يا بانِياً كُلَّ مَجدِ


يا بانِياً كُلَّ مَجدِ = وَهادِماً كُلَّ وَجدِ
جِسمُ السُرورِ سَوِيٌّ = مِن صَوغِ نُعماكَ عِندي




يا سُؤلَ نَفسي إِن أُحَكَّم = وَاختِياري إِن أُخَيَّر
كَم لامَني فيكَ الحَسودُ = وَفَنَّدَ الواشي فَأَكثَر




عَرَفتُ عَرفَ الصَبا إِذ هَبَّ عاطِرُهُ = مِن أُفقِ مَن أَنا في قَلبي أُشاطِرُهُ
أَرادَ تَجديدَ ذِكراهُ عَلى شَحَطٍ = وَما تَيَقَّنَ أَنّي الدَهرَ ذاكِرُهُ




لَو أَنَّني لَكَ في الأَهواءِ مُختارُ = لَما جَرَت بِالَّذي تَشكوهُ أَقدارُ
لَكِنَّها فِتَنٌ في مِثلِ غَيهَبِها = تَعمى البَصائِرُ إِن لَم تَعمَ أَبصارُ




أَلَم تَرَ أَنَّ الشَمسَ قَد ضَمَّها القَبرُ = وَأَن قَد كَفانا فَقدَنا القَمَرَ البَدرُ
وَأَنَّ الحَيا إِن كانَ أَقلَعَ صَوبُهُ = فَقَد فاضَ لِلآمالِ في إِثرِهِ البَحرُ




هَوايَ وَإِن تَناءَت عَنكَ داري = كَمِثلِ هَوايَ في حالِ الجِوارِ
مُقيمٌ لا تُغَيِّرُهُ عَوادٍ = تُباعِدُ بَينَ أَحيانِ المَزارِ




لَئِن فاتَني مِنكِ حَظُّ النَظَر = لِأَكتَفِيَن بِسَماعِ الخَبَر
وَإِن عَرَضَت غَفلَةٌ لِلرَقيبِ = فَحَسبِيَ تَسليمَةٌ تُختَصَر




أَقدِم كَما قَدِمَ الرَبيعُ الباكِرُ = وَاِطلُع كَما طَلَعَ الصَباحُ الزاهِرُ
قَسَماً لَقَد وَفّى المُنى وَنَفى الأَسى = مَن أَقدَمَ البُشرى بِأَنَّكَ صادِرُ




وَبِنَفسي وَإِن أَضَرَّ بِنَفسي = قَمَرٌ لا يَنالُ مِنهُ السِرارُ
جالَ ماءُ النَعيمِ مِنهُ بِخَدٍّ = فيهِ لِلمُستَشِفِّ نورٌ وَنارُ




هُوَ الدَهرُ فَاصبِر لِلَّذي أَحدَثَ الدَهرُ = فَمِن شِيَمِ الأَبرارِ في مِثلِها الصَبرُ
سَتَصبِرُ صَبرَ اليَأسِ أَو صَبرَ حِسبَةٍ = فَلا تُؤثِرِ الوَجهَ الَّذي مَعَهُ الوِزرُ




أَيُّها الظافِرُ أَبشِر بِالظَفَر = وَاِجتَلِ التَأييدَ في أَبهى الصوَّر
وَتَفَيَّأَ ظِلَّ سَعدٍ تَجتَني = فيهِ مِن غَرسِ المُنى أَحلى الثَمَر




أَتاكَ مُحَيِّياً عَني اِعتِذارا = عَذارى دونَهُ ريقُ العَذارى
تَخالُ الشَهدَ مِنهُ مُستَمَدّاً = وَنَفحَ المِسكِ مِنهُ مُستَعارا




أَفَدتَني مِن نَفائِسِ الدُرَرِ = ما أَبرَزَتهُ غَوائِصُ الفِكَرِ
مِن لَفظَةٍ قارَنَت نَظيرَتَها = قِرانَ سُقمِ الجُفونِ لِلحَوَرِ




سَأَقنَعُ مِنكِ بِلَحظِ البَصَر = وَأَرضى بِتَسليمِكِ المُختَصَر
وَلا أَتَخَطّى التِماسَ المُنى = وَلا أَتَعَدّى اِختِلاسَ النَظَر




وَرامِشَةٍ يَشفي العَليلَ نَسيمُها = مُضَمَّخَةُ الأَنفاسِ طَيِّبَةُ النَشرِ
أَشارَ بِها نَحوي بَنانٌ مُنَعَّمٌ = لِأَغيَدَ مَكحولِ المَدامِعِ بِالسِحرِ




