بسم الله الرحمن الرحيم
قصة المطربة التي فاقت شهرتها الآفاق
عمرها 16 سنة .. لديها بشرة بيضاء .. وعينان عسليتان واسعة ..ولها أنف كبير ..
يزين خداها خدود ممتلئة .. وشفاه ممتلئة تجعل من فمها أشبه ببطة في فلم كرتوني لطيف..
جبهتها عريضة كسبورة بيضاء تنتظر أن يكتب عليها أحد شيئاً ..
تطل من عينيها تلك النظرة الحزينة .. وتلك الآلام التي توحي بالاستمرارية ..
وذلك النوع من التراجيديا التي نصنعها بأنفسنا لنعيش في حالة من وهم المعاناة تحت تفاعلات المراهقة المتوترة ..
أما اسمها فهو مغمور جداً ..
اسمها .. نانسي
قد أطلقت أخيراً بعد عناء أغنيتها الأولى ..
أغنية بسيطة وحزينة .. تغني فيها بإحساس قد يصلك أنه أقرب إلى الصدق من التمثيل ..
تغني فيه .. وتحس في عينيها يأساً من أن يسمعها أحد ..
تغني وهي تتمنى أن يراها العالم والناس .. وأن يحكموا عليها حكماً عادلاً يليق بها ..
وهي التي فعلت المستحيل كي يخرج هذا العمل إلى الدنيا..
هي ببساطة فتاة بسيطة بكل المعايير .. أحبت الغناء فغنت ..
وقدمت أول فيديو كليب لها بملابس أنيقة سوداء ..
تناسب السجن الذي يرافق أغنيتها من عبير الإحساس..
ولكن ..
حدثت لها تلك الصدمة التي توقعها كثير من الذين يفهمون في سوق الأغاني ..
لم تحرك هذه البنت شعرة في قاموس الفن العريق ..
لم يلتفت لها الجمهور كصوت ..
في حين أن فتاة في سنها لا تملك أكثر من صوتها ..
لا تملك سوى أن تغني بصدق .. في وقت غدا فيه الصدق والكذب معنيان مترادفان ..
وهنا تبدأ قصة المطربة الذي ذاعت شهرتها الآفاق ..
استيقظت في الصباح.. فتحت عيناها .. ونظرت في سقف غرفتها البيضاء ..
وتأمرت للحظة في تلك الزخارف الجبسية الموجودة في جدران غرفتها .. وتكاسلت في استيقاظها ..
فما الذي يحمله اليوم من جديد ..
بل إنها أصبحت تخاف أن تستيقظ لتسمع الأخبار التي تقول بأن حجم مبيعاتها لم يتغير كثيراً ..
هي حقيقة لم تهتم كثيراً لحجم مبيعاتها إلا لأن حجم المبيعات تدل على شعبية الفنان ..
أو هكذا تخيلت..
أحست أن كل جهودها ضاعت سدىً.. وأحست بالإحباط ..
نهضت بعد أن نزعت كل هذه الأفكار من رأسها وأزاحت دبها الأبيض الكبير ..
وأزالت غطاء فراشها الأصفر .. وقامت وعقصت شعرها .. وخرجت من غرفتها ..
وبعد أن اغتسلت .. رجعت وفتحت دولابها الأسود .. ونظرت .. ماذا ستلبس اليوم ..
بنطلون الجينز الأزرق .. أم فستانها الوردي ..
ولكنها فضلت في النهاية أن تلبس الفستان الأبيض
الذي لطالما قال لها والدها عندما يراها ترتديه ..
بأنه يحس بها كأنها ملاكه الحنون ..
لبسته وخرجت .. وقابلها والدها .. ذلك النوع من الآباء التي تحس به يعيش البساطة ..
بدين .. تنمو على جانبي شعره شعرات بيضاء ..
ونظرات طبية كبيرة مذهبة الأطراف ..
.. والذي أعطاها ابتسامة كبيرة مشجعة وقال لها :
أهلا بالفنانة الكبيرة ..أهلا بملاكي الحنون ..
بادلته الابتسام من باب الواجب .. ولم ترد ..
وجلست تأكل في صمت .. وحتى أنهت طعامها ..
وبعدها بدقائق .. جاءها اتصال هاتفي ..
إن الشاب التي تحبه ..
