حين نظر إليّ الامتنان

حين نظر إليّ الامتنان
لم يتكلّم
لم يُربّت على كتفي
لم يُهدهد وجعي

بل اكتفى بأن يكون
كضوءٍ خافتٍ في عينيه
كصمتٍ يُشبه العناق
كحضورٍ لا يُفسّر

لم يقل "شكرًا"
ولم يكتب لي رسالة
بل مرّ بي
كما تمرّ نسمةٌ تعرف الطريق إلى قلبي
دون أن تُطرق الباب

الامتنان لا يُقال
لأنه لا يحتاج إلى صوت
هو ذلك الشيء الذي يُشبه الاعتراف
لكن دون كلمات
ويُشبه الحب
لكن دون شروط

حين نظر إليّ
عرفت أنني لم أكن وحدي
وأن ما فعلته
لم يكن عبورًا عابرًا
بل أثرًا يسكن في أحدهم
كما يسكن الضوء في العين

كان يمسك بي
لا ليُقيّدني، بل ليُثبت أنني كنت هناك
أنني لم أكن حلمًا مرّ
ولا ظلًّا عبر
بل أثرًا يسكنه كما يسكن الضوء في العين

لم أرغب بالهروب
لأنني لم أشعر بالخوف
بل شعرت أنني أُرى
كما لم أُرَ من قبل
كأنني كنت كتابًا مفتوحًا
يُقرأ دون استعجال
ويُفهم دون شرح

أردته أن يكون في قلبي
لا ضيفًا، بل مقيمًا
أن يسكن نبضي
ويُعيد ترتيب فوضاي
أن يُربّت على وجعي
لا ليُسكتني
بل ليُصغي إليّ كما يُصغي الليل للنجوم

وفي نظراته
وجدت ما به حلمت
لا كلمات
ولا وعود
بل صدقًا يُشبه المطر حين يأتي دون إنذار
ويغسل كل ما علق في القلب من غبار

كان حضوره
أكثر من حضور
كان اعترافًا
بأنني أستحق أن أُحَبّ
دون أن أُشرح
ودون أن أُختصر

كان أكبر من الامتنان
لأنه لم يكن ردّ فعل
بل كان فعلًا خالصًا
كأنّ روحه امتدت إليّ
قبل أن تمتد يده
كأنّ عينيه قالت كل ما عجزت عنه اللغة
دون أن تنطق

كان أكبر من الشكر
لأنه لم يُقصد
ولم يُرتّب
بل حدث كما يحدث الضوء
حين ينساب على وجهٍ يعرف الحزن
ولا يُعلنه

كان أكبر من العناق
لأنه لم يُغلقني
بل فتحني
على نفسي
على ما لم أكن أعرف أنني أحتاجه

كان أكبر من الكلمات
لأنه لم يُقال
بل عُبر عنه
بصمتٍ يُشبه الاعتراف
وبنظرةٍ تُشبه النجاة

كان أكبر من الامتنان
لأنه لم يُشعرني أنني فعلت شيئًا
بل أنني كنت شيئًا
أنني كنت موجودًا
أنني كنت مرئيًا
أنني كنت كافيًا

منقول
راق لي