الفصل الثالث عشر
أوجــــــاع متــــــرفــة
استنجدت أمي بأخي عبد العزيز بعد أن شتتها نزاع العمالقة
قائلة :
عبد العزيز
وش تبارك عليه أم فهد
ردت زوجة عمي الجوهرة بصوت ساخر :
يعنى ما تدرين إن فهد وأبوه خطبوا ميثى من عبد العزيز وعمها عبد الرحمن اليوم بعد المغرب
ما التفت أمي للجوهرة وظل وجهها معلق بابنها تلتمس كلمة
فقال :
إيه يا يمه مثل ما قالت زوجة عمي
فهد خطب ميثى
و عمي عبد الرحمن قال لا زم نستشيرها
وفهد جا معي يبي يسمع رأيها بنفسه
هل تخشى يا فهد من تحوير لجواب اليتيمة
أم جئت منقذا على غير ميعاد من زيارة أمك الجوهرة وأخيك أيمن
قالت أمي بإباء :
فهد يا ولدي
محنا من مواخيذكم ولا انتم منا
حتى أمك ما هيب اللي راضيه
والزواج أساسة اتفاق
واللي مر علي
جعله ما يمر على بنتي
لماذا نتذكر أخطاء الماضي
لئلا تعود
إجابة خاطئة
لعلها تئود
لم تستشيرني أمي
تحدثت بتأثر لتنفى عن نفسها السعي وراء أولاد الجوهرة
رغم ذلك كان فهد يصورني بالجوال بحركة خفية لمحتها وغابت عن الجميع
ابتسم وقال :
خالتي أم عبد العزيز
أمي ما كانت تدري وش ذوقي
الحين عرفت وش أبي
واني اخترت ميثى
وهذها باركت لك حتى قبل ما تسمع رد ميثى
اللي أنا ودي اسمعه
طالت وقفتا في مدخل البيت
وكان أخي عبد العزيز ينظر لساعته متبرما من تأخره على مباراة التنس الأرضي مع رفاقه بالكمبواند المجمع السكني للأجانب
ومنيرة ضاقت من بقائها داخل حمام الرجال لتختبئ من أولاد عمها
قلت وأنا أتابع أصابع فهد التي تصور للمرة الثانية لأهرب من نظرة الجوهرة القاتلة :
أنا موافقة
هنا رمت الجوهرة بطرحتها على وجهها لتخفي خيبتها وقالت :
تأخرت على أيمن
فمان الله
بتهكم قال فهد :
إلا مدام كلنا مجتمعين خل نتفق على الترتيبات مرة واحدة
وأيمن اكلمه
أنا أوصلك
بالفعل حادثه بجواله بجمود وأمر :
أيمن
تقدر تروح أنا أجيب أمي معي
كثير هذا
الأمر الواقع
جاءت الجوهرة لتدفن بيدها مشروع زواج إذا بها تناقش تفاصيله بمجلس صيتة الصاقود
كشفت الجوهرة غطاء وجهها لتصرخ بضيق :
فهد
زواج ميساء بعد شهرين
أني ما لي حيل زواج ثاني من قريب
إذا كنت مصمم
خل زواجك بعد إجازة الصيف
لا تدري الجوهرة كم هي الأيام ثمينة على فهد
قال بتحدي:
إلا وش رأيكم زواجنا يكون قبل
اعتقد أن الجوهرة عجزت عن الوقوف من هول ما سمعت فدخلت لمجلس الرجال المظلم شبه منهارة
لتقوم أمي بإضاءة الأنوار
وتأمرني بتجهيز القهوة
ويتبعها فهد للداخل وعبد العزيز المحبط بإضاعة مباراة الليلة لقاء شكليات زواج أخته المفاجئ
خرجت منيرة بسرعة من مخبئاها
وسحبتني من يدي لتقول معاتبه :
يا لئيمه
و ساكتة
بسرعة تعالي ساعدني نجهز القهوة
قلت متهربة :
خليني اسمع وش يقولون
بضيق شدتني من قميصي ليزداد قصرا قائلة :
بلاك ما شفتي شكلك وش لون
نظرت للمرآة
وضحكت
عروس بقميص يكاد يصل للركبة وشعر متطاير تحمل ألواح الشوكلاته ببلاهة
