فإذا كان الأمر كذلك ، فليحذر المسلم من اطلاع ربّه عليه ومراقبته له ، فلا ينفعه الاستتار بقفل الأبواب ولا الاستتار بظلام الليل!
{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الارْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } لقمان ( 16) .
وليحذر الذين ينسجون خيوط المؤامرات في جنح الظلام ويتربصون بالبلاد والعباد شراً ، فإنّ الله عالم بهم ، مطلع عليهم ، فأنى لهم أن يستتروا منه تعالى وهم خلق من خلقه فوق أرضه وتحت سمائه ؟!
( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ) أي نهيئ لك أسباب الفلاح ، وطرائق النجاح من العمل الصالح والقول السديد . وكل من أراد الله به خيراً يسره لليسرى شريطة أن يكون لديه الرغبة الصادقة في استصلاح نفسه وإنقاذها .
وأما من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني فليس له من البشارة حظ ولا نصيب !!
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إنّ السفينة لا تجري على اليبس
وفي الحديث الصحيح ([1]) :
عن علي رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟! قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له , أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ
( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) إلى قوله ( فسنيسره للعسرى )
( فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى) إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم وكلُّ من ورث عنه علماً أن يبادر إلى الوعظ والتذكير بوجوب الإيمان بالله وتوحيده وامتثال شرائعه وأوامره ، والانتهاء عن زواجره ومناهيه ، وأنّ هذه الذكرى سينتفع بها من عظّم الله وآمن بلقائه وخشي عقابه وعذابه .
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الأنفال (2) . فما أكثر ما ترق قلوب الموحدين العارفين !
وما أكثر ما تذرفُ دموعُهم خشوعاً لله وخوفاً من لقائه تعالى؛ فكان من حقهم أن يلتزم أهل العلم والدعاة بوعظهم وتذكيرهم على الدوام ليظلوا ثابتين على الصراط مصممين على مواصلة الطريق!
( وَيَتَجَنَّبُهَا الاشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى)
وثمة صنف آخر من الناس لا تنفع معه موعظة ، ولا يجدي فيه نصح فهو جبّار مستكبر ، معاند متمرد ، مغتر بسلطانه وجاهه ، أو بماله وولده أو بشبابه وقوته وما درى المسكين أنّ كل ذلك لا يغني عنه شيئاً متى حلت به النقمة أو نزل به العذاب ؟! .
فلا السلطان ينفعه ، ولا الجاه ينصره , ولا المال يفيده , ولا الولد ينجيه!
فهل أغنى عن فرعون سلطانُه وملكُه ؟!
وهل أغنى عن قارون مالُه وجاهُه ؟!
وهل أغنى عن عاد بطشُها وجبروتُها ؟!
وهل أغنى عن الاتحاد السوفيتي البائد عتاده وطائراته وسلاحه الذري ؟!
وما العقوبات الدنيوية التي حلت بهؤلاء الطواغيت من أفراد ودول إلا نزرٌ يسيرٌ ممّا أعدّه الله لهم في الآخرة حين يصلون النار الكبرى فلا يموتون ليستريحوا ولا يحيون ليسعدوا بل هم في شقاء دائم , وعذاب مستمر !!
يتبع
|