ركضت مزون وتخطت الخنساء إلي كانت تستند عالجدار... قامت تلتفت يمين ويسار تدور عليها... ولما طاحت عينها على جنب مظلم والخنساء كانت فيه تبكي بصمت... كانت الخنساء تعيد المشهد إلي كان فيه وليد معصب... ما تدري ليش تحس بالألم لهالنظرة الحزينة والعصبية؟!...
قربت مزون وهي تقول: يووووووه الخنساء شو يجلسك هنا... تعالي... تعالي...
الخنساء مسحت دموعها وناظرت مزون... مزون أول ما شافت الدموع...
قالت بعبوس: ليش تبكين؟!
ولما تذكرت إنها خلتها قبل لوحدها... أعتذرت ببراءة: آسفة... آسفة الخنساء خليتك وحدك... نسيتك... مازن كان...
وكأنها تذكرت وتداركت الكلام إلي كانت تبي تقوله قالت بلهفة: الخنساء... تعالي... تعالي... ما راح تصدقي من جاي...
مسكت يد الخنساء تحاول تسحبها لداخل: مفاجأة... بابا قال لمازن ومازن قالي مفاجأة... مفاجأة لك يا الخنساء...
وبعدها ضحكت بكل حلاوة وهي متحمسة: بس أنا بقولك... بابا قال خلي الخنساء تجي علشان يسوا المفاجأة لك... بس أنا بقولك... علاء وعماد وطارق وليلى وصلوا من صحار إلحين... تعالي... تعالي... شوفيهم...
وكانت تسحبها بكل لهفة... وصلوا للصالة وراحوا لمجلس الرجال الداخلي إلي كان فاضي من الحريم... ما فيه إلا سيف وخالد وهدى وأخوة الخنساء ونورة أمهم... الخنساء وقفت عند العتبة... ما تدري ليش لما إنحطت عينها على الأولاد أهتز شيء بداخلها... بس أغلقت تفكيرها وهي تتشبث بالدمية... سحبتها مزون لداخل أكثر...
مزون: تعااااالي... تعااااالي...
وبلحظة... بلحظة قفز علاء... وبدون أي كلمة من الجالسين... راح لها ولف يده حوالينها وشدها لحضنه...
همس وهو يبكي: الخنساء... كيف حالك يالخنساء؟! أشتقتلك... أشتقتلك...
وعماد وطارق بالمثل قربوا منهم ولموها لدائرة حضنهم... الخنساء كانت جامدة وهي تتلقهى هالترحيب... رفعت أنظارها لخالد وسيف بنظرة حايرة...
خالد قال بكل حنية: الخنساء... يا بنتي هذولا أخوانك... ما تذكريهم؟!
ناظرتهم الخنساء تتفحصهم... ورجعت تناظر عمها وهي تهز راسها بلا... جلسوها أخوانها جنبهم وهم يحكوا لها... وكل هذا ونورة ساكته ومو مبين من ملامحها أي شيء...
سألت الخنساء فجأة: أنت من؟!
وهي تسأل علاء... ورجعت تأشر عليهم واحد واحد: وأنت؟! وأنت؟! وآآآه هذي... بعد من؟!
قام سيف وعرفها عليهم بكل صبر...
الخنساء قالتها بعدها بحلاوة: أنا الخنساء... وهذا... ولدي... خالد...
وأشرت على الدمية بيدها...
قالت لطارق إلي كان قريب منها وإلي كان يناظر الدمية بحيرة... هو الطفل إلي الموقف كان بالنسبة له شاذ كيف لنورة إلي رفعت أنظارها للدمية وترفعها للخنساء إلي مشغولة بهددة خالد الوهمي...
ضحكت الخنساء شوي بخفوت وقالت بحلاوة وحنان: هو شوي يصيح... بس خلاص... هو يحب ماما... يسكت... ينام...
تجرع علاء ريقه... حس بألم... ألم ينغرز بقلبه... مسك يد الخنساء...
قال برجفة: الخنساء... هذا... هذا...
وما قدر يكمل... الخنساء ناظرته أول بعيون وسيعة متخوفة بس بعدها رجعت تحكي لهم بسوالف والله إنها لتقتل الواحد من الضحك بس... الوصف إلي ساد المكان ما كان إلا إنه ساكن... ساكن وهادئ ومميت بشكل مؤلم...
وقف سيف يقول: وين وليد يا مزون؟! مو قلت لك ناديه...
مزون قالت: بااااابا كله أنا...انا... مازن راح يناديه...
الخنساء تذكرت وليد لحظة بعدها قالت بعبوس: كان عند مسبح... بس هو عصب... زعل... الخنساء عند مسبح... خلاص أنا ما أحبه... هو عصب طيح خالد...
ما أهتمت أحد يفهمها أو يجاوبها لأنها لفت على الطفلة ليلى بين يدين أمها... مشت لها وابتسمت للطفلة... ناظرت نورة وإلي لحد إلحين مو مصدقة أبد إن هذي إلي واقفة قدامها هي الخنساء...
الخنساء مسكت يد ليلى وضحكت: الله... ما شاء الله حلووووه...
