03-28-2011
|
#13
|
•√♥ بقاياحلم ♥√•
.:الجزء الخامس (5):.
صباح كل يوم جمعة كان أشبه بأيام العيد, إذ يجتمع الأولاد والأحفاد في المنزل الرحب, ليلعبوا ويسبحوا ويلهوا في جو من السعادة والمرح.
كان ذلك تقليدا أقامه الجد الأكبر وحافظت عليه أجيال العائلة.
لم يتغيب الشقيقان عادل وتركي يوما عن هذا التجمع الأسبوعي إلا نادرا.
كانت سيدات المنزل يعتنين بالطعام والبرنامج الترفيهي للأطفال, والخدم والطهاة والعمال الآخرون يتلقون الأوامر ويطبقون التعليمات.
أما رجال العائلة فكانوا معنيين بالتأكيد أن جميع المدعوين سيحضرون.
وكانت السيدة نوارة زوجة احمد مبدعة دوما في تهيئة طفلتيها لهذه المناسبة, فتدربهما على عزف البيانو, وعلى أداء أغنية معبرة غالبا هي للسيدة فيروز.
ويروح الصغار يتبارون متحمسين هاتفين عندما يفوز احدهم في مسابقة السباحة أو في ركوب الخيل.
وحده جاسر كان لا يشاركهم في اللعب, بل يبقى مع جده على الدوام.
لم يتفق جاسر كثيرا مع أولاد اعمامه.
كان سليط اللسان, شرسا, طويل اليد, لا يتمتع بأي ميزة غير أنه يملك من الألعاب والصلاحيات ما لا يملكه أي طفل في مثل عمره.
لذا أعجب به الكثيرون ممن هم أصغر منه سنا, إلا بسام الذي كان يراه متعجرفا متكبرا, ويتفادى الاحتكاك به مفضلا قضاء معظم الوقت مع أولاد أنسبائه الآخرين, وخصوصا منال التي هي أقربهم إليه.
كان بسام ومنال منذ الصغر شديدي الارتباط أحدهما بالآخر.
وكانت السيدتان نوارة وسارة تتبادلان الدعابات عندما تريان الصغيرين منهمكين باللعب معا, في الحديقة, فتقول نوارة لسارة:
- هالشي مابيصير.
لازم تتقدموا رسمي وتخطبوها.
ترد سارة:
لاياحبيبتي, ولدي بكرا البنات بتركض وراه.
وتنتهي الدعابة بضحكة مشتركة.
لكن الذي في داخل كل من بسام ومنال كان أصدق من تلك الضحكة.
كانت ليال على عكس أختها, فمسألة الإعجاب بأحدهم لم تكن أهم ما يشغلها.
فاللعب وتحدي الأطفال وركوب الخيل والسباحة محور اهتمامها.
منذ الصغر تحلت بشخصية قوية.
لم تمش يوما ناظرة إلى الأسفل حياء.
مثل بقية الأطفال.
فدوما كان رأسها مرفوعا, تنظر إلى من يحادثها, ترد على من لا يعجبها كلامه, من دون أن تتجاوز حدود الأدب.
لذا كان السيد احمد يتباهى:
- بنتي ماينخاف عليها لو إنحطت بين مليون رجال.
فليال تكبر منال بعشر دقائق وتفوقها حدة وجرأة, حتى شعرها المتموج يترجم حماستها الدائمة واندفاعها الملحوظ, فهي الثائرة المتقنة لكل ماتحب.
وإذا لم يعجبها أمر ما فلا تنفذه إلى أن تقتنع.
أما منال فكانت هادئة ذات ملامح ملائكية ونطرات بريئة, وكان شعرها الناعم يعكس رقة طبعها.
ومن فرط حيائها, كانت منال في معظم الأحيان, الحاضرة الغائبة, وليال المتحدثة والمجيبة عن نفسها وعن أختها.
وعُرف السيد أحمد بأنه لين الطباع, مهذب, حنون, يحترم نفسه والآخرين, وهو محل تقدير لدى عارفيه وأصدقائه.
وكان ارتباطه بوالده ارتباط الروح بالجسد.
فلم يخذله يوما.
وكانت زوجته السيدة نوارة فائقة الجمال, طولها ينافس قوام عارضات الأزياء, شعرها أسود منسدل كشعر الحصان, عيناها عسليتان تشبهان عيون النمور في حدتها.
وهي الحب الأول والأخير لأحمد, والمثال الأعلى لطفلتيها في الأناقة وحسن التصرف.
وعلى الرغم من وجود مربية للفتاتين التوأمين هي حميدة, فضلا عن خدمات للتنظيف وللشؤون المنزلية الأخرى, لم تسمح لأحد بأخذ مكانها أو القيام بأي دور يجب أن تقوم به سيدة المنزل.
فهي التي تطعمهما, وتصحبهما إلى المدرسة في أول أيام الدراسة.
وهي التي تراجع معهما دروسهما.
ورابع المستحيلات أن تشاهد الطفلتان أي فلم قبل أن تراه الأم أولا حتى تتأكد أنه خال من مناظر مبتذلة أو من كلمات قد تخدش نقاء ابنتيها.
وإن مرضت إحداهما كانت تلازمها إلى أن تتعافى.
حتى إن ليال ومنال كانتا مقتنعتين تماما بأنهما إذا وضعتا رأسيهما على حضنها, فستستريحان حتما, أو إذا لمست يداها مكان الألم فسيزول من شدة حبها وحنانها.
|
|
|
|