هِدَايـــةُ الآيـــات :
في هذه السورة الشريفة ، يرشد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه إلى تسبيحه- جل وعلا- أي تنزيهه عما لا يليق بجلاله وعظمته ذاكراً جملة من أفضاله على عباده فهو الذي خلق فسوّى, وهو الذي قدرفهدى, وهو الذي أخرج المرعى, أي امتن على عباده بهذه المخلوقات العظيمة وسخرها لهم
كما قال : {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ }
وفوق خلقها سواها سبحانه متقنة متناسبة تسد حاجاتهم ، وتلبي رغباتهم .
( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) أي جعل كلّ مخلوق وفق تقدير ملائم ، وهدى كل كائن إلى أسباب بقائه ، ووسائل صلاحه
كما قال تعالى :{ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } طه (50) .
ومن ذلك علّم الحيوان كيف يأكل ويشرب ويتناسل مع افتقاده للعقل والتدبير !
( وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى) : أي أنزل المطر؛ فسلكه ينابيع في الأرض ثم أخرج به هذه الأعشاب والزروع التي ترعاها الأنعام والدواب ، وقد كانت قبل ذلك جرداء يابسة لا روح فيها ولا حياة!
وهذه الآية بالذات كثيراً ما يسوق القرآن مثيلاتها للدلالة على وجوب البعث ويدعو من خلالها الملاحدة والمكذبين إلى التفكر فيها والاستدال بها على إمكانية بعثهم من جديد ولكن :
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخُ في رماد
( فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى) أي بعد اخضرار النبات ، وتفتح الواحات ، وخصوبة المراعي ، عاد النبات هشيماً ، والواحات يباباً , والمراعي جَدْبَة قاحلة ، فهكذا الدنيا ، لا تدوم على حال بل هي كثيرة التحول سريعة الاضمحلال !
وعلى العاقل أن لا يغتر بجمالها وزينتها فينصرف عن العمل لآخرته ، والاستعداد لها بالباقيات الصالحات . وما أكثر من تغرهم الدنيا ببهارجها، وزخارفها ، فيغرقون في زينتها وشهواتها ، ويعبون من لذاتها ومتاعها ، وينسون آخرتهم . فلا تخطر لهم على بال فإذا بالموت يفجؤهم على حين غرة فيختطفهم من بين أكتاف أموالهم ، ومن وسط قصورهم وبساتينهم ومن بين أولادهم وأزواجهم وخدمهم وحاشيتهم ، فيذرهم جيفاً هامدةً ، وجُثثاً منتنة لا روح فيها ولا حياة !
{ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } سبأ (19)
فهل يتفكر الناس في هذه الحقيقة , ويستعدون لما أمامهم ؟!
( سَنُقْرِئكَ فَلا تَنسَى إلا مَا شَاء اللَّهُ ) وهذه بشارة لنبينا صلى الله عليه وسلم , بأنّ الله تعالى سيحفظ له القرآن في صدره فلا يحصل منه نسيان إلا ما استثناه الله تعالى بحكمته وإرادته ، وهي بشارة للأمة وطمأنة لها بأنّ نبيها الكريم لم يُخلّ في التبليغ ولم ينقص حرفاً واحداً مما أوحاه الله إليه.
( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ) المقصود بيان سعة علمه تعالى وأنه أحاط بكل شيء علماً فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء
وهو القائل : {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } الأنعام (59) .
فإذا علم كلّ هذا ؟ فما الذي خفي إذاً ؟! والجواب : لا يخفى عليه شيء –سبحانه- فقد علم ما كان وما يكون, وما لم يكن لو كان كيف يكون !
يتبع
|