وقرصت خدودها بكل رقة وهي تضحك لها... ومدت يدها لنورة وهي تراويها خالد...
الخنساء: وهذا خالد... ولدي أنا... حلو صح؟!
نورة بدون ما تحس شفايفها رجفت وهي تناظر الدمية بيد الخنساء وكلها توتر... قالوا لها البنت جنت ومرضت... بس ما توقعت تستقبلها بنت زوجها المتوفى بهالإستقبال... هزت راسها تتجرع ريقها تفهمها إنها فهمت... جلست الخنساء جنبها وصارت بشكل غريب عن أهلها تسولف لنورة... مرة تضحك ومرة تعبس... ومرة تبوس ليلى بوسة خاطفة... ومرة تسأل أسئلة متابعة وطويلة لنورة... نورة تضطر تجاوب عنها بإختصار وتوتر...
دخل وقتها وليد وهو وجه متوتر... سلم عالأولاد بكل حرارة... رغم كل شيء يبقون أولاد عمه... أخوان الخنساء حبيبته... وريحة عمه الراحل... ناظر نورة وسلم عليها وعلى ليلى... أما الخنساء تحاشت تناظره...
وليد قال برقة للخنساء وهو ناسي عصبيته من قبل: الخنساء... تذكرين علاء... عماد وطارق... وليلى؟!
ما جاوبته الخنساء وعبست فوجهه وبصورة عفوية لفت يدها على يد نورة وتشبثت فيها... وكان رد نورة إنها إرتجفت...
قالت الخنساء بزعل: لا تكلم الخنساء... ما أبي...
وليد متفاجأ: ليش؟!
الخنساء: أنت عورتني... طيحت خالد...
وليد حاول يعتذر: أنا... آسفة الخنساء... ما دريت...
هزت الخنساء راسها بعناد وحطت يدها على أذنها كأنها تقوله " أنا ما أسمعك"...
ولفت لنورة قالت لها بكل رجاء وبراءة: قولي وليد أبعد... خلاص... خنساء تحبه لا... خالد بعد...
ارتجفت شفايف نورة وجمدت مكانها ما تدري شو تقول... الخنساء شجعتها تجاوب...
نورة قالت بتوتر وكأنها تساير الخنساء: خلاص وليد... خلـ... خليها على راحتها...
مافي أحد كان متاكد إن هذي هي نورة إلي تتكلم... وليد ناظر الخنساء لحظات طويلة وبعدها تنهد وبعد... أما الخنساء فبالسريع خطفت لحظة من الزمن... طبعت بوسة على خد نورة... وإلي حمرت بقوة... أبد أبد بحياتها ما توقعت هالشيء راح يصير لها... ومن منو؟! من الخنساء... الخرسا... أو إلي كانت خرسا... من بنت زوجها...
قالت الخنساء بهمس متقطع: شكــ...ـراً... أحبك... أنا...
ما ردت عليها نورة لأنها كانت فحالة من الإضطراب... ورجعت الخنساء تسولف لها...
.
.
ثقلت عيون الخنساء ووقفت تبي تطلع تنام... خلاص التعب أثقل حركتها... مشت للصالة وراحت المطبخ تبي تشرب ماي... سمعت صوت مألوف لها... رجعت تناظر من باب المطبخ إلي يوصل للمسبح... وعرفت بدر وهو يتكلم بالموبايل... ناظرته لحظة كأنها تفكر بوليد... وأتخذت قراراها... مشت له وهو توه مسكر موبايله ومدخله بثوبه...
وقف جامد لما شافها واقفة قدامه ماسكه بدميتها...
قالت الخنساء بتردد: أنت... ليش... عصبت... وليد؟!
بدر ما رد... ما عرف شو يقول...
الخنساء تقول بعبوس: وليد عصب... أنا... لأن أنت... عصبت وليد...
ولما شافته بعد يتكلم ضربت رجلها على الأرض بقهر... خلت عيون بدر تنفتح بحيره...
الخنساء صرخت بقهر: لا تعصب وليد...
وردت تأشر بإبهامها وتهدده: لا تعصب وليد... فاهم؟!
بدر حس بالشفقة عليها...
قال بكل هدوء: إن شاء الله ما بعصب بوليد...
الخنساء بتهديد أكبر: ولا تزعل... وليد...
هز بدر راسه بإن شاء الله... ورفع عيونه وطاحت فجأة على طيف كان يقرب منهم... كان وليد يرتجف من المشاعر... مشاعر الغيرة إلي نهشت صدره...
قرب وليد من الخنساء وضغط بقوة على كتوف الخنساء وقال بعصبية: شو تسوين... هنا؟!
ولف لبدر وقال من بين أسنانه: بدر...
بدر تكلم ببرود لما شاف العتب بعيون وليد: لا تقول حاجة يا وليد... داري زوجتك وحتى وهي بدون وعيها أنت بعرش قلبها متربع...
ولف تاركهم... وليد بدون ما يدري زاد ضغط على كتف الخنساء... وشدها له وهو يرتجف من الغيرة...
همس لها: أنا مو قلت الحوش ما تجينه؟! شو قلتي لبدر؟!
