الفصل العشرون
الــــــجلاء
ليزا
تقف بجواري على الشرفة
ينسحب نياز المهزوم بالذكاء للصالون
تبتسم
تشع الغمازتان
أفكر
لماذا لم يتزوج بهذا الكمال
تضع يدها فوق يدي المتمسكة بإطار الشرفة الحديدي المشدودة بتوتر
تهمس بصوتها الواثق :
تعرفين من أنا
احترمك
اقدر الذي تقاسينه من أجل فهد
ما مكانة المرأة بالمجتمع
قدرها محفوظ
إجابة خاطئة
يحفظ المجتمع المرأة في كمين القدر
ما سمعت اعتراف الغرب بي
ولا تدويل قدراتي النسائية
بقدر ما أوجعتني حروف اسم فهد المتراقصة على شفتيها السخية
فهد
الاعتراف سيد الأدلة
انهارت كل الشكوك
علاقة معلنة
هذا الاحترام
هو حصن حمايتها من كرهي المضاد
ما عرفته
كل النساء من حيث قدمت حجب عنهن مثله
فكيف نقتسم خرافة
والرجال أنكروا أحقيتي به
عبد الله كنت له مرحلة متاح
و أيمن إجبار على العشق المحال
وفهد ثأر واهن من المرض السفاح
أما الساري فموهبة تاهت للشعب وهي من حق السلطان
و نياز كنت قشة تنقذ روحه من حقد الحرمان
حتى سعد رآني تنازل طائش
كلهم ما احترموا ميثى
تقلبت بين الأهواء والرغبات
وأبعدوني عن هذا الشاطئ
حيث الآمن
تابعت الاعتراف
هل وجدت بصبري سمات قسيس الأحد
لتقول :
فهد
كان مريضي منذ سنوات
أقسمت ألا اسمح لعلاقة المرضى أن تتطور بالطبيب
لكن فهد
أعادت نظرها لي لتكمل :
لا يقاوم
قلت بسرعة لئلا يكبح التردد الجرأة :
لماذا لم تتزوجا
قالت بغموض أدهشني أن للوضوح الغربي ظل :
يستحيل
أنا أكثر من يعرف ثمن الزواج من فهد
لست مثلك
تابعت :
حب الشرقيون
فكر
كم يبدعون بأعمال الذهن
الحب مراكب تمخر عباب ترحال بلا محيط
أفعال بلا تجسيد
توقفت
احترت
كم مريض من الشرق باح لها بأسرار الحب العذري
وروى قصائد قيس وهجران عبلة
نسيج محبوك من خيال
حب اللا مساس
قالت بردة فعل غريبة :
هل تغارين مني
ضقت بسؤال وقح
قلت بسخرية :
أهذه استشارة مجانية
أتجدين بي ما يثير اهتمامك الطبي
قالت باعتذار متأخر:
ما قصدت إغضابك
حديثنا مبتور بأسرار المريض المحظورة
أتعلمين
أصر فهد أن أراك
فخور بك
أنت امتداده بعد الغياب
وصرخته المكتومة بوجهه الفناء
أراني صورك مردد
هي أجمل
وحضورها قوي تعجز التقنية احتجازه
قلت له
ستعرف علاقتي بك
قال
لا ميثى صغيرتي
وأنا خائن
وما كانت الدناءة بكتب الأطفال
منذ دخولنا الشقة
رأيت بعينيك مكاني
وصمتك أعناني
أجاوب سؤالي لك
أغار منك
واحترمك
استدركت بقايا التبغ في السيجارة
اشخص حالة ليزا
خريجة مدارس الطب
موبوءة بالغرام
أصابتها عدوى شرق أوسطية
حادة
حالة مرضية مستعصية
بعد مغادرة الضيوف الشقة
وفهد أولهم لموعده الليلي
هربت للنوم
استغرقت برحمته العميقة
طرق باب الشرفة الصغيرة
زائر أول أيام لندن
أيقظني
مصر على الدخول
تجاهلته
وضعت يدي على إذني
اذهب
أيها الطارق
هز الباب بعنف
لم يكترث بالرفض
سخر مني
برسالته
موعدنا الغد
في الصباح
