الفصل الثاني والعشرون
أذوب
ذهبت كل محاولاتي لإقناع عمي عبد الرحمن بعلاج مزنه هباء
أصر أن لديه العلاج الشافي
تخيفيني ثقة الجاهل
همست بأذني هيله محذرة :
مهب مسوي لها شي
ليته ما يعرف الرقم السري للصراف
كان يمكن عالجها
أذن ما تعنيه له مزنه ملك يمينه
لماذا العناء
نهاية مزنه ختامية
الجنون
رجوت هيله :
لا
هذا لو ما يسوي ارحم
انتبهي عليها
حاولي تهتمين فيها باللي تقديرين عليه
أبعديها عن الأطفال العفاريت
ريحيها بغرفتها
قالت هيلة بدهشة :
ما دريتي
غرفتها جددها عمك يبي يعرس فيها
خطب ثالثة
يقولون دكتورة بجامعة الإمام
مطوعة
غرفة سطح بيت الإمام
السجن برداء العتق
المتعجرفة
لا يسكنها إلا حاملات الشهادات العليا
ما هي مطالب المرأة
حرية القرار
إجابة خاطئة
حرية المرأة تتطلب قرار
بيت السويدي
المحمل بلعنات التخلف
سأخرج قبل أن تحل علي أحداهن
كتبت رقم جوالي بقصاصة ورقية وأودعتها كف هيله
فعمي عبد الرحمن شغوف باندحار عقل النساء
في السيارة
مكالماتي المتكررة لفطومه الغاضبة لا تجاب
تتجاهلني أرحب قلوب الأرض
أضيق
بالعودة الفرض للقصر
استقبلتني أصوات مرحة آتية من صالون النساء
ميساء وصبا وريما
تحيات وقبلات وغيرة بنات
كانت الجوهرة وصديقتها زهوة في لقاء مع متعهدة حفلة الخطوبة
الذي سيقام بقصر الوزير الفسيح
فلا فرق بين الأصحاب
استفهام الرفيقات يرهقني عن تفاصيل ما برحت الخاطر
ادعي الحياء
وقبل أن تشب العداوة بسب التحفظ
استأذن للنوم
و اتركهم في خططهم يعمهون
خطوبة صبا الأربعاء
بعدها بيوم زفاف ريما
وبأسبوع
ميساء وعبد الله
بداية الألم
الذي كان
اندمل في القلب المضرج بالمصائب وصار خدش تافه
في سريري يحدثني فهد
صوته اضعف
متهدج بنفس ضيق
سألته بلهفة :
طمني عليك
قال بتوجع:
أنا تعبان
هل أخطأت بعودتي للرياض وتركه في لندن
ماذا لو حدث له مكروه
بأسى قلت :
سلامتك
بكبريائه الرافض للتعاطف قال :
لا تخافين
أنا جاي
لعيونك
ذوس كيلينق ايز
لا زال يذكر
ماذا حدث في لندن إذن
قلت بصدق :
انتظرك
قال بنفي حاد فالسنين بيننا تنصبه لي أستاذ :
انتبهي
الانتظار فعل خامل
كانت بطاقة أمسية الساري الشعرية أمامي
بجوار حقيبة المطار
تتراقص بدهاء وإلحاح
فقلت بتحفز:
مدام رأيك كذا
استأذنك
احضر أمسية شعرية
بعد بكرة
وللنجاة من فخ التناقض قال :
جيد
أحضري واحذري
الشعر رسول وشيطان
هادي و غاوي
أفزعتني كلمات فهد
دلت على مدى تقدم الورم في نسيج دماغه
فالعقل المتهاوي يبدع بالوصف
ودعته بالشكر
وأخذت غطاء السرير الستان الكبير لكنبته الغارقة بذكريات جسده لأشحذها بقاياه
سمعت أيمن يمازح صبا في الحديقة
بصوت عالي
ونغمة رياء
لم يكن
أيمن بروبر واي
بل ضاري يلعق جراح أدمته من مستضعف طليق
كررت حتى النوم
فهد
فهد
أناديك
يا غائب لتسريني بالاسم
في الصباح
كان جوالي لا يزال واقعا تحت حظر فطومه
في وحدتي لجأت للمطبخ
تذكرت ميثى الطفلة
فمطبخ القصر والجلوس على الطاولة الكبيرة إمام الفرن الضخم مهربي من الدروس التعليمية الخصوصية لميساء المتعثرة بفهم ما تفيض علي حصص المدرسة المملة باستيعابه
