الفصل الحادي عشر
الأظـــرف الزرقـــــــاء
للذكريات رائحة
إذا عبر الساري ببالي شممت عطره الفواح الرجولي المميز
رفيق سجني لدقائق بين ملابسه
رأيت من خلال انفراجة صغيرة بين باب الخزانة والجدار
الساري يصافح يوسف ببرود
إذا علاقتهما ليست بصداقة
هل جاء يوسف لإجراء مقابلة صحفية تطبيق لأحد مواد التخرج في كلية الإعلام
وأنا في حيرتي
سلمه يوسف علبة خشبية صغيرة فتحها الساري ليتأكد من محتواها ثم أغلقها بسرعة
وقال :
ناصر
حاسبه
وقال يوسف بامتنان :
جوالاتي عند ناصر
أي ساعة
أنا بالخدمة يا طويل العمر
لم يرد عليه
ليس من تعالي بقدر ما هو من ضيق
رأيت يوسف مكروها لأول مرة بحياتي
يوسف الحبوب
كان في عين الساري مرتزق من الألم
ما رأيت
استلام وتسليم
يقين مبهر أحاول الفرار منه
أريد أن أعطل عقلي عن استنتاج طبيعة حياة يوسف المزدوجة
وأن فهمت
ما الهدف من البحث عن الحقيقة
العثور عليها
إجابة خاطئة
عدم التعثر بها
قال الساري وهو ينهض من سريره و بيجامته الحريرية الزرقاء تنساب على جسمه الرشيق :
سيدة الالغاز
تقتحمين ثكنة التخصصي العسكرية
وتهربين بالخزانة من اثنين هم بأمري
ألتقط روبه السميك من جواري
ولبسه وذهب ليجلس بالقرب من الشباك في مقعد بمساند جانبيه مرتفعه
أجبته وأنا متعلقة بقشة تنقذني من الغرق ببحر واقع يوسف :
قلت يمكن صحفيين
بعدين يكتبون شيء يزعجك
قال بسخرية :
وأنت مصدقة إن الصحافة هنا سلطة رابعة
هم ما يكتبون إلا ما نملي عليه
هذا
هذا مجرد ديلير
قلت بصدمة :
كيف
ديلير
قال وكأنه يحدث نفسه :
سلمى
أنت ضميري
كتبت لك إن المنتدى حراج قصيد
و اشتكيت إني أطارد الشعر بالتعاطي
لك أنت
بس
ليش
ما ادري
أنت معي الحين
كأني مع شي
ماله كيان
بلا جسد
جميله بس ما أشتهيك
أنتي تروين ظمأ مختلف عندي
رغم كل الأنوثة اللي فيك
أحس نفسي أني حر من فحولتي معك
ما أصير ذاك الدون جوان
لك
لمبادئك يا صغيرة
أتقرب
كانسان
أتبرأ من خطاياي
لو تدرين
احتقارك لي
ما قدرت أتحمله
قلت بتأثر أنساني حقيقة يوسف
فالساري يجدني طهرا يريد أن يتقرب منه ليخلق من جديد
و يراني معاير أخلاقية في زمن النفاق
أي عبء هذا !
