و الله يـ حبوبه مـ أعرف اذا الروايه حقيقه و لا لأ
بس بقولك أنه دراسه الطب متعبـه
و إذا أمنيتكي أنك تدخلي الطـب و عندك آردة
لا تخلي شئ يـوقف قدام مستقبلـك
( الجزء الثاني )
بسم الله الرحمن الرحيم
هاهي رسالتي المتقطعة .. من سواد القلب الكالح .. تتدفق بسخونة ما بعد الاحتراق ..
رسالة كبقية الرسائل .. مملوءة بالآلام والأحزان .. مطعمة بالأوجاع .. مرصعة بالبؤس ..
مزركشة بالأشجان ..مصفدة بالتعب والإرهاق..
رسالة من حلكة الأثقال .. تخترقها سهام اللامبالاة والإهمال .. فتلقي بها جثة ماتت قبل أن تموت ..
هاهي رسالتي من بيت الموتى .. كما راق لأديب روسي أن يسمي مُبدعته ..
واسمحي لي يا ميادة أن أقول .. أن ما بي قد طمس بمادة كاوية كل أفراحي ..
فما استطاع تفكيري في أن أكتب إليك من أن ينسيني .. أو يزيل غمامة الحزن الجاثمة فوق أنفاسي ..
اعذريني يا حبيبتي على ذلك .. فللموت في شفتي الآن طعم أحلى من السكر .. ونكهة أروع من الليمون ..
وسأبدأ لأسرد لك سلاسل الألم التي تقيدني بحلقاتها الملعونة ..
إنها سلاسل الطب ..
ما كان الطب طريقي يا حبيبتي ..
ما كان أبداً ..
الطب دوامة فائقة .. تنتشلك من كيانك .. حتى لتكاد تحس بعمودك الفقري يخرج من القفص الصدري ..
الطب هو يوم لا يبدأ حتى ينتهي ..
يبدأ بافتراض أن تذاكر بعد صلاة الفجر ..
وهو الأمر الغير ممكن .. لا بسبب ال**ل .. وإنما كي لا تستنزف طاقتك
التي تتلاشى تحت وطأة التفكير شيئاً فشيئاً ..
ثم تنطلق إلى الجامعة .. حيث تقوم بجمع ما تجمع من مواضيع للمذاكرة .. وابتياع المذكرات .. والأوراق الخارجية ..
لينتهي نصف يومك تقريباً ..
فلا تلبث بعد عودتك أن تنام ما لا يكفي أن يعيد تركيزك إلى قدرته على الاستمرار ..
أو حتى لأن تكون واعياً لما يجري في الكون ..
وبعد هذا كله .. تبدأ بممارسة حياتك كطالب أو كطالبة ..طب ..
تبدأ بالبحث عما أُخبرت عنه في محاضرتك .. ثم تباشر الحفظ .. ذلك النوع من الحفظ
الذي لا يلبث أن يزول كما تزول كثبان الرمل مع عاصفة هوجاء ..
صدقي حتى وقت فراغك لا تهنأين به .. تحسين بوخز الضمير الفاتك .. وصوت يصرخ في كيانك .. يزلزل أركانك .. أن هذه الوقت ليس ملكك .. بل ملك كتبك .. ملك المذاكرة .. ملك الطب ..
ليس هذا فحسب .. بل إنك تحاسبين نفسك أيام الأجازات ..
فما عاد الأربعاء أربعاءً .. ولا عاد للخميس نكهة ولا رونق ..
صدقي أني أتعب كثيراً .. نفسياً وصحياً ..ورغم ذلك لا أحس بالرضا عن نفسي ..
أحس أنه ينبغي أن أعمل أكثر ..أرى الكثيرين ممن يعملون بجهد أكبر
.. فأحس أني أريد أن .. أبكي بقهر ..
أن أبكي كعجز .. واستسلام ..
وتحسين وقتها بطعم مر وحامض في لسانك .. وتمتليء الدماء في وجهك ..
وتسكبين تنهيدة أخيرة بعد الدموع .. يخرج مع لظاها بخار الدم المحترق ..
ثم ..
و ببطء ..
تذوبين رويداً رويداً .. كشمعة تنزف كيانها حتى يفنى ..