استيقظت متأخرة
على رنات الجرس
كانت سمر وحدها تنتظر مشوا ر التسوق
طرد نياز روحه الذليلة من جنان ما خطرت على قلب بشر
لماذا نتحصن بالأزياء الجميلة من الأخبار السيئة
شرف محاولة الدفاع عن شر الغيب قلدته لفستان عصري بتصميم غريب
ومكياج متقن
وشعر حر
أردت أن أكون
زوجة الشيخ
وان زارتني عشيقته البارحة
قلت لسمر باعتذار عن تأخيري :
يبدو إن الإفطار سيكون بالخارج اليوم
بلطفها المعهود قالت :
التغيير جميل
لنتصل بنياز وعاصي
ونفطر بمقهى ايطالي مميز
يهواه كل السعوديون
عند باب الشقة
قابلت فهد يقرا رسالة بجواله ليقول بتثاقل الساهر ولغة رفاقه :
صباح التسوق يا ميثى
هذه رسالة من أيمن
قرر خطبته على صبا بيوم عودتنا
أضيفي لقائمة الهدايا خطيبة أخي
قلت بشرود :
مبروك
تخيلت سرور الجوهرة زوجة عمي بخطوبة تعوض خيبة الابن الكبير
توجت صداقتها لزهوة بالنسب
أين صيته الصاقود من هذا الثنائي المتوافق
هذا الخبر على الصباح القادم من محطة أيمن المجروح
بداية
لماذا
لا اعرف بعد
في التاكسي اللندني الأسود
ضيق يجثم فوق صدري
تعجبت
كم هي المرأة مستحوذة تهيم بالتملك
لماذا الضيق
ليعيش أيمن حياته
هل أشفق على أن تكون صبا مثلي
شاخص
فزاعة
تطرد لوم المجتمع لرجل عازب
تتطلع لقلب متيم
وترتبط بأشلاء ماضي
أتمنى أن أكون
خسرت أيمن الذي ما كسبت
قالت سمر :
سيدتي
وصلنا
سنسير للمقهى خطوات
لذلك الشارع الجانبي
أحببت الألفة في المقهى الهادئ
تذكرت المشب بمجلس الرجال بالنسيم
ويوسف يحرك الحطب
قلبي يصرخ بحنين
اكتفيت
أريد الرياض
قلت لسمر :
تذكرت عزيز
كل النكات التي أحفظ هو رواها
وأشقى المقالب شاركني إياها
اشتقت له
هذا المكان فيه منه
ضحكت وبالعربية قالت :
بلكي بتجي أنت و ياه شي يوم هون
يوسف
في صغري قاسمتني الحياة حين نسى الآخرون وجودي
خلف باب الحديد
انتظرت عودتي من قصر العليا
بكفوفك الصغيرة المحتفظة لي بعطايا الفقر
أعوضك الآن
سأشاطرك لندن
هذه البديعة
مرشدك السياحي سأكون ذات يوم
قلت وعد غبي بلهجة سمر
وكأن الكلمات قد تجلب خير أو تدفع شر إن تنكرت بزي آخر
ولا يغتالها القدر :
أكيد
شي يوم
اختارت سمر طاولة خشبية دائرية
بالقرب من النافذة الكبيرة المخفرة على الجانبين بستائر بلون البنفسج وتل وردي
تلاعب اللون الدافئ على شحوب لندن
حادثت عاصي و نياز لنلتقي
تكلمنا عن المتاجر وما احتاج
بعد دقائق
أجد نياز قادم
أنيقا بتفوق البساطة
سمو الحضيض
عندما جلس على الطاولة
تأملت صورتنا على زجاج النافذة
تناقض
وحشية الصحراء
ومدنية البحر
التقاء فريد
متناغم متنافر
يبقى الانعكاس على الجماد
معقد بالواقع
لوحة جميلة
مستحيلة
تعجب سياح من اليابان خارج المقهى
يرفع الكاميرا مستأذن بالتصوير
بحركة من يد نياز يفهم رفضنا لتوثيق الفراق
أضاع عاصي التفرع الجانبي للشارع الرئيسي
ذهبت سمر لتقابله
أو ادعت ذلك ليعتذر نياز عن سلوك البارحة :