بعتب قاسي أكمل :
استهتري برسالتي
وبمشاعري
يا سلمى
قلت وأنا أسابقه لا أريد مزيد من التعنيف يكفيني أيمن :
عشان كذا أنا قررت أزورك
أنا ضريتك
بدون قصد
ما توقعت إني لي عندك أي مكانه
وان تعارفنا أكثر من حدث عابر
وبلساني الحاد الذي يخون اللياقة قلت :
وبعدين أنت ما تعرفني
كلها رسائل بمنتدى
وبيع قصيده
قال متفهما وبما يشبه الاعتذار من نفسه قبلي :
أنا لو بكامل وعيي
مستحيل
أتأثر من مراسلة بالنت
محاولتي للانتحار
وأشار إلى العلبة التي أعطاه يوسف وتابع :
تحت تأثير ذا
كل ما تركته رجعت بشغف أكثر
قلت لك بعجزي عن الكتابة كان هو الوحي
أنا أمير
خلاني عبد
صدقت فتوى الشيخ يوسف ما كان رجلا يؤذي نفسه من اجل امرأة
بدا بقضم أظافره لا شعوريا
رأيته يشبهني بالأمس
تعطلت معارف سنين حياته المكتسبة ليعود طفل
فتحت حقيبتي وأعطيته السي دي وقلت :
خذ
هديتي
كل القصايد اللي كتبت
ما أبيها
الحبيب الي كانت له
ألهامي
اكتشفت انه
إدمان هوان و ذل
مثل حالك مع وحيك
بس أنا غيرك
أنا أبي أتعافى منه
أعلن نفسي نقية من بقايا هواه في دمي
بعت قصيده وحده بندم
والحين
ارمي لك باقيه كله بفخر
يمكن تلقى بالسي دي ما يبعدك عن الديلير اللي تو
قال بصوت هادئ ومتعجب :
أنتي ملاكي الحارس
كيف عرفتي
أنا مسافر بعد أسبوع
لفلوريدا للمصحة السرية اللي هناك
بأخذ شعرك معي
يمكن يخليني أواصل العلاج ها المرة
قلت بحماس :
أكيد
أكثر من ثلاثين قصيدة
خلها دليلك
بذور لشعرك
تكبر برعايتك
أكرمها بهدف تحققه
ومهما تأخرت هناك
راح تكون موجود على الساحة هنا
يعنى ما في ضغط يخليك تترك البرنامج
قام من مقعدة الوثير
كاد أن يسقط من الوهن لكنه تماسك
واخذ مني السي دي
هل ابقي يده فوق كفي ثواني أطول
أو أن التوقيت المحلى لجناحه مختلف عن توقيت الرياض
لا ادري
لكني معه هو
يختلف كل شيء
شعوره لي متبادل
ليس برجل يهاب
بل كائن نوراني
وان لمسني
كأني عرفته منذ سنين عتيقة
لا تستوعب معرفتنا أعمارنا القصيرة
بل كأننا من أيام الطوفان
كيف اصطادت الشبكة العنكبوتيه أرواحنا الهائمة بالحياة الصاخبة وقادتنا لبعض
هو الساري وأنا سلمى
أسماء مستعارة
قد يكون
ولكننا اقرب لبعض من حبل الوريد
قال بحرقة من يعرف أن النهاية تلف مشهدا لا يعرض في الحياة إلا مرة :
ومتى أشوفك ثاني
أراسلك على بريد المنتدى
حادثته بصفاء :
لا
بعدك أنا اعتزلت النت
لكن
متأكدة جاي اللقا
بمكان
نكون فيه أنت وأنا
بأسمائنا ارث الأهل
ونحشر الساري وسلمي بين نظراتنا
ومعرفتنا هذي تبي تصير قدام النا س جهل
وان نادوني
تهز راسك
وتقول هي وإلا أنا اشك
بس تبي تعرفني من وجهي المتخفي الحين وراء الغطاء
وتعلن فشل الحجاب بطمس ملامح قادها لبعض القدر
لا كلامي مهب تنجيم ولا دجل
إحساس أنثى
يا ويلك
إذا صدق
سأل بصوت هامس وكان بلورة المستقبل المخيفة الرائقة المشهد قد يعكرها علو الصوت :
ومتى
أعدت حقيبتي على كتفي وقلت :
