مدحُ قريبٍ أديبٍ/ الأكثم
مدحُ قريبٍ أديبٍ تقادَمَ عهدي به:
سَلِي الدّارَ لُبنى رَبعَها المُتَبَسِّطا
وأيّامَ لَهوٍ قد قَضَت وَتَغَبُّطا
وما راعَني مِنها سوى مشدويَّةٍ
على الغصنِ أبكت جَفنَهَا المُتَهَبِّطا
فقلتُ لها: هيَّجتِنِي بعدَ سَلوَةٍ
وإنٍي لَباكٍ عَهدنَا المتشحِّطا
فَهل تَرجِعُ الأيّامُ إذ نحنُ جيرةٌ
وَلُبنى تُريني قِلدَها المُتَقَرِّطا
وَمِن كَلِمٍ باحَت بهِ بعدَ غضّةٍ
فَلَم يَكُ إلّا لؤلؤًا مُتسقّطا
وأيّامَ لُبنى إذ تَقومُ لحيِّنا
وما زلتُ مُسودّ الثّغامِ مُمَلَّطا
لياليّ نرعى السّفحَ في غيرِ كُربَةٍ
وما زِلتُ مِنها مُشبِقًا مُتَعفِّطا
ولو أنّها قامت إلى رأسِ شاهِقٍ
تغوَّرَ حتّى عادَ مِنها مُبسَّطا
وما ذاكَ إلّا أنّ كفلَي لُبينَةٍ
إذا أقبلت مالا رُجًى وَتَخبُّطا
إذا قَطَعَت حيًّا تضوّع طيبُها
لها المِسكُ في أردانِها مُتحوِّطا
شآمِيّةً جلّت عَنِ السّوءِ عِفّةً
منعَّمَةً هونى التّعوّجِ والخطى
إلى مِثلها أصبو وكلّ مُغطرَفٍ
إذا راعَهُ الصّبا أبى ثمّ أربِطا
وَفِتيانِ صِدقٍ تَحسِبُ الجودَ دأبَهم
إذا شَرِبوا كأسًا أمزّ مُسَفنَطا
يَدورُ عليهم بالمَكوكِ مُنطِّفٌ
شمائلُهُ طابت لِمَن كان ألوطا
يُسرُّ إذا أبديتَ شَبقًا لِكفلِه
وإن مِستَها أبدى الرضا وتشرمطا
يُبادِرنا كأسَ الصّبوحِ وآخرٌ
يُناشِدُنا: حُبٌّ لِلُبنَةَ أشمِطا
كأنّ حُبابَ الخَمرِ بعدَ انسكابِهِ
عبائِبُ يَمٍّ مُزبِدٍ هاجَ مُشطِطا
وساحَةِ حَربٍ تَنظُرُ الجُندَ وَسطَها
بَيادِقَ تُردي خَصمَها المُتَحَلِّطا
عَلوتُ بِهنّ كلّ قلعة سيّدٍ
وأثنيتُهُ عن عَزمهِ فَتَقَنَّطا
وَكَم خُضتُ في صفّ العِدى وَرَكِبتُهم
وأصرفتُ في أيري اللذاذةَ مُغبَطا
وَليلَةِ هَمٍّ قد دَلفتُ لِمثلِها
مُناجِيَةً تهدي إلى الحَفرِ مَكشَطا
تَخالُ لَها لمّا تَجاوَزتُ مِرفقًا
يُشَدُّ وقائِمًا أَخفَّ مُنوَّطا
عَليها فَتًى لم يدنُ قطُّ لِريبةٍ
وَيلقَى صروفَ الدّهرِ أجلدَ أسلَطا
سَعيتُ بِها عِندَ الهُمامِ ابنِ عَلقَمٍ
تُرجّي لَديهِ جُودَهُ المُتَفرِّطا
أعزُّ جَوادٍ يَبذُلُ المالَ حبوَةً
إذا غيرُه عن مالِهِ قد تَقَحَّطا
وَيَقسُطُ بينَ النّاسِ في كلّ حادِثٍ
وما كانَ في مالٍ لَهُ مُتَقسِّطا
إذا نُودِيت شُمُّ الأنوفِ إلى نَدًى
لما كانَ فيهم مُمنعًا وَمثبَّطا
إذا أقصَرَت كفٌّ وَأَقبضَ باسِطٌ
على الجودِ كانَ المُقدِمَ المُتنشِّطا
وإن غابَ عَنّي أصلُهُ فَمَكارِمٌ
وَسمحٌ لَهُ في النّاسِ زادَهُما العَطى
يُخبِّرنَ عنهُ إن تساءلتُ بَيتَهُ
فَهنّ لهُ أصلٌ إذا قامَ مُرهِطا
وما كنتُ إن دانَ الزّمانُ بجاذِلٍ
ولا عَتِبٍ لمّا قضى مُتَسَخَّطا
ولكنّني لمّا رأيتُكَ أمّلت
رِكابي وحنّت للسّقى مِنكَ والغِطى
خُرِقتُ مِنَ البلوى وأخلِقَ مَسعَدي
فكن مِنهُما تُبدي الجديدَ المُخيَّطا
وَبدِّلهُ دهرًا لم أجد بهِ لذّةً
أرى سَعَدَ الأيّامِ بالنّحسِ أخلِطا
وَهبني أخا خَفقٍ فأنتَ جعلتَني
على حادِثاتِ الدّهرِ نائِمَ أمغطَا
وأنت امرؤٌ تبدي الجميلَ وَتنثَني
عَنِ القولِ: جَدّي كانَ للجودِ مَربطا
وما نَسَبُ الفتى لَهُ خَيرُ مفخَرٍ
إذا جانب الفعلَ الصّوابَ المُصرَّطا
فَمِثلُكَ مَن أسعى إليهِ لِنجدَةٍ
وَمثِليَ مَن أعلى الرّجالَ وأسقَطا
رَفعتُ بِشعري ذِكرَكَ الدّهرَ كُلَّه
بِأبياتِ صِدقٍ كالقلادِ مُسمَّطا
إذا مِتّ يبقينَ الزّمانَ نواطِقًا
لِجودِكِ شُمًّا خالِداتٍ وَضبَّطا
مَدَحتُكَ حقًّا أن رأيتُ وَجوبَها
قصائِدُ يخددنَ العُلا فالموسَّطا
- الأكثم
!!!
أقف على خاصرة الدهشة بثلاث نقاط...
|