العمل مع العرب يحتاج خدمات شخصية
تفقد الكرامة
وتحفظ الوظيفة
اكره الاعتذار
وتفسخ العربي عن ذنوب مورثاته
يبث الحياة بالخلاف
منذ أمس
خسرت نياز الذي صدقت
رن الأجراس الصغيرة المعلقة على الباب
قدوم ليس كآخر
رفعت عيني
كان هو
الساري
ومعه ثلاث من الأصحاب
أعدت بصري لكوب القهوة أضفت مزيد من السكر احتفاء بلقاء الصدفة
الطارق كان موعد مع الروعة
بدلة سوداء وقميص ابيض بلا ربطة عنق
وملامح الفارس
وعيون حادة تحت سلال سيوف الحاجب
وابتسامة
تجمدت برؤيتي
اختار الطاولة البعيدة في ركن خافت الإضاءة
لا أريد أن انظر
ولا أطيق التغافل
لو كانت للنظرات صوت لأصاب لندن الصمم من دوي ما تقول عيناه
يأس نياز أن أتجاوب مع حديثه
كان المقهى ساكن
استشعرت حيرته
هي سلمى
من هو هذا الوسيم معها
ا أصدق ظن
لماذا تهرب بعينيها عني
لأنهما العنوان
انضم لنا سمر وعاصي
قام نياز وقرب مقعده ليستطيع عاصي مجالستنا
نهض الساري من مقعده بلا إرادة للحظة
جزع من تقاربنا
ثم جلس فليس له من الأمر شيء
تحدثنا معا
وكان خامسنا
ثم قام بقرار حاسم
هي سلمى
وهذا الوعد
تحرك باتجاه طاولتنا الصغيرة
تعلقت بوجهة الرائق بلمسات العافية
نثر السكر على المفرش المخرم بورود رقيقة
كتب
الساري
علق يده
يمين اسمه
قال نياز مؤديا لدور كلب الحراسة :
أعرفك بزوجة الشيخ فهد القادر
تعرفنا بنفسك
بقيت يده معلقة لحظات
غير الاتجاه
كتب نقطة باليسار
ورجع لطاولته
خسرت الساري الذي به آمنت
قلت لسمر :
صداع شديد
أريد العودة
في الشقة كانت عاملة المنزل تغني كلمات معجونة بلهجة تخفيها
ضحايا الطبقية يحتلون الأرض
في غرفتي
رن هاتفي
تجاهلته
أنا صفر اليسار
كيف أرد
أصر
لا أريد أن يوقظ فهد المتعب من ليل الغواني
أجبت
كانت أمي تبكي أخي عبد العزيز
بلهجتها التي تخفي
كعاملة شقة لندن
راح
لأمريكية
خطبها أمس
صيته
هو ابن أبيه
كيف تريدين أن يقود لك العز وعراقة الأصل
ما وجدت عندي سلوى
ثابرت على الصمت فهو ألطف من الحقيقة
خسرت عبد العزيز الحلم الذي انتظرت
ونمت بلا نعاس
كل الرجال رحلوا اليوم
اخلاء
ما بقي بديار ميثى رجل
تذكرت يوم خسرت عبد الله
السلسلة تتابع
أبي
عبد الله
أيمن
نياز
الساري
عبد العزيز
حتى فهد ما كان لي بيوم
أحكمت الغطاء على جسدي الموجوع
تذكرت يوسف
قرين اليوم العجيب
عندما واساني بهجر عبد الله
قلت له
جعلي اخسر كل الرجال وتبقى لي
هل قال
آمين
كما طلبت
إن قالها
يكفيني
في نومي
هجعت على كتفي يمامة بيضاء
أرخيت خدي أتحسس طراوة جناحيها
ترفرف لتطير
أريدها تبقى
تصير حركتها اعنف
صحوت من النوم
كانت يد فهد
تعجبت
ماذا يفعل بغرفتي المحرمة على قدميه بسلطته الحاكمة
أخافني وجهه الغاضب
هل قص عليه نياز أخبار الغريب الذي سطر لزوجته كلمات على فراش من السكر
هل غدي مرهون لركوب عين لندن الموحشة
قال بغضب :
يوسف