" باتريك "
إن فتى وسيم للغاية .. شعره الذهبي الناعم الطويل .. وطوله الفارع .. ونظراته الساحرة ..
وابتسامته الجذابة .. بل وحتى بشرته البيضاء
التي احترقت من التشميس لتجعل من لونها برونزياً ..
تجعله أشبه بالممثلين ..
بل إنه حتى شارك في مسابقة لملك جمال لبنان الصيف الماضي ..
إنه معتد بنفسه كثيراً ..
ورغم أن هدفه في هذه الحياة أن يكون يستمتع بوقته لآخر قطرة ..
إلا أنه يعرف تحديداً ما يريد ..
يعرف ما يجعله سعيداً ويفعله ..
إن لديه الكثير من الصديقات .. بل إنه رئيس إتحاد الطلبة في الجامعة الأمريكية ببيروت ..
تعرفت عليه وأحبته ..كما تحب أي فتاة في عمرها ..
أما هو فأعجب بها .. لكنها لم تتجاوز في نظرة سوى فتاة جذابة ليصادقها ..
وحقيقة هو لم يفكر فيها كحب ..
لا يعلم لماذا ..
ربما لأنها كانت تعامله بخجل شديد .. ورقة متناهية .. وبراءة فيها من الطفولة الكثير ..
وبحسب خبرته وتعدد علاقاته ..
أدرك أنها تحبه ذلك النوع من الحب العذري ..
وبما أنها جميلة إلى حد معقول ..
قرر أن يفتح لها المجال تكوين علاقة .. ولكنه لم يضع لهذه العلاقة نهاية محددة ..
وعندما قدمت ألبومها الأولى .. ساعدها كثيراً بحكم علاقاته الكثيرة..
رغم أنه لم يقتنع كثيراً بها كصوت فني مميز .. بل بصوت جميل فقط ..
كان قد فكر كثيراً أن يقطع علاقته بها .. فهذه الفتاة حالمة ..
تعيش في حالة من الرومانسية المفرطة التي تجعل منها منبوذة في وقتنا ..
وبريئة إلى حد السذاجة ..
ومثل باتريك ..يحتاج إلى فتاة أكثر نضجاً ..
يحتاج إلى امرأة قوية حتى يحس بلذة السيطرة .. حتى يحس أنه امتلك مارداً وروضه ..
هكذا هم الرجال أصحاب الشخصية القوية .. يحبون فتاة قوية حين يتمكنون من إخضاعها ..
ربما هي نظرة متوحشة .. ولكنها غيرة مقصودة بأن تكون كذلك ..
ولكن ببساطة طبيعة الإنسان الغريبة ..
وقد قرر باتريك أن ينهي علاقته بها اليوم ..
قابلته .. في مطعم صغير .. تفوح منه روائح رائعة ..
وبعد أن طلبا كوبين من العصير ..
جلست تسترق نظرات وهي تحاول أن تخفي حبها المفضوح ..
التي تتوقع أن باتريك لم يلحظه حتى الآن ..
كل شيء في كلامها ..في حركاتها .. في تصرفاتها يدل على الحب ..
أما هو فكان يلحظ كل هذا ويتجاهله ..
أشغل سيجارة .. وأخرج دخانها بهدوء .. وقال لها : ....... ..
أريد أن أخبرك بأمر ..لكن أتمنى أن تعيه بعقل ..
فصمتت منتظرة لكلامه ..
فتابع وهو ينظر بعيداً ..
ثم نظر في عينيها مباشرة وقال : أعتقد أننا لا يجب أن نرى بعضنا بعد الآن ..
صعقت ..بل إنها بالكاد تحملت نفسها فوق كرسيها .. واستندت بيديها على الطاولة الزجاجية ..
استندت نانسي بيديها على الطاولة الزجاجية ..
وحاولت أن تخفي ملامح الحزن في محياها .. ونظرت باستفهام ..
لماذا هل حصل شيء؟
نظر إليها باتريك برهة ثم قال ببطء :
نانسي .. نانسي حبيبتي ..
أنت لازلت بنتاً صغيرة ..
لازلت غير ناضجة حتى الآن ..
إن ألوفاً من الناس يتمنونك .. لكن أنا .. لي طابع مختلف .. لي أشياء كثيرة تختلف عما تريدين ..
