- جاء رجل إلى الحجاج فقال: إن أخي خرج مع ابن الأشعث فضرب على اسمي في الديوان ومنعت العطاء، وقد هدمت داري. فقال الحجاج: أما سمعت قول الشاعر:
حنـانيك مـن يجـني عليـك وقـد تعـدي الصحـاح مبـارك الجـرب
ولــرب مــأخوذ بــذنب قريبـه ونجــا المقـارف صـاحب الـذنب
فقال الرجل: أيها الأمير، إني سمعت الله يقول غير هذا وقول الله أصدق من هذا. قال: وما قال؟ قال: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ قال: يا غلام أعد اسمه في الديوان وابن داره وأعطه عطاءه، ومر مناديا ينادي: صدق الله وكذب الشاعر.
وقال الهيثم بن عدي، عن ابن عياش: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن ابعث إليّ برأس أسلم بن عبد البكري؛ لما بلغني عنه فأحضره الحجاج، فقال: أيها الأمير، أنت الشاهد وأمير المؤمنين الغائب، وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وما بلغه عني فباطل، وإني أعول أربعة وعشرين امرأة ما لهن كاسب غيري وهن بالباب. فأمر الحجاج بإحضارهن، فلما حضرن جعلت هذه تقول: أنا خالته. وهذه: أنا عمته. وهذه: أنا أخته. وهذه: أنا ابنته. وهذه: أنا زوجته. وتقدمت إليه جارية فوق الثمان ودون العشرة فقال لها الحجاج: من أنت؟ فقالت: أنا ابنته. ثم قالت: أصلح الله الأمير وجثت على ركبتيها وقالت:
أحجــاج لـم تشـهد مقـام بناتـه وعماتــه يندبنــه الليـل أجمعـا
أحجــاج كـم تقتـل بـه إن قتلتـه ثمانــا وعشـرا واثنتيـن وأربعـا
أحجــاج مـن هـذا يقـوم مقامـه علينـا فمهـلا إن تزدنـا تضعضعـا
أحجــاج إمــا أن تجــود نعمـة علينــا وإمــا أن تقتلنــا معــا
قال: فبكى الحجاج، وقال: والله لا أعنت عليكن ولا زدتكن تضعضعا، ثم كتب إلى عبد الملك بما قال الرجل وبما قالت ابنته هذه فكتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بإطلاقه وحسن صلته، وبالإحسان إلى هذه الجارية وتفقدها في كل وقت. وقيل: إن الحجاج خطب يوما فقال: أيها الناس، الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله فقام إليه رجل فقال له: ويحك يا حجاج ما أصفق وجهك وأقل حياءك تفعل ما تفعل وتقول مثل هذا الكلام؟ خبت وضل سعيك. فقال للحرس: خذوه. فلما فرغ من خطبته قال له: ما الذي جرأك علي؟ فقال: ويحك يا حجاج أنت تجترئ على الله ولا أجترئ أنا عليك! ومن أنت حتى لا أجترئ عليك وأنت تجترئ على الله رب العالمين؟ فقال: خلوا سبيله. فأطلق.
|