هنا كان عم عزيز يحدثني عن أرضه
وعودته الضحية بيد أطماع أولاده
ويعلمني صنعته
في انشغاله عني
كانت الذروة
نثر قطرات الماء على الزيت الساخن
لأسمع صوت فرقعات
تصفيق مسرحي
بعد رقصة بالية على خزف المطبخ البارد
ليصرخ عم عزيز :
بطلي لعب يا بت
شيلى من مخك القنان دا
تسائيف ائيه ومسرح ائيه
أخبرته أنني سأطبخ الغداء يوم عودة فهد
الطبق الذي يحب
المطازيز
شرط العقد
وافقني
فيوم خطوبة أيمن حافل بالعمل ولا ضير من مساعدة
غاب عم عزيز بغرف الثلاجات البعيدة متعمدا أن أختلي بزيت القلي جمهوري الأوحد
يدي رطبه
والزيت حار
و قلبي لا يطرب
وخطوتي مشلولة
أنا مثلك يا عزيز صرت مذبوحة بيد اقرب الناس
لا تنتظر بعيدا
لا مجال
لا رقص ولا تصفيق
تعال
لنكمل تحضير الغداء
حلوى اليوم
كيكة الجبن
اقطع الفروالة شرائح مستديرة
تذكرت مزنه
وان بدلت القرع الشعبي
ببرجوازية الفراولة
كلاهما تسلية امرأة تنضح من إناء العذاب بداخلها على كل ريان نضر
أتذوقها
يا تلك القضمات العالقة مرارتها بفمي من كيكة ليزا اللندنية
غيبي
منذ ذلك اليوم
والحنظل استوطن لساني
دخل أيمن المطبخ مختصرا الطريق من مواقف السيارات بعد العمل
أول لقاء بعد ليلة الزفاف
عقد ذراعيه وقال بتهكم :
الله
ميثى بالمطبخ
صحيح الواحد مرده لأصله
دموعي المتحجرة انبعثت للحياة
اقطع الفاكهة محفوفة بهتان غيوم المهانة
تحت قصف نظراته
سقط أصبعي ضحية اضطراب
ينزف دم قاني
يختلط بحبيبات الفراولة
أعلن مخاض عذاب مختلف
ينعش حواسي
يرتبك أيمن
يصرخ عم عزيز ليلومه بوجل :
دا الدم مش راضي يائف
يقول أيمن بسخط وهو يغادر المطبخ :
أشياء كثيرة
ترفض تتوقف
هل شعوره لي منها
يا بلاد بلا انهار تجري في ربوعها
أوقفي سموم العواطف المتدفقة في عروقنا
لماذا نصيبك السكون ونحن الفيضان
بإصبعي المقطوع هجعت بغرفتي
أمارس الخمول الذي يكره فهد
انتظار أمسية الغد
رمز الصفوة على بطاقة الدعوة تحدي للعوام
احتلال الصف الأول يستغرق ساعات من التحضير
تبتهج بانقضائها ساعة أيمن الهدية
عداد فترة عقوبتي
تأهبت للأمسية
بفستان أنيق باذخ
وتسريحة شعر رزينة في صالون مميز
و أخيرا
ما تجود به الخزنة المصفدة بكلمة السر
في طريقي
صادفت الجوهرة زوجة عمي و ميساء ومنسق زهور حفل الخطوبة
تعجبت الجوهرة من زينتي
والألماس المطوق لعنقي المفصح ببلاغة امتلاكي مفتاح الكنز
قالت بتلميح فظ :
صح ذوقك باللبس صار أوكي
بس
لسه كونتراست
التناقض موجود
الغالي على الرخيص
على وين رايحه
قلت بإيجاز متجاهل :
أمسية شعرية
قالت ميساء بسخرية :
لا تكون أمسية الساري حبوو
الدخول ببطاقات
يعني انسي
رديت بثأر مندفع :
أنا معايا بطاقة دعوة
من معارف بلندن
قالت الجوهرة لميساء بتهميش لوجودي :
روحي ببطاقة ميثى
هي ما تقدر تروح من غير أذن زوجها
وبعدين لولا إنها زوجة فهد القادر
ما احد عزمها
هذا حقنا وحنا أهله وأولى فيه
الجوهرة
الحظوة المتوارثة تأممت
بطاقتي لي
أنا
كتب عليها