لست حالماً أو رومانسياً كما تريدين أن أكون ..
فقالت نانسي بتخاذل : ومن قال إني لا أعرف هذا .. إننا أصدقاء .. ثم ..
قاطعها باتريك : لا يا نانسي : أنا أعلم أنك تحبينني ..
حينها اصفر وجه نانسي ودارت الدنيا بها .. وأحست العالم من تحتها هوة بعيدة راحت تسقط فيها .. وأحست أنها لا تعي كلمة مما يقولها باتريك ..
قامت نانسي .. هي لا تحس بأحد .. بل لم تعي لنداءات باتريك الذي كان يريد أن يشرح لها أكثر ..
ولكنها راحت تمشي بغير أن تعرف إلى أين تمشي ..
إنها فاجعة الحب الأول ..
إنها أول صدمة عاطفية نتلقاها في حياتنا تهز الأرض من تحت أقدامنا ونحس وقتها أننا قد خسرنا كل شيء..
وبما أن نانسي فتاة مرهفة الحس جداً .. فقد تصورت أكثر من هذا ..
أحست أن الدنيا كلها تخلت عنها ..
وأحست أنها ليست جديرة حتى أن تحب ..
أحست أنها ليست مؤهلة لدور البطولة في فلم عربي رومانسي ..
لربما يكون لها دور ثانوي ..
ومرت على ناسي فترة لم تمر بها قبلاً ..
ظلت أياماً كثيرة تبكي على وسادتها .. وأقفلت على نفسها الباب وحبست نفسها في دوامة الأحزان ..
إن طفلة في عمرها ..تحتاج إلى وقت طويل كي تستوعب الصدمة ..
وترى بعد ذلك أن مثل هذه الأمور تحدث للكثيرين منا ..
كانت تحتاج إلى هذه الصدمة كي تفيق من عالم الأحلام التي تعيش به .. وتخوض غمار الحياة ..
اتصلت عليها ماريا .. صاحبتها .. وأخبرتها أن لديها حفلة اليوم ..
وان جميع صديقاتها سيحضرون ..
وأخبرتها أن باتريك سيحضر أيضاً ..
أحست نانسي في قلبها غصة .. وكانت نانسي قد أخبرت ماريا بموضوع باتريك ..
فقالت ماريا : أنا أعرف فيما تفكرين ..
ولكن هل تذكرين ما قلته لك؟
قالت ماريا : ولكن يا ماريا ..
قاطعتها ماريا : ألا تحبين باتريك؟
قالت نانسي طبعاً :
قالت ماريا : إذا عليك أن تتغيري يا نانسي حتى تفوزي بقلبه ..
يجب أن تكون اليوم جميلة جداً ..
الرجال لا شيء يفتنهم بقدر الجمال .. وعليك أن تكوني ذا شخصية ..
نانسي أنا أحبك كما أنت وأنت تعلمين ذلك .. أنت جداً طيبة ..
لكن باتريك يريدك غير ذلك ..
نانسي هل تفهمين ؟
كانت نانسي تفهم هذا .. ولكنها كانت تحاول أن تتخيل نفسها ذات شخصية قوية .. فلا تجد نفسها ..
تجد نفسها بذلك فتاة أخرى ..
ولكنها قالت لماريا : سأحاول يا ماريا ..
وهنا تابعت ماريا : ثم إننا نريدك أن تغني لنا ..
فابتسمت نانسي وقالت : بالتأكيد..
وماريا هذه فتاة من عائلة غنية جداً .. كل أسبوع عندهم حفلة ..
وهي فتاة اجتماعية إلى حد ساحق .. بل لا يتصور أحد ألا يعرف ماريا ..
وهي فتاة قصيرة إلى حد ما .. نحيلة جداً .. تبرد عظام وجنتيها من خديها ..
لديها شعر تلونه كل يوم بلون ..
إنها فتاة لا تدرك في هذه الدنيا غير المرح .. وهي تجيد ذلك حقاً ..
إنها أكبر من نانسي بسنتين .. ولكنها رسبت في مدرستها أكثر من مرة .. مما أتاح لنانسي فرصة التعرف عليها ..
اختارت نانسي فستانها الأزرق الذي لطالما ودت أن تلبسه .. لكنها كانت تدخره ليوم مثل هذا ..
