( الجزء السابع )
استيقظت نانسي ..
وطالعت التقويم الموجود في غرفتها ..
بقى 3 أيام على عيد ميلادها الثامن عشر ..
وتصبح فتاة لها الحق في أن تفعل ما تريد تصبح حرة ..
وطوال هذه الفترة كان جيجي يسعى بنفوذه الفني أن يجعلها تكون علاقات كثيرة ..
وإن كان في الحقيقة .. أن يعيد تكوين شخصية نانسي تماماً ..
ليجعل منها قالباً يستطيع أن يتقبل ما هو آتٍ من أفكار عجيبة في ذهن جيجي ..
لقد استطاع أن يضع لها حدوداً أخرى في حياتها ..
ويضع لها معايير لم تتوقع نانسي أن تصل إليها ..
ببساطة نقلها أكثر نضجاً .. وتفسخاً ..
حول تلك البنت الصغيرة التي لا تعرف بماذا تتكلم ..
إلى فتاة لها رأي .. تحاور وتجادل ..
وتدير الحوار بلباقة تليق بفنانة ..
اتصل بها جيجي وقال لها : قابليني في مكتبي ..
عندي موضوع هام ..
وبالفعل كان هاماً جداً إلى أبعد مدى ..
ذهبت نانسي .. ووصلت إلى البناية ..
الفارعة الطول ..
تظهر اللوحات على واجهتها .. كمكاتب لأمور لا يوجد بينها رابط حتى ..
ودخلت المكتب الذي صارت تألفه جيداً ..
دخلت نانسي إلى المكتب دون استئذان من مدير المكتب ..
نظر لها جيجي وابتسم وقال : أهلاً .. أهلاً ..
أين كنت؟ لم أرك من فترة طويلة ..
قالت نانسي : كنت مشغولة ببعض الأمور ..
ابتسم جيجي .. ثم توجه إلى ثلاجة صغيرة .. وقال لها .. أتريدين أن تشربي شيئاً ..
قالت نانسي : بالتأكيد..
قدم لها كأساً زجاجياً براقاً ..
وقال لها : قد كنت تتساءلين متى نعمل ؟ ولم كل هذا ؟ صحيح ؟
قالت : وكنت تقول لي .. اتفقنا أن أعمل ما تقوله بدون مناقشة ..
ضحك ضحكته المعهودة .. وقال :
واليوم يا حبيبتي سأريك الخطة التي وضعتها لك ..
طالعت فيه باهتمام .. وهي تشرب من الكأس ..
فقال : سأهديك هدية عيد ميلادك ..
فقالت : أنت لا تنسى شيئاً ..
ضحك وقال : وإلا لما كنت مديراً أعمال محترف ..
فقالت بفرح وتتطلع : وما هي ؟
قال : موعد لعملية تجميل ؟
قالت : ماذا ؟
تطلع لها وقال : ما بك ؟
ثم اقترب منها وابتسم وقال : حياتي نانسي ..
أنت جميلة .. ولكنك لست جميلة كفاية .. لكي تكوني النجمة الأولى ..
إن أهم شرط لفنانة اليوم هو جمالها ..
هل تعتقدين أن كل المغنيات هن في الأصل كذلك ..
إنهن لسن أكثر من فتيات جميلات لا أكثر ..
الأغنية .. ليست بمشكلة ..
المهم هل هي جميلة أم لا ؟
لسنا في عصر أم كلثوم الوقت الذي كان الناس يهتمون فيه للكلمات واللحن ..
حين يتذوق الناس أغانيهم .. ويجلسوا حتى يستمعوا لها فقط ..
ألا ترين المطربة التي أدللها أنا دوماً (باسكي) ..
إن صوتها ليس جميلاً ..
ولكنها جميلة .. ولذلك هي تزال تغني .. يعرف المنتجون أن أشرطتها تحقق مبيعات ..
يجب يا نانسي أن تكوني أجمل فتاة ..
قالت نانسي وهي مترددة :
ولكن ..
قال لها : يا حياتي ..
أنت لك صوت جميل ..
وتحتاجين إلى الشكل الجميل ..
ثم إن كل الناس يعملونها ..
نانسي الوقت ليس في صالحنا ..
يجب أن نعمل ..
وبدأ يشرح لها عن خطوات العمليات وكيف ستغير من شكلها ..
وعن المركز الذي سيقوم بهذا .. وعن كل شيء ..
لقد كان ضمن مخطط جيجي المتقن ..