أنت
يا أنت
حتى بلا اسم من أبي
لروحي هي
اشتعلت ميساء بلوثة الساري
ذكرتني بقدسيته الغابرة قبل رسالة منتدى الرحالة
كان الفتنة المدفونة بفؤاد كل الحرائر
وصوره الغنائم من مجلات الشعر
وصفحات دواوينه تعتقها الإعارة ودموع الشجن المنسابة
قالت ميساء بتعجل :
صحيح يا ماما
ميثى ممكن أروح بدالك
حرام نخسر البطاقة
: قلت وأنا مدركة عواقب تحدي الجوهرة
أنا استأذنت من فهد
و الدعوة لشخصي
ما لبيت عثمان القادر علاقة فيها
بصمت متوعد نظرت الجوهرة لي
لا حل إلا الفرار
وكان
في الصالة الكبرى
المتواضعة فخامتها أمام حضور النخبة
كنت بالصف الأمامي
بين مجتمع متعارف
وأنا الغريبة
قضى على التعجب من حولي
سرعة بدء الأمسية
كان الساري متألقا
بإشعار جديدة
في البداية
تكثف الصمت طباقا
واستسلم ليدكه بإهداء خاص
لملاكه الحارس
أينما كان
كنت الملهمة
خلدني الشاعر بملاحم
العنقاء
نقطة اليمين
زيارة
سيدة الألغاز
اللقاء
وأخيرا
الجمال النائم
كان اللفظ يسلب الألباب
أظن دقات القلوب تقف تأدبا تنتظر إكماله إلقاء القصيد
وإذا ابتسم أصابنا الوباء
نتسابق أي منا يتزامن معه ويرافق تجليات رجولة الصغير
في الختام
تصفيق القاعة الحاد خفوت أمام أعاصير وجداني
وثمالة غروري المبجل بحرف
أرسلت له رسالة قصيرة
التاسع
حضرت
ديمومة الفن
رايته يقرأ الرسالة أمام عدسات النقل بين القاعتين
يطيل النظر عبرها
وكأنها نفاذة لصالة النساء المغلقة
ويكتب الرد
ما كان هنا غيرك
هلك غيابك
عدت بهدوء للقصر
لأتفادى غضب الجوهرة وحسرة ميساء
اليوم خاب اسم فهد ونيس
بثيابه القديمة استعنت
وبأوراق اللعب
حتى نمت
في وقت الظهيرة من يوم الغد
كان صوت عمي عثمان خلف الباب إنذار دخول
أخفيت ثوب فهد تحت وسائد الكنبة
قال لي والحزن في وجهه :
ميثى
ممكن تشوفين يوسف
قدرنا الله وجبنا له عفو
عرفت الفرح الذي تغنوا به
ما يجعل القلب عصفور يخفق في قفص الضلوع
والدموع المالحة عذبة
ظننته من عجائب الدنيا السبع
قبلت رأس عمي بامتنان ليقول بصوت واعظ :
ميثى
تذكرين وش قلت لك عن قضية يوسف
رددت كمن يستعيد كابوس :
يوسف متورط
ونجاته
الموت
صرخت :
بس يوسف ما مات
قال ببطء :
هو مثل الميت
شلل كامل
بكذا عفو عنه
البكاء الذي اكرهه بصوت النحيب والشهقات المتقطعة أقبل من أوطان الأتراح
سبقته اسأل عمي متى أراه
قال :
اليوم العصر
وهرب عمي قبل أن يحضر ضيفي
وتركني معه
أغلقت باب غرفتي بالمفتاح علينا
وبكيناه معا
يوسف
أيها العزيز
لا تسكن الجمود جسدك
بعت مثلي
وما قبضنا إلا المال
ابخس ثمن
صدقت
لن تراني
وستبقى أمام عيني
سجين جثة حية
بعد ساعات
مكالمة الهاتف الداخلي وصوت عمي المتعاطف أن عبد العزيز ينتظر
لبست عباءتي ونزلت الدرجات قفزا
في المستشفى
كان يوسف لا يشعر بنا
ضربت صدره بكفي ليمسكني ويلوي ذراعي
ويهددني :
أنت قد الحركات هذي
استسلمي
أكابر
يلوي يدي أكثر
تنهار مقاومتي
اصرخ
يشفق على ويتركني لأشاغب من جديد
لكنه ما فعل
عاتبته
يا كذاب
وين عرسك من أطلق البنات
