12-26-2011
|
#6
|


(3)
http://www.furat.com/BooksCovers/461.gif
(الغريب) - الطبعة الأولى عام 1942
للكاتب الفرنسي ألبير كامي أو ألبير كامو
وهي أولى مؤلفات ألبير كامو والتي نال عليها في عام 1957م جائزة نوبل..والكتاب يحوي في في آخر عشرين صفحة منه تقريباً كلمات لمترجم الرواية الأديب المصري د.محمد غطاس عن المؤلف وعن الرواية وأجزم أنها جيدة لتفهم عقلية فذة وإنسانية كـ عقلية ألبير كامو سواء من الناحية الشخصية أو من حيث العمل الإبداعي في الرواية..
تظل الرواية تُحكى على لسان البطل (الغريب) فتبدأ ببرقية تصله من دار المسنين تفيده بأن أمه قد ماتت وأن الجنازة ستكون في الغد فيحمل نفسه بلا شعور إلى حيث مديره طالباً منه الإجازة وهو يراعي شعور مديره أثناء قرائته للخطاب قائلاً بكل غربته: (( معذرة سيدي..إنها ليست غلطتي؟؟!! ))
شخصية بالفعل تستحق كلمة (الغريب) من حيث غربته عن ذاته قبل أن يكون كذلك على الناس..وتستمر غرابة هذه الشخصية من سامينو "الغريب" حين يُقدم على قتل ذاك العربي "وهو يتحدث في الرواية عن حياة في الجزائر" على الشاطئ أثناء رحلته الاستجمامية! وهو الشخص الذي لا يهمه شيء في الحياة..لا يحب أحداً ولكنه لا يكره أحداً أيضاً فما بالك والقتل ويظهر سبب القتل وطريقته أكثر سخرية من السخرية ذاتها إذ أنه لما أشهر السلاح بوجه الضحية لم يكن يريد أن يقتله بل دفاعاً عن نفسه فيما لو اضطر إلى ذلك.. ولكنه اضطر إلى ذلك ليس بسبب هجوم من الشاب العربي بل لأنه أُرهق من الشمس من طول الانتظار على تلك الحالة..!! والأكثر حيرة هو الجواب الذي لم يقدّمه هو ولم يستطع أحداً تفسيره للسؤال الذي طُرح عليه من قبل قاضي التحقيق عن سبب اطلاقه لأربع رصاصات بعد مدة من اطلاقه الرصاصة الأولى والتي كانت كافية لإرداء الشاب قتيلاً ..!!
حقيقة أني قرأت الكثير من الروايات الساخرة حد الغرابة لكن بمثل قدرة هذا الكاتب فإني لم أقرأ بعد..أو كما يقول محمد الربيع عن أصداء هذه الشخصية ( إن السلوك العبثي والعدمي لبطل الرواية هو إسقاط لفكر الكاتب على شخصيته..ولا يمثل حقيقته الانسانية. وألمح البعض إلى الطابع الفانتازي..غير الواقعي للمكون النفسي والذهني للبطل...)
ثم يأخذ كامو في الرواية توضيح مفاهيم إنسانية شتى من خلال قصة هذا الغريب فهو يوضّح على سبيل المثال لا الحصر من خلال الرواية.. أن البشر كلهم مذنبون وبالتالي فإن وضع مذنب للحكم على حياة مذنب فيه إجحاف وأن أول المذنبين من البشر هو مَن يعتقد نفسه بريء..وأن هناك بعض الأمور التي تحدث عادة ويراها البشر عادية حين تتعلق بمجرم قاتل تتحول تلك الأشياء لاتهامات خطيرة بذلك السلوك..كيف لا والنائب العام صاحب البيان والحجة في المحكمة يعرض على القاضي سبباً يدعم مطالبته بإعدام الغريب لأن الغريب كان ذكياً !..
رواية الغريب بما تتجاوز الـ(100) صفحة بقليل وبـ(13) ريالاً فقط تستطيع أن تقدم لك مئات الأسئلة المنطقية عن الإنسان وتقدم لك عدداً أكثر من الأجوبة.. طاقة هائلة من الاختزال والمشاعر واللامشاعر والسخرية التي هي عمود بناء لكل تلك الأسئلة. الرواية قام بترجمتها كما ذكرت د. محمد الغطاس ترجمة أقل ما يُقال عنها أنها بديعة جداً جداً.
وهنا مُقتطفة من آخر الرواية.. وفيها يتحدث الغريب عن يومه الأخير في الزنزانة منتظراً تنفيذ الحكم بإعدامه دون أن يتشبث بما قدمه من التماس للعفو فهو يستعذب اللامبالاة ويستعذب الأملاح فيها دون أن يصيح بأكثر من ( أنه لا يتمنى ولكنه ليس يائساً في ذات الوقت..! ) :
(( كنتُ مُجهداً .. فألقيتُ بجسدي فوق مضجعي، و أعتقد أنني غفوت؛ لأنني عندما استيقظت كانت هناك نجوم فوقَ وجهي، وكانت ضوضاء الريف تتصاعد من الخارج لتصل إليّ، وروائح الليل و الأرض والملح تنعش رأسي. كان السلام الرائع لذلك الصيف الهادئ يتخلّلني.
في تلك اللحظة على حدود الليل انطلقت بعض الصفّارات إيذاناً بالرحيل إلى عالم لم يعد يهمّني الآن في شيء .. وللمرة الأولى منذ وقتٍ طويل تذكّرت أمي، وبدا لي أنني فهمت لماذا اتخذت لنفسها (صديقاً) في نهاية حياتها، لماذا كانت تريد أن تبدأ من جديد .. فهناك - ومع اقتراب الموت - كانت أمي مستعدة أن تبدأ الحياة ليس لأحد قط الحقّ في أن يبكي عليها.. وأنا أيضاً أحسست أنني مستعد في أن أبدأ الحياة من جديد.. وكأن تلك الغضبة الكبرى قد خلّصتني من الشر وأفرغتني من الأمل .. في ذلك الليل الذي يفيض بالنجوم .. أحسست للمرة الأولى بعذوبة ورقة اللامبالاة .. وأحسست أنني كنت سعيداً في يوم من الأيام .. ولازلت حتى الآن أتمنى أن ينتهي كل شيء .. وأتمنى أن أكون هناك أقلّ وحدةٍ من هنا .. لم يبقى سوى أن أتمنى أن يكون هناك الكثير من المتفرجين يوم الإعدام .. وأن يستقبلوني بصرخات الحقد والغضب . ))
أ.هـ
قراءة ممتعة
وشكراً.
|
|
|
|