ما ذا أعجب فهد بفوضوية كهذه ليصورها
أكيد
يريد ممازحتي
جهزنا القهوة
ثم الشاي
وأنا ومنيرة ننتظر أي أخبار من عبد العزيز القليل الحديث بطبعه فكيف إذا أغضبه غيابه عن رفاقه فكان يكرر كل ما نراه بمشاوير توصيل الضيافة لمجلس الرجال :
الحين تجي أمي وتعلمكم بكل شيء
هل تأخر زوار بيتنا
أم أن التطلع يكسب الساعات مطاطية
فشل البحث عن حل لغز مطعم مروش لندن أن يستهلكها
أخيرا سمعنا جمل الوداع
لتدخل أمي بغضب المؤدب
وتشد شعري بعنف
وتقول :
بنات آخر زمن
عارفه وساكتة وأنا وأختك نقول وش يبون بعبد العزيز
وتقولين للرجال موافقة قدام أمه بفهاره
وما تستشيرين احد
ليتدخل عبد العزيز بمسؤولية الأخ الكبير
مربتا على كتف أمي ليهدئها بقوله :
خلاص يا يمه
هذا حياتها وهي واعية ومن حقها تقرر وش تبي
كنت اقرب جسمي من يد أمي لأخفف من الم شد شعري لكني أحسست أن عبد العزيز يخالط دفاعه عني نغمة شخصية
كم تسمع أمي من عبد العزيز الولد
قالت بصوت غاضب وهي تسحب يدها من شعري :
أنا خايفه عليها بس
هذولا مهب بس بيت القادر
الجوهرة وأهلها
رد عبد العزيز وهو يحمل حقيبة مضربه وكرات التنس :
لا تخافين
فهد مهب سهل
مرعب
أنتي شفتي
و شلون أمه تهابه
أنا أبي أروح علمي البنات بكل شي
نظر لي وبحركة توعد من يده قال :
فهد
هو اللي يبي يربيك صح
يا ويلك
وراح دون كلمة مبروك
عبد العزيز الساذج
أتظن انك تعرف فهد أكثر مني
أتهددني بالطيوب
أكملت أمي الحديث لمنيرة لغضبها مني :
ابد
يبي الملكة بكرة الاثنين
والزواج عقب ثلاثة أسابيع
إذا خلصت ميثى الجامعة
عشان يروحون شهر عسل على قولتهم قبل زواج ميساء
جاوبتها منيرة لأنني كنت منفية عن عالم رضاها :
مهب الجوهرة تقول ما لي حيل عرس الحين
قالت أمي وهي تنظر لي بطرف عينها :
صجتنا بها السالفة
بس فهد قال إذا ما عندنا مانع يبي يسوي حفل رجال كبير بحدا الفنادق
وزواج عائلي بالاستراحة
وما يبي منها شي
قالت لي منيرة باندفاع وهي تحاول أن تشد شعري بدورها :
يعنى مرتبه معه كل الأمور
ماذا أقول
هربت لغرفتي راكضة وأغلقت الباب بالمفتاح وأنا اضحك واصرخ لتسمعني:
الله يبارك فيكم
تعتذر حرم الشيخ فهد القادر عن استقبال الزوار المهنئين اليوم
أخذت منيرة تطرق الباب بيدها وهي تضحك بفرحة من عثر على اللعب بعد سنين وتقول :
طيب يا ميثى اوريك
و بعد لحظات سمعتها تغرق مع أمي بحديث سعيد متواصل عن زواج ميثى
لماذا كل الحزن يتبع أعذب الضحكات
بعد نوبة المرح
أحسست بثقل حزن جارف في نفسي
هل لأن فرحي يدق أجراس رحيل فهد
أم لرؤيتي أيمن غازيا بيتنا ليصد أطماع ميثى المرتزقة وقلبه تحت نعل حذائه
ربما لنداء الساري الذي أحسه بداخلي
فنظرت للاب توب
كان مرسول علاقتنا في بدايتها
الآن
فتحت شباك غرفتي لأنظر للبدر
أيقنت انه وجه الساري ينظر له مثلي
لا تسل كيف
انه الإيمان
ما كانت كلمات تلك التي تبادلتها معه