فيلتك اللي بتبنيها جنب السفارات
بنتك اللي بتسميها علي
لمين ثيابك الزينة وعطرك الغالي وساعتك الماركة
دفاعك عني عند صيته اللي ما تصدق إلا ولد
ليش تتركني وتروح
لا
توقفت بنص الطريق
لا رحت ولا بقيت
أنا السبب
أنا اللي حبستك بدعوة انك تبقى لي
رح
خلاص
رح
لا يرد
يخرجني عبد العزيز من غرفته بأمر الطبيب فقد ضايقت المريض
أتحدى الطبيب الأبله
ليته انزعج أو حس
وأعود للقصر
في ليلتي هذه ما بحثت عن فهد
ما كان النوم مطلب
عشت مع خيالات يوسف المتحرك
رفيقى وخصمي بكل الجد واللعب
في الصباح نزلت للمطبخ
لتجهيز غداء فهد العائد لحضور الخطوبة التي تزين لها القصر بدرجات لون البنفسج الخلاب
ليقول عم عزيز برقة :
بلاش تتعبي نفسك
بيئولوا مش قاي
كان جوالي يستقبل مكالمات كثيرة يوم أمس لم أجاوبها
ما خطر لي أن فهد لم يكتف من ليزا بعد
كانت رسالته تقول
أجلت عودتي
قلقت من مكالمات ثلاث من هيله
أعدت الاتصال لتقول لي بعتب بلا تحية :
وينك يا ميثى
صدقتي
عمك جاب أمس شيخ قال أن اللي بمزنه مس من الجن
وضربها بالعصا
لما عافت حياتها
كلمتك تفزعين له وما رديتي
تكفين
فكيها من شر أبوها
قلت لها وكلي أمل بفهد :
خلاص
أشوف حل وأعلمك
كلمت فهد لأستجديه إنقاذ مزنه
رد بغضب :
الحين ما تردين علي عشان يوسف
وتكلمني اتدخل بمزنه
ميثى
تعلمي
لا تخوضين معارك الآخرين
يوسف مخطئ
ومزنه لها ولي أمر
أنت استعدي لخطوبة أيمن
ببلادة سألته :
متى تجي
بتهرب قال :
قريب قريب
كآلة فتحت دولاب ملابسي المتخم بالفساتين
اخترت فستان بلون عيني يوسف المغمضة
المكفنة بحاجب لن يرمش قط
أجهدت ميس بمكياج كثيف يخفى فلول معارك الآخرين على وجهي
الحفل تكرار لخطوبة ميساء
حتى نساء بيت القادر لم يحضر احد
بمقاييس الجوهرة ليس فيهن من يستحق
تسأل الجمع عن زوجة فهد
قالوا
حلوة
أمامي سألت أحدى الصديقات الجوهرة زوجة عمي بعتب :
ليه ما عزمتينا على خطوبة فهد
وإلا العرس سمعنا انه عائلي
قالت مستهترة بدخيلة :
فهد
حبيبتي أم تركي
أنخطف
ما خطب
صمتت الجالسات على الطاولة
ونظرن لي
هذه معركتي يا فهد
توافه حفل راقي
سأكسبها
ابتسمت
نهضت ورقصت بانطلاق
درت حول الجوهرة بتحدي على أنغام الموسيقى الجريئة
خسئت
وفزت
تتوالى الأغاني
وصبا تتوسط الصالون الكبير بوجه يزينه جمال الحلم برجل مخلص
تبتسم لي
فتجاوز الويلات ومتابعة الرقص دليل معزة
جاء أيمن بعيون متعبه
معه عمي عثمان وأبيها ماجد الساحر
تحلق الجميع حولهم
زهوة والجوهرة
زاد القرب المشبوه أكثر
غنت شادية
يا دبلة الخطوبة
التقت نظراتي بأيمن
ليذكرني بخطوبة ميساء حين استعاد الأمل بالحب
قال الأغنية لنا
ما نسيت
ظننتك تهزءا بي
تسمينا مغنين لأغنية قديمة
ما طمحت أن تشرف ميثى بالعشق
اكتفيت من حفل الليلة
خرجت للحديقة الجانبية المهجورة
مياه المسبح مهرب
ألقيت بنفسي بالماء بملابسي الفاخرة
غطست بالأعماق
تمنيت أن أذوب
كمكعبات سكر أقداح شاي ضيفات الحفل
استهواني كيف يتلاشى
أغار منه
الزائل برقة السائل
لماذا ذرات جسمي تعيق تخلل الماء
