صحراوية مع غيرهم. ليسجنوا في العتمة، في سجن جحيمي تحت الأرض، إذ كانت التعليمات أن يموتوا أشنع ميتة وفي أطول فترة احتضار ممكنة. ولعل من المفارقات أن يأتوا السجّانين في أحد الأيام بكلب عض يد سيده - ربما كان أحد أفراد الأسرة الحاكمة - وتم الحكم عليه بخمس سنوات يقضيها في "تزمامارت" ليموت بين السجناء خلال شهر واحد!
هناك حيث لا نور، ولا أبسط مقومات حفظ الحياة، يعيش كل سجين في زنزانة خاصة به، ارتفاعها 1.5 متر. حتى لا يستطيع المرء من الوقوف تماماً. مع ثقب بسيط يسمح بمرور الهواء من الخارج إليهم.. يصارعون البرد شتاءاً والعقارب صيفاً وكل أنواع الحشرات المؤذية. بل إن أحدهم قضى بعد التهمته الصراصير حياً. يقول أحد أولئك الناجين في مقابلة من خلال إحدى قنوات التلفزة الفرنسية: ((هذا المعتقل هو قبر حقيقي دُفن فيه لمدة تزيد على أكثر من ثماني عشرة سنة. أكثر من ستين فرداً مات بعضهم وظل البعض الآخر يقاوم الموت والنسيان والحشرات والبرد والحر والمرض والغريزة واليأس والتفسّخ، بل إن بعضهم كان قد تفسّخ فعلاً وتحوّل إلى لحمٍ مهتريء يتمشى، وجُنَّ آخرون، وعاش بعضهم على حكايات تنتمي إلى عالمهم القديم الذي أغلق عليهم مرة واحدة وبصورة قاطعة، لكنهم استعانوا بالذاكرة. إن مدفن "تزمامارت" هو شهادة مخيفة ، ومرعبة، وقوية، على قوة الأمل البشري في الخروج من الهاوية والجنون والموت المؤكد...))
على أن هذه الرواية ليست تسجيلاً حرفياً لما جرى من أحداث وشخوص، وإلا لما أصبحت رواية. غير أنه شيء كبير من الحقيقة، ألبسه الطاهر بنجلّون "بن جلّون" ثوب الأدب في الصياغة والبُعد التأثيري للمعاناة. فهاهو يقول على لسان عزيز في أحد صفحات الرواية: <<ولكن ما جدوى العقل، هنا حيث دُفِنّا، أقصد حيث وُورينا تحت الأرض وتُرك لنا ثقبٌ لكفاف تنفسّنا، لكي نحيا من الوقت، من الليالي، ما يكفي للتكفير عن ذنبنا، وجُعِل الموت في بطئه الرشيق موتاً متمادياً في تأنّيه، مستنفداً كل وقت البشر، البشر الذين ما عدنا منهم، وأولئك الذين ما زالوا يحرسوننا، وأولاء الذين حللنا في نسيانهم التام. آه من البطءّ! أوّل أعدائنا؛ ذاك الذي يُغلّف جلودنا المقرّحة فلا يلتئم الجرح الفاغر إلا بعد وقت طويل؛ ذلك البطء الذي كان يجعل قلوبنا خافقة على الإيقاع العذب للموت القليل، كأنّ علينا أن ننطفئ كشمعة مضادة بعيداً منا وتذوب بعذوبة الرَغَد>>، هذه هي ملكة التعابير الساحرة التي قد لايمتلكها عزيز لغوياً في إبقاء القارئ الذي يتصفحها على أريكة الراحة. وهذا هو الطاهر بنجلون الذي يعرف كيف يصيغ الحرف ليبقى علامة تاريخية حتى وإن كانت من سجل الخزي العربي، إلا أنها يجب أن تُحفظ وتُذكر وتُروى للأبناء. لأن الخسران كل الخسران هو للأمم التي تواصل تكرار أخطائها الفادحة.
((كان البعض يسعى لأن أسرد وقائع الإقامة في الجحيم، ظناً منهم أن ذلك يريحني. لم يكن في استطاعتهم أن يدركوا كم كنتُ بعيداً، في مكان آخر، مُتعلقاً بصلواتي، منفياً إلى عالمي المسكون بالروحانية والإيمان والإعتزال. مضت خمسة شهور، ولا يزال صعباً عليّ اعتياد الرفاهية والأمور اليسيرة. عندما أدخل الحمام أقف طويلاً أتأمل الصنابير بإعجاب. أنظرُ إليها ولا أجرؤ على فتحها. كنتُ أتحسسها مثل أشياء مباركة. وعانيتُ جداً في اعتيادي الخفيّ فأسير على رؤوس أصابعي خوفاً من توسيخ البلاد. كل شيء يُذهلني. ولكي أنام كنت أحتاج إلى سرير قاس. أطباء كُثر تدارسوا حالتي، وهم لا يفهمون كيف بقيتُ حياً.
كنتُ أفضل الذهاب للجلوس إلى جانب أمي التي كان السرطان يبرح أيامها لكنها لم تكن تشكو. وكانت تقول لي: لن أجرؤ أبداً على الشكوى أمامك فأنا أُدرك ما قاسيتَه. لا داعي لأن تروي لي. أنا أعلم ماذا يُمكن للبشر أن يفعلوا إذا قرَّروا أن يُلحقوا الأذى بالآخرين.....))
*جرت أحداث هذه الرواية عقب فشل الانقلاب العسكري الشهير في قصر "الصخيرات" من عام 1971م وحتى عام 1991م حيث تم إغلاق السجن للأبد تحت ضغوط دولية كبيرة على الحكومة المغربية آنذاك.
|
|
|
|