03-28-2011
|
#17
|
•√♥ بقاياحلم ♥√•
.:الجزء السادس (6):.
لم تكن منال و ليال كأي توأمين.
فإحساس إحداهما بالأخرى تعدى حدود المعقول.
ففي غرفة النوم, أصرت الأم على أن يكون لكل منهما فراش منفصل.
لكن هذه الرغبة لم تتحقق.
إذ كانت تستيقظ كل يوم فتجدهما في سرير واحد.
كان الجو العام في كلا القصرين سعيدا إلى حد ما, فمنزل عادل كان الأكثر اكتظاظا بالأولاد.
أما منزل تركي فلا يقطنه إلا هو وزوجته وحفيدهما وعدد من الخدم.
كان الأطفال يلهون دوما في الحديقة.
لكنهم لم يحبوا جاسر كثيرا إذ كان لا يختلف عن السيد تركي في علو صوته وعصبيته وقلة احترامه للآخرين صغارا كانوا أو كبارا, حتى إنه كان يتلذذ بمضايقة الأطفال وضربهم.
وحين انهالت شكاوى الأمهات على السيد عادل, مطالبات بوقف جاسر عند حده, اقترح على أخيه أن يعرض جاسر على طبيب نفسي خاص بالأطفال.
رد تركي:
- وش تقول ياخوي؟
اذكر الله, ولدي عقله يوزن بلد, هو بس طبعه شديد وينفعل لما يلعب مع الصغار, لا تشغل بالك فيه.
كأنه يقول له بمعنى آخر:
- لاتتدخل في ما لا يعنيك.
برغم مرور نحو عامين, لم يتغير سلوك جاسر مع أطفال العائلة, فازداد كرههم له, بعدما أضحى أكثر عنفا وتهورا.
في ذلك الحين فكر السيد تركي مليا في مسألة عرضه على طبيب مختص, وبخاصة بعد وقوع بضعة حوادث متتالية, أبرزها ضرب أكثر من طفل وكسر أنف أحدهم.
وهذا ماحصل.
صحب جاسر بدون علم أحد إلى الطبيب الذي استنتج عقب المعاينة, أن الفتى يعاني ميولا عدوانية شديدة لعدم إحساسه بالأمان, والسبب أنه فقد والده وهو صغير, وكبر يتيما, ووالدته تزوجت وفضلت رجلا آخر عليه.
وذات يوم جمعة, كان الأطفال كالعادة يمرحون ويتسابقون, وتردد أصداء صخبهم البريء في رحاب المكان.
فــجــأة ركضت ليال لتسأل والدتها:
- ماما وين منال ماني لاقيتها.
كنا نلعب وبعدين اختفت.
ردت الأم في ذعر:
- كنتو بتلعبوا حد الشلال؟
فأجابت ليال وصوتها يرتجف خوفا:
- مــا أدري ... مــا أدري.
نهضت الأم مسرعة تبحث عن ابنتها بجوار الشلال ودموعها منهمرة.
وهب الجميع للبحث عن الملاك الصغير, إلا جاسر الذي رأته ليال ينسحب نحو منزله على رؤوس اصابعه, كأنه أراد ألا يلحظه أحد.
لم تعره اهتماما, وتابعت البحث عن أختها حتى قادتها قدماها إلى غرفة والديها لتسمع أنينا وبكاء مصدرهما خزانة الملابس الخاصة بأبيها.
ففتحتها لتجد منال مختبئة مرتعبة, فسألتها:
- وش فيك, ليش تبكين؟
غمرت منال أختها وألقت رأسها على كتفها كأنها تحتمي بين ذراعيها, وقالت:
- ما تخليني.
احضنيني بقوة.
أنا خايفة.
- خايفة من أيش؟
عمرك ما تخافي وأنا جنبك علميني وش صار؟
- جاسر قليل أدب ما يستحي.
كنا نلعب وبعدها قال لي تعالي بوريك شي.
ولما صرنا لحالنا قال لي أنتي لي أنا, وأنه يحبني.
ولما قلت له يبعد ويخليني أروح وأني ما أحبه, بدا يشد شعري ويضربني, ويقول لي أنا رجال الحين.
وما أدري كان شكله غريب.
وكان كله يصب عرق.
الحمدلله إني قدرت أهرب منه وركضت على هنا, المكان الوحيد اللي ما حيقدر يدخله هو غرفة نوم أبوي وأمي.
طمأنتها ليال وأخذتها حتى تغسل وجهها, وهاتفت والديها كي يطمئنا.
لم تنتظر أن تحكي ما حدث لوالدها بل ذهبت إلى منزل السيد تركي, ودخلت عليه غير مبالية برد فعله وغطرسته:
- عم تركي أنت تحبنا؟
بدا باردا وهو يسمع السؤال, وجوابه يفوقه برودة:
- جايتني الحين عشان تسأليني أحبكم.
إيه أحبكم.
في سؤال ثاني؟
- وتقبل إن أحد يغلط على بنات أخوك؟
- هذا الي ناقص بعد.
- وإذا عرفت بتوقف معنا؟
- أكيد طبعا.
- عشان كذا انا جيتك لأني أعرف انك ماترضى الغلط حتى ما رحت لجدي أو أبوي.
- أحكي وش صار؟
- جاسر ضرب منال, وقال لها حكي عيب يقوله أحد من عائلة حمد.
مابالك وأنت اللي مربيه ياعمي.
المفروض يكون هو اللي يعلمنا الأدب.
بذكاء مبطن, قدمت ليال إليه الإساءة والتوبيخ على طبق الكلام المعسول.
وقد استوعب تركي ماجرى, وقرر أن يتخذ موقفا قويا عندما يقابل شقيقه عادل ووالد منال, وهكذا كان.
فقد أقر بأن جاسر يعالج لدى طبيب نفسي, وهو يعاني بعض الاضطرابات النفسية لفقدانه والده ووالدته.
وسيتعافى بعد خضوعه لبعض جلسات.
ولم يكتف بذلك التوضيح, بل أجبر جاسر على الاعتذار إلى منال ووالدتها.
لكن توضيح السيد تركي لم يتضمن الحقيقة كاملة.
فجاسر كان يعاني مشكلات نفسية معقدة تستدعي جولات علاج طويلة لاجلسات معدودة.
في ذلك الحين, كان جاسر قد أتم الثالثة عشرة والفتاتان التوأمان الأحد عشر عاما.
|
|
|
|