قالوا
حلوة
فلأضمحل
وانتهي
قبلك يا فهد
لا أتحمل رحيلك
بدونك يا يوسف
فنجاتك موتك
لأخلصك يا أيمن
من أثم غرامي
عذرك يا مزنه
فبيني وبينك ولي
أطيل البقاء تحت الماء
اصعد على السطح
أجد خيال أيمن يراقبني خلف واجهة الزجاج الكبيرة
اكتشف أنني ما فنيت
أغطس بمحاولة تعيسة
لماذا لا أذوب
فقط
أذوب
الفصل الثالث والعشرون
العودة للنهاية
في محاولتي الثانية
سبحت بقوة إلى قاع المسبح الفسيفسائي
حشرت أصابع يدي اليسار في الشباك المعدني للمصفاة الصغيرة
يد تحلت بدبلة الزفاف وساعة اليد
أثقال الأرض
فإذا ضاقت أنفاسي
وجَبُنت
قيدتني عن الهرب
وأبقتني
أذوب
لأرى أبي
وتتلاشي الواني
بمرور الدقائق نجح فخ القضبان بصيدي تحت الماء
أبي هناك
بذراعيه المرحبة
يعرفني
كيف
وهو الغائب عن سنين عمري
يستبقيني عن أحضانه ظل اسود من خلفي
يحرر يدي
ويصعد بي إلى السطح
أو انه أنزلني من السماء
ضرب بقبضته القوية ظهري ليخرج الماء الذي ما أمهله أن يذيبني
حملني على كتفه عبر الدرج الحديدي الخارجي لحمام السباحة الذي يقود إلى الدور العلوي مباشرة
ألقاني في الجاكوزي الكبير لحمام جناح فهد
أضاء الأنوار المتوهجة
كان أيمن الحانق المبلل
هو من تدخل ليدمر نجاح مشهد الرحيل
يصرخ في وجهي :
لفت انتباه
لعب
نهاية سهلة
كل هذا مرفوض
ساعتي ما يكفيها اللي عدت عليك من زمن عذاب
اعترض على رحيل بالمزاج
أبقى للهوان
يخرج ويتركني استعيد رؤيتي لأبي
بلا صورة من ورق
تجسد أو تجلى
سخرت بقهقهة هستيرية
من إنقاذ سجان حاقد
يأنف أن يفوت عليه الموت بالاختيار
مشهد إعدام ساحرة
عجز عنها النسيان
ما أقسى خوف
الموت
إجابة خاطئة
ما أقسى أن لا يخيف الموت
غيرت غرفتي ليلة خطوبة أيمن
لجاكوزي
اسود
بارد
خالي
كسريري
بقيت فيه إلى الفجر
طرقات الشغالة جوزي
استحثتني النهوض لأرد على الهاتف الداخلي
ولأفزع المسكينة برؤية لوحة فنان خلاق
لتهشم تسريحة شعر وفستان باذخ وامرأة حسناء
يعطر الرسم رائحة كلور المسبح النفاذة
كانت الجوهرة زوجة عمي على الهاتف
هل ستسألني عن غيابي المفاجئ
ما تكهنت بغير هذا
ولكنها تبقى مليئة بمفاجآت السيطرة
قالت بسطوة المتحكم :
ميثى اليوم عرس ريما
وبما أن بطاقتك باسم حرم فهد القادر
يعنى الدعوة ما لها علاقة بشخصك الكريم
اعتذرت عنك
المعزومين بيت عثمان القادر
بس
أعدت السماعة لجهاز الهاتف
ما نطقت كلمة
غطرسة الانتقام
يشجعها غياب فهد
القادر
على شراسة الكبر
حسنا
الثأر من رحلتي الخاصة لأمسية الساري
تحرير لي من الأفراح المستعارة
في المرآة الكبيرة نظرت للعائدة من محاولة إلغاء وجود فاشلة
لو لم تنتقم لساعتك المبجلة يا أيمن
لما شقيت بإصلاح الأشلاء
لأعود
لعيش بلا حياة
كان الجوال يلح بمكالمات متتابعة
فطومه
رفعت الحظر
رديت بما يشبه الفرح :
أخيرا رضيتي علي
قالت فطومه وبصوتها أثار غضب :
خلينا ننسى السالوفه هذي
وش عندتس اليوم
بشوق لتحويل الهموم لموجات صوت
رسائل أخبار للعدم
قلت :
ولاشي تعالي عندي
بيت عمي رايحين زواج أخت خطيبة أيمن