إنها حلقة من حلقات السلسلة التي ستنتزع نانسي وتوصلها إلى القمة ..
وتعبر من الرقم 10 إلى الرقم 1 دون المرور ببقية الأرقام ..
ولم يتركها جيجي إلا بعد أن أقنعها بالفكرة ..
كان يعلم أنها قد ترفض ..
وأنها تفكر ..
ولذلك اختار هذا التوقيت .. حتى تكون مشغولة بالحفلة التي ستعملها
في بيتها بمناسبة عيد ميلادها ..
حتى يتقطع تفكيرها ..
وجاء اليوم الحفلة سريعاً .. عن نانسي حتى لم تعرف بماذا فكرت ..
وبدا الجميع سعيداً ..
أصدقاء نانسي وبعض قريباتها ..
والكل سعيد ..
جاء جيجي ..
ولكن ..
بصحبته فتاتان ..
استطاعا أن يجعلوا كل من بالحفلة يحدقون بهما ..
كانا من الجمال بحيث يجعلك تتمنى لو تتأمل فيهما طوال حياتك ..
جمال لا تستطيع أن تشاهده إلا في السينما ..
انتهت الحفلة .. وبقي جيجي .. الذي أراد أن يتحدث مع نانسي ..
حتى الفتاتان مشيا بعد أن سرقا الأضواء من صاحبة الحفلة نانسي نفسها ..
وبعد أن تنافس بعض الشبان عليهما بطريقة مفضوحة ..
بقي جيجي وبدأ الحديث ..
نانسي .. هل فكرت في الموضوع ؟
لم تدري نانسي بم ترد ..
بصراحة هي لم تقتنع بالفكرة ..
يمكنها أن تعمل شيئاً بسيطاً .. عملية تجميل صغيرة ..
ولكن جيجي طلب منها أن تغير شكلها بالكامل ..
همت بالرد ..
ولكنه قال : نانسي ..
هل ترين هاتين الفتاتين ..
سأريك صورتهما الحقيقية ..
وأخرج من حافظته صورتان لهما ..
كانا بالفعل بشعتين ..
تلك البشرة السمراء ..
والعيون الضيقة التي صارت واسعة كعيون المها ..
والشفاه الممسوحة التي أصبحت كحبات الكرز تتمنى أن تقتطفها ..
والجسد النحيل .. الذي صار يلفت الأنظار حين ترقص إحداهن ..
وفهمت نانسي المغزى ..
إن هذا ببساطة نموذج لما يمكن أن تعمله عمليات التجميل ..
أحست بالفعل الفرق ..
أحست ما يمكن أن تفعله ..
اقتنعت نانسي بالفعل ..
ولم يترك جيجي هذه الفرصة ..
وتحدث .. عن الطموح .. عن بلوغ القمة .. عن بلوغ المجد ..
وكيف لها أن تصبح النجمة الأولى ..
وقررت أن تقوم بها ..
وهنا وقف جيجي استعداداً للخروج ..
وقبل أن يخرج عند الباب قال لها :
أيضاً هي قامت بعملية تجميل ..
فقالت : من تقصد ..
تطلع فيها بعينين تعلمان كل شيء ..
وقال : كلارا ..
أحست نانسي أنه أصاب الصميم ..
فتابع جيجي وكأنه لم يلاحظ :
سأراك بعد أسبوع .. سأسافر .. لدي بعض الأمور التي يجب أن أنتهي منها ..
مع السلامة يا حياتي ..
وخرج ..
إن هذا الرجل يعلم ماذا يعمل بالضبط ..
كل شيء عنده بحساب ..
إنه ذلك النوع من الناس الذي يعمل كل شيء بسبب ..
كل شيء عنده بهدف
وبقيت نانسي ..
ودخلت غرفتها ..
وانسابت دموعها ..
على الرغم من كل التغيرات التي طرأت عليها ..
إلا أنها لم تستطع أن تزرع فيها الصلابة والقوة ..
ربما بسبب شخصيتها الطيبة ..
وربما لأن جيجي هو أفضل من وجد ليتعامل مع هذه الفتاة ..
جيجي .. لم يكن يريد من نانسي أن تصبح بلا قلب ..
بل حافظ فيها على كل الصفات الأنثوية ..
كان يهتم حقاً .. أن تكون ذات دلال ..
أن تكون طفلة في تصرفاتها ..
اهتم أن يجعل الناس يروها لعبة جذابة ..
ومرت الأيام ..