وتعودين كل يوم .. فتجمعين ما بقي من شمعة متحللة .. وتشعلينها مع أول صفحة تذاكرينها في كتاب الطب العظيم .. لتذوب مرة أخرى .. وأنت كل مرة تضعين فتيل الطموح .. وفتيل الإصرار ..
وفتيل الرغبة في النجاح .. وفتيل المحاولة .. وفتيل الحلم والأماني ..
أما علمت يا حبيبتي أن هذه الحلقات .. هي إحدى سلاسل الجحيم ..
أما أحست أن لها حسك يقطر منه السم ..
صدقي أن أنفاسك تتقطع .. وأنك تختنقين وأنت تتنفسين أرقى العطور ..
ها أنا أضع صدري على طاولتي ..على مذبح رهيب .. تناثرت على جنباته وسائل التعذيب بأنواعها ..
كتب .. أقلام .. دفاتر .. ورسوم بيانية .. ومحددات .. وأوراق لاصقة ..
ونفس كئيب .. وجو مكتوم .. ورائحة مشبعة بالمهام الغير منجزة .. تنتظر دورها في طابور المذاكرة ..
حتى كلماتي هذه محسوبة علي .. حتى رسالتي هذه .. تمنعني الدراسة من كتابتها
.. لا لأنها تأخذ وقتاً ..
فأنا أستطيع أن أكتبها في عشر دقائق الراحة التي أجعلها بين ساعات المذاكرة ..
وإنما لأنها متخمة بالرسائل السلبية كما يروق لأساتذة البرمجة اللغوية العصبية أن يسموها ..
مليئة بالإشارات التي لا تمت للإيجابية بصلة أو منطق ..
أتمنى أن أموت .. كي أتخلص من الأوجاع .. فلا أنا بحي .. ولا أنا بميت ..
كل يوم أبدأ بعزم وصدق ..لكني أنتهي بألم يعصرني في نهايته ..
إما لأن الحياة النصف آدمية التي أحياها .. لا تتحمل جدولي القاتل .. المليء بمشاريع المذاكرة وتفاصيلها ..
وإما لأن الوقت الذي أخصصه لعمل ما .. لا يكفي .. فيطغى على بقية الأعمال ..
رغم أني يا حبيبتي أحاول أن أقدر كل شيء بحجمه ..
لا أدري كم سأستمر على الصمود .. فجدران قلعتي قد امتلأت بالشقوق ..
وقد تهدم الكثير من زواياها ..
وقد عم الخراب ببابها وأسوارها ..
هاهو الحمض بدأ بالصعود إلى فمي .. بعد أن ملأ أحشائي ..
وهاهي يداي ترتعد في مرض ..
وهاهي عيناي تفتحان على اتساعهما من الألم .. لترى الدنيا باهتة .. غير واضحة المعالم ..
وتفكير ينشل .. فلا أغدو دارياً عن الوجود من حولي ..
نغم حزين .. وصوت آهات تردد صداها الموحش في تجويف صدري .. وصور لأشخاص أعرفهم ..
تمر في ذهن متعب .. مكدود .. مملوء بالهموم .. صور محروقة الأطراف
.. مهترئة .. باهتة الملامح .. لا تلبث أن تختفي حالما تظهر ..
تحسين أن الناس يتحركون من حولك بالحركة البطيئة .. تسمعين وتحللين ..
فتفهمين كل كلمة على حدى .. لكنك لا تستطيعين ربط الكلمات ببعضها لتعطي جملة واحدة ..
قد شرعت في كتابتي .. رغم أني حاولت ألا أكتب إليك .. فكلما بدأت لا أنتهي .. بل أصل إلى منتصف الطرق .. لم أستطع أن أكمل رسالة واحدة أصف لكِ فيها حالي .. فعندما أبدأ .. يبدأ عداد زمني قصير .. معلنا نقطة الانصهار .. فتُنثر شظاياي في كل مكان .. فأجمع حطامي لأبد من الصفر مرة أخرى ..
سأصمت عند هذا الحد .. فالكلام هو الكلام .. مهما اختلفت الصيغة .. أو تغير الإعراب ..
ولا يبقى لي شيء .. سوى أن أطلب منك أن تدعي لي ..
بأن يرحمني الله ..
أمجد
وطبعاً هذه الرسالة لم تصل لميادة ..
لمـــــــاذا ؟؟؟
ترقبوا الجزء التالث
لـ د/ خالد بوشامات "
|