الخنساء أرتجفت بين يديه... أول مرة يعاملها بهالطريقة... أو لا عاملها من قبل بطريقة أزفت من هذي وندم... أيوه... ندم على كل لحظة...
..
"آآآآآه يا الخنساء... أرجوك أسمعيني... أسمعيني...سامحيني... ولا تعذبيني أكثر من كذا... كل ثانية وكل لحظة... أحس إني خنت عمي... خنته وهو إلي أمني عليك... أرجوووك ... أرجوووك... سامحيني... سامحيني..."
" قولي إنك سامحتيني... سامحتيني على كل شيء... قوليها... ما عدت قادر يالخنساء... ما عادت تكفيني الكلمات..."
"ما كفاك... حتى... بكل... نفس... باردة... تداويني...؟!؟!"
" أعيدها لك... أعيدها إني غلطان وأعترف... وما أطلب منك إلا السماح... سامحيني يالخنساء وريحيني..."
"لا تحاول... أنا ميته المشاعر وهمساتك هذي ما تنفعني... "
"تبيني أسولف لك بشو؟! بحركات يدي إلي تعتبرها عمتي مجنونة...؟! روح لنشوى وبتسولف لك بلسانها... وبلاش تبتلش بخرساء... "
"ما أبي إلا تمنحيني فرصة... نقدر فيها نبدا من جديد... أعذري فيني القساوة والألم إلي شهدتيه مني... أعذري فيني التسرع وأرحمي الندم إلي يسري فيني...أرجوك ما أبي منك إلا كلمة سامحتك نابعة من هنا..."
"هنــ من ــــــــــا... هنا... هنا"
..
أرتعشت الخنساء بشكل غير طبيعي... ووليد أكيد وهو بحالته إنعمى من شوفة الخوف بعيونها... والتعب يخدر أطرافها...
همس وليد بعصبية: جاوبيني يا الخنساء... شو كنتي تقولين لبدر؟!
الخنساء على ألم راسها رمت يده بطريقة عنيفة وشردت من بين يديه... تشبثت بخالد وتجاهلت وليد ولفت تهرب منه...
مسكها وليد بقوة وهي معطته ظهرها: الخنساء...؟!
قاطعته الخنساء وهي تلف له وتضربه على صدره... صرخت: لا... يدي... بعد... أحبك أنا لا... لا... لا... أنا أكرهك... أكرهك... أكرهك...
أرتجفت شفايف وليد ومسكها من زنودها... ضغط بكل قوة وهو ينحني لها... حتى إن الدمية خالد طاحت عالأرض وهذا للمرة الثانية...
همس بقهر: لا إنتي ما تكرهيني... ما تكرهيني...
وهي تتابع خالد بين رجولها ساكن... صرخت بقهر وشهقت بألم... ضربته... شمخته... رفسته... وكان مستحيل يتزعزع من مكانه... بالنهاية كان مستحيل تبقى على قوتها... أهتزت وبكت...
وليد أول ما شاف دموعها تنزل... ندم... ندم على كل إلي سواه... وإلي ما سواه... وشدها له لحضنه يطمنها... يحاول يهديها وينسيها ويغافلها عن تصرفه القاسي الهمجي... كان يحس بجسدها الصغير يرتجف بين يديه... وندم أكثر وأكثر إن هو سبب بكاها...
وهو يحاول يطمنها تفاجأ فيها دفعته بكل قوه بلحظة غافلته فيها... تراجعت ومسكت الدمية خالد...
صرخت بقوة: أكرهك... أكرهك... أنت... كنت أول... كذا... بعدين الخنساء حبيتها... بس كذبت وكذبت...
ولفت تركض... وليد تركها لحظات يحاول يهدي من نفسه بالأول... وبعدها يروح لها يلاطفها... يحاول يهديها... دخل من باب المطبخ وطلع للمجلس على طول...
الخنساء وقفت فالظلام وهي متخبية تشوف وليد يدخل المطبخ... وقفت تسكن نبضات قلبها الجنونية...
ناظرت البوابة الخارجية... مشت لها... كان تفكيرها منصب على إن البعد عن غضبه وحزنه وقهره وزعله هو منيتها بذاك الوقت... البعد أصبح رغبة تعتمل بقلبها... تبي تدور على مكان كان بعقلها دوم يتربع... تدور على بيت صغير... بسيط... فيه غرفتين وصالة... مطبخ صغير وحوش متوسط... بيت من الأحاسيس أنبنى... ومن العواصف أنهدم... بس وينه... وينه؟!
لفت الخنساء يمين يسار وهي توصل للبوابة الخارجية بعد ما أنسلت من عيون وليد... وقفت تفكر... من هنا... أو من هنا... أو من هناك...؟! وبالنهاية قادتها رجولها وإلي أخذت القرار والشور من خلفية عقلها النايم... وإلي فجأة إستيقظ لفكرة وصولها لهالبيت... لازم... لازم تروح لهالبيت... كان هو فيه... كان هو إلي رباها وكبرها وما طالبها بشيء...
مسكت خالد بكل قوة تستمد شجاعتها منه... والظلام بدا يبلعها بكل بطء...
|