سوى لنا مصيبة
الغبي
إطلاق نار ومطاردة مع شرطة مكافحة المخدرات
ميثى
يوسف مصاب بالمستشفى
ما عندي تفاصيل بعد
بس حالته حرجة
هذا هو إذا
الطارق الليلي المتوعد لبقايا الأنس بحياتي
دقائق وبدأت استعيد القدرة على الكلام :
فهد
رجعني السعودية
ما اقدر اجلس هنا
أنت مشغول بأعمالك
أبي أكون مع يوسف
تابعت برجاء :
وبعد أسبوع أنت بالرياض
الله يخليك
دعوة بحكم الاعتياد
تؤذي فهد ولا تقنعه
قال بمرارة :
يخليني
أنا هدف إخلاء
بها الدنيا
خلاص أشوف لك لو ممكن
نعم صدقت
أنت لا تزال حاضر غائب
وإخلائك قادم
فرحت
قفزت من السرير بلباس النوم
أردت أن اقبل رأسه
دفعني عن نفسه بعنف
لماذا كل هذا الرفض
امتنان يا فهد
لا أكثر
لماذا تنفر من براءة علاقة الشرع
وتتلذذ بخطايا الحرام
أين ما تحكي لليزا عني
هم ينكرون المجاملة
لن تخدعني ليزا
ما دفعت لها ثمن جلسة استعادة ثقة أو تحرر من الغضب
لتواسيني
وقف بعيدا عند الباب
رمى علبة سجائره اعتذاره التافهة وقال:
كان تبين سجاير
أنا طالع
جهزي الشنط
أحاول لك برحلة بكرة
نظرت للساعة
ما بقي على رحلة السعودية لمساء الغد
يكفي لحزم الحقائب
والتحلل من الإيمان بالحدس
قال يوسف يوم الزفاف
تتغيبين عن عيوني
وكذبت به
بجهد فهد ومكانته ركبت الطائرة وحدي
في المطار
أهداني نياز كتاب مغلف بورق أجعد وبطاقة افتقاد
أمام العامود
ستارة مسرح إلقائه لشعر نزار يوم وصولنا
رفضت
وقلت بالعربية بلهجتي السعودية
سيفهمها وان استنكر :
نياز
آسفة
بطلنا الكلام المعلب
ما يمشي عندنا
ما احد يستورده
بلدي بشعوب
وتصدر للعالم
نفط وفكر
أنظر من للنافذة
أدير البزل رينق حول أصبعي
الأحجية
كيف ينفض تشابك الحلقات المتداخلة
كل أبطال رواية ميثى
رحلوا
بعملية إجلاء عن روحي
جلس بجانبي رجل ووجهي ملتصق بالنافذة
لن التفت
عرفته برائحته التي اختزنت حواسي من دولابه
الساري
بفوقية الأمير
والتمرد على الأوامر
يرفض الإجلاء
ليبقي
بالمقعد المجاور
رفيق ساعات رحلتي الطويلة
عائدة للسعودية
الفصل الحادي والعشرون
بــــــشويـــــــــــش
ممكن اجلس معاك
بسؤال يعقب التصرف تحدث الساري
قلت له دون أن انظر إليه :
مقعدك
قال لي بصوت دافئ :
سلمى
أنا مقعدي هناك
سكت
ليجبرني أن اتبع إشارة إصبعه الرشيق إلى مقدمة الطائرة حيث مرافقة يجلس بجانب مقعده الخالي
قلت ببقايا عصيان :
يعني جلوسك معي تنازل
ابتسم فرحا بلقاء شيء يعرفه بسلمى بعد أن ضاعت منه بما لا يعرف عن حياتها
وقال :
لا
مصافحة ملائكة
سمو
تذكرين
أنت ملاكي الحارس
قلت بمشاغبة وأنا أضع رأسي التعب على طرف المقعد البارز الحاجز الهزيل بيننا :
قصدك
مواصلة احتكار السمو
علت ضحكته العذبة ليقول :
ترهقني فصاحة التمرد
سلمى
عندي سؤال
بذيك الزيارة لي
الحدث
كنت زوجة لفهد القادر
قلت بضجر :
لا
أنا وافقت على الخطبة ليلة زيارته لنا بذاك المسا
الساري
وش تفرق فيه