ما جالَ بَعدَكِ لَحظي في سَنا القَمَرِ = إِلّا ذَكَرتُكِ ذِكرَ العَينِ بِالأَثَرِ
وَلا اِستَطَلتُ ذَماءَ اللَيلِ مِن أَسَفٍ = إِلّا عَلى لَيلَةٍ سَرَّت مَعَ القِصَرِ




عِذَري إِن عَذَلتَ في خَلعِ عُذري = غُصُنٌ أَثمَرَت ذُراهُ بِبَدرِ
هَزَّ مِنهُ الصَبا فَقَوَّمَ شَطراً = وَتَجافى عَنِ الوِشاحِ بِشَطرِ




وَلَيلٍ أَدَمنا فيهِ شُربَ مُدامَةٍ = إِلى أَن بَدا لِلصُبحِ في اللَيلِ تَأثيرُ
وَجاءَت نُجومُ الصُبحِ تَضرِبُ في الدُجى = فَوَلَّت نُجومُ اللَيلِ وَاللَيلُ مَقهورُ




بَنَيتَ فَلا تَهدِم وَرِشتَ فَلا تَبرِ = وَأَمرَضتَ حُسّادي وَحاشاكَ أَن تُبري
أَرى نَبوَةً لَم أَدرِ سِرَّ اِعتِراضِها = وَقَد كانَ يَجلو عارِضَ الهَمِّ أَن يَدري




كَأَنَّ عَشِيَّ القَطرِ في شاطِئِ النَهرِ = وَقَد زَهَرَت فيهِ الأَزاهِرُ كَالزَهرِ
تُرَشُّ بِماءِ الوَردِ رَشّاً وَتَنثَني = لِتَغليفِ أَفواهٍ بِطَيِّبَةِ الخَمرِ




رِضاكَ لَنا قَبلَ الطَهورِ مُطَهِّرُ = وَقُربُكَ مِن دونِ البَخورِ مُعَطِّرُ
فَلَو عَزَّ حَمّامٌ لَأَدفَأَنا ذَرىً = يَفيضُ بِهِ ماءُ النَدى المُتَفَجِّرُ




يا مُخجِلَ الغُصُنِ الفَينانِ إِن خَطَرا = وَفاضِحَ الرَشإِ الوَسنانِ إِن نَظَرا
يَفديكَ مِنّي مُحِبٌّ شَأنُهُ عَجَبٌ = ما جِئتَ بِالذَنبِ إِلّا جاءَ مُعتَذِرا




يا مَن غَدَوتُ بِهِ في الناسِ مُشتَهِراً = قَلبي عَلَيكَ يُقاسي الهَمَّ وَالفِكَرا
إِن غِبتَ لَم أَلقَ إِنساناً يُؤَنِّسُني = وَإِن حَضَرتَ فَكُلُّ الناسِ قَد حَضَرا




أَكرِم بِوَلّادَةٍ ذُخراً لِمُدَّخِرٍ = لَو فَرَّقَت بَينَ بَيطارٍ وَعَطّارِ
قالوا أَبوعامِرٍ أَضحى يُلِمُّ بِها = قُلتُ الفَراشَةُ قَد تَدنو مِنَ النارِ




أَدِرها فَقَد حَسُنَ المَجلِسُ = وَقَد آنَ أَن تُترَعَ الأَكؤُسُ
وَلا بَأسَ إِن كانَ وَلّى الرَبيعُ = إِذا لَم تَجِد فَقدَهُ الأَنفُسُ




عُمِّرَ مَن يَعمُرُ ذا المَجلِسا = أَطوَلَ عُمرٍ يُبهِجُ الأَنفُسا
وَبَعدَ ذا عُوِّضَ عَن دارِهِ = عَدناً وَمِن ديباجِهِ السُندُسا




أَسَقيطُ الطَلِّ فَوقَ النَرجِسِ = أَم نَسيمُ الرَوضِ تَحتَ الحِندِسِ
أَم نِظامٌ لِلَآلٍ نَسَقٍ = جامِعٍ كُلَّ خَطيرٍ مُنفِسِ




قَد عَلِقنا سِواكِ عِلقاً نَفيساً = وَصَرَفنا إِلَيهِ عَنكِ النُفوسا
وَلَبِسنا الجَديدَ مِن خِلعِ الحُ = بِّ وَلَم نَألُ أَن خَلَعنا اللَبيسا




ما عَلى ظَنِّيَ باسُ = يَجرَحُ الدَهرُ وَياسو
رُبَّما أَشرَفَ بِالمَر = ءِ عَلى الآمالِ ياسُ




يا مُعطِشي مِن وِصالٍ كُنتُ وارِدَهُ = هَل مِنكَ لي غُلَّةٌ إِن صِحتُ واعَطَشي
كَسَوتَني مِن ثِيابِ السَقمِ أَسبَغَها = ظُلماً وَصَيَّرتَ مِن لَحفِ الضَنى فُرُشي