واعتذروا عني
تجين
قالت بنغمة تجريح
بصمات صيته على صفاء فطومه :
لا
أنتي تعالى معي
نروح مع خدوج للعرس اللي بتطق فيه
يمكن يكون هو نفسه
وإلا كبر راستس على
فطومه
استعادتك غالية
اغفري ضعفي
لا استطيع
قلت متهربة :
ما اقدر
أخاف يعرفني احد
وما استأذنت من فهد
قالت فطومه بغلظة :
لا
يقولون يوم الاستراحة ابن أبوه اللي يعرفتس
البسي هكا اللبس
وفهد
أوبن مخ
تربية خواجات
ما عنده عقد
خلاص اتحارتس
خطيئة الاستراحة وحفلة الرجال
تلاحقني
تغويني
لأتحدى حصار الجوهرة
و الخروج عن مشيئة الإقصاء
أنا مشاع
لا حدود في علاقاتي مع الآخر
الجوهرة
أتعلمين
معارفي يفتحون لي أبواب تعجزين عن طرقها والدخول
و أتسلل معهم عبر خنادق الوضاعة إلى مملكاتك التي تحرسين
قلت بتردد :
أشوف
تعجلت فطومه إنهاء مكالمة الابتزاز
إشهار العفو
وإنزال العقاب
المختصرة باستفهام
إلى أي مدي تضحين من اجل صداقتي
ذهبت لبيتنا في النسيم المشبع بنكران صيته لتعاطفي مع الغريبة السوداء
حيث غرفتي الصغيرة
ودولابي المحتفظ بتنكر فضول القطة
ما قتلها وما أرضاها
أخذت ثوب زفاف أمي والبرقع الواسع دون حزام الجنيهات الذهبية
لا أمل في ذكرى الغالي
فصيته غاضبة
في السيارة قلت لسعد :
بعد صلاة العشا أبيك توديني فطومه
سأل بدهاء :
تصالحتوا
على البركة
وليش تروحين عندها ورا ما تجيتس
قلت باندفاع لسعد
حامي ميثى بيوم راح :
ناوين ندشر بحدا العروس مع خدوج
تغيير
اعتذار شاذ لفطومه
عربون مساواة
مشاركتها يوميات فقرها المهين
هل اقتسمت معك الوجع المترف
فطومه
سلمتني لسكين القدر
بشفرتها المزدوجة
هدوء القصر
تصريح رحيل إلى بيت الخالة زينب
تأخرت لحظات
لأكتب للساري كلمات
أبت ألا أن تهاجر إلى بريده الالكتروني
التاسع
بعت الجسد
وما ربحت البيع
وما خسرت
بعد
معادلة تجارية فاسدة
التصحيح
مقبل
أن أبقى مني شيء
عدت
وإلا لك الوداع
وعلي الرحمة
بعباءة واسعة أخفيت ردائي
البدوية بعيون زرق
تتسلل من بوابة قصر الوزير
إلى بيت الخالة زينب
على تلك الدرجات مقعد البروفة المحجوز من الحفلة الماضية كانت فطومه تنتظر بين الرجاء واليأس
قفزت فرحا بدخولي
ضمتني
وقالت :
صدق أنتي ما تستعرين مني
ياحبيلتس بس
الله يقطع بليستس على ها اللبس
اهوه
حملي مع الأورغ
ترا خدوج تقول تجين معنا احتياط
ما تتدخلين بروائع الفرقة
بس يمكن أتوسط لك
وتخليك تصفقين
ما ضحكت
فطومه أنا قيثارة بلا أوتار
مزاحك لا يعزف بسمات
الضحك خيانة ليوسف الوادع بلا حراك
أخرجت من حقيبتي بقايا علبة سجائر فهد
وخلعت البرقع وقلت لها :
يمديني على سيجارة
هل فهد بأجواء الرياض
وجوده هو ما يبث فيني الرغبة بالسيجار
وفاء تلميذ
و تعويض احتياج
أخذتها من يدي وأعادتها للعلبة وقالت بحزم :
لا يا بعدي متأخرين
وان عاش رأسي لأعدل رويستس بلا تتن
خلى ها البلا عنتس
في صالة الأفراح الكبرى
زخرفت القاعة بأقواس عربية الطراز وأوشحة ملونة بالأرجوان والذهبي
وعند مدخل الاستقبال وقفت الجوهرة و ميساء بخيلاء مع زهوة وصبا للترحيب بالضيوف