حنا لا عشاق ولا بيننا عهد
علاقة من صدف
قال بحدة من جرح بغالي :
سلمى
كيف تستهينين بغرابة علاقتنا
بتجنيد الكون خادم تعارف
والطيف رسول للمشاعر
العشق الطاغية سخرت منه قلوبنا
الصداقة ضاقت باندماج أرواحنا
سلمى
نعيش سنين مع ناس
ويظلون حولنا
وأنت
رغم فقر اللقاء
وجهل الاسم
ما كنت معي
إلا فيني
ما أصدق المشاعر بين الرجل والمرأة
الحب
إجابة خاطئة
الحب صدقة من مشاعر المرأة للرجل
ارتعشت كطير بللته قطرات مطر شرس
حزن
إرهاق
وهذا القاهر
أدير خاتم يوسف بإصبعي
الحلقات فيه تموج بالتضارب
أحس الساري بضعفي
طلب المضيفة المتلهفة على خدمته غطاء صوفي وكوب من العصير
بانتظارها قال :
عودة طارئة
قلت وأنا أحاول أن اعدل من وضع جلستي المتعبة :
حادث لأخوي
كيف عرفت
قدم كوب العصير برقة وقال :
أنت غير أمس
فعلا
بساطة مظهر اليوم ببدلة سوداء ووجهه خالي من الزينة يناقض تبرج البارحة
بعد أن ارتشفت قليل من العصير
أعدته للمضيفة
أشار الساري لها أن تدثرني بالغطاء
وقال قائما كمن يلقي قصيده :
ارتاحي
قالوا عنك بحسد
زوجها حجز المقعد الثاني عشان ما يركب معها احد
احترم رغبته
و اعذره
وما يصح أخون غيبته
انحنى ليرخي مقعدي أكثر للخلف لوضع الاستلقاء
اقترب مني
الرائحة الهوس تلفني بجبروت النبيل
تخدرني
أنام
مدام
وصلنا الحمد لله على السلامة
تفضلي
بهذه الكلمات أيقظتني المضيفة وأعطتني بطاقة فاخرة
دعوة خاصة لأمسية الساري الشعرية
نظرت لمقعده
كان قد غادر الطائرة
خلف الغلاف المصقول كتب
لك أنت
يا أنت
من
التاسع
لا الساري ولا فلان
دورت لك لقب جديد
اسم عتيق
وهبني إياه القدر
تحت ها العنوان
تلقيني
وبحظ يمكن ألقاك
أنا تاسع من حمل اسمي من الأجداد
أنا الطامع بغيب يحفظ لي سخاء الأيام
أنا الشاهد على الجمال النائم
ست ساعات
وسطر رقم جواله
وعنوان بريده الالكتروني
هو التاسع أذن
الرقم الذي أوصاني به فهد خيرا
خزنت البيانات بجوالي بالاسم الرقم
ومزقت الظرف واحتفظت بالدعوة
في المطار كان عبدا لعزيز باستقبالي
صافحني بوجوم وقال :
ما كان فيه داعي تجين
حنا ما قدرنا نشوفه
يقولون حالته صعبة وعليه حراسة
لا اصدق أننا نتحدث عن يوسف
كيف يضيع ذلك الشباب المتوهج بالأمل
من قاده لطريق الشيطان
تابع عبد العزيز:
هاتي الأوراق
أديها سعد
بتعجب قلت :
ليش سعد جاي معاك
قال عبد العزيز :
فهد كلمني و أصر انك تسكنين بالعليا عندهم لمن يرجع
وسعد يبي يودي الشنط هناك
تحكم فهد بترتيبات عودتي دون استشارتي يغضب من كان بقلبه فراغ من هموم
أما المثخن مثلي بجراح تتسلسل بتسارع مجهد
ليس له إلا القبول
رأيت سعد
هل هو من إنهاك السفر
كم صار يشبه نياز
فيه منه شيء ما
عطل لغة الأجناس والألوان
رد سلامي وقال :
فطومه عندكم بالبيت
تحراتس
الطريق الطويل من المطار لبيت النسيم كان فرصة ليبلغني عبد العزيز بخطوبته
وقال باقتضاب :