وقامت نانسي بعمليات تجميل مختلفة .. غيرت من شكلها لتجعل منها فتاة فائقة الجمال ..
جعلها تبهر الناس .. وتفغر الأفواه ..
جعلها تسرق كل الأضواء .. إن لم تكن هي بذاتها مصدر الضوء ..
وخلال هذه الفترة أخذ يدربها من جديد على الغناء ..
بطريقة تجعل منها محترفة ..
لا مجرد هاوية ..
دربها حتى على التمثيل ..
إن نجاح المغنية اليوم يعتمد كثيراً على أدائها في الفيديو كليب ..
لا أتوقع أن تشتهر أغنية حتى دون أن يظهر فيديو كليب لها ..
وها قد جاء اليوم الكبير ..
اليوم ستذيع نانسي أول أغنية لها بعد كل هذا ..
ستبدأ طريق مجدها ..
إنها الأغنية الشهيرة ..
( أخاصمك )..
وأثمرت النتائج أخيراً ..
هزت هذه الأغنية التي غيرت من مفاهيم الأغنية العربية الدنيا ..
أثبتت لنا بالفعل ..
أن أغنية بفتاة جميلة .. تتغنج وتتدلل ..
تستطيع أن تجعل كل الناس يتوقفوا لينظروا ..
أثبتت أن كل شيء ممكن ..
أثبتت أن جيجي .. هو سيد مجاله الأول بلا منازع ..
انه بالفعل قرأ أذهان الناس .. وهاجمهم في نقاط ضعفهم ..
وصارت نانسي بأغنية واحدة أشهر من نار على علم ..
لقد شقت هذه الفتاة طريقاً فنياً جديداً ..
فظهرت لنا أغاني لفتيات يتاجرن بأجسادهن ..
وأصبح الفن الجديد معروف باسم فن التعري ..
وأصبح الفيديو كليب الجديد .. هو عبارة عن مقاطع سريعة لفلم إباحي ..
يمنع لأقل من 18 سنة في الدول الأجنبية ..
وأصبحت نانسي النجمة الأولى ..
حققت كل ما تريد ..
ومرت الأيام ..
إلى أن جاء ذاك اليوم..
دعت ماريا نانسي إلى حفلة من حفلاتها المعتادة ..
ذهبت نانسي ..
وتجمهر الناس من حولها ..
وجلس معها الكثير ..
وفجأة ..
دخل آخر شخص تتوقع نانسي حضوره ..
( باتريك ) ..
.. شعره الذهبي الناعم الطويل .. وطوله الفارع .. ونظراته الساحرة ..
وابتسامته الجذابة .. ببشرته البيضاء التي احترقت من التشميس لتجعل من لونها برونزياً ..
خفق قلب نانسي بقوة ..
تذكرت الماضي كله ..
إن هذا الشاب حقاً لم يؤذيها ..
لقد عرفت ذلك بعض أن نضجت ..
احتاجت وقتاً طويلاً ..
ولكنها عرفت في النهاية أنه لم يكن مخطئاً ..
كانت تحبه ..
ولكنه لم يكن يشعر بأي شيء تجاهها ..
على الأقل هو لم يخدعها ..
توجه إليها .. بابتسامته الساحرة ..
ولثم يدها ..
وجلس بجوارها ..
وبعد أن بدأ الناس يرقصون ..
قام الكل من الطاولة ..
وأدرك كل الشباب .. كل من كان بفكر في أن يرقص مع نانسي ..
أنها تتطلع في باتريك .. وأنها أساساً لا ترى في الحفلة سواه ..
أحست أنها بالرغم من كل هذه السنوات ..
وأنها على الرغم من أنها نضجت .. أحست أنها صغيرة ..
أحست أنها عادت إلى الوراء سنيناً من حب المراهقة ..
كيف لا .. وباتريك هو الحب الأول ..
قال لها : كيف حالك يا نانسي ؟
أحست بارتباك لا تصاب به فتاة مثل نانسي ..
اعتادت أن تقف في المسرح .. بكل جرأة .. وهي تلبس ملابس مغرية أكثر من ساترة ..
قالت : بخير ..وأنت ؟
قال : بخير أيضاً ..
لمحت في يده خاتماً ذهبياً ..
فازرق لونها .. وقالت بخوف : خاطب ؟
قال لها مبتسماً : متزوج .. ولدي طفلة ..
وتوقف كل شيء عند نانسي ..
أحست أن داخلها سواد عظيم ..