عنفتنا صبا على التأخير
المطربة الشهيرة منال تستعد للغناء في غرف القاعة الداخلية
و خدوج تتلكأ لتهرب ميثى عبر حدود الإبعاد
مررت بالقرب من زوجة عمي منحنية
وكان الاحتماء بثني الجسم سيخفى عنها عصيان ميثى
ما التفتت لي
اطمئنيت
على المنصة المزينة بتصميم أندلسي ساحر
رمت لي خدوج بتراجع طار كبير ساخن وقالت :
شاركينا يا بنت الرجال
ميثى يا من هويتي تشايكوفسكي
هنا
لا يتعاطون إلا دق الدفوف
ورقص أجساد حرمت على الفن
خمر مباح
اسقيني منه يا فطومه
ولنشرب
على أطلالي
لنرتوى
طالما الدمع روى
بلا كلام
فصوتي هويتي
ندق
نرقص
عربدة النساء
لا تعزير
لا قصاص
ثمالة الحلال الطيب
وسهو عن من يتمرغ بالحرام
أفسحي مكان لي بقربك فطومه على الأورغ
أم العروسة
هي المعزوفة
أنا أضيف المؤثرات
وأنت الأنغام
لترقص زهوة
تشاركها الجوهرة
والقريبات
قالت فطومة لتكشف عن حقيقة عجيبة سطعت تحت إنارة المنصة المبهرة :
إلا وش عند مرة عمتس ورفيقتها
متلاصقين تسنهم توأم سيامي
قلت همسا بأذنها :
صديقات من زمان
قالت صراخا فصوتها لا يخاف أن تسمعه الجوهرة القريبة :
أتحدى
يختي شكلهم مع بعض شبهه
مرة عمتس ملتمة على أم العروس
مصلحة
شوفي أش كثر تعاني
قول فطومه
رأيته أمس في الخطوبة
القرب المشبوه
الجوهرة
سيدة كل ممكن
ماذا عند زهوة ينقصك
قلت أجرب المرح :
اذكري الله لا يجيهم شي
ويتهاوشون
ونبلش بأيمن من يزوجه
انتهت فرقة خدوج
لتغنى المطربة منال
وتزف العروس
قلت لفطومه باعتذار :
لازم ارجع قبلهم
نتقابل بكرا
قبلتني موادعة وقالت :
يبي يفوتس دخلة الرجال
شجعتني على الهروب
ماذا لو رآني أيمن
كيف غاب عني ذلك
كلمت بجوالي سعد
احضر لقاعة الأفراح الكبرى
وقف بعيدا على الشارع العام
في سيارتي كان السائق
نياز
هل من سكرة خمر الطار أو تعب خطوات الرقص
ندمت بأثر رجعي
انحلت من يدي حبكة الرواية
لا تلوموني
لتهاوي الأحداث
أسرعت السيارة للعليا
لبر النجاة أم لسوط عذاب
شوارع الرياض تبوح بإنذار المشفق
ليلة التفريط
ستحرمنا من عينيك
إلى حين
تجمعت في مقعدي
وألصقت وجهي بالشباك
سأشتاق
عند وصولنا للقصر
قلت لسعد بتذاكي:
نزلني في أول الحديقة
و ودي السيارة للمواقف
أهدى عن الإزعاج
سايرني
وقفت السيارة
ونزلت أسير على قدمي عبر حديقة إلى القصر
أراقب سعد العنيد
قاد السيارة للمدخل الكبير وليس باتجاه للمواقف البعيدة
أوقفها
نزل ليحادث ظلال تنتظره عند الأشجار الكثيفة وعواميد النور الكاشفة
يأخذ من احدها مال ويضعه في جيبه
ويقبل يده
فهد
عاد
ليس كمصعب
واقفا بلا نعش
ركضت له
سيد الحضور المفاجئ
هو من نشر شهوة السيجار بالفضاء
كان معه أيمن
وغيرته المجنونة
تحذير يوسف
الراحل
الباقي
نزع البرقع عن وجهي
شد ضفائري الطويلة إليه
وقال بصوت عالي في إذني الملتصقة بشفتيه قصرا :
يعني كلام أيمن صدق
تشتغلين مع الطقاقات
حتى وأنت زوجتي
يا منحرفة العقل
زين اللي خليت سعد يراقبك
ورمى بي بعنف على الممر المرصوف لألتحم ببروزات الصخر الحادة
الألم يعيق الوقوف