قررت أتزوج
أكيد أمي قالت لك
خطبتها أمس
وأبي أجيبها اليوم تتعرفون على بعض
عبد العزيز
أيها المحمل بالتغريب
ما كانت الأمور بجزيرتنا المسكونة بالهوادج
وقوافل العرائس
والخاطبات
وصناعة الأسر الصغيرة من توافق الألقاب
تتحمل اتحاد اختيار قلب لا يسمع إلا دقاته
أصم عن أناشيد القبيلة
يطربه فضاء التحليق
مغادرا القطيع
الذي كان منذ عصورمضت سرب يطير
قلت له :
يعني نبي نشوفها اليوم
وش اسمها
ابتسم رغم مصابنا بيوسف
فالجميع يعاتبه ويصادر قراره
وجد باهتمامي بها شيء من التغيير
قال :
أومبر
قلت باستغراب :
يعني كهرمان
قال بمفرداته البخيلة:
فعلا
هي مثل اسمها
لمن تشوفينها
اخذ يهز يده عاجزا عن إيجاد الكلمة
وقال :
شوية
فقلت مصححة ضعف التعبير :
وش شوية
قصدك نادرة
فرح وقال :
صح
ومع
اخذ يدعك يديه بالهواء وقال بعد جهد :
مع الاحتكاك
قال بصرخة إنقاذ:
أي احتكاك
يمكن التعامل
أعجبه أن أساعده في وصفها فأكمل :
داخلها يبدأ
وأخذ يفتح أصابعه ويغلقها ويقول :
يولع
فقلت بمساندة :
قصدك يشع
صرخ :
صح
قلت له :
شوقتني أتعرف عليها
أخذت اردد الجملة
أول مشترك بين وبين الأخ الكبير
كهرمان نادرة بباطن مشع تبرزه خطوب الدهر
ارجع رأسه للوراء وقال :
الله ميثى
لو تكتبين شعر
تصيرين خطيرة
أخي
كثير الذي تجهله عني
فكرة
التهمت باقي الوقت
في بيتنا
بكيت في أحضان أمي
انحراف يوسف
ذكريات لندن
غرابة فهد
الهائي بالتجول مع موظفة و حارس
وكيف جمعني بالعشيقة
وعطائه السخي من السجائر
قالت وكأن الأفلاك لا تدور إلا بمحورها :
شفتي وش سوى عبد العزيز فينا
لا ويبي يدخلها علينا بعد شوي
كفكفت دموعي وتعاليت على ألآمي وقلت :
خلاص يمه
احمدي الله انه طيب وبخير
شوفي يوسف
المسكين
ما ودك يصير لك أحفاد شقر
وإلا عاجبتكم ها الخلق
وأشرت على أولاد منيرة
لتصفع يدي بقوة وهي تقول :
اجل عيالي ما مهب عاجبينك
نشوف ذريك من فهد
وتأخذني بعناق عنيف
تتدخل فطومه كأنها تفصل بين متصارعين بمزاح :
بس يا جماعة يسد
تراكم ما بقيتو لي شي
دوري
لقاء فطومه مختلف
تبقى الصديقة تشعل الفرح برماد النفس
بانتظار خطيبة عبد العزيز ذهبنا لغرفتي
كانت فطومه متشوقة لأحاديث شهر العسل
من اجلها فرطت بالهدية الوحيدة القادمة معي
شكولاتة المطار
وتركتها لأولاد أختي منيره
في غرفتي الوفية الباقية على حالها من أسابيع ثلاثة ماضية
جلسنا على السرير
كما كنت اجلس مع يوسف لساعات
اختنقت بعبرات افتقاده
لتستحثني فطومه بقولها :
ها هاتي مما عندتس
من ذوليتس العلوم
قلت لأغيظها :
ليالي لندن
ما تنحكي حبوو
لازم تنشاف
ضحكت ورمتني بالمخدة التي تتطاير منها غبار الرياض المتراكم بضراوة وقالت :
والله و كدينا خير
اجل حبوو
يا حسافة عرس خدوج اللي ضاع عشانتس
كرهت أن تستمر فطومه بمرافقة خدوج وقلت :
أنت الى الحين تروحين معاها
و شلون ترضين طقاقة جامعية
فطومه