بل رسائل خارج نطاق خدمة المادة حملتها كل محنتي
واستقبلت أخرى منه مخطوطة على صفحة القمر
فيها مشاعر مشابهه
كلانا يمر بمرحلة مصيرية
الآن
معا
في مشوار الجامعة بالغد مع سعد كان مكفهرا صامتا
لم يقول كلمة
خفت أن اسأله سبب التقلبات المزاجية وفضلت أن اعتادها
وفي الجامعة كانت فطومه بنفس الحالة ولكنني سألتها :
وش فيك
قالت بغضب :
ما تدرين يعني
أنت تقتلين القتيل وتمشين بجنازته
رديت بتعجب :
أوف أي قتيل
قالت وهي تكاد تبكي :
بلاه مهب وجهتس اللي طاح و قعدتي تلقطينه فتفوته فتفوته
أبز برويحتي وأقول لسعد عقب ما نزلناتس أمس
انعم الله عليك على الفلافل
يقوم يقول ليش ميثى عطتس إياها
أكيد مهب من مقامها
وعليها
ركب فيس الزعل لما وصلنا
الحين أقول احلفي
وتكذبين
قلت وكأنني فهمت كيف نسئ لغيرنا بعنجهية الأنا :
أنا ما قلت أنها لك
قلت من سعد
أسفه
عاد
فوتيها
حقك علي
قالت وهي المتسامحة :
لا مهب مسألة حقوق بس أنا كنت فرحانة انه تذكرني بشي
طلع إنذار كاذب
قلت وأنا أكمل اعتذاري لها :
شوفي يا الغالية أنتي أول معزومة على عرسي عقب ثلاث أسابيع
قالت بدهشة :
وش ذا العجلة
وش و راكم
ومتى يمديك تجهزين وتستعدين
عرس ذا مهب لعب
قبل أن أرد عليها كلمتنى ابنة عمي مزنه
رديت عليها
أكيد تريد أن تبارك لي بالخطوبة
كما توقعت
قالت بصوت ضعيف :
مبروك ميثى ما سمعت
الله يوفقك
وأنهت المكالمة بسرعة
كأنها تحاول أن تلحق بمغادر
قطار
ربما
ابتسمت
أخيرا ستدرك مزنه نداء ركوب في حياة هي سلسلة من محطات ضائعة
أكيد في هذه اللحظة هناك ما سيرحل وسترافقه مزنه
سمعت ذلك بصوتها الموادع
أكملت حديثي مع فطومه وقلت :
أي تجهيز
الزواج عائلي
وبعدين ..
قاطعتنا مكالمة أخرى من فهد
ليقول :
ها أش أخبارك بعد مواجهة أمس
قلت وأنا انظر لوجهه فطومه الذي بدأ يعبس من انهمار مكالمات الجوال:
تمام
أنت حطتيني بموقف
أمي إلى اليوم زعلانه مني
على بالها متفقه معاك على كل الترتيبات
قال بجديه :
المهم النتائج
أديني رقم حسابك عشان ادخل في المهر
ما أبي أعطيه العم عبد الرحمن
لا ادري
هنا
سمعت فطومه بشفاه مطبقة تقول جملتها
عرس ذا مهب لعب
قلت له محرجة من تفاصيل ما خطرت ببالي :
ما في داعي
خليه عندك
ليقول وهو يحاول أن يتجاوب مع تفاهة المجاملات :
ميثى
رقم حسابك
وترا الشي اللي يزعلني منك هو استهتارك بحقوقك
قلت له بعد أن انتشر بجسمي رعشة :
خلاص أرسله لك مسج
قال :
بسرعة
وجهزي نفسك بكرا العصر أمر عليك
سكت قليلا ليقول :
يا عروسه
كلمة جعلتني بحالة الجوهرة البارحة
ابحث عن مقعد يعيد لجسمي تماسكه لأبحث عن بطاقة البنك بمحفظتي
فهد
لماذا تقتلني بأمنية البنات
لماذا ترتيبات زواجنا كأنها لعنة
ألا لأنه خالي من الحب
ما كان مكونا رئيسيا بكل وصفات الزواج هنا
أم لأن عبد الله كان عريس كل خيالات الأفراح التي مرت ببالي إلى شهر مضى