خلع فهد الحزام الجلدي السميك لبنطلون بدلة السفر الرمادية
رفعه بالهواء
ليجلد ظهري المستسلم
تتكرر الضربات المبرحة
لا اسمع إلا نواح الحزام الجلدي بالهواء الساكن و رجاء أيمن المتشفع :
خلاص كفاية
اتركها
ميثى
ابعدي عنه الحين
اقترب من فهد أكثر
أتشبث بقدميه
اهرب منه
إليه
لا حنان عرفت إلا من حناياه
لن ينقذني منه
غيره
بدأت أحس بحرارة الدم المتدفق من جلدي العاري
فثوب صيته اهزل من ردع احتلال رجل مجند في ثورة الشك
يصرخ أيمن بفهد مستعطفا :
لا تموت بين أيديك
يكفي
فهد
اكتفاء فهد معدوم
فلا يخالط عويل السياط إلا صدى ترديده :
ما فيكن شريفه
حتى أنت
يا انتقامي
صرتي
ضدي
قطرات الدم النازف من ظهري تنساب على الممر الحجري
تفوق الأوجاع الاحتمال
غاب البكاء
والصراخ اصطحب صوتي إلى الفرار
آخر ما أبصرت
الشقيقين
ونزاع على الحزام
رائحة الأدوية وهمسات الممرضات وفراش المستشفى
بشائر الإنقاذ
أفتح عيني بصعوبة
ذراعي مقيدة لحواجز السرير
وأنا نائمة على بطني برداء المستشفى المكشوف الظهر إلا من شرائط منحلة الربط
تعتذر الممرضة بانجليزية لشخص بجوارها :
الجروح عميقة
والتعقيم بالمطهرات مؤلم
هذا الوضع الأفضل
يجادل الصوت الثاني
لأومبر :
ألا يكفي سلب زوجها لها الآدمية
أطلقوا قيدها
أنا أرعاها
أحرك رأسي بتثاقل لصوت أومبر
اسألها بلهفة أغفلت الترجمة :
وين أمي
فهمت السؤال
تمسح بيدها على جبيني
ويتعسر عليها الإجابة وان صاغتها بكلمات انجليزية بسيطة تقول :
ميثى
أمك ترفض زيارتك
تعتقد انك مخطئة
وتعذر فهد بضربك
وتقول انك لا تستحقين عناء الزيارة
اشهق بالبكاء
صيته
وحشية الأمومة المتمثلة بتجريم التأديب
وإدانة التقصير
تواجد للاعتزاز
وتبرأ من العار
الحبال السوداء تستوطن ظهري
تعالى
انظري صدق الأحلام
أسكن لغيبوبة مجلوبة بالمسكنات القوية
وشفقة غريبة
ليوقظني عبد العزيز بعد ساعات بمناداته لأسمي
نادرا ما قال ميثى
كان يوسف هو من يناديني
كان اسمي يفلت من لسانه وينادي به أصحابه
يحمد الله ويقول :
بس مهب دايم
إذا ارتحت معهم
انبسطت بلحيل
أقول ميثى أعقل يا رجال
أنواع الخبال
لو كان معي اليوم
هل سيسامحني أو سيقاطعني
يهمس عبد العزيز بإصرار:
ميثى
تسمعيني
أنت لك بالمستشفى ثلاث أيام
الطبيب يقول انك أحسن
أحاول أن أنهض
تساعدني أومبر
ليتابع وهو يستمد من خطيبته دعم غير منظور :
فهد
دخلوه اليوم المستشفى
أظنك تدرين انه مريض
ساءت حالته
سألت مرتاعة :
أي مستشفى
هنا
هز رأسه بالإثبات
نظرت لأومبر
وقلت لها بلغتها باستعطاف:
أريد أن أكون معه
اطلبي الكرسي المتحرك
أرجوك
قلت بغيض من يُحكم المنطق بالقرار :
أنت مقتولة بيده
شوهك بندوب مستديمه
وتذهبين إليه
كتب بظرفي السنوي
أنا خايف أبيك معي
ما كنت لأكفر بالحرف المكتوب
قال عبد العزيز بتردد :
ميثى
يمكن ما يقبل زيارتك
أزفت الساعة التي يرهب فهد
ما كانت الحبال السوداء التي قيدني بها لتبعدني عنه
قلت بقناعة:
أنا ما اقبل أزوره
أنا أبي اقعد معاه
ضعنا بمتاهات الأيام
سأعود
أعود للنهاية
|