لازم تدورين على شغل أحسن
قالت بضيق :
صدق من عاشر القوم
يا حرم ولد الوزير
أنا لاقيه وعايفه
وبعدين عادي
طقاقة جامعية
أحسن من دول الجوار
رقاصة بالدكتوراه
بس تصدقين مدام هم اللي يدرسونا
يمكن نتقدم ونوصل لمستواهم الحضاري
ضحكت من تعليق فطومه
وحزنت أن طريق الدراسة المضني يقود لمنصات الأفراح
نادى عبد العزيز معلنا قدومه :
ميثى ترا سعد جا يستناك
وتعالي تعرفي بأومبر
لتعقب فطومه على اختيار عبد العزيز لخطيبته :
قضن بنات السعودية عشان يضيق صدر أمه بها الخواجية
صدق أنكم عيلة عاهات
أغلقت الباب ورائي وان أقول لها :
هذي حرية شخصية
في طريقي للصالة سمعت صراخ أمي الحاد :
جايب لنا أمريكية
وقلنا الشكوى لله
بس تصير سوداء
لا
أنت خبل
مهبول
وش ناقصك تزوج
عبده
عبده
يا حظي
التفت للوراء
حيث غرفتي و فطومه
هل سمعت
كيف يا صيته
تبدعين بالجلد بسياط آلمتك
و تسقين سم الطبقية الزعاف لغيرك
تستمر أمي بالانتقاص من خطيبة عبد العزيز :
تكرونيه
وان اللي شاده بك الراس
واقول يبي يعزن ها الولد
هنا رأيت فطومه تهرب من بيتنا بعبايتها التي لم تحسن ارتدائها
ناديتها :
فطومه
فطومه
لم ترد
أكملت طريقي للصالة
توجهت لأمي وقلت لها بحرقة :
عمري ما طلبت منك شيء
بس لا تأخذين من القليل اللي عندي
جرحتي فطومه بليا إحساس
كانت أومبر بشعرها الطويل المتموج وجسمها الرشيق الفاتن تعاتب عبد العزيز بالانجليزية بعقلانية:
لماذا لم تخبرهم أنني سوداء
كيف تضعني بهذا الموقف المحرج
أشفقت على عبد العزيز المتخبط بين غضب أمه وخطيبته
ما كان لونها يشكل فرق
السواد الذي يرفض هنا ما اصطدمت به عيناه
فأغفل تفصيل صغير
قلت لأومبر لأهدئها :
عزيزتي
وصفك لي بكلمات متقاطعة
نادرة
تشع
مع الزمن
روى عنك ما يراه فيك
لا تلوميه
بما لا يراه
تابعت صيتة نوبة القهر وقالت :
إن جان شي فهو منك يا عبد العزيز
تحرم على ضحيك وعشاك
هنا تدخلت منيرة مقاطعة بإيمانها القادر على التعامل مع عقل صيته وقالت:
استغفري يمه
من لك إلا عبد العزيز
وبعدين
يمكن تسلم ونكسب فيها اجر
وكأن خلاف صيته معها الكفر
يجب أن اخرج لمصالحة فطومه الحانقة
صافحت أومبر مودعه
وتركتها مع عبد العزيز
يواجهان مصير من رفض
في السيارة كانت فطومه تبكي
دون كلمة
وذهبت محاولاتي للتخفيف عنها سدى
وصلت لقصر العليا مرهقة من يوم فاق الأربع والعشرين ساعة
ما كان فيه إلا الخدم
فالرياض بموسم أعراس
والجوهرة و ميساء في فرح احد المعارف
توجهت لجناح فهد الموجوع مثلي من غيابه
ونمت
استيقظت مبكرا على صوت العمل بالحديقة
كان عمي عثمان الذي يهوى العناية بالنخيل يرشد المزارعين
فتواجده الصباحي المبكر نادر أن أدركه فيما مضى
أسرعت لأقابله واسأله عن يوسف
رحب بي و استنكر عودتي بقولة :
الله يهديك يا ميثى
تخلين رجلك
وشوا عشانه
يوسف بالمستشفى
والمقدر حصل
قلت بتعجل :
يعني ما اقدر أزوره