لا تخطيء
لا تستعجل القادم
يغضب
ويعاقبك بنسيان الوعد
إلى يومها
كن بخير
خرجت من عنده
نظرت للخلف
كان واقفا بيده هديتي الفقيرة الغنية
مذهولا مما قلت
كنت مثله
سمعتني أتحدث وكأن شيء ما تقمصني
تحدث عبري
من لساني وما كنت أنا
أم أنني أول مرة اسمع نفسي
في الطريق الطويل للسيارة
غيرت نغمة جوالى إلى الصمت
مثل ناصر
و رددت أغنية للأطفال بكلماتي الخاصة
عبدالله
كنت أحبه واختار غيري
وأيمن
يحبني وما يبيني
الساري
ما ادري وش اسمه اللي بينه وبيني
وفهد
ما أحبه ولا يحبني ويبيني
هنا
كلمني فهد وكأنه مؤقتا مع دوره بالأغنية
قال بصوت دافئ :
ميثي
أخبارك اليوم
قلت وان أشير بيدي لرشيد ليحضر السيارة من المواقف البعيدة :
بخير
قال باستفزاز :
و شلونك بعد تراب أمس
بغضب قلت :
قاعد تتفرج من الشباك
أنا أنجلد وأنت مبسوط
قال بغموض زاد من صعوبة فهمه ركوبي للسيارة وقت حديثه :
جيت أتدخل
بس حسيت اني أشوفك من بعيد
كأني بالسما
ميثى تحارب تحت بالأرض
عرفت إن هذا مكاني بالجاي من الأيام
وبقيت فوق
عشان يشتد عودك
بغيابي
اكره أن الرد على ما لا افهمه
لكنني قلت غافلة رشيد المتصنت على الحديث :
مبرر سخيف
بس لعلمك عرس عليك منيب معرسة
بين البايع والشاري يفتح الله
وبلا اشتراكية ومشاريع
اللي بخاطرك سوه بشركتك
أخوك هذا مجنون
وأمك
الحمد الله ما تدري عن نواياك و إلا مهب دونه
قال يسبقه ضحكات مرحه :
أجي اليوم بيتكم وتفهمين كل شيء
قلت وان مشتاقة لزيارته الجميلة :
الله يحيك
قال قاصدا عدم الإثقال على أهلي إلا بما يحب :
بس تسوين لى
هذاك
تعرفينه
استمتع بتلعثمه وجهله بأسماء الأطباق الشعبية رغم حبها لها :
أي هذاك فيهم
قال وقد ازداد الأمر صعوبة عليه :
أنا متأكد انك فهمتني
بس تبين تحرجيني
أكثر واحد أحبه في الثلاثة اللي شبه بعض
اللي أقراص مدورة و معاه سوس
قلت لأوفر على نفسي العناء مع بليد :
يا بخت شعبنا بالمحرر
يا بطل من ورق
وما تعرف تقول مطازيز
أنهى مكالمته بوعيد اعرف كذبه :
ابهذلك
بس اشوفك
بسرعة
اتصلت بأمي لأخبرها أن فهد سيتعشى معنا الليلة استغربت :
تونا على موعد الظروف الزرق
فعلا
لم يحين موسم الأظرف الزرقاء
التي يوزعها فهد على نساء الأسرة كل عام
والتي ترتفع لها الأماني في بيت عمي عبد الرحمن
قبل أشهر من موعدها المنتظر
كانت عطاياه كريمة تفرح الأمهات
ويجزل بها لزوجات الغائبين مصعب واسأمه و أوس
إذا جاء فهد
هو جواب لكثير من بكاء طلبا ت الليل
يتسابقن للسلام عليه
وعيونهن تتطلع للمحفظة الجلدية المزينة بشعار شركته ليسلم كل امرأة بيدها مظروف مطبوع عليه اسمها بالكمبيوتر
كم يفرح النساء هنا أن يتعرفن على أسمائهن مكتوبة بلا تبعية على ورق غير بطاقة العائلة ودفتر الأحوال المدنية
غادرت بوابة المستشفى
وكان الخروج مختلفا
سعيدة بإصلاح عواقب شغبي
ومقتولة بواقع يوسف
في الجامعة قالت فطومه :
وش ذا الزين
على البركة يا بيت القادر