صار ماضي
ماذا سيتغير في الليلة
بعد أن أصبح حرم فهد القادر
انتظرت لأرى
وجاء وقت النوم
وما ازددت
إلا رسالة بالجوال من عبد الله بكلمة وحيده
مبروك
ومليون ريال مودعة بالحساب
في الغد
جلست بجواره فهد بسيارته المنطلقة باتجاه شارع الستين
وأنا امسح بمنديلي الورقي من تحت غطاء الوجه ألوان منيرة الكثيفة من على وجهي التي أصرت أن أتزين بها
نظرت له
هل أنا زوجته
الورقة التي كتبت بالأمس ما أثرت بداخلي بقدر ما أبقت حبر البصمة المطلوبة على إبهامي
كان طلال مداح يغني بتسجيل قديم
مقادير
يا قلبي العناء
مقادير
وش ذنبي أنا
أحسست بدمعتي تسهل عمل منديلي الجاف برطوبة الأسى
قال بعملية المدير :
شيكتي على الحساب
قلت بخبث :
ليش نزلت المكافأة
ابتسم بصمت
لماذا اسمع صوت أيمن المترفع يردد
إن بروبر واي
زواج كما يجب أن تكون الصفقة
رفعت صوت الاستيريو لعل عذوبة الأغنية تطرد أيمن من بيننا
وأخذت العب بأصابعي بقلق
خفض فهد صوت الاستيريو برد فعل سريع
وقال بقسوة زاد من حدتها رقة صوت طلال:
لا تصرين مزعجة
ميثى
أنت الحين مدام فهد عثمان القادر
البنت اللي صورتها قبل أمس بجوالي هربانه من عالم الصغار
أتسكر الباب عليها
خرجت ولن تعد
و انحبست بدنيا الكبار
أنا أحب مزحك وأموت بشقاوتك
بس لي
قدام الناس من ها اللحظة
أبي ليدي راقية
سيدة مجتمع
خليني أكون فخور باختياري لك
ايش اللعب بأصابعك هذا
فكرت
هل شعر فهد بالندم
بعد رفض الزواج سنين أكون أنا ببساطتي زوجته
يتطلع الكل ليعرف من اختار العازب الأول
فهد
وان كان الابن الضال
المتحرر
إلا إن روحه مشبعة بمعايير بيئته الطبقية
قبل الزواج
أرادني مرافقة برحلة الخوف إلى الموت
والآن
يشترط الرقي
أنت فعلا شخصية مركبة من تناقض
مبادئك الجميلة لا تطالها من قصر قامة وعيك الوراثي
اعتدلت بجلستي متقمصة تعالي الجوهرة
وأخرجت المرآة من حقيبتي
لففت الطرحة على حدود رحبة من وجهي
وأضفت طبقة من الروج الكثيف على شفتي
لمعت عيناي بقسوة الجريح المكابر
وسألت ببرود لأظهر صلابة واهية :
وين نبي نسكن فيه
قال وقد راق له تغير أسلوبي فاندفع بمزيد من التعليمات :
في القصر بجناحي
شركة الديكور راح تجدد الغرفة الرئيسية
ميثى
صاحب محل المجوهرات صديقي
وممكن يكون موجود
فأنا لي مكانتي
وجاي مع عروستي
يعني أكيد عنده تصور بحدود الشراء ونوعيته
عشان كذا
تذكري تصرفات أمي وطريقة اختيارها وتعاملها مع الكل
لا تندفعين
قبل أمس ما عجبتني موافقتك بتهور
لازم تنتبهي لتعابيرك
وتحكمين ذوقك في التصرف
أنتي أحيانا أوفر شوي
وبعد لحظة تذكر قال :
و أيش كمان
إيه
لا تناديني باسمي مجرد ابد قدام الناس
نظرت للبعيد
حسنا يا فهد
بدأت بذبح تلقائيتي فداء لنرجسيتك
وكانت مقادير هي الشاهد
مقادير
أن يكون بيتي
غرفة
في السويدي
غرفة
في العليا
نصيبي من الأرض
غرفة
لتشهد أوجاع عمري
وان كانت
أوجاعي القادمة مترفة
|