ولكنها احتملت الصدمة ..
فقالت : من كلارا ؟
قال لها : نانسي .. كلارا ليست فتاة لأتزوجها ..
إنها راقصة .. هل تعلمين ما معنى راقصة؟
أحست نانسي أنها لا تفهم شيئاً ..
أليس هذا ما كان يعجب باتريك ..
قال لها : عندما أختار يا نانسي شريكة لحياتي .. أختارها .. فتاة أحبها ..
لا مجرد امرأة لأتمتع بجمالها قليلاً .. لا تناسب في أي شيء ..
ارتبكت نانسي وقالت : أهم شيء أنك سعيد ..
تطلع فيها برهة ثم قال لها : لقد أصبحت فاتنة ..
وشهرتك وصلت الآفاق ..
وبعد برهة من الصمت قال لها :
وأنت هل أنت سعيدة ؟
قالت وهي لا تعرف ماذا تقول بالفعل : بالتأكيد ..
أحست أنها تريد أن تبكي ..
وأحست بالدموع في عينيها ..
فقامت وهي تقول عذراً لدي موعد مهم للتصوير ..
وقامت وخرجت من الحفلة دون أن تودع حتى أحداً ..
وعندما وصلت إلى الباب .. أخذت دموعها تنزل على خدها ..
وهنا سمعت صوتاً بنادي : نانسي ..
كان صوت باتريك ..
كان يجري .. وصل إليها ..
لم تستطع أن تخفي الدموع التي تركتها تنساب ..
وصل لها ونظر إليها للحظات دار فيه كلام كثير ..
ثم قال : لم تغيرت يا نانسي ؟
كنت بالفعل تعجبينني .. الموضع أنك لم تكوني ناضجة بقدر كافي ..
كنت تحتاجين أن تقابليني بعد سنتين لتكوني أنضج قليلاً ..
وهنا لم تتحمل نانسي ..
بكت ..
احتضنها باتريك ..
وتركها تبكي ..
بكت بقوة ..
وتقشعت من حولها السحب واحدة تلو الأخرى ..
فهمت كل شيئاً دفعة واحدة ..
لقد كان جيجي بارعاً ..
لقد اختار نانسي .. فتاة مجروحة .. ليجرب عليها تجربته ..
المغنية الخارقة ..
لقد لعب بها .. وشكلها كما الصلصال ..
حافظ فيها على طفولة الشخصية .. التي يحبها كل الناس ..
ونما فيها الجمال الذي يجعل الدنيا مهووسة بها ..
أما صوتها فلا بأس به ..
لقد أخذها ليس أكثر من مشروع ..
لم يهتم بنانسي الإنسانة ..
بل خلق منها فنانة .. على حساب حياتها كلها ..
وفي كل مرة كانت تعارض خطوة من خطوات التغيير .. كان يذكرها بباتريك ..
كان حية تعرف كيف تدير أعمالها ببراعة ..
لقد ضاعت نانسي .. حتى هي لم تعد تعرف من هي مرة أخرى ..
لا هذه هي شخصية نانسي التي تعرفها ..
ولا حتى شكلها ..
لقد أصبحت شخصاً آخر ..
ضاع خجلها الذي كان يشعرها بأنوثتها ..
وصارت أنوثة تجارية مبتذلة .. هدفها الإغواء ..
لقد خسرت نانسي بالفعل ..
خسرت نفسها ..
وخسرت حبها ..
وخسرت كل شيء ..
ولم يبق لها سوى غناؤها وفنها ..
كل هذه الأفكار دارت في عقلها وهي في حضن باتريك ..
رفعت رأسها لترى وجهه الجميل بعينين دامعتين..
وطالعها هو وقال بابتسامة : سأوصلك إلى المنزل .. اتركي سيارتك هنا .. هيا بنا ..
وصلت نانسي إلى المنزل ..
ودّعها .. وقال لها : إلى اللقاء .. يا أطيب من عرفت ..
قالت وهي متحسرة .. وتظاهرت بأن كل شيء على ما يرام :
لا تغب عنا .. ودعنا نراك ..
قال : تستطيعين أن ترينني متى شئت .. فأنا صديقك قبل كل شيء ..
شغل محرك سيارته السوداء ..
وذهب ..
هذه هي قصة المطربة
المطربة التي فاقت شهرتها الآفاق
النهاية
30 جمادى الأول 1425 هـ
الساعة 3:13 صباح يوم الأحد
|