ارتدته .. وذهبت إلى صالون ليضع لمسات الماكياج التي تجعل جمالها يتضاعف ..
كانت متوترة طوال الوقت ..
كانت ولا تدري لماذا تحس بالخيانة ..
هو إحساس غريب .. ولدته المسلسلات العربية الركيكة .. والمكسيكية المتخلفة ..
في هيكل الحب العظيم ..
ولكن نانسي لم تكن مستعدة لما ستواجهه هنالك ..
ذهبت نانسي إلى الحفلة ..
كانت جميلة بالفعل ..
كانت بنتاً صغيرة .. ولكنها جميلة ..
ذلك القصر الكبير .. تحفه حديقة خضراء بديعة ..
تعجبك أعمدة النور السوداء التي تلقي على بعضها ظلالاً كلاسيكية ..
ويدهشك التنسيق الرائع لزي الخدم ..
كانت الحفلة مقامة كعادتها في الحديقة .. وكان الدي جاي صاخباً .. والكل يرقص ..
قدمت نانسي .. وقالت صاحباتها .. وجلسن يتحدثن ..
ورغم ذلك كانت تطالع بخفية في المكان علها تعرف أين يجلس باتريك ..
لاحظت الفتيات ذلك .. بل إن موضوع نانسي معروف جداً في أوساطهن وإن تظاهرن بغير ذلك ..
فقالت واحدة : أين باتريك اليوم لم أره ..
فقالت الأخرى : لقد رأيته يجلس مع الراقصة المشهورة كلارا ..
وأحست نانسي أن شيئاً قاسياً يعتصر قلبها الصغير .. ولم تصدق ..
لم تصدق أن باتريك تركها من أجل راقصة ..
وهنا جاءت ماريا : أهلا بالبنات ..
ثم أخذت نانسي الشبه محطمة وقالت : بعد إذنكن ..
وأخذت نانسي وقالت لها : ما رأيك أن تغني الآن الكل ينتظرونك ..
فنظرت فيها نانسي وقالت : صحيح ما يقولنه عن باتريك ؟
توقفت ماريا قليلاً ثم قالت : وماذا يقولون ؟
قالت نانسي : أنه يجلس مع كلارا..
توقفت ماريا برهة .. ثم أخذتها من يدها .. وأخذت تتكلم معها ..
نانسي إن باتريك يجلس كل يوم مع فتاة .. إنه شاب مشهور جداً ..
ثم إنه إلى الآن لم يرك وأنت كالقمر .. أين كنت تخفين كل هذا الجمال ؟
صدقيني سيتغير رأيه فيك عندما تغنين وتصعدين ويراك كل الناس ..
قالت نانسي وهي في حيرة من أفكارها .. حسناً لا مشكلة ..
وصعدت نانسي على مسرح بسيط كان معداً ببساطة .. وأخذت المايكروفون
وجالت ببصرها حتى وجدت باتريك يحادث كلارا .. الراقصة الجميلة ..
أحست أنها تجمدت وصارت تمثالاً زجاجياً ..
وقد أدرك ماريا أن مثل هذا الموقف سيحصل فصعدت وأخذت المايكروفون وقالت
: ستقدم لنا المطربة نانسي اليوم إحدى أغنياتها الرائعة ..
وهنا انتبهت نانسي أنها فوق المسرح ..
وبدأ تغني .. وذلك اليوم غنتها بإحساس لم تغني مثله قبلاً .. غنت باسم الحب ..
غنت بحرقة .. بكل حرارة وصدق ..
وعندما انتهت صفق لها الناس ..
وهنا تقدمت لها كلارا ..
وكان هذا آخر ما توقعت نانسي منه أن يحصل ..
لم تدرك بم تقول ..
ولكن كلارا هي التي بدأت وقالت : أغنية جميلة جداً ..
مبروك على ألبومك الأول .. صوتك واعد ..إن لك مستقبلاً واعداً ..
شكرتها نانسي بعبارات قصيرة ..
التفتت كلارا لماريا وقالت : بما أن السهرة فنية ..
سأقدم هدية إلى الجميع ..
ترى ما كانت هدية كلارا ؟؟؟
وهل هذه البداية أم النهاية ؟
تابعوا
د.خالد أبوالشامات
|