كنت أفكر بعمل يوسف الإجرامي
وتعجبت أتبارك أن زاد من أبناء عمي المطلوبين للعدالة واحد :
على ايش تباركين
قالت بحماس مراسل الإنباء :
خايفة من العين يعني
ترا حنا نورث الوظايف مثلكم
الطقاقة بنتها صبابة
والفراشة ولدها بواب
عادي
كم ترهقني فطومه بمتابعة أفكارها المتقطعة :
ممكن
شوي شوي تفهمني
قالت وهي تتحدث ببطء مفتعل :
صديقات بنت عمتس يقولون إن ولد عمتس اللي هو خطيب بنت عمتس تعين ملحق تجاري بفضل الله ثم عمتس اللي يبي بنته تعيش باورنبا
وكلهن يقولن
وهنا صرخت ولوحت بيده وهي تقفز بتقليد مضحك :
ياي ياي يا بختها
قلت وان أتعجب كيف صارت عقود الزواج هي أوراق الترشيح والسير الذاتية لمناصب الدولة :
على فكرة تراها يمكن ما تجي لآخر الترم
قالت فطومة بلمز واضح :
حبيبتي اللي مثلها ما لها دخل بنسبة الحضور
هذولا يا بعدي
محرومين من الحرمان
قلت وأنا ابتسم من اقتناصها الحاذق لتفاوت المعاملة الإدارية بالجامعة:
وش قال سعد ممكن يوصلني
قالت وكأنها ترى هامة سعد أعلى من نخلات عليشه :
والله
سعد شهم
قال ما يخالف
ارتحت فمرافقة سعد هي انتقامي من اللكزس المسلوبة وقلت :
خلاص استناه بكره الساعه ثمان
كان بيتنا بحالة احتفال
قالت أمي أن فهد كلم أخي عبد العزيز واخبره بحضوره على العشاء
بعد مكالمتي لها بدقائق
وتمنى منه أن يري بيت عمي عبد الرحمن عندنا
وان هذا التصرف اغضب عمي
لكنه سيحضر صاغرا
وان أهان مكانته أن يكون الاجتماع في بيتنا الجديد
ووجدت المطبخ ساحة تتنافس فيها النساء الطبخ لفهد
الطعام هنا رسائل المحبة
رفضت أمي أن يقدم المطازيز فقط وان طلبه
عرفت انه سيغضب
ما ذا افعل
لن احرمهن مبادلتك العطاء بالقليل الذي يمتلكن
كانت أول عزيمة لنا
بيت المرحوم عبد الله القادر
هل هذا ما قصد فهد
أن يبث الحياة لأسم رحل للقبر
حضر الجميع
وهربت من أن أصادف يوسف
بعد العشاء طلب فهد أن يقابل النساء كعادته
دخلن للمقلط صالة الطعام متلفعات بالعبايات و شراشف الصلاة
راقبته من بعيد
ما كان ترحيب بلقاء
كأنها مراسيم وداع
تعوذت بالله من الشيطان الرجيم
زجرت نفسي الخبيثة الأمارة بالسوء
اسمعي يقلن له
حياك الله
أغاثنا الطيوب بواصب أظرفه الزرقاء
وعندما نادى اسمي أعطاني ظرف كتب عليها ميثى بخط يده القبيح
ونظر لي وهمس :
ردي علي
بعد مغادرة الضيوف
ركضت لغرفتي هاربة من أعباء العمل ومتشوقة لفتح ظرفي وحساب رصيدي
بعده
وجدت ورقة واحده فقط بخط يده كتب فيها
اعرف خطي شين
بس ظرف السنة يا ميثى غير
ما فيه من ورق الخمس ميه زي الباقيات
لا تزعلين
فيه سر أخصك فيه
يمكن يخليك تبعين الجسد
وتخلين لهم الورق وتأخذين راعيه
ميثى أنا ميت بعد أربع شهور على أقصى تقدير
ورم بالدماغ
أنا خايف
أبيك معي
ياويلك لو تصيحين
عشان كذا بكرت هذي السنة بالظروف الزرق
ظننت إنني بكيت كثيرا في الأسابيع الماضية
لكن هذه الليلة عرفت ومخدتي
ما هو البكاء
|