قال وهو يفكر بألم :
يوسف متورط بقضية
ما راح ينجيه منها
إلا
صمت مرتهبا ليتابع :
الموت
كلمات عمي القوية بدون مواربة أصابتني بالدوار
جلست على المقعد البارد
قال متندما على صراحته المؤثرة :
إلا ما عجبتك لندن
يا الجوهرة تموت فيها
نظر للبعيد يستحضر سنين مضت
وأكمل :
بعد ما رزقنا الله بفهد
مسكت الوزارة
وانشغلت عنها
وما كتب الله إن يجي احد يوسع صدرها مع فهد
فصارت تقريبا من أهل لندن
تأخذ فهد معها وتروح عند القرابة والجماعة هناك
ولا قلت وش لاقيه فيها
قالت
فطور المروش
مع إني ذقته
ما هنا زود
ما رجعها للسعودية إلا دخول فهد المدرسة
ثمن جا أيمن وعقبه ميساء
ونسيت لندن شوي
قصة مملة وان كانت بطلتها زوجته الحبيبة
ما استمتعت بذكريات لا تخصني
ولا استنتجت منها حل لغز يثيرني
صعدت لغرفتي
وعدت للنوم فلا أمل بلقاء يوسف
في العصر
حادثتني أمي بثورة من اثر البارحة بوجوب زيارتي لبيت عمي
لا أريد
أن اذهب لمزار يوسف الغائب
ولكن الاطمئنان على مزنه يغري
طلبت من سعد أن يجهز السيارة
رأيت الجوهرة زوجة عمي بالصالون الصغير
بلا قبلة ولا مصافحة
بوداع جاف :
أنا ما اعرف ليش خربتي على فهد وجيتي
كنك بتسوين شي
قلت لها بأسلوب مشابه :
أنا رايحة ازور بيت عمي
عن أذنك
في الطريق إلى السويدي ارتبت بسعد
لم يعد الماكس
بل مفتعل
غابت تلقائيته
ماذا حدث له بغيابي
في بيت السويدي كانت الحفاوة بي مهزلة
يخدمني من كان تجاهل أوامرهم لي مقصلة
يتسارعون للترحيب بي
بمقدمتهم عمي عبد الرحمن
الذي أصر أن يوسف أوقع به من متواطئين
لتوريط اسم العائلة الفاضلة
وإلا كيف لأولاده أن يتاجروا بالحرام
متيقنا من حلال كل ما يصدر من هذا البيت
كلامه بلسما مخدرا لكبريائه
ولقلب ام يوسف الملتاع
سألت عن مزنه
قالت هيله وهي تنظر لنقش السجادة المتنافس مع بقع الأطفال :
بالمطبخ تقشر القرع للعشاء
تقاعدت
وتساعدنا
ماذا
ركضت بهلع
للمطبخ
كانت هناك
بشعر أشعث وعيون زائغة وملابس قذرة
مغيبة عن ما حولها
بسكين حادة تعمل على قرعة كبيرة بهمة وتقطعها لمكعبات صغيرة
لا ترفع رأسها
أسرع احد الأطفال ليشد من جوارها بشقاوة من يهوى الإيذاء
مجموعة من الأقمشة والطرح القديمة ملفوفة كطفل رضيع
لتصرخ بصوت مفزع
بشويش
بشويش
فيضحك الأطفال المتجمعين لرؤية المشهد المنتظر
و يتفرقون بعيدا عنها
متوعدين بإعادة الكرة
بهلوسة تعيد الطفل الخيالي لنومه
وتهدهده بصوت حاني
بشويش
بشويش
نفس الكلمة بنغمات متناقضة
ثم تعود للسكين
وضعت يدي حول رأسي
كيف وصلت مزنه لهذا التدهور
كانت هيلة من خلفي تصف حالها :
مزنه بعد الانهيار
ما رجعت صاحية
تسمي الخرق ولد
وترعاها كأنها بزر
واللي يقربها تصرخ فيه
وما تنطق إلا
بشويش
مزنه
اختزلت كل المعارف وأثار الأمم
لرجاء بائس
بشويش
يا صخب الواقع
محصلة اللغات الحية والمندثرة بعقل الدكتورة مزنه القادر
|